مِنْ منهجِ الحسينِ (ع): رفضُ الغيبةِ والظُّلم

مِنْ منهجِ الحسينِ (ع): رفضُ الغيبةِ والظُّلم

 تعالوا نستمع إلى الحسين (ع) مما روي من كلماته، لنعالج بعض ما نعيشه في حياتنا في أكثر من سلبيَّة من سلبيَّات الواقع. 
قال الحسين (ع) لرجلٍ اغتاب عنده رجلاً - وكم يغتاب النّاس عندنا النَّاس - قال له: "إيّاك والغيبة، فإنَّها إدام كلاب أهل النَّار" . إنَّ الغيبة تدخلك نار جهنَّم، فالَّذين يغتابون النَّاس، يقتاتون في جهنَّم من نتائج الغيبة في عذاباتها. وقد عبَّر عن أصحاب النَّار بكلمة "كلاب أهل النَّار"، أي أنَّ الَّذي يغتاب النَّاس، يتحوَّل إلى كلبٍ من كلابِ النَّار، وطعامه هو الغيبة في معناها. ونحن نعرف كيف قرَّب الله لنا الغيبة في طعامها: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}[الحجرات: 12]، أن تغتاب أخاك، فكأنَّك تأكل لحمه وهو حيّ. 
ونحن عندما نجلس في مجالس عاشوراء، ما أكثر ما نغتاب النَّاس! وما أكثر ما نظهر العيوب المستورة! وما أكثر ما نتحرَّك به من تهشيم النَّاس في كراماتهم في الواقع الاجتماعي أو في الدائرة الدينيّة! إنَّ مسألة الغيبة ليست شيئاً يتَّصل بنفسيَّة الذي يغتاب، ولكنَّ تأثيراتها هي في أنها تربك الواقع الاجتماعي وتسيء إلى كرامات النَّاس وتفضح أسرارهم. 
وفي كلمة أخرى يقول: "إذا سمعت أحداً يتناول أعراض النَّاس - يعني إذا كان هناك في المجتمع شخص يتناول كرامات الناس، بحيث يذمّ هذا، ويهتك حرمة ذاك، ويفشي سرّ آخر... - فاجتهد أن لا يعرفك" ، أي اجتهد أن لا تكون بينك وبينه علاقة، عبّر عن رفضك له بأن لا تنشىء بينك وبينه أيّ صداقة، لأنَّ على الإنسان إنكار المنكر بالوسيلة التي يشعر فيها فاعل المنكر بأنَّه مرفوض من المجتمع. 
وفي كلمةٍ قالها لولده عليّ بن الحسين (ع)، "أي بنيَّ، إيَّاك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلَّا الله" . فالإنسان يمكن له أن يظلم شخصاً قوياً، ممّن يستطيع أن يدفع ظلمه، كمن له عندك مال وتنكر عليه ماله، ولكن هذا يستطيع ردّ ماله بطريقة معيَّنة، ولكن هناك من لا يجد ناصراً إلَّا الله، كالأزواج الذين يظلمون زوجاتهم، فمجتمعنا لا يزال مجتمع الرَّجل، فقد يضغط على المرأة لتسامحه وتتنازل عن مهرها، أو يضغط عليها ليمنعها من أن تعبِّر عن إنسانيَّتها... وهكذا يوجد الكثير من الأشخاص الذين ينظرون إلى المرأة كخادمة في البيت، وممّن يمنعون الزوجة من زيارة أهلها، أو من رعاية أمّها وأبيها، أو أن تقوم بالشّؤون الإنسانيَّة، وقد يقول هذا حقّي بحجَّة أنه لا يجوز للمرأة أن تخرج من البيت إلَّا بإذن زوجها. ولكنَّ الله عندما أعطاك بعض الحقّ، أراد لك أن لا تتعسَّف في استعماله، أراد لك أن تكون إنساناً لا وحشاً. ولقد قلت لكثيرٍ من الرجال إنَّه لو جعل الله للمرأة أن تمنع زوجها مما يمنعها منه، فهل يقبل؟ عامل النَّاس بما تحبّ أن يعاملوك به. عندما يكون للإنسان حقّ، فعليه أن يستعمل حقه بإنسانيته، فعلى الإنسان أن لا يخرج عن إنسانيَّته في هذا المجال، ولقد قلنا مراراً إنّ الحياة الزوجيَّة لا تقوم على أساس أن يقف الرّجل ليقول لزوجته إنّ المادة الفلانيّة تحكمك {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}[الروم: 21]، فما يحكم الزوجين هو المودّة والرحمة. 
فالزوج الذي يجبر زوجته على أن تتنازل له عمّا هو حقّ لها، تبقى ذمّته - شرعاً – مشغولة، وقد يكون هناك عنوان الغصب. وكذلك عندما نظلم أبناءنا، أو عندما يظلم الأستاذ التلميذ، أو في أيّ مجالٍ نُنفِّس فيه عن الاحتقان الموجود في أنفسنا بالضّعفاء، لأنَّ ظلم الضّعيف أفحش الظّلم، وهناك شعر يقول: 

تنامُ عينكَ والمظلومُ منتبهٌ يدعو عليكَ وعينُ اللهِ لم تنمِ
وما من يدٍ إلَّا يدُ الله فوقها ولا ظالمٌ إلّا سيبلى بأظلمِ

أيّها الأحبّة، إنّكم تحتجّون على ظلم يزيد وجيشه للحسين، فإذا كنتم تحتجون على الظّلم الكبير، فلماذا تمارسون الظّلم الصَّغير؟! وقد جاء في دعاء الإمام زين العابدين (ع): "اللَّهمَّ فكما كرّهتني من أن أُظلَم، فقِني من أن أظلِم".
هذا هو خطّ أهل البيت (ع) إذا كنتم تريدون أن تتحركوا في خطّهم (ع).

 

المصدر:  من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 9 محرَّم 1421هـ/ الموافق: 14 نيسان 2000م.
 
الهوامش
   1- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج75، ص 161.
   2- بحار الأنوار، ج71، ص 198.
   3- بحار الأنوار، ج75، ص 118.

 

 تعالوا نستمع إلى الحسين (ع) مما روي من كلماته، لنعالج بعض ما نعيشه في حياتنا في أكثر من سلبيَّة من سلبيَّات الواقع. 
قال الحسين (ع) لرجلٍ اغتاب عنده رجلاً - وكم يغتاب النّاس عندنا النَّاس - قال له: "إيّاك والغيبة، فإنَّها إدام كلاب أهل النَّار" . إنَّ الغيبة تدخلك نار جهنَّم، فالَّذين يغتابون النَّاس، يقتاتون في جهنَّم من نتائج الغيبة في عذاباتها. وقد عبَّر عن أصحاب النَّار بكلمة "كلاب أهل النَّار"، أي أنَّ الَّذي يغتاب النَّاس، يتحوَّل إلى كلبٍ من كلابِ النَّار، وطعامه هو الغيبة في معناها. ونحن نعرف كيف قرَّب الله لنا الغيبة في طعامها: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}[الحجرات: 12]، أن تغتاب أخاك، فكأنَّك تأكل لحمه وهو حيّ. 
ونحن عندما نجلس في مجالس عاشوراء، ما أكثر ما نغتاب النَّاس! وما أكثر ما نظهر العيوب المستورة! وما أكثر ما نتحرَّك به من تهشيم النَّاس في كراماتهم في الواقع الاجتماعي أو في الدائرة الدينيّة! إنَّ مسألة الغيبة ليست شيئاً يتَّصل بنفسيَّة الذي يغتاب، ولكنَّ تأثيراتها هي في أنها تربك الواقع الاجتماعي وتسيء إلى كرامات النَّاس وتفضح أسرارهم. 
وفي كلمة أخرى يقول: "إذا سمعت أحداً يتناول أعراض النَّاس - يعني إذا كان هناك في المجتمع شخص يتناول كرامات الناس، بحيث يذمّ هذا، ويهتك حرمة ذاك، ويفشي سرّ آخر... - فاجتهد أن لا يعرفك" ، أي اجتهد أن لا تكون بينك وبينه علاقة، عبّر عن رفضك له بأن لا تنشىء بينك وبينه أيّ صداقة، لأنَّ على الإنسان إنكار المنكر بالوسيلة التي يشعر فيها فاعل المنكر بأنَّه مرفوض من المجتمع. 
وفي كلمةٍ قالها لولده عليّ بن الحسين (ع)، "أي بنيَّ، إيَّاك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلَّا الله" . فالإنسان يمكن له أن يظلم شخصاً قوياً، ممّن يستطيع أن يدفع ظلمه، كمن له عندك مال وتنكر عليه ماله، ولكن هذا يستطيع ردّ ماله بطريقة معيَّنة، ولكن هناك من لا يجد ناصراً إلَّا الله، كالأزواج الذين يظلمون زوجاتهم، فمجتمعنا لا يزال مجتمع الرَّجل، فقد يضغط على المرأة لتسامحه وتتنازل عن مهرها، أو يضغط عليها ليمنعها من أن تعبِّر عن إنسانيَّتها... وهكذا يوجد الكثير من الأشخاص الذين ينظرون إلى المرأة كخادمة في البيت، وممّن يمنعون الزوجة من زيارة أهلها، أو من رعاية أمّها وأبيها، أو أن تقوم بالشّؤون الإنسانيَّة، وقد يقول هذا حقّي بحجَّة أنه لا يجوز للمرأة أن تخرج من البيت إلَّا بإذن زوجها. ولكنَّ الله عندما أعطاك بعض الحقّ، أراد لك أن لا تتعسَّف في استعماله، أراد لك أن تكون إنساناً لا وحشاً. ولقد قلت لكثيرٍ من الرجال إنَّه لو جعل الله للمرأة أن تمنع زوجها مما يمنعها منه، فهل يقبل؟ عامل النَّاس بما تحبّ أن يعاملوك به. عندما يكون للإنسان حقّ، فعليه أن يستعمل حقه بإنسانيته، فعلى الإنسان أن لا يخرج عن إنسانيَّته في هذا المجال، ولقد قلنا مراراً إنّ الحياة الزوجيَّة لا تقوم على أساس أن يقف الرّجل ليقول لزوجته إنّ المادة الفلانيّة تحكمك {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}[الروم: 21]، فما يحكم الزوجين هو المودّة والرحمة. 
فالزوج الذي يجبر زوجته على أن تتنازل له عمّا هو حقّ لها، تبقى ذمّته - شرعاً – مشغولة، وقد يكون هناك عنوان الغصب. وكذلك عندما نظلم أبناءنا، أو عندما يظلم الأستاذ التلميذ، أو في أيّ مجالٍ نُنفِّس فيه عن الاحتقان الموجود في أنفسنا بالضّعفاء، لأنَّ ظلم الضّعيف أفحش الظّلم، وهناك شعر يقول: 

تنامُ عينكَ والمظلومُ منتبهٌ يدعو عليكَ وعينُ اللهِ لم تنمِ
وما من يدٍ إلَّا يدُ الله فوقها ولا ظالمٌ إلّا سيبلى بأظلمِ

أيّها الأحبّة، إنّكم تحتجّون على ظلم يزيد وجيشه للحسين، فإذا كنتم تحتجون على الظّلم الكبير، فلماذا تمارسون الظّلم الصَّغير؟! وقد جاء في دعاء الإمام زين العابدين (ع): "اللَّهمَّ فكما كرّهتني من أن أُظلَم، فقِني من أن أظلِم".
هذا هو خطّ أهل البيت (ع) إذا كنتم تريدون أن تتحركوا في خطّهم (ع).

 

المصدر:  من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 9 محرَّم 1421هـ/ الموافق: 14 نيسان 2000م.
 
الهوامش
   1- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج75، ص 161.
   2- بحار الأنوار، ج71، ص 198.
   3- بحار الأنوار، ج75، ص 118.

 
اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير