التحبيس وأخواته

التحبيس وأخواته

كنا قد أشرنا بشي‏ء من الإجمال عند التمهيد لهذا الباب إلى ما ينبغي أن نعيد التأكيد عليه بشي‏ء من التفصيل، وهو: إن التحبيس هو: (بذل منفعة العين وحدها وقصرها على شخص أو أشخاص محصورين، أو على جهة معينة يصح الوقف عليها، كالفقراء والحجاج والزوار والعلماء وسبيل الله تعالى وخدمة المسجد أو الميتم أو نحو ذلك)؛ لذا فإنه يشترك مع الوقف في تحبيس العين من أجل استيفاء المنفعة تدريجاً، إلا أنه يخالفه في عدم ابتنائه على إخراج العين عن ملك مالكها، بل تبقى في ملكه فتكون موروثة لورثته، وليس لمن حبست له أن يتصرف فيها تصرف المالك بملكه بالبيع والشراء ونحوهما
.
 أما أخواته فهي أمور:
الأول: السُكْنى، وهي اسم للتحبيس إذا كانت العين داراً أو نحوها مما يحبس على خصوص السكن، كالفندق، ومدرسة المنامة الداخلية للطلاب ونحوهما.
الثاني: العُمْرى، وهي اسم لكل تحبيس تكون المدة فيه مدى عمر الحابس أو المحبَّس عليه، داراً كانت العين المحبَّسة أوكتاباً أو غيرهما.
الثالث: الرُّقْبى، وهي اسم لكل تحبيس تكون المدة فيه دون عمر أحدهما، كائناً ما كانت العين.
هذا، وتختص هذه الثلاث بما لو كان المحبَّس عليه شخصاً أو أشخاصاً معينين، فإن كان التحبيس على جهة أو عنوان عام فلا يطلق عليه إلا (الحبس).

أما تفصيل أحكامه فهو يقع في مسائل:
م ـ578: لا بد في التحبيس من إنشاء مضمونه بما يدل عليه من قول أو فعل، على نحو ما تقدم في الوقف وغيره من الإيقاعات والعقود، كما إذا قال: (حبَّست سيارتي أو داري على زيد)، أو أعطى سيارته لمن يستخدمها في الجهاد أو في نقل الحجاج أو الزوار قاصداً تحبيسها على ذلك، أو نحو ذلك مما يدل عليه من الأقوال والأعمال.

م ـ579: التحبيس ـ  وكذا أخواته ـ  إيقاع لا يحتاج إلى القبول من المحبَّس عليه؛ وهو ليس صدقة فلا يتوقف على قصد القربة، ويصبح لازماً بعد قبضه بدون إشكال، أما قبل قبضه فهو لازم أيضاً إن كان التحبيس على جهة، وكذلك إذا كان المحبس عليه شخصاً على الأحوط وجوباً، نعم إذا مات الحابس قبل قبض المحبَّس عليه للعين، وكان الورثة صغاراً، لم يكن الحبس لازماً ورجعت العين إلى الورثة. كذلك فإن الشروط المعتبرة في الواقف والموقوف عليه والعين الموقوفة هي نفسها معتبرة في الحابس والمحبَّس عليه والعين المحبوسة، إلا ما له علاقة بالتأبيد وإخراج المال عن ملك الحابس فإنهما غير معتبرين في التحبيس، بل إنما صار تحبيساً ولم يكن وقفاً لعدم اعتبار توفرهما فيه.

م ـ580: الحبس وإن كان مبنياً على عدم التأبيد لا يشترط فيه ذكر المدة، لكن له أحكاماً من هذه الجهة نستعرضها على النحو التالي:
أولاً: إذا حبس المالك ملكه مدة معينة لزم في المدة المذكورة حتى لو كانت أزيد من عمر الحابس، وليس له الرجوع عنه قبل مضيِّها، وإذا مات قبل مضيِّها فليس لوارثه الرجوع فيه، فإذا مضت المدة عادت المنفعة له أو لوارثه.
ثانياً: إذا أطلق المالك التحبيس ولم يوقّته بمدة معينة، وكانت الجهة التي حبسه لها محدودة لا دوام لها  كشخص معين ، فإنه يبطل بموت الحابس،  ويرجع ميراثاً لورثته، والظاهر لزومه عليه في حياته، وليس له الرجوع فيه.
نعم، له الرجوع متى شاء إن اقتصر على مجرّد إباحة المنفعة وبذلها دون أن ينشى‏ء التحبيس ويلزم نفسه به، وذلك كما لو أسكن شخصاً الدار أو أخدمه عبده أو استخدم سيارته أو دابته في نقل الحجاج أو الزوّار.
ثالثاً: إذا أطلق المالك التحبيس ولم يوقّته بمدة معينة ولم تكن الجهة التي حبسه لها محدودة، بل كان من شأنها الدوام، كالعلماء والفقراء وخدمة المسجد، فيبقى التحبيس  مع إطلاقه  نافذاً ما دامت العين باقية؛ وحينئذٍ لا يظهر الفرق  عملياً  بينه وبين الوقف إلا إذا سقطت العين عن الانتفاع المقصود، حيث تبقى صدقة في الوقف فيما ترجع ملكاً لمن حبَّسها في التحبيس، وكذا الحال إذا صرح الحابس بالدوام والتأبيد، لكن الظاهر  في هذه الصورة  أنه وقف بصورة التحبيس.

م ـ581: لما كانت العين في الحبس وما ألحق به لا تخرج عن ملك المالك فللمالك بيع العين مسلوبة المنفعة من دون أن يبطل التحبيس أو ينافيه؛ أما المحبَّس عليه فليس له أن يبيع المنفعة، أو يصالح عليها أو على إسقاطها، لعدم وضوح كونه مالكاً لها، بل يشكل جواز المصالحة معه على أن لا ينتفع بالعين، بنحو يكون للمصالح معه الانتفاع بها بدلاً عنه، لأن الظاهر أو المتيقن أن للمحبَّس عليه الانتفاع بالمباشرة، فمع عدم انتفاعه بنفسه تكون المنفعة تحت سلطة المالك المحبِّس تبعاً للعين التي هي ملكه.

م ـ582: إذا قيد المالك التحبيس بكيفية معينة وشرط فيه شروطاً وجب على المحبَّس عليه الالتزام بما رسمه له المالك، وإذا أطلق كان له استخدامه بالنحو  المتعارف، فإطلاق السكنى مثلاً يقتضي أن يسكن هو وأهله وسائر تابعيه من أولاده وخادمه وضيوفه، بل وماشيته ودوابه إن كان فيها موضع معد لذلك، وله اقتناء ما جرت العادة فيه لمثله من أثاث ومؤن؛ وليس له إجارة العين المحبسة ولا إعارتها لغيره، ولا التصرف فيها بغير ذلك من أنواع التصرفات غير المتعارفة إلا أن يكون مأذوناً من المالك.

م ـ583: يجوز للحابس استثناء شي‏ء من العين المحبسة وإبقاؤه لانتفاعه، كاستثناء شجرة أو أشجار من البستان، أو غرفة أو أكثر من غرف الدار، ونحو ذلك مما يكون قابلاً للتجزئة، بدون فرق في ذلك بين الوقف والحبس، وكذا يجوز في الحبس أن يستثني شيئاً من المنفعة دائماً أو لمدة معينة، فيصح أن يقول: "حبَّست هذه الدار على طلبة العلوم الدينية ليسكنوا فيها ما عدا يوم الجمعة مثلاً"، وهو بخلاف ما سبق ذكره في الوقف، لأننا قلنا إنه يرتكز على إخراج العين ومنافعها عن ملك الواقف، فينافيه استثناء شي‏ء من المنفعة بعد وقف العين، أما الحبس فلا يتقوم بإخراج العين ولا منفعتها عن ملك الحابس، فلا ينافيه استثناء الحابس لشي‏ء منهما.

كنا قد أشرنا بشي‏ء من الإجمال عند التمهيد لهذا الباب إلى ما ينبغي أن نعيد التأكيد عليه بشي‏ء من التفصيل، وهو: إن التحبيس هو: (بذل منفعة العين وحدها وقصرها على شخص أو أشخاص محصورين، أو على جهة معينة يصح الوقف عليها، كالفقراء والحجاج والزوار والعلماء وسبيل الله تعالى وخدمة المسجد أو الميتم أو نحو ذلك)؛ لذا فإنه يشترك مع الوقف في تحبيس العين من أجل استيفاء المنفعة تدريجاً، إلا أنه يخالفه في عدم ابتنائه على إخراج العين عن ملك مالكها، بل تبقى في ملكه فتكون موروثة لورثته، وليس لمن حبست له أن يتصرف فيها تصرف المالك بملكه بالبيع والشراء ونحوهما
.
 أما أخواته فهي أمور:
الأول: السُكْنى، وهي اسم للتحبيس إذا كانت العين داراً أو نحوها مما يحبس على خصوص السكن، كالفندق، ومدرسة المنامة الداخلية للطلاب ونحوهما.
الثاني: العُمْرى، وهي اسم لكل تحبيس تكون المدة فيه مدى عمر الحابس أو المحبَّس عليه، داراً كانت العين المحبَّسة أوكتاباً أو غيرهما.
الثالث: الرُّقْبى، وهي اسم لكل تحبيس تكون المدة فيه دون عمر أحدهما، كائناً ما كانت العين.
هذا، وتختص هذه الثلاث بما لو كان المحبَّس عليه شخصاً أو أشخاصاً معينين، فإن كان التحبيس على جهة أو عنوان عام فلا يطلق عليه إلا (الحبس).

أما تفصيل أحكامه فهو يقع في مسائل:
م ـ578: لا بد في التحبيس من إنشاء مضمونه بما يدل عليه من قول أو فعل، على نحو ما تقدم في الوقف وغيره من الإيقاعات والعقود، كما إذا قال: (حبَّست سيارتي أو داري على زيد)، أو أعطى سيارته لمن يستخدمها في الجهاد أو في نقل الحجاج أو الزوار قاصداً تحبيسها على ذلك، أو نحو ذلك مما يدل عليه من الأقوال والأعمال.

م ـ579: التحبيس ـ  وكذا أخواته ـ  إيقاع لا يحتاج إلى القبول من المحبَّس عليه؛ وهو ليس صدقة فلا يتوقف على قصد القربة، ويصبح لازماً بعد قبضه بدون إشكال، أما قبل قبضه فهو لازم أيضاً إن كان التحبيس على جهة، وكذلك إذا كان المحبس عليه شخصاً على الأحوط وجوباً، نعم إذا مات الحابس قبل قبض المحبَّس عليه للعين، وكان الورثة صغاراً، لم يكن الحبس لازماً ورجعت العين إلى الورثة. كذلك فإن الشروط المعتبرة في الواقف والموقوف عليه والعين الموقوفة هي نفسها معتبرة في الحابس والمحبَّس عليه والعين المحبوسة، إلا ما له علاقة بالتأبيد وإخراج المال عن ملك الحابس فإنهما غير معتبرين في التحبيس، بل إنما صار تحبيساً ولم يكن وقفاً لعدم اعتبار توفرهما فيه.

م ـ580: الحبس وإن كان مبنياً على عدم التأبيد لا يشترط فيه ذكر المدة، لكن له أحكاماً من هذه الجهة نستعرضها على النحو التالي:
أولاً: إذا حبس المالك ملكه مدة معينة لزم في المدة المذكورة حتى لو كانت أزيد من عمر الحابس، وليس له الرجوع عنه قبل مضيِّها، وإذا مات قبل مضيِّها فليس لوارثه الرجوع فيه، فإذا مضت المدة عادت المنفعة له أو لوارثه.
ثانياً: إذا أطلق المالك التحبيس ولم يوقّته بمدة معينة، وكانت الجهة التي حبسه لها محدودة لا دوام لها  كشخص معين ، فإنه يبطل بموت الحابس،  ويرجع ميراثاً لورثته، والظاهر لزومه عليه في حياته، وليس له الرجوع فيه.
نعم، له الرجوع متى شاء إن اقتصر على مجرّد إباحة المنفعة وبذلها دون أن ينشى‏ء التحبيس ويلزم نفسه به، وذلك كما لو أسكن شخصاً الدار أو أخدمه عبده أو استخدم سيارته أو دابته في نقل الحجاج أو الزوّار.
ثالثاً: إذا أطلق المالك التحبيس ولم يوقّته بمدة معينة ولم تكن الجهة التي حبسه لها محدودة، بل كان من شأنها الدوام، كالعلماء والفقراء وخدمة المسجد، فيبقى التحبيس  مع إطلاقه  نافذاً ما دامت العين باقية؛ وحينئذٍ لا يظهر الفرق  عملياً  بينه وبين الوقف إلا إذا سقطت العين عن الانتفاع المقصود، حيث تبقى صدقة في الوقف فيما ترجع ملكاً لمن حبَّسها في التحبيس، وكذا الحال إذا صرح الحابس بالدوام والتأبيد، لكن الظاهر  في هذه الصورة  أنه وقف بصورة التحبيس.

م ـ581: لما كانت العين في الحبس وما ألحق به لا تخرج عن ملك المالك فللمالك بيع العين مسلوبة المنفعة من دون أن يبطل التحبيس أو ينافيه؛ أما المحبَّس عليه فليس له أن يبيع المنفعة، أو يصالح عليها أو على إسقاطها، لعدم وضوح كونه مالكاً لها، بل يشكل جواز المصالحة معه على أن لا ينتفع بالعين، بنحو يكون للمصالح معه الانتفاع بها بدلاً عنه، لأن الظاهر أو المتيقن أن للمحبَّس عليه الانتفاع بالمباشرة، فمع عدم انتفاعه بنفسه تكون المنفعة تحت سلطة المالك المحبِّس تبعاً للعين التي هي ملكه.

م ـ582: إذا قيد المالك التحبيس بكيفية معينة وشرط فيه شروطاً وجب على المحبَّس عليه الالتزام بما رسمه له المالك، وإذا أطلق كان له استخدامه بالنحو  المتعارف، فإطلاق السكنى مثلاً يقتضي أن يسكن هو وأهله وسائر تابعيه من أولاده وخادمه وضيوفه، بل وماشيته ودوابه إن كان فيها موضع معد لذلك، وله اقتناء ما جرت العادة فيه لمثله من أثاث ومؤن؛ وليس له إجارة العين المحبسة ولا إعارتها لغيره، ولا التصرف فيها بغير ذلك من أنواع التصرفات غير المتعارفة إلا أن يكون مأذوناً من المالك.

م ـ583: يجوز للحابس استثناء شي‏ء من العين المحبسة وإبقاؤه لانتفاعه، كاستثناء شجرة أو أشجار من البستان، أو غرفة أو أكثر من غرف الدار، ونحو ذلك مما يكون قابلاً للتجزئة، بدون فرق في ذلك بين الوقف والحبس، وكذا يجوز في الحبس أن يستثني شيئاً من المنفعة دائماً أو لمدة معينة، فيصح أن يقول: "حبَّست هذه الدار على طلبة العلوم الدينية ليسكنوا فيها ما عدا يوم الجمعة مثلاً"، وهو بخلاف ما سبق ذكره في الوقف، لأننا قلنا إنه يرتكز على إخراج العين ومنافعها عن ملك الواقف، فينافيه استثناء شي‏ء من المنفعة بعد وقف العين، أما الحبس فلا يتقوم بإخراج العين ولا منفعتها عن ملك الحابس، فلا ينافيه استثناء الحابس لشي‏ء منهما.
اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير