كونوا دعاة للإسلام بغير ألسنتكم وحافظوا على قيمكم

كونوا دعاة للإسلام بغير ألسنتكم وحافظوا على قيمكم
هذا اللقاء الذي ألتقي فيه معكم بعقلي وقلبي وروحي وكل مشاعري، مع هذا البعد الشاسع في المكان، أحب أن أتحدث إليكم، حديث العقل للعقل، وحديث القلب للقلب، فنحن نواجه عالماً تتنوع فيه الأزمات، وتفترس فيه المشاكل كلّ أوضاع السلام، ويعيش الإنسان فيه هنا وهناك في متاهات الاستكبار العالمي الذي يحاول أن يفرض نفسه بكل مواقع القوة عنده على عالم المستضعفين، ليصادر ثرواتهم ويبعثر أوضاعهم، وليفترس أمنهم ويسقط سياستهم، وليجعلهم تحت وطأة العولمة التي هي الصرعة الجديدة في هذه المرحلة، ليضعهم على هامش رخائهم وأطماعهم وامتيازاتهم التي فرضوها على المستضعفين كلهم.
اللقاء على الكلمة السواء
إننا نعيش في هذا العالم الذي يفترس فيه القويُّ الضعيف، والذي يواجه فيه الناس، ولا سيما في شرقنا العربي والإسلامي، الكثير من المشاكل والأزمات، وتتحرك فيه الخلافات التي تتخذ سمة طائفية تارة، ومذهبية أخرى، وعرقية ثالثة، وحزبية سياسية وعائلية في هذا الموقع الصغير وذاك الموقع الصغير، وإقليمية في هذا القطر وذاك القطر، بحيث تأكل القضايا الخلافية القضايا الوحدوية. فكل ما عندنا هو أن نضع الفواصل بيننا في كل يوم، فيبتعد أحدنا عن الآخر، ويستفيد المستكبرون من ذلك كله، فإنهم عندما يثيرون الحروب في بلادنا، والأزمات في داخلنا، لا ينطلقون من فراغ، بل يتحركون في استغلال خبيث لكل نقاط ضعفنا التي نتوزعها هنا وهناك.
لذلك أيها الأحبة، ما أريده لكم وأنتم في مغتربكم البعيد الذي هاجرتم إليه، أو هجرتم إليه، واغتربتم فيه، لأنكم لم تجدوا الحرية في بلادكم، ولم يتوفر لكم العيش الكريم في أوطانكم، ولم تحصلوا على الأمن في مواقعكم، فوجدتم الحرية في مغتربكم كأوسع ما تكون، وحصلتم على بعض من العيش الكريم، واستسلمتم لحالات الاسترخاء الأمني هناك.. في هذا المناخ، لا بد لكم من أن تصنعوا لأنفسكم مجتمعاً جديداً تحصلون فيه على الأمن الاجتماعي الذي ينطلق من تجميد الخلافات الهامشية والنـزاعات الصغيرة والمشاكل الجزئية، لتلتقوا على الكلمة السواء التي تجمعكم على قاعدة الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر، والإخلاص للخط الأصيل في سيرة أهل البيت(ع)، الذين هم أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي والتنـزيل.
أن تلتقوا على الكلمة السواء عندما تنفتحون على قضاياكم الكبيرة، في العالم العربي والإسلامي، أمام التحديات الكبرى، ولا سيّما التحدي الصهيوني الذي صادر كل فلسطين وتمدد حولها وشرّد أهلها، وحوّل المنطقة إلى نار أحرقت الكثير من قضاياها الأمنية والاقتصادية والسياسية، حتى أن النصف الأخير من هذا القرن الذي عاشته المنطقة العربية والإسلامية، كان يمثل المرحلة التي أحرقت الكثير من القضايا، وهي الآن تحرق النساء والأطفال والشيوخ.
تجنيد الطاقات لخدمة قضايانا
إن عليكم أن تدرسوا كل هذه التحديات، بالإضافة إلى التحديات الأخرى، من الجهل والجوع والمرض والتخلف والانهيارات الاقتصادية والسياسية والأمنية والداخلية، لتفكروا كيف يمكن لكم أن تجندوا طاقاتكم من أجل خدمة أوطانكم وأمتكم، ربما لا تملكون من الناحية الذاتية أن تقدموا الشيء الكثير للقضايا الكبيرة، ولكن أنتم تعيشون في بلد يملك أكثر عناصر الضغط على بلداننا، ويصنع المأساة بأبعادها المتنوعة في أمتنا، وأنتم تعرفون أن البلد الذي تقيمون فيه يملك الناس فيه الكثير من الحريات الإعلامية والسياسية في نطاق القانون الذي لا يصادر قضاياكم ولا يخنق تطلعاتكم.
لماذ لا تستفيدون من هذه الحريات من أجل إقناع الناس بعدالة قضاياكم وشرح كل المآسي التي تتمثل في السياسة الصهيونية المتحالفة مع سياسة الإدارة الأمريكية، والتي تضغط على الضحايا من دون أن تضغط على المجرم. حاولوا أن تلتقوا على عروبتكم في الواقع العربي والقضايا العربية، وأن تتوحّدوا على إسلامكم في القضايا الإسلامية، لتشعروا بأن عليكم أن تقدموا لعروبتكم الكثير من طاقاتكم الإعلامية والسياسية، وأن تقدموا لإسلامكم الكثير من المبادرات الإعلامية والسياسية.
لقد استطاع اليهود، وهم أقلّ عدداً منكم، أن يفرضوا أنفسهم على السياسة الأمريكية والاقتصاد الأمريكي والإعلام الأمريكي، فأخضعوا كل إدارة أمريكية وكل مجلس نيابي أو مجلس شيوخ لخطوطهم السياسية، فلماذا لا تتسلمون زمام المبادرة وفيكم الكثيرون ممن يحملون الجنسية الأمريكية، لتخططوا كيف تتحركون في عملية صنع القوة بمختلف الوسائل، لتضغطوا على هذا السياسي أو ذاك السياسي، وعلى هذه الإدارة أو تلك الإدارة، ربما لا تستطيعون ذلك في الوقت القريب، ولكنكم على أساس الخطة المدروسة قد تستطيعون ذلك في الوقت البعيد.
إن المسألة هي أنه على العرب والمسلمين أن يكونوا قوة سياسية وثقافية واجتماعية وإعلامية في بلاد أمريكا، لأن الموقع الذي تحتله أمريكا في العالم هو موقع قد يقرر الكثير من المصائر للعالم المستضعف. اعملوا على أن تكونوا في مواقع القيادة، وأن تخلصوا لذلك، وأن تجمدوا كل القضايا الصغيرة لمصلحة القضايا الكبيرة، لأننا ـ أيها الأحبة ـ في كل تاريخ الجهل والتخلف، جعلنا القضايا الصغيرة تفترس القضايا الكبيرة.
إنني أحدثكم عن هذا من موقع إسلامي في خط السياسة الإسلامية، ولا أحدثكم عن موقع سياسي بعيد عن الخطوط الإسلامية التي تؤكد على أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وأن الله فوّض للمؤمن أموره كلها، ولم يفوّض له أن يكون ذليلاً،كما قال الإمام جعفر الصادق(ع)، وأن على الإنسان أن يأخذ بأسباب الحرية في معنى حرية الإرادة والقرار والموقع، وقد قال الإمام علي(ع): "لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً".
حافظوا على انتمائكم وقيمكم
أيها الأحبة، وفي الجانب الآخر لا بد لي أن أثير أمامكم الكثير من القضايا التي تتصل بانتمائكم الإسلامي، فأنتم تعيشون في بلاد قد يقدم فيها الانحراف الأخلاقي والروحي والثقافي على طبق من ذهب، وقد يبتعد الإنسان من خلال إغراءاتها وشهواتها عن خطه المستقيم، إنّ مشروعية بقائكم في مغترباتكم هذه، يتحدد بأن تعملوا بكل جهدكم بأنفسكم وأموالكم وكل أوضاعكم من أجل أن تخلقوا المجتمع الإسلامي في مجتمعكم، وأن تصنعوا المحاضن الإسلامية لأطفالكم، في المسجد والمدرسة والنادي الرياضي والثقافي والاجتماعي، من أجل أن يتنفس أهلكم، من نسائكم ورجالكم وأطفالكم، الإسلام في هذا المناخ الإسلامي، والله يقول: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}، وقد خاطب الله سبحانه وتعالى رسوله وخاطبنا من خلال رسوله: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها}.
لذلك حاولوا أن تجتمعوا على طاعة الله وعلى تقوى الله وعلى التواصي بالحق والتواصي بالصبر والانطلاق من قاعدة الإيمان والعمل الصالح، فهذا هو سبيل الفلاح، وذلك هو قوله تعالى: {والعصر* إن الإنسان لفي خسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}، إن شرعية بقائكم في مغتربكم هذا هو أن تعملوا بكل الوسائل من أجل المحافظة على دينكم وإسلامكم في أنفسكم وفي أهليكم، وبدون ذلك، يحرم على الإنسان البقاء في مغتربه، لأنه من التعرب بعد الهجرة. ثم إنني أوصيكم بما كنت أوصيكم به في أكثر من حديث، وهو أن تكونوا الضيوف الكرام للبلد الذي تعيشون فيه، ارفضوا الإرهاب كله، سواء كان الإرهاب إرهاباً اقتصادياً أو سياسياً أو أمنياً، لا تطيعوا كل من يدعوكم إلى القيام بأعمال إرهابية.
كونوا دعاة بغير ألسنتكم
إننا نقول لكم، إننا نختلف مع سياسة الإدارة الأمريكية، ولكننا ننفتح على الشعب الأمريكي، فعليكم أن تعرفوا أنكم عندما دخلتم هذه البلاد دخلتموها بعهد موثق وتعاقد مع هذه البلاد، أن لا تسيئوا إلى أمنها ولا لأوضاعها العامة، أن تحفظوا أموال الناس ودماءهم وأعراضهم، والله يقول: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم}.. حافظوا على أموال الناس وعلى دمائهم وعلى أعراضهم.. لا تتبعوا الأساليب الملتوية للوصول إلى ما تريدونه من مال بالطرق الغير القانونية والغير الشرعية، لا تستمعوا إلى كل من يحلّل لكم أموال غير المسلمين، فالله أراد للمسلم أن يكون أميناً على أموال الناس، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، لأن هناك عقداً اجتماعياً مدنياً في كل مجتمع يدخل فيه كل الناس في المحافظة على الأمن المالي والنفسي والحياتي بشكل عام.
كونوا الصورة المشرقة للإسلام، كونوا كما قال الإمام الصادق(ع): "دعاة لنا بغير ألسنتكم، ليروا منكم الصدق والخير والورع، فإن ذلك داعية".
لنتحمل مسؤولية المحتاجين والمحرومين
أما النقطة الأخيرة التي أحب أن أتحدث بها إليكم، هي مسألة كفالة الأيتام والمعاقين من المكفوفين والصم والبكم وأصحاب العاهات، هؤلاء الذين تتحمل الجمعيات الخيرية، وفي طليعتها جمعية المبرات الخيرية، في مؤسساتها الرعائية، الرعاية لهم والعناية بهم وتوفير كل عناصر العيش الكريم لهم، إن من حيث العناية بأبدانهم وبصحتهم وبتعليمهم وتربيتهم وتأهيلهم، ليدخلوا المجتمع من الباب الواسع، ولا يكونوا كلاً على المجتمع، بل عناصر فاعلة.
ذلك هو دورنا في هذا المجال، ونحن لا نعتبر أن جمعية المبرات الخيرية هي مسؤولة من ناحية ذاتية، لأن هذه المؤسسات التي أقامتها الجمعية، سواء كانت مؤسسات للأيتام، أو المكفوفين، أو الصم، أو مؤسسات الخدمات الاجتماعية، أو المؤسسات التربوية، أو الدينية؛ إن هذه المؤسسات هي ملك الأمة، وعلى الأمة أن تتحمل مسؤولياتها في العناية بها ورعايتها وتقويتها وتنميتها والمشاركة في أن تمتد في مدى الزمن حتى تعطي لكل جيل خدماتها، فلا يبقى عندنا يتيم يبحث عمّن يكفله، ولا يبقى لدينا مكفوف يتخبط في الطريق ليكون كلاً على المجتمع أو أصم أو أبكم أو فقير لا يجد العيش الكريم، أو جاهل لا يملك أن يتعلم.
إنها مسؤوليتنا جميعاً، وقد جاء في كلمة رسول الله(ص): "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة"، وجاء في وصية الإمام علي بن أبي طالب الأخيرة: "الله الله في الأيتام، فلا تغبوا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم".
أيها الأحبة، هناك نقطة أخرى مهمة جداً، تقوم بها الجمعية إلى جانب الجمعيات الأخرى، وهي إنشاء المدارس التربوية التي تحاول أن ترفع مستوى أجيالنا من الناحية العلمية والتربوية، لأن التحدي المستقبلي هو تحدي العلم، فقد قامت الجمعية بتأسيس المؤسسات التربوية في أكثر من منطقة في لبنان، وقد استطاعت أن تصل إلى مستوى التفوق على كثير من المؤسسات التربوية التي سبقتها.

 
المصدر: من الكلمة التوجيهية التي وجهها سماحته إلى المؤمنين في أمريكا الشمالية، بتاريخ 17-8-1421هـ /  14/11/ 2000م
هذا اللقاء الذي ألتقي فيه معكم بعقلي وقلبي وروحي وكل مشاعري، مع هذا البعد الشاسع في المكان، أحب أن أتحدث إليكم، حديث العقل للعقل، وحديث القلب للقلب، فنحن نواجه عالماً تتنوع فيه الأزمات، وتفترس فيه المشاكل كلّ أوضاع السلام، ويعيش الإنسان فيه هنا وهناك في متاهات الاستكبار العالمي الذي يحاول أن يفرض نفسه بكل مواقع القوة عنده على عالم المستضعفين، ليصادر ثرواتهم ويبعثر أوضاعهم، وليفترس أمنهم ويسقط سياستهم، وليجعلهم تحت وطأة العولمة التي هي الصرعة الجديدة في هذه المرحلة، ليضعهم على هامش رخائهم وأطماعهم وامتيازاتهم التي فرضوها على المستضعفين كلهم.
اللقاء على الكلمة السواء
إننا نعيش في هذا العالم الذي يفترس فيه القويُّ الضعيف، والذي يواجه فيه الناس، ولا سيما في شرقنا العربي والإسلامي، الكثير من المشاكل والأزمات، وتتحرك فيه الخلافات التي تتخذ سمة طائفية تارة، ومذهبية أخرى، وعرقية ثالثة، وحزبية سياسية وعائلية في هذا الموقع الصغير وذاك الموقع الصغير، وإقليمية في هذا القطر وذاك القطر، بحيث تأكل القضايا الخلافية القضايا الوحدوية. فكل ما عندنا هو أن نضع الفواصل بيننا في كل يوم، فيبتعد أحدنا عن الآخر، ويستفيد المستكبرون من ذلك كله، فإنهم عندما يثيرون الحروب في بلادنا، والأزمات في داخلنا، لا ينطلقون من فراغ، بل يتحركون في استغلال خبيث لكل نقاط ضعفنا التي نتوزعها هنا وهناك.
لذلك أيها الأحبة، ما أريده لكم وأنتم في مغتربكم البعيد الذي هاجرتم إليه، أو هجرتم إليه، واغتربتم فيه، لأنكم لم تجدوا الحرية في بلادكم، ولم يتوفر لكم العيش الكريم في أوطانكم، ولم تحصلوا على الأمن في مواقعكم، فوجدتم الحرية في مغتربكم كأوسع ما تكون، وحصلتم على بعض من العيش الكريم، واستسلمتم لحالات الاسترخاء الأمني هناك.. في هذا المناخ، لا بد لكم من أن تصنعوا لأنفسكم مجتمعاً جديداً تحصلون فيه على الأمن الاجتماعي الذي ينطلق من تجميد الخلافات الهامشية والنـزاعات الصغيرة والمشاكل الجزئية، لتلتقوا على الكلمة السواء التي تجمعكم على قاعدة الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر، والإخلاص للخط الأصيل في سيرة أهل البيت(ع)، الذين هم أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي والتنـزيل.
أن تلتقوا على الكلمة السواء عندما تنفتحون على قضاياكم الكبيرة، في العالم العربي والإسلامي، أمام التحديات الكبرى، ولا سيّما التحدي الصهيوني الذي صادر كل فلسطين وتمدد حولها وشرّد أهلها، وحوّل المنطقة إلى نار أحرقت الكثير من قضاياها الأمنية والاقتصادية والسياسية، حتى أن النصف الأخير من هذا القرن الذي عاشته المنطقة العربية والإسلامية، كان يمثل المرحلة التي أحرقت الكثير من القضايا، وهي الآن تحرق النساء والأطفال والشيوخ.
تجنيد الطاقات لخدمة قضايانا
إن عليكم أن تدرسوا كل هذه التحديات، بالإضافة إلى التحديات الأخرى، من الجهل والجوع والمرض والتخلف والانهيارات الاقتصادية والسياسية والأمنية والداخلية، لتفكروا كيف يمكن لكم أن تجندوا طاقاتكم من أجل خدمة أوطانكم وأمتكم، ربما لا تملكون من الناحية الذاتية أن تقدموا الشيء الكثير للقضايا الكبيرة، ولكن أنتم تعيشون في بلد يملك أكثر عناصر الضغط على بلداننا، ويصنع المأساة بأبعادها المتنوعة في أمتنا، وأنتم تعرفون أن البلد الذي تقيمون فيه يملك الناس فيه الكثير من الحريات الإعلامية والسياسية في نطاق القانون الذي لا يصادر قضاياكم ولا يخنق تطلعاتكم.
لماذ لا تستفيدون من هذه الحريات من أجل إقناع الناس بعدالة قضاياكم وشرح كل المآسي التي تتمثل في السياسة الصهيونية المتحالفة مع سياسة الإدارة الأمريكية، والتي تضغط على الضحايا من دون أن تضغط على المجرم. حاولوا أن تلتقوا على عروبتكم في الواقع العربي والقضايا العربية، وأن تتوحّدوا على إسلامكم في القضايا الإسلامية، لتشعروا بأن عليكم أن تقدموا لعروبتكم الكثير من طاقاتكم الإعلامية والسياسية، وأن تقدموا لإسلامكم الكثير من المبادرات الإعلامية والسياسية.
لقد استطاع اليهود، وهم أقلّ عدداً منكم، أن يفرضوا أنفسهم على السياسة الأمريكية والاقتصاد الأمريكي والإعلام الأمريكي، فأخضعوا كل إدارة أمريكية وكل مجلس نيابي أو مجلس شيوخ لخطوطهم السياسية، فلماذا لا تتسلمون زمام المبادرة وفيكم الكثيرون ممن يحملون الجنسية الأمريكية، لتخططوا كيف تتحركون في عملية صنع القوة بمختلف الوسائل، لتضغطوا على هذا السياسي أو ذاك السياسي، وعلى هذه الإدارة أو تلك الإدارة، ربما لا تستطيعون ذلك في الوقت القريب، ولكنكم على أساس الخطة المدروسة قد تستطيعون ذلك في الوقت البعيد.
إن المسألة هي أنه على العرب والمسلمين أن يكونوا قوة سياسية وثقافية واجتماعية وإعلامية في بلاد أمريكا، لأن الموقع الذي تحتله أمريكا في العالم هو موقع قد يقرر الكثير من المصائر للعالم المستضعف. اعملوا على أن تكونوا في مواقع القيادة، وأن تخلصوا لذلك، وأن تجمدوا كل القضايا الصغيرة لمصلحة القضايا الكبيرة، لأننا ـ أيها الأحبة ـ في كل تاريخ الجهل والتخلف، جعلنا القضايا الصغيرة تفترس القضايا الكبيرة.
إنني أحدثكم عن هذا من موقع إسلامي في خط السياسة الإسلامية، ولا أحدثكم عن موقع سياسي بعيد عن الخطوط الإسلامية التي تؤكد على أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وأن الله فوّض للمؤمن أموره كلها، ولم يفوّض له أن يكون ذليلاً،كما قال الإمام جعفر الصادق(ع)، وأن على الإنسان أن يأخذ بأسباب الحرية في معنى حرية الإرادة والقرار والموقع، وقد قال الإمام علي(ع): "لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً".
حافظوا على انتمائكم وقيمكم
أيها الأحبة، وفي الجانب الآخر لا بد لي أن أثير أمامكم الكثير من القضايا التي تتصل بانتمائكم الإسلامي، فأنتم تعيشون في بلاد قد يقدم فيها الانحراف الأخلاقي والروحي والثقافي على طبق من ذهب، وقد يبتعد الإنسان من خلال إغراءاتها وشهواتها عن خطه المستقيم، إنّ مشروعية بقائكم في مغترباتكم هذه، يتحدد بأن تعملوا بكل جهدكم بأنفسكم وأموالكم وكل أوضاعكم من أجل أن تخلقوا المجتمع الإسلامي في مجتمعكم، وأن تصنعوا المحاضن الإسلامية لأطفالكم، في المسجد والمدرسة والنادي الرياضي والثقافي والاجتماعي، من أجل أن يتنفس أهلكم، من نسائكم ورجالكم وأطفالكم، الإسلام في هذا المناخ الإسلامي، والله يقول: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}، وقد خاطب الله سبحانه وتعالى رسوله وخاطبنا من خلال رسوله: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها}.
لذلك حاولوا أن تجتمعوا على طاعة الله وعلى تقوى الله وعلى التواصي بالحق والتواصي بالصبر والانطلاق من قاعدة الإيمان والعمل الصالح، فهذا هو سبيل الفلاح، وذلك هو قوله تعالى: {والعصر* إن الإنسان لفي خسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}، إن شرعية بقائكم في مغتربكم هذا هو أن تعملوا بكل الوسائل من أجل المحافظة على دينكم وإسلامكم في أنفسكم وفي أهليكم، وبدون ذلك، يحرم على الإنسان البقاء في مغتربه، لأنه من التعرب بعد الهجرة. ثم إنني أوصيكم بما كنت أوصيكم به في أكثر من حديث، وهو أن تكونوا الضيوف الكرام للبلد الذي تعيشون فيه، ارفضوا الإرهاب كله، سواء كان الإرهاب إرهاباً اقتصادياً أو سياسياً أو أمنياً، لا تطيعوا كل من يدعوكم إلى القيام بأعمال إرهابية.
كونوا دعاة بغير ألسنتكم
إننا نقول لكم، إننا نختلف مع سياسة الإدارة الأمريكية، ولكننا ننفتح على الشعب الأمريكي، فعليكم أن تعرفوا أنكم عندما دخلتم هذه البلاد دخلتموها بعهد موثق وتعاقد مع هذه البلاد، أن لا تسيئوا إلى أمنها ولا لأوضاعها العامة، أن تحفظوا أموال الناس ودماءهم وأعراضهم، والله يقول: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم}.. حافظوا على أموال الناس وعلى دمائهم وعلى أعراضهم.. لا تتبعوا الأساليب الملتوية للوصول إلى ما تريدونه من مال بالطرق الغير القانونية والغير الشرعية، لا تستمعوا إلى كل من يحلّل لكم أموال غير المسلمين، فالله أراد للمسلم أن يكون أميناً على أموال الناس، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، لأن هناك عقداً اجتماعياً مدنياً في كل مجتمع يدخل فيه كل الناس في المحافظة على الأمن المالي والنفسي والحياتي بشكل عام.
كونوا الصورة المشرقة للإسلام، كونوا كما قال الإمام الصادق(ع): "دعاة لنا بغير ألسنتكم، ليروا منكم الصدق والخير والورع، فإن ذلك داعية".
لنتحمل مسؤولية المحتاجين والمحرومين
أما النقطة الأخيرة التي أحب أن أتحدث بها إليكم، هي مسألة كفالة الأيتام والمعاقين من المكفوفين والصم والبكم وأصحاب العاهات، هؤلاء الذين تتحمل الجمعيات الخيرية، وفي طليعتها جمعية المبرات الخيرية، في مؤسساتها الرعائية، الرعاية لهم والعناية بهم وتوفير كل عناصر العيش الكريم لهم، إن من حيث العناية بأبدانهم وبصحتهم وبتعليمهم وتربيتهم وتأهيلهم، ليدخلوا المجتمع من الباب الواسع، ولا يكونوا كلاً على المجتمع، بل عناصر فاعلة.
ذلك هو دورنا في هذا المجال، ونحن لا نعتبر أن جمعية المبرات الخيرية هي مسؤولة من ناحية ذاتية، لأن هذه المؤسسات التي أقامتها الجمعية، سواء كانت مؤسسات للأيتام، أو المكفوفين، أو الصم، أو مؤسسات الخدمات الاجتماعية، أو المؤسسات التربوية، أو الدينية؛ إن هذه المؤسسات هي ملك الأمة، وعلى الأمة أن تتحمل مسؤولياتها في العناية بها ورعايتها وتقويتها وتنميتها والمشاركة في أن تمتد في مدى الزمن حتى تعطي لكل جيل خدماتها، فلا يبقى عندنا يتيم يبحث عمّن يكفله، ولا يبقى لدينا مكفوف يتخبط في الطريق ليكون كلاً على المجتمع أو أصم أو أبكم أو فقير لا يجد العيش الكريم، أو جاهل لا يملك أن يتعلم.
إنها مسؤوليتنا جميعاً، وقد جاء في كلمة رسول الله(ص): "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة"، وجاء في وصية الإمام علي بن أبي طالب الأخيرة: "الله الله في الأيتام، فلا تغبوا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم".
أيها الأحبة، هناك نقطة أخرى مهمة جداً، تقوم بها الجمعية إلى جانب الجمعيات الأخرى، وهي إنشاء المدارس التربوية التي تحاول أن ترفع مستوى أجيالنا من الناحية العلمية والتربوية، لأن التحدي المستقبلي هو تحدي العلم، فقد قامت الجمعية بتأسيس المؤسسات التربوية في أكثر من منطقة في لبنان، وقد استطاعت أن تصل إلى مستوى التفوق على كثير من المؤسسات التربوية التي سبقتها.

 
المصدر: من الكلمة التوجيهية التي وجهها سماحته إلى المؤمنين في أمريكا الشمالية، بتاريخ 17-8-1421هـ /  14/11/ 2000م
اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير