"المكر والخيانة والخديعة في النار"

المرجع فضل الله خطبة الجمعة

ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :
 
الصدق في الالتزامات والعهود:

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}، ويقول سبحانه: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوّان كفور}، ويقول تعالى: {إن الله لا يحب الخائنين}. يريد الله تعالى للإنسان الذي يلتزم الخط الإسلامي أن يصوغ شخصيته على أساس هذا الخط، فيكون الإنسان الذي يصدق في عهده والتزاماته ومسؤوليته، سواء كان ذلك في عهده مع الله تعالى، أو في عهده مع نفسه أو مع الناس، أو في عهده مع الحياة كلها، أن تكون مسلماً يعني أن تكون مع التزاماتك وكلمتك ومسؤوليتك، أن تصوغ ذاتك لتكون في هذا الخط، أما إذا كنت الخائن لأمانتك وعهدك ومسؤوليتك، فأنت لست المسلم الذي يريده الله تعالى.

وقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق (ع): "يُجبل المؤمن على كل طبيعة – يمكن أن يكون لدى المؤمن بعض نقاط الضعف في حياته، كأشياء تمثّل حالات طارئة وهامشية لا تقتحم أساس إيمانه، ولكن هناك بعض الأشياء التي تقتحم إيمانه، فيخرج بها المؤمن عن إيمانه ـ إلا الخيانة والكذب"، فمن كان كذّاباً وخائناً لا يمكن أن يكون مؤمناً، لأن الخيانة تعني أنه ممن ينقض عهده مع الله تعالى، والكذب يعني أنه ممن يلتزم الباطل ضد الحق، والإيمان عهد مع الله تعالى والتزام بالحق.

الخائن مصيره النار:


وورد في الحديث عن رسول الله (ص): "أربع لا تدخل بيتاً واحدة منهن إلا خَرِب، ولم يُعمّر بالبَرَكة: الخيانة والسرقة وشرب الخمر والزنى". وفي الحديث عن رسول الله (ص): "ليس منّا من خان الأمانة"، أمانة المال والدين والعرض والحرية والحياة كلها. وفي حديث آخر: "ليس منّا من خان مسلماً في أهله وماله"، "المكر والخديعة والخيانة في النار"، من استعمل المكر في سلوكه مع الآخرين، والخديعة في تعامله معهم، ومن أقدم على خيانتهم، فإنه في النار، لأن هذه الخصال تؤدي بصاحبها إلى النار.

وفي حديث عليّ (ع): "الخيانة أخو الكذب"، "الخيانة غدر"، "الخيانة رأس النفاق"، ويقول عليّ (ع) – وما أقل من يسمعون كلام عليّ ومن يعرفونه ويرتفعون إلى مستواه -: "إياك والخيانة فإنها شر معصية، فإن الخائن لمعذَّب بالنار على خيانته". ويقول عليّ (ع) في ما روي عنه: "جانبوا الخيانة فإنها مجانبة الإسلام"، فالإسلام شيء والخيانة شيء آخر.

المؤمن لا يخون:

وفي الرواية عن أحد أصحاب الإمام الباقر (ع) يقول: دخلت على أبي جعفر (ع) – وهي كنية الإمام محمد الباقر (ع) – وقلت له: جُعلت فداك، إني أريد أن ألازم مكة وعليّ دَيْن للمرجئة – وهي طائفة منحرفة عن خط أهل البيت (ع) – فما تقول؟ فقال له الإمام الباقر (ع): "ارجع إلى مؤدى دينك وانظر أن تلقى الله عزّ وجلّ وليس عليك دَين فإن المؤمن لا يخون"، هبّ أن هذا الشخص يختلف مذهبك عن مذهبه، أو يختلف دينك عن دينه، أو يختلف التزامك السياسي عن التزامه السياسي، القصة ليست قصة هذا الشخص من هو، ولكن القصة هي من أنت؟ إذا كنت مؤمناً فإن المؤمن لا يخون، لا يخون المسلمين ولا الكافرين، وورد في الحديث الشريف: "أدّوا الأمانة إلى ما ائتمنكم عليها ولو إلى قاتل وِلد الأنبياء"، وفي الحديث عن الإمام زين العابدين (ع): "لو ائتمنني ضارب عليّ بالسيف على السيف الذي ضرب به عليّ وقبلت منه لأديت أمانته"..

على ضوء هذا، أحبّ أن أنبه إلى نقطة مهمة، وهي أن بعض الناس الذين يذهبون إلى أمريكا وأوروبا ويعتمدون على التسهيلات في الاستدانة، فيأخذون الأموال بطريقة وبأخرى ويتهرّبون من أداء الدَين – ومن المؤسف أن البعض يعطي الفتاوى في هذه المسألة – بحجة أن هؤلاء كفّار ومستكبرين، فيربون الناس على الخيانة، وهذا ما حصل في بلدنا أيام الحرب، عندما بدأ بعض الناس يسرقون غير المسلمين، ثم ما لبثوا أن سرقوا من غير المسلمين الشيعة، ولم يفلت فيما بعد المسلمون الشيعة من أياديهم، بحجة أنهم لا يدفعون الخمس، وكأنهم أصبحوا أولياء الخمس والحقوق الشرعية!!

الخيانة منكر:

والإسلام يريد في مثل هذه القضايا أن يقطع رأس الخيانة، ويريد للإنسان المؤمن في أيّ مكان يحلّ فيه أن يكون النموذج الذي يُضرب به المثل في الأمانة، ليرغب الناس من خلال سلوكه بالإسلام، وقد استطاع رسول الله(ص) قبل نبوّته أن يملك قلوب المشركين بالصدق والأمانة، فقد كان (ص) مستودع أماناتهم.. والأمانة لا تعني أن تحفظ الوديعة فحسب، بل حتى لو كنت موظفاً، فإن صاحب العمل يملك عليك ساعات عملك، فلا يمكن لك أن تسرق من هذه الساعات لتتفق مع بعض الموظفين المسؤولين أن يغضوا النظر عن غيابك، ولا يجوز لك أن تأخذ إجازة مرضية وأنت لست مريضاً، ولا يجوز لطبيب أن يعطي شهادة لإنسان بالمرض وهو غير مريض فعلاً، وإلا فإنه خائن، ولا يجوز أن تزوّر ورقة الضمان فتأخذ منه وأنت لست مضموناً، أو تضمن على اسمك مَن ليس مضموناً، فإن هذا كله خيانة..

وقد يزين بعض الناس لأنفسهم الخيانة بحجة أنه إذا لم يأخذ هذه الأموال فسوف يأخذها غيره، ويستهينون بأموال الدولة، ولكن مال الدولة ليس مال رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو المجلس النيابي، بل هو مال الناس، وأية سرقة أو خيانة فإنها ترتد سلباً على الناس، لأن مشاريع الدولة إذا خُرّبت فسوف يُعاد إصلاحها من الميزانية وليس من أموال هذا المسؤول أو ذاك.. والمشكلة أننا أصبحنا نستهين بأموال الضمان وأموال المهجّرين وما إلى ذلك، وتعلّمنا كيف نحتال ونخدع ونكذب ونغش لتحصيل المال، هذا ليس ديناً بل هو منكر.

وورد عن أبي عبد الله الصادق (ع) وهو يحاسب وكيلاً له، والوكيل يحلف بأنه لم يخن، فقال له الإمام (ع): "يا هذا، خيانتك وتضييعك عليّ مالي سواء، ألا إن الخيانة شرّها عليك"، ثم قال (ع): "قال رسول الله (ص): لو أن أحدكم فرّ من رزقه لتبعه حتى يُدركه، كما أنه إذا هرب من أجله لتبعه حتى يُدركه، ومن خان خيانة حُسبت عليه من رزقه".. وعن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله الصادق (ع) عن رجل وقع لي عنده مال وكابرني عليه، ثم وقع له عندي مال فأخذه مكان مالي وأجحده وأحلف عليه كما صنع؟ فقال الإمام الصادق (ع): "إن خانك فلا تخنه، فلا تدخل فيما عبته عليه".. وعن رسول الله (ص): "إفشاء سرّ أخيك خيانة فاجتنب ذلك"، وعن الإمام الجواد (ع): "كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة"..

إن الله تعالى أراد للإنسان المؤمن أن يكون الإنسان الذي يفي بعهده ومسؤوليته، وأن يكون الأمين على نفسه ووطنه وأمته، ومن أكبر الخيانة خيانة الأمة والوطن، بأن يكون الإنسان جاسوساً لأعداء الأمة والوطن، بحيث يمكّنهم من احتلال أرضه وظلم أهله، فهذا من الخيانة، ومصيره النار، وهذا هو حال كل من يتعاون مع الظالمين ليقوّي ظلمهم، فعلى الإنسان المؤمن أن يتدبّر أمر نفسه قبل أن يقف بين يدي ربه، {يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم}.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله في أنفسكم، فلا تظلموها بأية خيانة في الدين والمال والعرض، واتقوا الله في الناس، فلا تخونوا أماناتهم، بل كونوا المؤمنين الذين يوفون بالعهد ولا ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويتحمّلون مسؤوليتهم في كل ما يريد الله تعالى لهم أن يتحمّلوا مسؤوليته، كونوا المؤمنين الذين يفكرون بالآخرة عندما يأخذون بأسباب الدنيا، لأن الله تعالى أراد لنا أن نجعل الدنيا مزرعة للآخرة، لأننا هنا في الدنيا نعيش وقتاً محدوداً، وسنقف غداً بين يدي الله ليحاسبنا على أعمالنا، وإن الدنيا مهما كبرت وعظمت وتزخرفت فإنها لا تغني عن الآخرة، فسنرجع إلى التراب وسنُبعث من التراب، وسنقف أمام الله لنؤدي كل حسابات التراب الحيّ الذي عشناه في حياتنا.

الشيخ شمس الدين..عالم متنوع الأبعاد

في هذه الساعات، نودّع عالِماً كبيراً متنوّع الأبعاد، متحرّك المواقف، ملأ مرحلته بعلمه، وانفتح فيه على أكثر من أفق، مع وعيٍ لعصره وللناس فيه، في الفكرة والأسلوب والمنهج، بحيث كانت حياته محطة بارزة تركت بصماتها على أكثر من صعيد، وفي أكثر من مستوى، وأثارت الجدل في أكثر من قضية..

إنني – وبصرف النظر عن كل ما هناك – أشعر عندما أقف أمام غياب سماحة آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين، بأن هناك صفحة من حياتي قد طُويت، فقد عشنا معاً في النجف وفي لبنان مدة طويلة، في لقاء فكري تارة، واختلاف في وجهات النظر أخرى، كالكثيرين من العلماء الذين قد يختلفون في بعض أفكارهم، ولكن ذلك لا يمنع من المحبة والمودة، فقد كنت أحمل له ذلك في قلبي طيلة تلك الفترة، ولم أتحرّك اتجاهه في أيّ موقف سلبي كلمة أو فعلاً، لأن الأساس في كل ما أتحرك به هو الإسلام وما ينفع الناس، فليس لديّ أيّ موقع للعداوة، وليس في نفسي أيّ شعور بالبغضاء، لأني أعتقد أنهما لا يخدمان قضية، ولا يبنيان مجتمعاً..

إننا في هذه الأيام نشعر بحالة من الفراغ تتحرك في الموقع الذي كان سماحته يملأه حركة ونشاطاً، وفي الساحات التي تحرك فيها على مستوى القضية اللبنانية، أو في الآفاق العامة للقضية العربية والإسلامية.. إننا لا نستطيع إلا أن نخشع أمام قضاء الله تعالى وقدره، سائلين المولى عزّ وجلّ أن يتغمّد أخانا الراحل بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جنته، ويلهم الأمة الصبر على فقده، وعلينا أن نكون في موقع الدعوة للوحدة واللحمة على المستوى الإسلامي الشيعي، وفي واقع المسلمين واللبنانيين جميعاً، لأن المسألة هي كيف نحمي واقعنا الذي يرصده الكثيرون من أجل العبث به، من خلال دخولهم على الخط في كل الاختلاف الفكري والسياسي هنا وهناك..

التحرك في خط الوحدة والحوار:

إن علينا أن نتحرك في خط الوحدة والحوار والتفاهم أمام كل مصيبة أو نائبة تصيبنا، فالمرحلة أكبر من الأشخاص، فكلنا ذاهبون وكلنا راحلون، ولكن يبقى الإسلام، وتبقى الرسالة، وتبقى الأمة في مسؤوليتنا جميعاً أمام الله تعالى عن الحاضر والمستقبل.. ولا تزال يدي ممدودة للجميع للتعاون على ما فيه مصلحة الإسلام والأمة كلها، ولا يزال قلبي مفتوحاً للجميع بالمحبة لمن أتفق معه ولمن أختلف معه، لأني أشعر بأن مسؤولية الرساليين تفرض أن تكون عقولهم وقلوبهم مفتوحة، وهذا ما عشته في الماضي، وأعيشه في المستقبل بإذن الله..

إن هناك من يريد أن يثير الفتنة، ولن أسمح لأحد بأن يثيرها، وسأقول ما قاله جدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): "لأسلّمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن بها جور إلا عليّ خاصة".. وإنني في هذه المناسبة الأليمة، أدعو كل الأخوة والأخوات للمشاركة في تشييع الراحل الكبير، تعزيزاً لذكراه، وحماية لخط الوحدة والمحبة والخير كله..

نحو مزيد من المواقف الجهادية:

وفي هذا الجو، نلاحظ أن الواقع الذي يعيشه العدو الصهيوني في هذه الأيام، في أساليبه التهديدية، وفي صراعاته الداخلية، وفي الفوضى السياسية، وفي الاتهامات المتبادلة بين هذا الفريق وذاك، يكشف لنا كم استطاعت المقاومة في لبنان سابقاً وحالياً، والانتفاضة في فلسطين، أن يتركا تأثيرهما السلبي على كيان العدو، على صعيد الهزيمة الأمنية في أكثر من موقع، والهزيمة السياسية على أكثر من صعيد، ما يدعونا إلى المزيد من المواقف الجهادية الحاسمة، والتحرك السياسي الواعي الذي يحررنا من الخديعة التاريخية التي كانت تزعم بأن "العمل" غير "الليكود"، لأنه أقرب إلى السلام على حدّ زعمهم.. فقد كشفت لنا الأحداث أنهما وجهان لعملة واحدة في الحركة السياسية الاستراتيجية الصهيونية..

وليس بعيداً من ذلك، نسمع في هذه الأيام مزيداً من التهديدات الإسرائيلية، ومزيداً من القصف والاعتداءات على الأراضي اللبنانية، ولا سيما منطقتي "شبعا" و"كفرشوبا".. إننا أمام هذا الواقع، نؤكد ضرورة البقاء في حالة استنفار ورصد لما يخطط له العدو، لأنه قد يستغل أية حالة من الاسترخاء عندنا لتنفيذ خططه الأمنية والسياسية العدوانية.

إن رئيس أركان العدو يتحدث عن "تحضيرات لبنانية لعمليات من المقاومة الإسلامية في الأيام القريبة"، على حدّ قوله.. إننا ندرك أن العدو يخاف من حركة هذه المقاومة، ولكنه يحاول في هذا التصريح إثارة الموقف السياسي الدولي من جهة، وتبرير ما يخطط له من عدوان محتمل من جهة أخرى، لا سيما في مرحلة انتخاباته، ما يفرض علينا الحذر على جميع المستويات، والعمل على تأكيد الوحدة في كل مواقعنا السياسية.

الانتفاضة..إفشال الخطة الدولية:

وليس بعيداً من ذلك، ما نشهده من محاولات أمريكية لتطويق الانتفاضة أمنياً وسياسياً، بالتنسيق مع العدو، والضغط على السلطة الفلسطينية بمختلف الوسائل، وذلك من خلال الاجتماعات الأمنية وغيرها، ما يجعلنا نخشى أن تخرج بنتيجة سلبية على صعيد القضية الفلسطينية..

إن أمريكا لا تزال تعمل للمصلحة الإسرائيلية، ولا سيما على مستوى الانتخابات التي تريد للفلسطينيين وللعرب أن يتخذوا موقفاً سياسياً وانتخابياً لمصلحة مرشحها الصهيوني. وعلى الشعب الفلسطيني الذي قدّم ولا يزال يقدّم التضحيات الكبرى لقضية التحرير، أن لا يستسلم للضغوط الأمريكية أو الأوروبية أو العربية مهما كانت الصعوبات، لأن الانتفاضة هي الفرصة الوحيدة والأخيرة للوصول إلى الأهداف الكبرى في الحرية والعزة والكرامة، وإننا نثق بهذا الشعب الذي عرف كيف يتعالى على جراحاته الكبيرة في الحصار والتجويع، ويبتعد عن الخطة الدولية – ولا سيما الأمريكية – في إخراج العدو من مأزقه السياسي والأمني.

الواقع اللبناني والاهتمام بالأولويات:

وعندما نصل إلى الواقع اللبناني الداخلي، فإن هناك عدة نقاط لا بدّ من إثارتها:

1 – إننا نقدّر للدولة اللبنانية سعيها الدؤوب في حل مشكلة الألغام المزروعة في أرضنا المحررة من قِبَل العدوّ، كما نستغرب الموقف غير الحاسم من الأمم المتحدة في الامتناع عن الضغط على الكيان الصهيوني الذي صرّح أخيراً بأنه لا يملك خرائط كاملة للألغام؟!

2 – إن على الدولة أن تتحرك في حالة الطوارئ لمواجهة حالات "الصفيرة" في البقاع الغربي، الذي عانى ولا يزال يعاني من الحرمان ومن فقدان الاهتمام الرسمي بالقضايا الحيوية والخدمات الضرورية، فنحن نخشى على تلك المنطقة صحياً، كما نخشى امتداد هذه الحالة إلى المناطق الأخرى..

3 – إننا نجدد مطالبتنا بالاهتمام بالمناطق المحرومة في لبنان، ولا سيما المناطق المحررة في الجنوب والبقاع، كذلك عكار وغيرها، لتكون المسألة على مستوى الأولويات، لأن المأساة المعيشية والمشكلة الاقتصادية قد تطورتا إلى الحدّ الذي لا يملك المستضعفون الصبر عليه..

4 – إننا ندعو العاملين في الواقع السياسي إلى الكف عن أسلوب المهاترات والحرتقات واللعب بأعصاب المواطنين، وإثارة الحساسيات السياسية والطائفية والمذهبية التي تنتج العصبيات، وتشغل البلد عن قضاياه الكبرى.. إننا نفهم أن في البلد حريات سياسية ولو على مستوى الكلمات، ولكن للحرية أصولها في الشكل والمضمون والأسلوب بما يحفظ مصلحة البلد، لا سيما في هذه المرحلة التي قد يخطط فيها الاستكبار العالمي، ولا سيما الأمريكي، لإثارة أكثر من أزمة سياسية واقتصادية، فعلينا أن نرتفع إلى مستوى المرحلة في مسؤوليتنا عن الناس والبلد والمستقبل.
ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :
 
الصدق في الالتزامات والعهود:

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}، ويقول سبحانه: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوّان كفور}، ويقول تعالى: {إن الله لا يحب الخائنين}. يريد الله تعالى للإنسان الذي يلتزم الخط الإسلامي أن يصوغ شخصيته على أساس هذا الخط، فيكون الإنسان الذي يصدق في عهده والتزاماته ومسؤوليته، سواء كان ذلك في عهده مع الله تعالى، أو في عهده مع نفسه أو مع الناس، أو في عهده مع الحياة كلها، أن تكون مسلماً يعني أن تكون مع التزاماتك وكلمتك ومسؤوليتك، أن تصوغ ذاتك لتكون في هذا الخط، أما إذا كنت الخائن لأمانتك وعهدك ومسؤوليتك، فأنت لست المسلم الذي يريده الله تعالى.

وقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق (ع): "يُجبل المؤمن على كل طبيعة – يمكن أن يكون لدى المؤمن بعض نقاط الضعف في حياته، كأشياء تمثّل حالات طارئة وهامشية لا تقتحم أساس إيمانه، ولكن هناك بعض الأشياء التي تقتحم إيمانه، فيخرج بها المؤمن عن إيمانه ـ إلا الخيانة والكذب"، فمن كان كذّاباً وخائناً لا يمكن أن يكون مؤمناً، لأن الخيانة تعني أنه ممن ينقض عهده مع الله تعالى، والكذب يعني أنه ممن يلتزم الباطل ضد الحق، والإيمان عهد مع الله تعالى والتزام بالحق.

الخائن مصيره النار:


وورد في الحديث عن رسول الله (ص): "أربع لا تدخل بيتاً واحدة منهن إلا خَرِب، ولم يُعمّر بالبَرَكة: الخيانة والسرقة وشرب الخمر والزنى". وفي الحديث عن رسول الله (ص): "ليس منّا من خان الأمانة"، أمانة المال والدين والعرض والحرية والحياة كلها. وفي حديث آخر: "ليس منّا من خان مسلماً في أهله وماله"، "المكر والخديعة والخيانة في النار"، من استعمل المكر في سلوكه مع الآخرين، والخديعة في تعامله معهم، ومن أقدم على خيانتهم، فإنه في النار، لأن هذه الخصال تؤدي بصاحبها إلى النار.

وفي حديث عليّ (ع): "الخيانة أخو الكذب"، "الخيانة غدر"، "الخيانة رأس النفاق"، ويقول عليّ (ع) – وما أقل من يسمعون كلام عليّ ومن يعرفونه ويرتفعون إلى مستواه -: "إياك والخيانة فإنها شر معصية، فإن الخائن لمعذَّب بالنار على خيانته". ويقول عليّ (ع) في ما روي عنه: "جانبوا الخيانة فإنها مجانبة الإسلام"، فالإسلام شيء والخيانة شيء آخر.

المؤمن لا يخون:

وفي الرواية عن أحد أصحاب الإمام الباقر (ع) يقول: دخلت على أبي جعفر (ع) – وهي كنية الإمام محمد الباقر (ع) – وقلت له: جُعلت فداك، إني أريد أن ألازم مكة وعليّ دَيْن للمرجئة – وهي طائفة منحرفة عن خط أهل البيت (ع) – فما تقول؟ فقال له الإمام الباقر (ع): "ارجع إلى مؤدى دينك وانظر أن تلقى الله عزّ وجلّ وليس عليك دَين فإن المؤمن لا يخون"، هبّ أن هذا الشخص يختلف مذهبك عن مذهبه، أو يختلف دينك عن دينه، أو يختلف التزامك السياسي عن التزامه السياسي، القصة ليست قصة هذا الشخص من هو، ولكن القصة هي من أنت؟ إذا كنت مؤمناً فإن المؤمن لا يخون، لا يخون المسلمين ولا الكافرين، وورد في الحديث الشريف: "أدّوا الأمانة إلى ما ائتمنكم عليها ولو إلى قاتل وِلد الأنبياء"، وفي الحديث عن الإمام زين العابدين (ع): "لو ائتمنني ضارب عليّ بالسيف على السيف الذي ضرب به عليّ وقبلت منه لأديت أمانته"..

على ضوء هذا، أحبّ أن أنبه إلى نقطة مهمة، وهي أن بعض الناس الذين يذهبون إلى أمريكا وأوروبا ويعتمدون على التسهيلات في الاستدانة، فيأخذون الأموال بطريقة وبأخرى ويتهرّبون من أداء الدَين – ومن المؤسف أن البعض يعطي الفتاوى في هذه المسألة – بحجة أن هؤلاء كفّار ومستكبرين، فيربون الناس على الخيانة، وهذا ما حصل في بلدنا أيام الحرب، عندما بدأ بعض الناس يسرقون غير المسلمين، ثم ما لبثوا أن سرقوا من غير المسلمين الشيعة، ولم يفلت فيما بعد المسلمون الشيعة من أياديهم، بحجة أنهم لا يدفعون الخمس، وكأنهم أصبحوا أولياء الخمس والحقوق الشرعية!!

الخيانة منكر:

والإسلام يريد في مثل هذه القضايا أن يقطع رأس الخيانة، ويريد للإنسان المؤمن في أيّ مكان يحلّ فيه أن يكون النموذج الذي يُضرب به المثل في الأمانة، ليرغب الناس من خلال سلوكه بالإسلام، وقد استطاع رسول الله(ص) قبل نبوّته أن يملك قلوب المشركين بالصدق والأمانة، فقد كان (ص) مستودع أماناتهم.. والأمانة لا تعني أن تحفظ الوديعة فحسب، بل حتى لو كنت موظفاً، فإن صاحب العمل يملك عليك ساعات عملك، فلا يمكن لك أن تسرق من هذه الساعات لتتفق مع بعض الموظفين المسؤولين أن يغضوا النظر عن غيابك، ولا يجوز لك أن تأخذ إجازة مرضية وأنت لست مريضاً، ولا يجوز لطبيب أن يعطي شهادة لإنسان بالمرض وهو غير مريض فعلاً، وإلا فإنه خائن، ولا يجوز أن تزوّر ورقة الضمان فتأخذ منه وأنت لست مضموناً، أو تضمن على اسمك مَن ليس مضموناً، فإن هذا كله خيانة..

وقد يزين بعض الناس لأنفسهم الخيانة بحجة أنه إذا لم يأخذ هذه الأموال فسوف يأخذها غيره، ويستهينون بأموال الدولة، ولكن مال الدولة ليس مال رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو المجلس النيابي، بل هو مال الناس، وأية سرقة أو خيانة فإنها ترتد سلباً على الناس، لأن مشاريع الدولة إذا خُرّبت فسوف يُعاد إصلاحها من الميزانية وليس من أموال هذا المسؤول أو ذاك.. والمشكلة أننا أصبحنا نستهين بأموال الضمان وأموال المهجّرين وما إلى ذلك، وتعلّمنا كيف نحتال ونخدع ونكذب ونغش لتحصيل المال، هذا ليس ديناً بل هو منكر.

وورد عن أبي عبد الله الصادق (ع) وهو يحاسب وكيلاً له، والوكيل يحلف بأنه لم يخن، فقال له الإمام (ع): "يا هذا، خيانتك وتضييعك عليّ مالي سواء، ألا إن الخيانة شرّها عليك"، ثم قال (ع): "قال رسول الله (ص): لو أن أحدكم فرّ من رزقه لتبعه حتى يُدركه، كما أنه إذا هرب من أجله لتبعه حتى يُدركه، ومن خان خيانة حُسبت عليه من رزقه".. وعن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله الصادق (ع) عن رجل وقع لي عنده مال وكابرني عليه، ثم وقع له عندي مال فأخذه مكان مالي وأجحده وأحلف عليه كما صنع؟ فقال الإمام الصادق (ع): "إن خانك فلا تخنه، فلا تدخل فيما عبته عليه".. وعن رسول الله (ص): "إفشاء سرّ أخيك خيانة فاجتنب ذلك"، وعن الإمام الجواد (ع): "كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة"..

إن الله تعالى أراد للإنسان المؤمن أن يكون الإنسان الذي يفي بعهده ومسؤوليته، وأن يكون الأمين على نفسه ووطنه وأمته، ومن أكبر الخيانة خيانة الأمة والوطن، بأن يكون الإنسان جاسوساً لأعداء الأمة والوطن، بحيث يمكّنهم من احتلال أرضه وظلم أهله، فهذا من الخيانة، ومصيره النار، وهذا هو حال كل من يتعاون مع الظالمين ليقوّي ظلمهم، فعلى الإنسان المؤمن أن يتدبّر أمر نفسه قبل أن يقف بين يدي ربه، {يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم}.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله في أنفسكم، فلا تظلموها بأية خيانة في الدين والمال والعرض، واتقوا الله في الناس، فلا تخونوا أماناتهم، بل كونوا المؤمنين الذين يوفون بالعهد ولا ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويتحمّلون مسؤوليتهم في كل ما يريد الله تعالى لهم أن يتحمّلوا مسؤوليته، كونوا المؤمنين الذين يفكرون بالآخرة عندما يأخذون بأسباب الدنيا، لأن الله تعالى أراد لنا أن نجعل الدنيا مزرعة للآخرة، لأننا هنا في الدنيا نعيش وقتاً محدوداً، وسنقف غداً بين يدي الله ليحاسبنا على أعمالنا، وإن الدنيا مهما كبرت وعظمت وتزخرفت فإنها لا تغني عن الآخرة، فسنرجع إلى التراب وسنُبعث من التراب، وسنقف أمام الله لنؤدي كل حسابات التراب الحيّ الذي عشناه في حياتنا.

الشيخ شمس الدين..عالم متنوع الأبعاد

في هذه الساعات، نودّع عالِماً كبيراً متنوّع الأبعاد، متحرّك المواقف، ملأ مرحلته بعلمه، وانفتح فيه على أكثر من أفق، مع وعيٍ لعصره وللناس فيه، في الفكرة والأسلوب والمنهج، بحيث كانت حياته محطة بارزة تركت بصماتها على أكثر من صعيد، وفي أكثر من مستوى، وأثارت الجدل في أكثر من قضية..

إنني – وبصرف النظر عن كل ما هناك – أشعر عندما أقف أمام غياب سماحة آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين، بأن هناك صفحة من حياتي قد طُويت، فقد عشنا معاً في النجف وفي لبنان مدة طويلة، في لقاء فكري تارة، واختلاف في وجهات النظر أخرى، كالكثيرين من العلماء الذين قد يختلفون في بعض أفكارهم، ولكن ذلك لا يمنع من المحبة والمودة، فقد كنت أحمل له ذلك في قلبي طيلة تلك الفترة، ولم أتحرّك اتجاهه في أيّ موقف سلبي كلمة أو فعلاً، لأن الأساس في كل ما أتحرك به هو الإسلام وما ينفع الناس، فليس لديّ أيّ موقع للعداوة، وليس في نفسي أيّ شعور بالبغضاء، لأني أعتقد أنهما لا يخدمان قضية، ولا يبنيان مجتمعاً..

إننا في هذه الأيام نشعر بحالة من الفراغ تتحرك في الموقع الذي كان سماحته يملأه حركة ونشاطاً، وفي الساحات التي تحرك فيها على مستوى القضية اللبنانية، أو في الآفاق العامة للقضية العربية والإسلامية.. إننا لا نستطيع إلا أن نخشع أمام قضاء الله تعالى وقدره، سائلين المولى عزّ وجلّ أن يتغمّد أخانا الراحل بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جنته، ويلهم الأمة الصبر على فقده، وعلينا أن نكون في موقع الدعوة للوحدة واللحمة على المستوى الإسلامي الشيعي، وفي واقع المسلمين واللبنانيين جميعاً، لأن المسألة هي كيف نحمي واقعنا الذي يرصده الكثيرون من أجل العبث به، من خلال دخولهم على الخط في كل الاختلاف الفكري والسياسي هنا وهناك..

التحرك في خط الوحدة والحوار:

إن علينا أن نتحرك في خط الوحدة والحوار والتفاهم أمام كل مصيبة أو نائبة تصيبنا، فالمرحلة أكبر من الأشخاص، فكلنا ذاهبون وكلنا راحلون، ولكن يبقى الإسلام، وتبقى الرسالة، وتبقى الأمة في مسؤوليتنا جميعاً أمام الله تعالى عن الحاضر والمستقبل.. ولا تزال يدي ممدودة للجميع للتعاون على ما فيه مصلحة الإسلام والأمة كلها، ولا يزال قلبي مفتوحاً للجميع بالمحبة لمن أتفق معه ولمن أختلف معه، لأني أشعر بأن مسؤولية الرساليين تفرض أن تكون عقولهم وقلوبهم مفتوحة، وهذا ما عشته في الماضي، وأعيشه في المستقبل بإذن الله..

إن هناك من يريد أن يثير الفتنة، ولن أسمح لأحد بأن يثيرها، وسأقول ما قاله جدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): "لأسلّمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن بها جور إلا عليّ خاصة".. وإنني في هذه المناسبة الأليمة، أدعو كل الأخوة والأخوات للمشاركة في تشييع الراحل الكبير، تعزيزاً لذكراه، وحماية لخط الوحدة والمحبة والخير كله..

نحو مزيد من المواقف الجهادية:

وفي هذا الجو، نلاحظ أن الواقع الذي يعيشه العدو الصهيوني في هذه الأيام، في أساليبه التهديدية، وفي صراعاته الداخلية، وفي الفوضى السياسية، وفي الاتهامات المتبادلة بين هذا الفريق وذاك، يكشف لنا كم استطاعت المقاومة في لبنان سابقاً وحالياً، والانتفاضة في فلسطين، أن يتركا تأثيرهما السلبي على كيان العدو، على صعيد الهزيمة الأمنية في أكثر من موقع، والهزيمة السياسية على أكثر من صعيد، ما يدعونا إلى المزيد من المواقف الجهادية الحاسمة، والتحرك السياسي الواعي الذي يحررنا من الخديعة التاريخية التي كانت تزعم بأن "العمل" غير "الليكود"، لأنه أقرب إلى السلام على حدّ زعمهم.. فقد كشفت لنا الأحداث أنهما وجهان لعملة واحدة في الحركة السياسية الاستراتيجية الصهيونية..

وليس بعيداً من ذلك، نسمع في هذه الأيام مزيداً من التهديدات الإسرائيلية، ومزيداً من القصف والاعتداءات على الأراضي اللبنانية، ولا سيما منطقتي "شبعا" و"كفرشوبا".. إننا أمام هذا الواقع، نؤكد ضرورة البقاء في حالة استنفار ورصد لما يخطط له العدو، لأنه قد يستغل أية حالة من الاسترخاء عندنا لتنفيذ خططه الأمنية والسياسية العدوانية.

إن رئيس أركان العدو يتحدث عن "تحضيرات لبنانية لعمليات من المقاومة الإسلامية في الأيام القريبة"، على حدّ قوله.. إننا ندرك أن العدو يخاف من حركة هذه المقاومة، ولكنه يحاول في هذا التصريح إثارة الموقف السياسي الدولي من جهة، وتبرير ما يخطط له من عدوان محتمل من جهة أخرى، لا سيما في مرحلة انتخاباته، ما يفرض علينا الحذر على جميع المستويات، والعمل على تأكيد الوحدة في كل مواقعنا السياسية.

الانتفاضة..إفشال الخطة الدولية:

وليس بعيداً من ذلك، ما نشهده من محاولات أمريكية لتطويق الانتفاضة أمنياً وسياسياً، بالتنسيق مع العدو، والضغط على السلطة الفلسطينية بمختلف الوسائل، وذلك من خلال الاجتماعات الأمنية وغيرها، ما يجعلنا نخشى أن تخرج بنتيجة سلبية على صعيد القضية الفلسطينية..

إن أمريكا لا تزال تعمل للمصلحة الإسرائيلية، ولا سيما على مستوى الانتخابات التي تريد للفلسطينيين وللعرب أن يتخذوا موقفاً سياسياً وانتخابياً لمصلحة مرشحها الصهيوني. وعلى الشعب الفلسطيني الذي قدّم ولا يزال يقدّم التضحيات الكبرى لقضية التحرير، أن لا يستسلم للضغوط الأمريكية أو الأوروبية أو العربية مهما كانت الصعوبات، لأن الانتفاضة هي الفرصة الوحيدة والأخيرة للوصول إلى الأهداف الكبرى في الحرية والعزة والكرامة، وإننا نثق بهذا الشعب الذي عرف كيف يتعالى على جراحاته الكبيرة في الحصار والتجويع، ويبتعد عن الخطة الدولية – ولا سيما الأمريكية – في إخراج العدو من مأزقه السياسي والأمني.

الواقع اللبناني والاهتمام بالأولويات:

وعندما نصل إلى الواقع اللبناني الداخلي، فإن هناك عدة نقاط لا بدّ من إثارتها:

1 – إننا نقدّر للدولة اللبنانية سعيها الدؤوب في حل مشكلة الألغام المزروعة في أرضنا المحررة من قِبَل العدوّ، كما نستغرب الموقف غير الحاسم من الأمم المتحدة في الامتناع عن الضغط على الكيان الصهيوني الذي صرّح أخيراً بأنه لا يملك خرائط كاملة للألغام؟!

2 – إن على الدولة أن تتحرك في حالة الطوارئ لمواجهة حالات "الصفيرة" في البقاع الغربي، الذي عانى ولا يزال يعاني من الحرمان ومن فقدان الاهتمام الرسمي بالقضايا الحيوية والخدمات الضرورية، فنحن نخشى على تلك المنطقة صحياً، كما نخشى امتداد هذه الحالة إلى المناطق الأخرى..

3 – إننا نجدد مطالبتنا بالاهتمام بالمناطق المحرومة في لبنان، ولا سيما المناطق المحررة في الجنوب والبقاع، كذلك عكار وغيرها، لتكون المسألة على مستوى الأولويات، لأن المأساة المعيشية والمشكلة الاقتصادية قد تطورتا إلى الحدّ الذي لا يملك المستضعفون الصبر عليه..

4 – إننا ندعو العاملين في الواقع السياسي إلى الكف عن أسلوب المهاترات والحرتقات واللعب بأعصاب المواطنين، وإثارة الحساسيات السياسية والطائفية والمذهبية التي تنتج العصبيات، وتشغل البلد عن قضاياه الكبرى.. إننا نفهم أن في البلد حريات سياسية ولو على مستوى الكلمات، ولكن للحرية أصولها في الشكل والمضمون والأسلوب بما يحفظ مصلحة البلد، لا سيما في هذه المرحلة التي قد يخطط فيها الاستكبار العالمي، ولا سيما الأمريكي، لإثارة أكثر من أزمة سياسية واقتصادية، فعلينا أن نرتفع إلى مستوى المرحلة في مسؤوليتنا عن الناس والبلد والمستقبل.
اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير