حوار حول المرجعية في إيران والعراق وغيرها

حوار حول المرجعية في إيران والعراق وغيرها

في حوار مع صحيفة "السفير" اللبنانية حول الفتوى والمرجعية وإيران والمسألة العراقية

أجرى الحوار الأستاذ نصير الأسعد

الحوار مع المرجع الاسلامي الشيعي السيد محمد حسين فضل الله، من النوع "المتدفق"، حيث يأنس السيد إلى الحوار في الفقه والفتوى والمرجعية أكثر من الحوار في قضايا أو عناوين أخرى، تماما لأن الفتوى تغني كل القضايا عندما تصدر عن فقيه متبحر في الثقافة الدينية، وممسك بناصية الخبرة والمعرفة، ومتمرس في الفكر الذي يخدم الاسلام.

والسيد فضل الله الذي يدخل في صميم السياسة من موقع مرجعي، حدد دوره الذي لا يخضع الى منازعات كانت ستفرض نفسها لو وجه اهتمامه الى "السياسة الصرفة".

وهو في تحديده لموقعه تجاوزت مرجعيته حدود "النطاق اللبناني"، فغدا "مسؤولاً" عن الإجابة على هموم المسلمين في غير مكان من هذا العالم العربي والاسلامي. وهو لا يجد غضاضة في تأكيد أنه واحد من نحو عشر مرجعيات.. يتوزع التسعة الآخرون غيره بين النجف وقم، إضافة إلى مرجعية السيد علي الخامنئي. ولا يتردد في القول إن فتاوى السيد الخامنئي وأحكامه تلزم "فقط" من يلتزمون بمرجعيته..

ويكرر من موقعه المرجعي الدعوة إلى تحويل المرجعية إلى "مؤسسة"، ويناقش في إشكالات المرجعية عند السنة، وأثر علاقة المرجعية بـ"الحاكم" على الفتاوى، ويعبر عن منطلقات "إسلامية" عامة من موقع مرجعيته الشيعية. ولأنه كذلك، يقدم السيد فضل الله فتاويه المؤسسة على فقه وثقافة واسعين تحت عنوان "العدل" كما جاء في القرآن الكريم، العدل في مواجهة "الظلم" مجسداً اليوم بالولايات المتحدة وسياساتها.. فيغدو حديث العدل والظلم معه حديثاً سياسياً بامتياز.

فإلى وقائع هذا الحوار مع المرجع السيد فضل الله، الذي يضع الناس وقضاياهم نصب عينيه:

غاية الدين تحقيق العدل

* أين توظف الفتوى السياسية والدينية في مرحلة سياسية كالتي نعيش فيما لو أخذنا المنطقة العربية من فلسطين للعراق، وصولا لأفغانستان والحملة الأميركية لتشويه صورة الإسلام والمسلمين والفقهاء. ما الخط الذي يجب أن يتبناه الفقهاء من خلال الفتوى السياسية؟

ـ بدايةً لا بد من الإطلالة كمقدمة على مسألة الدين والسياسة. فحين ندرس المسألة الدينية في عمقها الإنساني، فإننا نلتقي بالقاعدة التي يرتكز الدين عليها في تاريخه كله، من خلال القرآن. وهي أن الدين يبني الإنسان ليكون موقع عدل، فالدين نزل بهدف إقامة العدل بين الناس، وهذا ما نستفيده من الآية الكريمة في سورة الحديد {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}، فكل هذه البيّنات التي تؤكد علاقة الموقع بالله والكتاب، الذي يمثل خط الرسالة والميزان الذي يتحرك في نطاق التطبيق، {ليقوم الناس بالقسط}. فالقرآن أعطى الخطوط العامة التي تبعد مسألة العدل عن كل النوازع الذاتية.

ومن خلال ذلك، وفي ظل هذه الدائرة الواسعة، فإن العدل لا يقتصر على جانب دون آخر. إن الدين، وانطلاقاً من ذلك يدخل في حياة الناس كقاعدة فكرية إنسانية تتمظهر بخطوط قانونية تحاول أن تؤصل هذه القاعدة وتقننها.

ومن هنا ندخل لموضوع الفتوى التي تمثل مسألة ثقافية، أي أن تدرس النظرية في إطارها القانوني وفي إطارها الفقهي وتدرس حركة النظرية في الواقع، حيث تتحرك على هذا الأساس مسألة العدل والظلم. ما هو العدل هنا وما هو الظلم، فإذا تجمعت لديك كل مفردات النظرية في خط الواقع وخط التطبيق، عندها يمكن لك أن تصدر الفتوى التي تتحرك في حياة الناس، وفي علاقة الحاكم مع المحكوم، وعلاقة الناس مع القانون... وفي جانب آخر فإن مفهوم العدل لا ينحصر في هذا الجانب، بل يجب التركيز على ضرورة الإنسان مع ربه، وظلم الإنسان لربه الذي له الحق علينا في الطاعة لا المعصية.

فتوى مقاطعة البضائع الأميركية.

إن على الانسان أن يعيش هذه المسؤولية بما يملك من ثقافة واسعة منفتحة على مقاصد التشريع وعلى الخط الفكري الانساني في الإسلام، فإذا حدثت مسألة تتعلق بالواقع السياسي للناس فالمفروض بالفقيه الذي يعيش المسؤولية عن حياة الناس أن يدرس الواقع ويحدد كل المعطيات التي يمكن له أن يصدر فيها الفتوى والأمثلة على ذلك كثيرة، منها فتوى مقاطعة البضائع الأميركية بالمقدار الممكن وبما لا يؤدي إلى نتائج سلبية على مستوى اقتصاد الأمة.

إن منطلق هذه الفتوى هو دراسة الخطة الاميركية في استلاب عالم المستضعفين، لا سيما العالم الاسلامي، اقتصاداً وسياسة، وأمناً، ومحاولة تحويل هذا العالم إلى أسواق استهلاكية لمنتجاتهم على كافة المستويات. ومن خلال ذلك تتحرك المسألة السياسية والأمنية، كما نعرف في هذا الإطار أن الفكرة التي كنت أدرسها هي أنه لا بد من إيجاد قاعدة دينية إسلامية في وجدان الإنسان المسلم في أن يعاقب من يعاقبه بطريقة سلمية، من دون أي حالة عنف، وذلك بالدعوة إلى تحريم البضائع الأميركية ـ والفتوى تأتي هنا ـ واستبدالها ببضائع أوروبية، إن لم تكن عربية، لأن أوروبا أقل تأثيراً، في الجانب السلبي، من أميركا أو البضائع الآسيوية. وقلنا إن الأساس هو البضائع الوطنية أو القومية.

الهدف هو إيجاد هذه القاعدة، قاعدة الرفض من خلال الفتوى، بقطع النظر عن النتائج المترتبة... لأن الأساس في الفتوى هو رفض المنكر.

الفتوى حول أميركا والعراق

إن الفتوى هنا وبحسب المصطلح سياسية، ولكنها انطلقت من قاعدة مواجهة الظلم الأميركي كوسيلة أولى لتحريك الوجدان الإسلامي العام للوصول إلى النتائج الحاسمة... والمثل الثاني هو الفتوى في حرمة مساعدة أميركا في ضرب الشعب العراقي وتمكينها من السيطرة على قدراته الإقتصادية والسياسية والأمنية... حيث درست المسألة في خط الاستراتيجية، وخط الواقع... أما دراسة خط الاستراتيجية فهي، أنني ومن خلال دراستي ومتابعتي للسياسة الأميركية في خطتها للسيطرة على العالم وخصوصاً على العالم الثالث وتحديداً الإسلامي والعربي، لاحظت أن مسألة إعلان الحرب على النظام العراقي لا تعود إلى قضية أسلحة الدمار الشامل، ولا إلى إنقاذ الشعب العراقي من نظامه لسبب بسيط جداً وهو أن أميركا هي التي وضعت هذا النظام وفرضته على الشعب العراقي.. وكانت الخطة الأميركية منذ البداية لضرب خط عبد الناصر في القومية العربية، وأول من بدأ وضع العصي في الدواليب هم الشيوعيون عندما كان القوميون العرب يتحدثون عن الوحدة ولعلنا نعرف كيف سقطت الوحدة العربية بين مصر وسوريا في تلك الفترة من الخمسينات.. لقد كان المطلوب من العراق أن ينقل الواقع السياسي من المناخ الناصري، والقومي العربي إلى المناخ الأميركي، وهو ما لاحظناه حين دفع العراق إلى الحرب مع إيران لتخفيف اندفاعات الثورة الاسلامية في إيران، وليكون العقاب على احتضان إيران لمسألة فلسطين... وكيف دفع بعد ذلك إلى احتلال الكويت، لأن متابعة الأحداث التي جرت في الكويت تفيد أن سفيرة أميركا، غلاسبي، آنذاك وضعت خطاً أحمر على السعودية، ولم تضعه على الكويت. ولهذا شعر النظام العراقي أن هناك ضوءاً أصفراً على الأقل للهجوم على الكويت، وكانت الخطة الأميركية الموضوعة في أول الثمانينات هي الوصول إلى النتائج التي انتهت إليها "عاصفة الصحراء". لهذا لاحظنا أن التقرير الذي قدمته غلاسبي أمام الكونغرس لم يتم نشره أو الإعلان عنه.

ولا ننسى أن المسؤولين الأميركيين حين انتهت الحرب قالوا: لن نسقط النظام.. وهم الذين أسقطوا الانتفاضة الشعبية العراقية، وأعطوا جيش النظام العراقي كل الدعم لإسقاط تلك الانتفاضة...

...كل هذا الامر الخاص بالنظام العراقي كان من ضمن الحملة الأميركية ليتحول العراق من خطر على إسرائيل إلى خطر على العالم العربي كله، ليربك الواقع والعالم العربي، وإلى خطر على المنطقة... وهو ما حصل، اذ ساهمت هاتان الحربان في إفلاس الخليج الذي تحمل كل تكاليف الحرب العراقية الإيرانية والحرب العراقية الكويتية، وأفسحتا المجال لأميركا لتحويل الخليج إلى قاعدة أميركية عسكرية...

كنت أفكر متابعاً الأحداث منذ بدايتها، وهو ما جعلنا نطل على "مؤتمر مدريد" الذي حول القضية الفلسطينية، مع كل الهتافات العربية المشجعة، عن مسارها الطبيعي لتنتهي في أوسلو، وعاشت ولا تزال تعيش في المتاهات. لقد كانت جزءاً من الخطة لتحجيم القضية الفلسطينية... وقد كنت أتابع المسألة بدقة وافكر بأن مسألة أميركا ليست مسألة إنقاذ الشعب العراقي الذي من الممكن أن رمز النظام فيه لم يعد مفيداً للسياسة الأميركية بعد أن استهلك بكل ما أرادته أميركا... وأما أسلحة الدمار الشامل فإن إسرائيل، وكما اعترفت، تملك كل أسلحة الدمار الشامل وبحدود 250 رأساً نووياً، وربما كانت أميركا تعرف كما يقرر بعض الخبراء أن العراق لم يستطع خلال 4 سنوات أن يصنع أسلحة الدمار الشامل... إن المطلوب هو إسقاط قوة العراق، ومنع العراق من امتلاك أي قوة، علماً أنه الدولة العربية شبه الوحيدة التي تملك من الثروة والشعب الذي لا يزال يعيش الروح العربية والإسلامية، والتي ربما تكون حالة جنينية عند البعض وحالة فعلية عند البعض الآخر... إن المطلوب ألا تكون هناك دولة عربية في قابلياتها في المستقبل توازي اسرائيل، بحيث تملك عناصر القوة. لهذا فإن المطلوب أميركيا وإسرائيلياً أن يعصر العراق، نفطاً واستثمارات وأن تطل أميركا، من خلال سيطرتها على العراق، لتكمل محاصرة إيران من جهة، ولتمتد في الخليج لترتب أوضاعه بعد قضية أسامة بن لادن، والشعبية التي يملكها في كثير من دول الخليج، حتى تنسقها وترتبها وتضعها على طريقتها الخاصة... ان الحرب الاميركية تمثل زلزالا سياسيا وامنيا واقتصاديا في المنطقة بحيث يؤثر على مجمل المنطقة، ويكون الرابح الأكبر إسرائيل... لتعود المنطقة منطقة ضعيفة أمام قوة إسرائيل، فممنوع أن يكون هناك قوة عربية توازي إسرائيل ولا نقول لتتفوق عليها...

معاناة العراقيين.

في ضوء هذه الحسابات لاحظت أن كل عمل من أية جهة معارضة في التعاون مع أميركا في هذه الخطة يمثل نوعاً من تأكيد الظلم الاستكباري الأميركي على الأمة... بما للكلمة من معنى في الوقت الذي كنت أشعر، وأعيش ولا أزال وأكثر من أي شخص في لبنان على الأقل، بأن للعراق عندي وضعاً خاصاً، لأني ولدت وعشت كل شبابي في العراق، ولا أزال أعيش مع كل هذا الجيل العراقي سواء في الداخل أو الخارج. وبناء عليه فإني أفهم ما معنى معاناة الشعب العراقي، وما معنى الملايين التي شردت والآلاف الذين يجوعون وأفهم أن العراقيين وصلوا إلى حالة من اليأس، بحيث أنهم مستعدون للقبول بالشيطان وهو موجود عندهم في نظام الشيطان الأكبر بدل الشيطان الأصغر...

لقد كنت أشعر بكل ذلك لأني أعايش هذه الحالة يومياً، وكنت أجد العذر للذين اعترضوا على الفتوى التي أطلقتها، لا سيما أن النظام العراقي استغلها وأراد تبنيها، علما أنني أكدت في فتوى أخرى أنه يجوز للاسلاميين التنسيق والتحالف مع العلمانيين لإسقاط النظام العراقي.

الفتاوى والمرجعية

* عندنا نموذجان من الفتاوى الشرعية، الشيعية والسنية. فالأزهر بيد الحاكم وهناك فتاوى تصدر قد لا يكون فيها فهم لواقع الصراع لا سيما ما يتصل بفلسطين وغيرها...

ـ هناك نقطة يجب بحثها، وهي أنه ليس هناك قيادة موحدة في العالم الاسلامي تماماً، تدرس الفكرة وتطلق الرأي للالتزام به، لا العالم السني ولا الشيعي... فالعالم الشيعي عاش ولازال يعيش المرجعيات المتعددة، التي تختلف ذهنيات أصحابها.

إن المرجعية في الجانب الشيعي، كما السني، تنطلق من حالة ثقافية فقهية تعليلية، في مَنْ هو الشخص الخبير بالمسألة الفقهية الاجتهادية التي يعبر عنها باستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية.

قد نلاحظ في المرجعيات، مع كل التقدير في المسألة الثقافية على المستوى الفقهي التقليدي، أنه ليس هناك خبرة في الواقع العالمي، وحين تصدر بعض الفتاوى فقد تصدر نتيجة ضغوط معينة من الحاكم أو نحوه، علما أنه في الجانب الشيعي غير مربوطة بالحاكم، ولكن ربما تكون من جهة الضغوط الداخلة في التقية وغيرها.

* في إيران مربوطة بالحاكم؟

ـ ليس كلها.

* أليس السيد خامنئي المرشد الأعلى لإيران؟

ـ السيد خامنئي حفظه الله رجل معاصر، وهو لا يستطيع فرض رأيه على مراجع قم.

* حتى بصفته الوليّ الفقيه؟

ـ حتى بصفته الولي الفقيه، لأن بعض الفقهاء في قم لا يرون "ولاية الفقيه" العامة، ففي الواقع الشيعي أساساً ليست هناك سيطرة للمركز الرسمي، حتى بهذا الحجم على كل الواقع الشيعي ولا سيما على الحوزة. هناك مؤيدون من المراجع لمقام السيد الخامنئي حفظه الله ولكن ليس كل المراجع كذلك، وفي الوقت نفسه هناك من لا يلتزم رأي "الولي الفقيه" حين لا يرى ولايته العامة، إن المرجعية الشيعية تملك حريتها، ولكن المشكلة أن هذه الحرية لا تعيش امتدادات واسعة نتيجة أنها لا ترتكز على أساس شرطية الخبرة السياسية.

* هذا يعني أنها ليست مؤسسة؟

ـ لا، ليست مؤسسة، ولذلك فإني قبل سنين أصدرت "كتاب المعالم الجديدة للمرجعية الشيعية"، حيث طرحت فكرة تحويل المرجعية إلى مؤسسة.

* كم هناك من المرجعيات الرسمية الآن؟

ـ إضافة للمرجعية التي نمثل مسؤوليتها أمام الناس هناك مرجعية السيد خامنئي، وثلاث مرجعيات في النجف وخمس تقريباً في قم في إيران.

إن المشكلة في المرجعية الشيعية هي أنه ليس هناك شرط يتطرق إلى أن يكون الإنسان عارفاً بزمانه حسب تعبيرات بعضهم، ليكون مرجعاً، ولدينا نص ورد فيه أنه لا بد أن يكون المرجع عارفاً بزمانه، حتى عندما يعطي الفتوى أو الرأي فإنه ينطلق من الواقع الموجود، وخصوصاً أن المرجعية الآن تختلف عن المرجعية في الماضي، حين كان الواقع الشيعي سابقاً يمثل حالة محصورة خاصة كما لو كان خارج نطاق العالم، أما بعد التطورات السياسية التي حصلت. فقد دخل الشيعة العالم من الباب الواسع سلطة ومشاركة وسياسة وما الى ذلك، ثم انفتح الجمهور الشيعي على العالم كله شرقاً وغرباً، حيث يرجع الجميع للمرجع في كل القضايا الحياتية، لذلك أصبحت الحاجة إلى مرجعية تملك الإجابة عن كل التطورات الموجودة عند الشباب. وأما في الوسط السني، فلا تزال المراكز الفتوائية أو المشيخة في الأزهر تحت تأثير الحاكم، باعتبار أنه من يملك تعيينها وإعطاءها الرواتب، ولهذا لم تستطع هذه المواقع أن تتحرر بشكل يفوق العادة من سيطرة الحاكم، ولكن هناك شخصيات تملك وعياً سياسياً وجرأة في هذا المقام.

* مثل من؟

ـ أذكر من هؤلاء الشيخ يوسف القرضاوي الذي يملك بحجم معين، ومن خلال ظروفه، إعطاء بعض الفتاوى السياسية وخصوصاً والانسجام مع القضية الفلسطينية، ويملك بعض نظرات الرؤية جيداً حول القضايا.

* ولكن لم تجر محاولات تنسيق بين أصحاب الفتوى عند السنة والشيعة، وكأن هناك انقطاع...؟

ـ المشكلة أن قضية الوحدة الاسلامية وكما كنت أقول ممنوعة، كما القومية العربية. أيضا تعبير الوحدة الدينية التي يسمونها الحوار الاسلامي ـ المسيحي، لا يسمح لها بالانفتاح بشكل واسع لتنزل إلى الارض.

القرآن في مواجهة التكفير المتبادل

ولذا فنحن لا نزال نعيش مسألة المسيحية والإسلام في لبنان، مع أنه ليس هناك شيء في الصراع اللبناني يسمّى المسيحية والإسلام، إن هناك ما يسمى الإدارات العامة، والوزراء والنواب، فمع هذا التوتر وللأسف التوتر الذي يعيشه العالم الإسلامي هناك عمل دقيق وضمن خطط خبيثة جداً تنطلق من المخابرات الدولية والإقليمية والمحلية لخلق حالة استعادة كل الأحقاد التاريخية بين السّنة والشيعة... ففي الوسط الشيعي عمل لتكفير السّنة، وعند السّنة عمل دقيق لتكفير الشيعة. وفي كل فترة من الفترات، خصوصاً في هذه المرحلة، نجد عملاً دقيقا لإثارة المسألة المذهبية بشكل دقيق جداً يتناول مقدسات هؤلاء وأولئك، مع أننا نملك القرآن الكريم الذي يؤكد على عناوين لو تأملها المسلمون لتركوا كل ذلك: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول}. إننا نجد حالة السباب والشتائم، في الوقت الذي يؤكد القرآن {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم}. {كذلك زينا لكل امة عملهم} إن كل فرد يعتبر نفسه على الحق والآخرين على الباطل {ولا تقولوا لمن ألقى اليك السلام لست مؤمنا}.

* أليس هناك خطر على المرجعيات السنية من الإسلام السياسي السني؟

ـ إن المرجعية السنية عندما ارتبطت بالحاكم كظاهرة لا شمولية، فقدت المعنى المرجعي الذي يجعلها مرتبطة بالواقع الشعبي الإسلامي العام، لأن الواقع الشعبي الإسلامي، في المجتمعين السني والشيعي على السواء يتعقد من أية مرجعية تتصل بالحاكم، وترتبط بالحاكم وتصدر فتاواها تحت ضغط الحاكم، ولا أقول لمصلحة الحاكم.

إن المرجعية في الإسلام كانت في مدى العصور التي يهفو المسلمون إليها ويقدسونها في المرجعية التي تملك حرية القرار... وإنني أتحدث عن ظاهرة في المرجعية الشيعية، وهي أن هذه المرجعية في مدى التأريخ كانت تهرب من ضغط الحاكم ومحاولة إعطائها الأموال، وتتجنب هذه الحالة والأمثلة كثيرة على ذلك... ففي أوائل القرن الماضي كان في الهند أوقاف لطُلاب فقراء النجف وكربلاء والكاظمية، يوزعها البريطانيون لأنهم كانوا يسيطرون على الهند، وقد فقد من يأخذ من هذه الاوقاف ثقة الناس به وموقعه، علماً أن الأوقاف شرعية، حتى أن بعض الفضلاء، وحين كان يوظف في مقام القاضي، كان موقعه يضعف لأخذه الأموال من الدولة، لقد كانت قيمة علماء ومراجع الشيعة، وحتى الآن، أنهم يملكون حريتهم لأن مصاريفهم كلها هي من الحقوق الشرعية، حتى قال بعضهم لقد تحررنا من ضغط الحاكم ووقعنا تحت ضغط الناس، وهذا الأمر ينطبق على كل الحوزات، فالحوزة العلمية في قم لا تتغذى من الدولة، بل من الحقوق الشرعية، وهو ما تمارسه معظم المرجعيات في إيران، ولو تحدثنا عن تجربتنا في لبنان فإننا ومنذ انطلاقتنا وحتى الآن استطيع التأكيد وبصوت عال، أنه ليس هناك أية دولة عربية أو اسلامية بما في ذلك إيران لها علاقة بأي مشروع في لبنان حتى الآن نقوم به. لأن هذه المشاريع تتغذى من الحقوق الشرعية التي يدفعها المؤمنون في لبنان وخارجه.

* إذا أصدرتم فتوى وغيركم أصدر فتوى كالسيد الخامنئي في الموضوع نفسه كالموضوع العراقي، فكيف يتم التعامل بذلك؟

ـ في تصوري أن كل الذين يرتبطون بالمرجع يلتزمون فتواه، فبالنسبة إلى قضية فتوى مقاطعة البضائع الأميركية فلا تزال تأتيني آلاف الاستفتاءات من سائر العالم العربي والاسلامي يتساءلون عن خصوصيات هذه البضاعة وتلك، وفي صورة الحاجة وغيرها حيث لاحظت التزاماً في هذه القضية، كما أن الذين يلتزمون مرجعية السيد خامنئي يتقيدون بذلك، فهذه تتحرك حسب مسألة الارتباط بالمرجع.

* بالنسبة للموضوع العراقي باعتباره حساساً أكثر من غيره؟

ـ هكذا بالنسبة إلى الموضوع العراقي، فالضجة التي حصلت حول الفتوى التي أصدرتها، من قبل بعض فصائل المعارضة العراقية، كانت خلفياتها الخوف من تأثير هذه الفتوى لدى الجماهير العراقية الملتزمة بفتاواي داخلياً وخارجياً.

* ولكن تعديلها كان لأن الموقف الايراني نفسه أقل مما ذهبتم إليه؟

ـ لقد سمعت من بعض الأصدقاء أن الفتوى كانت مفاجئة للجميع، حتى في المواقع الإسلامية، ولعل الأصداء التي وصلتني حول الفتوى، أن ما فهمه الناس من الموقف الإيراني بالنسبة للمسألة العراقية في ذهاب وفد "المجلس الأعلى" الذي يدين بولاية الفقيه حسب خطابه الرسمي، أعتبر في العالم الرسمي هو الموقف الشيعي الذي قيل فيه خطأ أو صواباً أن الشيعة باعوا العراق للأميركيين، ولا أدعي دقة هذا الكلام، ولهذا كانت الفتوى التي أطلقتها، وكانت جواباً لموقع إسلامي سني على الانترنت هو موقع "إسلام لاين" قد استطاعت أن ترفع شبهة هذه الفكرة.

إنني لم أعدل بالفتوى أبدا لأنها كانت تستهدف كل تعاون مع أميركا ولا أزال أؤكد هذه الفتوى، ولكن في الوقت نفسه كنت أقول للشعب العراقي إان عليه أن يعمل لإسقاط النظام.

* نشر نص أول ثم آخر ثان؟

ـ فالنص الأول لم يتعرض لمسألة النظام بشكل واضح، ولكن قلت إن على كل بلد إسلامي أن يعالج مشاكله، وأما النص الثاني فقد كان يتحدث عن النظام، وعن أن الشعب العراقي لا بد له من أن يغيره ولم أبدل في الفتوى، ولكن هناك بعض الصحفيين الذين أعطوا عناوين غير واقعية، وقد أشار عليّ المسؤول الاعلامي بعدم ضرورة التوضيح... لأني تحدثت مع إذاعة "أوروبا الحرة" في ذلك، وفي أكثر من موقع حول هذه المسألة، وبأن هذه الفتوى لا تنافي غيرها.

حدود الصراع الداخلي في إيران

* بالنسبة للوضع الإيراني، وما يحصل هناك، كيف ترون إيران من خلال ذلك؟

ـ عندما ندرس هذه الصراعات في الخط السياسي، فإن هذا الانطباع والفكرة دليل على حيوية الحياة السياسية في إيران، فهناك تياران حقيقيان في إيران، ولكل واحد منهما إيديولوجية في المسألة السياسية ويحاول أن يخضع البلد لفكره بكل ما لديه من نفوذ في المؤسسات أو في الواقع الشعبي، إن هناك حيوية سياسية من حيث المبدأ، ولكن المسألة تبقى في نطاق أدوات العمل السياسي. فربما ينقد هذا الأسلوب، وهذه المفردات هنا وهناك بشكل طبيعي جداً، فهناك فرق بين أن تقول إن هناك "فيتو" بالمعنى الشامل، وأن تقول إن هناك خطين سياسيين، يملك واحد موقعاً ويحاول أن يعطل على الآخر حركته وبالعكس. وقد يتحدث البعض عن أن الحركية السياسية في الشرق تختلف عن الحركية السياسية في الغرب، لأن الشرق لم يدخل عصر المؤسسات بالمسألة المتعلقة بالأنظمة، ولعل إيران تمثل على الأقل وبالشكل الذي يلامس العمق أكثر البلدان في المنطقة والتي يشعر الشعب فيها بحرية اختيار ممثليه.

* هل أنت خائف على إيران؟

ـ لست خائفاً على إيران من الخارج، وإنما أخاف من أن يسقط القائمون على النظام تحت تأثير بعض الأساليب الحادة، وأننا نقدر لإيران الآن أن النظام لم يتدخل بالعنف لقمع الحركات، إلا بما يعيد النظام إلى الساحة، ولكن إذا أفلت الأمر من يد النظام، وبدأ استعمال العنف ضد القوى الشعبية، فهناك الخوف، لأن أي نظام يستعمل العنف ضد الشعب لن يستطيع أن يرتكز على قاعدة ثابتة.

* ولكن هناك قضية محاكمة أغاجاري؟

ـ لم أفهم المعطيات التي انطلقت منها في هذا المجال، حتى أن كلام سماحة آية الله خامنئي في إعادة النظر في هذا الحكم يختزن في داخله رفض الحكم أو التحفظ على الحكم.

* ولكن هناك صراعاً حول هذا الموضوع؟

ـ أعتقد أنك، وكما في كل بلد، عندما تدفع بالصراع إلى نهاياته مع وجود ضوابط لحركية هذا الصراع فإن التغيير قادم، ولكن علينا أن نعطي التجربة مجالها في تطوير الواقع.
ولعل قيمة الثورة الإسلامية في إيران وقيمة نظرية الإمام الخميني (قده) هي إعطاء المجال للشعب والساحة والصراع، فقد كان الإمام الخميني يستطيع أن يحسم الصراع الذي عاش وبدأ في زمنه، ولكنه أراد للصراع أن يأخذ حريته، شرط الاّ يهدد النظام وألا يسيء إلى الثوابت.

إن أي حركة تصادر تياراً سوف تجمّد الواقع، ولكن أي حركة تصارع تياراً بوسائل معقولة وضوابط متوازنة سوف تصنع التطور الذي يملك الامتداد.

اننا قد نسمع من خلال التيارين الرئيسيين في إيران لغة حادة، ولكننا نشهد أن الأمر إذا وصل إلى ما يقارب حافة الانهيار يلتقي الجميع، فالجميع مخلصون للنظام، ولكن كل واحد منهم يحاول بطريقته ومواقع القوة عنده أن يصنع النظام على شاكلته.

* صحيفة السفير اللبنانية 27 رمضان 1423هـ الموافق 2-12-2002م

في حوار مع صحيفة "السفير" اللبنانية حول الفتوى والمرجعية وإيران والمسألة العراقية

أجرى الحوار الأستاذ نصير الأسعد

الحوار مع المرجع الاسلامي الشيعي السيد محمد حسين فضل الله، من النوع "المتدفق"، حيث يأنس السيد إلى الحوار في الفقه والفتوى والمرجعية أكثر من الحوار في قضايا أو عناوين أخرى، تماما لأن الفتوى تغني كل القضايا عندما تصدر عن فقيه متبحر في الثقافة الدينية، وممسك بناصية الخبرة والمعرفة، ومتمرس في الفكر الذي يخدم الاسلام.

والسيد فضل الله الذي يدخل في صميم السياسة من موقع مرجعي، حدد دوره الذي لا يخضع الى منازعات كانت ستفرض نفسها لو وجه اهتمامه الى "السياسة الصرفة".

وهو في تحديده لموقعه تجاوزت مرجعيته حدود "النطاق اللبناني"، فغدا "مسؤولاً" عن الإجابة على هموم المسلمين في غير مكان من هذا العالم العربي والاسلامي. وهو لا يجد غضاضة في تأكيد أنه واحد من نحو عشر مرجعيات.. يتوزع التسعة الآخرون غيره بين النجف وقم، إضافة إلى مرجعية السيد علي الخامنئي. ولا يتردد في القول إن فتاوى السيد الخامنئي وأحكامه تلزم "فقط" من يلتزمون بمرجعيته..

ويكرر من موقعه المرجعي الدعوة إلى تحويل المرجعية إلى "مؤسسة"، ويناقش في إشكالات المرجعية عند السنة، وأثر علاقة المرجعية بـ"الحاكم" على الفتاوى، ويعبر عن منطلقات "إسلامية" عامة من موقع مرجعيته الشيعية. ولأنه كذلك، يقدم السيد فضل الله فتاويه المؤسسة على فقه وثقافة واسعين تحت عنوان "العدل" كما جاء في القرآن الكريم، العدل في مواجهة "الظلم" مجسداً اليوم بالولايات المتحدة وسياساتها.. فيغدو حديث العدل والظلم معه حديثاً سياسياً بامتياز.

فإلى وقائع هذا الحوار مع المرجع السيد فضل الله، الذي يضع الناس وقضاياهم نصب عينيه:

غاية الدين تحقيق العدل

* أين توظف الفتوى السياسية والدينية في مرحلة سياسية كالتي نعيش فيما لو أخذنا المنطقة العربية من فلسطين للعراق، وصولا لأفغانستان والحملة الأميركية لتشويه صورة الإسلام والمسلمين والفقهاء. ما الخط الذي يجب أن يتبناه الفقهاء من خلال الفتوى السياسية؟

ـ بدايةً لا بد من الإطلالة كمقدمة على مسألة الدين والسياسة. فحين ندرس المسألة الدينية في عمقها الإنساني، فإننا نلتقي بالقاعدة التي يرتكز الدين عليها في تاريخه كله، من خلال القرآن. وهي أن الدين يبني الإنسان ليكون موقع عدل، فالدين نزل بهدف إقامة العدل بين الناس، وهذا ما نستفيده من الآية الكريمة في سورة الحديد {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}، فكل هذه البيّنات التي تؤكد علاقة الموقع بالله والكتاب، الذي يمثل خط الرسالة والميزان الذي يتحرك في نطاق التطبيق، {ليقوم الناس بالقسط}. فالقرآن أعطى الخطوط العامة التي تبعد مسألة العدل عن كل النوازع الذاتية.

ومن خلال ذلك، وفي ظل هذه الدائرة الواسعة، فإن العدل لا يقتصر على جانب دون آخر. إن الدين، وانطلاقاً من ذلك يدخل في حياة الناس كقاعدة فكرية إنسانية تتمظهر بخطوط قانونية تحاول أن تؤصل هذه القاعدة وتقننها.

ومن هنا ندخل لموضوع الفتوى التي تمثل مسألة ثقافية، أي أن تدرس النظرية في إطارها القانوني وفي إطارها الفقهي وتدرس حركة النظرية في الواقع، حيث تتحرك على هذا الأساس مسألة العدل والظلم. ما هو العدل هنا وما هو الظلم، فإذا تجمعت لديك كل مفردات النظرية في خط الواقع وخط التطبيق، عندها يمكن لك أن تصدر الفتوى التي تتحرك في حياة الناس، وفي علاقة الحاكم مع المحكوم، وعلاقة الناس مع القانون... وفي جانب آخر فإن مفهوم العدل لا ينحصر في هذا الجانب، بل يجب التركيز على ضرورة الإنسان مع ربه، وظلم الإنسان لربه الذي له الحق علينا في الطاعة لا المعصية.

فتوى مقاطعة البضائع الأميركية.

إن على الانسان أن يعيش هذه المسؤولية بما يملك من ثقافة واسعة منفتحة على مقاصد التشريع وعلى الخط الفكري الانساني في الإسلام، فإذا حدثت مسألة تتعلق بالواقع السياسي للناس فالمفروض بالفقيه الذي يعيش المسؤولية عن حياة الناس أن يدرس الواقع ويحدد كل المعطيات التي يمكن له أن يصدر فيها الفتوى والأمثلة على ذلك كثيرة، منها فتوى مقاطعة البضائع الأميركية بالمقدار الممكن وبما لا يؤدي إلى نتائج سلبية على مستوى اقتصاد الأمة.

إن منطلق هذه الفتوى هو دراسة الخطة الاميركية في استلاب عالم المستضعفين، لا سيما العالم الاسلامي، اقتصاداً وسياسة، وأمناً، ومحاولة تحويل هذا العالم إلى أسواق استهلاكية لمنتجاتهم على كافة المستويات. ومن خلال ذلك تتحرك المسألة السياسية والأمنية، كما نعرف في هذا الإطار أن الفكرة التي كنت أدرسها هي أنه لا بد من إيجاد قاعدة دينية إسلامية في وجدان الإنسان المسلم في أن يعاقب من يعاقبه بطريقة سلمية، من دون أي حالة عنف، وذلك بالدعوة إلى تحريم البضائع الأميركية ـ والفتوى تأتي هنا ـ واستبدالها ببضائع أوروبية، إن لم تكن عربية، لأن أوروبا أقل تأثيراً، في الجانب السلبي، من أميركا أو البضائع الآسيوية. وقلنا إن الأساس هو البضائع الوطنية أو القومية.

الهدف هو إيجاد هذه القاعدة، قاعدة الرفض من خلال الفتوى، بقطع النظر عن النتائج المترتبة... لأن الأساس في الفتوى هو رفض المنكر.

الفتوى حول أميركا والعراق

إن الفتوى هنا وبحسب المصطلح سياسية، ولكنها انطلقت من قاعدة مواجهة الظلم الأميركي كوسيلة أولى لتحريك الوجدان الإسلامي العام للوصول إلى النتائج الحاسمة... والمثل الثاني هو الفتوى في حرمة مساعدة أميركا في ضرب الشعب العراقي وتمكينها من السيطرة على قدراته الإقتصادية والسياسية والأمنية... حيث درست المسألة في خط الاستراتيجية، وخط الواقع... أما دراسة خط الاستراتيجية فهي، أنني ومن خلال دراستي ومتابعتي للسياسة الأميركية في خطتها للسيطرة على العالم وخصوصاً على العالم الثالث وتحديداً الإسلامي والعربي، لاحظت أن مسألة إعلان الحرب على النظام العراقي لا تعود إلى قضية أسلحة الدمار الشامل، ولا إلى إنقاذ الشعب العراقي من نظامه لسبب بسيط جداً وهو أن أميركا هي التي وضعت هذا النظام وفرضته على الشعب العراقي.. وكانت الخطة الأميركية منذ البداية لضرب خط عبد الناصر في القومية العربية، وأول من بدأ وضع العصي في الدواليب هم الشيوعيون عندما كان القوميون العرب يتحدثون عن الوحدة ولعلنا نعرف كيف سقطت الوحدة العربية بين مصر وسوريا في تلك الفترة من الخمسينات.. لقد كان المطلوب من العراق أن ينقل الواقع السياسي من المناخ الناصري، والقومي العربي إلى المناخ الأميركي، وهو ما لاحظناه حين دفع العراق إلى الحرب مع إيران لتخفيف اندفاعات الثورة الاسلامية في إيران، وليكون العقاب على احتضان إيران لمسألة فلسطين... وكيف دفع بعد ذلك إلى احتلال الكويت، لأن متابعة الأحداث التي جرت في الكويت تفيد أن سفيرة أميركا، غلاسبي، آنذاك وضعت خطاً أحمر على السعودية، ولم تضعه على الكويت. ولهذا شعر النظام العراقي أن هناك ضوءاً أصفراً على الأقل للهجوم على الكويت، وكانت الخطة الأميركية الموضوعة في أول الثمانينات هي الوصول إلى النتائج التي انتهت إليها "عاصفة الصحراء". لهذا لاحظنا أن التقرير الذي قدمته غلاسبي أمام الكونغرس لم يتم نشره أو الإعلان عنه.

ولا ننسى أن المسؤولين الأميركيين حين انتهت الحرب قالوا: لن نسقط النظام.. وهم الذين أسقطوا الانتفاضة الشعبية العراقية، وأعطوا جيش النظام العراقي كل الدعم لإسقاط تلك الانتفاضة...

...كل هذا الامر الخاص بالنظام العراقي كان من ضمن الحملة الأميركية ليتحول العراق من خطر على إسرائيل إلى خطر على العالم العربي كله، ليربك الواقع والعالم العربي، وإلى خطر على المنطقة... وهو ما حصل، اذ ساهمت هاتان الحربان في إفلاس الخليج الذي تحمل كل تكاليف الحرب العراقية الإيرانية والحرب العراقية الكويتية، وأفسحتا المجال لأميركا لتحويل الخليج إلى قاعدة أميركية عسكرية...

كنت أفكر متابعاً الأحداث منذ بدايتها، وهو ما جعلنا نطل على "مؤتمر مدريد" الذي حول القضية الفلسطينية، مع كل الهتافات العربية المشجعة، عن مسارها الطبيعي لتنتهي في أوسلو، وعاشت ولا تزال تعيش في المتاهات. لقد كانت جزءاً من الخطة لتحجيم القضية الفلسطينية... وقد كنت أتابع المسألة بدقة وافكر بأن مسألة أميركا ليست مسألة إنقاذ الشعب العراقي الذي من الممكن أن رمز النظام فيه لم يعد مفيداً للسياسة الأميركية بعد أن استهلك بكل ما أرادته أميركا... وأما أسلحة الدمار الشامل فإن إسرائيل، وكما اعترفت، تملك كل أسلحة الدمار الشامل وبحدود 250 رأساً نووياً، وربما كانت أميركا تعرف كما يقرر بعض الخبراء أن العراق لم يستطع خلال 4 سنوات أن يصنع أسلحة الدمار الشامل... إن المطلوب هو إسقاط قوة العراق، ومنع العراق من امتلاك أي قوة، علماً أنه الدولة العربية شبه الوحيدة التي تملك من الثروة والشعب الذي لا يزال يعيش الروح العربية والإسلامية، والتي ربما تكون حالة جنينية عند البعض وحالة فعلية عند البعض الآخر... إن المطلوب ألا تكون هناك دولة عربية في قابلياتها في المستقبل توازي اسرائيل، بحيث تملك عناصر القوة. لهذا فإن المطلوب أميركيا وإسرائيلياً أن يعصر العراق، نفطاً واستثمارات وأن تطل أميركا، من خلال سيطرتها على العراق، لتكمل محاصرة إيران من جهة، ولتمتد في الخليج لترتب أوضاعه بعد قضية أسامة بن لادن، والشعبية التي يملكها في كثير من دول الخليج، حتى تنسقها وترتبها وتضعها على طريقتها الخاصة... ان الحرب الاميركية تمثل زلزالا سياسيا وامنيا واقتصاديا في المنطقة بحيث يؤثر على مجمل المنطقة، ويكون الرابح الأكبر إسرائيل... لتعود المنطقة منطقة ضعيفة أمام قوة إسرائيل، فممنوع أن يكون هناك قوة عربية توازي إسرائيل ولا نقول لتتفوق عليها...

معاناة العراقيين.

في ضوء هذه الحسابات لاحظت أن كل عمل من أية جهة معارضة في التعاون مع أميركا في هذه الخطة يمثل نوعاً من تأكيد الظلم الاستكباري الأميركي على الأمة... بما للكلمة من معنى في الوقت الذي كنت أشعر، وأعيش ولا أزال وأكثر من أي شخص في لبنان على الأقل، بأن للعراق عندي وضعاً خاصاً، لأني ولدت وعشت كل شبابي في العراق، ولا أزال أعيش مع كل هذا الجيل العراقي سواء في الداخل أو الخارج. وبناء عليه فإني أفهم ما معنى معاناة الشعب العراقي، وما معنى الملايين التي شردت والآلاف الذين يجوعون وأفهم أن العراقيين وصلوا إلى حالة من اليأس، بحيث أنهم مستعدون للقبول بالشيطان وهو موجود عندهم في نظام الشيطان الأكبر بدل الشيطان الأصغر...

لقد كنت أشعر بكل ذلك لأني أعايش هذه الحالة يومياً، وكنت أجد العذر للذين اعترضوا على الفتوى التي أطلقتها، لا سيما أن النظام العراقي استغلها وأراد تبنيها، علما أنني أكدت في فتوى أخرى أنه يجوز للاسلاميين التنسيق والتحالف مع العلمانيين لإسقاط النظام العراقي.

الفتاوى والمرجعية

* عندنا نموذجان من الفتاوى الشرعية، الشيعية والسنية. فالأزهر بيد الحاكم وهناك فتاوى تصدر قد لا يكون فيها فهم لواقع الصراع لا سيما ما يتصل بفلسطين وغيرها...

ـ هناك نقطة يجب بحثها، وهي أنه ليس هناك قيادة موحدة في العالم الاسلامي تماماً، تدرس الفكرة وتطلق الرأي للالتزام به، لا العالم السني ولا الشيعي... فالعالم الشيعي عاش ولازال يعيش المرجعيات المتعددة، التي تختلف ذهنيات أصحابها.

إن المرجعية في الجانب الشيعي، كما السني، تنطلق من حالة ثقافية فقهية تعليلية، في مَنْ هو الشخص الخبير بالمسألة الفقهية الاجتهادية التي يعبر عنها باستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية.

قد نلاحظ في المرجعيات، مع كل التقدير في المسألة الثقافية على المستوى الفقهي التقليدي، أنه ليس هناك خبرة في الواقع العالمي، وحين تصدر بعض الفتاوى فقد تصدر نتيجة ضغوط معينة من الحاكم أو نحوه، علما أنه في الجانب الشيعي غير مربوطة بالحاكم، ولكن ربما تكون من جهة الضغوط الداخلة في التقية وغيرها.

* في إيران مربوطة بالحاكم؟

ـ ليس كلها.

* أليس السيد خامنئي المرشد الأعلى لإيران؟

ـ السيد خامنئي حفظه الله رجل معاصر، وهو لا يستطيع فرض رأيه على مراجع قم.

* حتى بصفته الوليّ الفقيه؟

ـ حتى بصفته الولي الفقيه، لأن بعض الفقهاء في قم لا يرون "ولاية الفقيه" العامة، ففي الواقع الشيعي أساساً ليست هناك سيطرة للمركز الرسمي، حتى بهذا الحجم على كل الواقع الشيعي ولا سيما على الحوزة. هناك مؤيدون من المراجع لمقام السيد الخامنئي حفظه الله ولكن ليس كل المراجع كذلك، وفي الوقت نفسه هناك من لا يلتزم رأي "الولي الفقيه" حين لا يرى ولايته العامة، إن المرجعية الشيعية تملك حريتها، ولكن المشكلة أن هذه الحرية لا تعيش امتدادات واسعة نتيجة أنها لا ترتكز على أساس شرطية الخبرة السياسية.

* هذا يعني أنها ليست مؤسسة؟

ـ لا، ليست مؤسسة، ولذلك فإني قبل سنين أصدرت "كتاب المعالم الجديدة للمرجعية الشيعية"، حيث طرحت فكرة تحويل المرجعية إلى مؤسسة.

* كم هناك من المرجعيات الرسمية الآن؟

ـ إضافة للمرجعية التي نمثل مسؤوليتها أمام الناس هناك مرجعية السيد خامنئي، وثلاث مرجعيات في النجف وخمس تقريباً في قم في إيران.

إن المشكلة في المرجعية الشيعية هي أنه ليس هناك شرط يتطرق إلى أن يكون الإنسان عارفاً بزمانه حسب تعبيرات بعضهم، ليكون مرجعاً، ولدينا نص ورد فيه أنه لا بد أن يكون المرجع عارفاً بزمانه، حتى عندما يعطي الفتوى أو الرأي فإنه ينطلق من الواقع الموجود، وخصوصاً أن المرجعية الآن تختلف عن المرجعية في الماضي، حين كان الواقع الشيعي سابقاً يمثل حالة محصورة خاصة كما لو كان خارج نطاق العالم، أما بعد التطورات السياسية التي حصلت. فقد دخل الشيعة العالم من الباب الواسع سلطة ومشاركة وسياسة وما الى ذلك، ثم انفتح الجمهور الشيعي على العالم كله شرقاً وغرباً، حيث يرجع الجميع للمرجع في كل القضايا الحياتية، لذلك أصبحت الحاجة إلى مرجعية تملك الإجابة عن كل التطورات الموجودة عند الشباب. وأما في الوسط السني، فلا تزال المراكز الفتوائية أو المشيخة في الأزهر تحت تأثير الحاكم، باعتبار أنه من يملك تعيينها وإعطاءها الرواتب، ولهذا لم تستطع هذه المواقع أن تتحرر بشكل يفوق العادة من سيطرة الحاكم، ولكن هناك شخصيات تملك وعياً سياسياً وجرأة في هذا المقام.

* مثل من؟

ـ أذكر من هؤلاء الشيخ يوسف القرضاوي الذي يملك بحجم معين، ومن خلال ظروفه، إعطاء بعض الفتاوى السياسية وخصوصاً والانسجام مع القضية الفلسطينية، ويملك بعض نظرات الرؤية جيداً حول القضايا.

* ولكن لم تجر محاولات تنسيق بين أصحاب الفتوى عند السنة والشيعة، وكأن هناك انقطاع...؟

ـ المشكلة أن قضية الوحدة الاسلامية وكما كنت أقول ممنوعة، كما القومية العربية. أيضا تعبير الوحدة الدينية التي يسمونها الحوار الاسلامي ـ المسيحي، لا يسمح لها بالانفتاح بشكل واسع لتنزل إلى الارض.

القرآن في مواجهة التكفير المتبادل

ولذا فنحن لا نزال نعيش مسألة المسيحية والإسلام في لبنان، مع أنه ليس هناك شيء في الصراع اللبناني يسمّى المسيحية والإسلام، إن هناك ما يسمى الإدارات العامة، والوزراء والنواب، فمع هذا التوتر وللأسف التوتر الذي يعيشه العالم الإسلامي هناك عمل دقيق وضمن خطط خبيثة جداً تنطلق من المخابرات الدولية والإقليمية والمحلية لخلق حالة استعادة كل الأحقاد التاريخية بين السّنة والشيعة... ففي الوسط الشيعي عمل لتكفير السّنة، وعند السّنة عمل دقيق لتكفير الشيعة. وفي كل فترة من الفترات، خصوصاً في هذه المرحلة، نجد عملاً دقيقا لإثارة المسألة المذهبية بشكل دقيق جداً يتناول مقدسات هؤلاء وأولئك، مع أننا نملك القرآن الكريم الذي يؤكد على عناوين لو تأملها المسلمون لتركوا كل ذلك: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول}. إننا نجد حالة السباب والشتائم، في الوقت الذي يؤكد القرآن {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم}. {كذلك زينا لكل امة عملهم} إن كل فرد يعتبر نفسه على الحق والآخرين على الباطل {ولا تقولوا لمن ألقى اليك السلام لست مؤمنا}.

* أليس هناك خطر على المرجعيات السنية من الإسلام السياسي السني؟

ـ إن المرجعية السنية عندما ارتبطت بالحاكم كظاهرة لا شمولية، فقدت المعنى المرجعي الذي يجعلها مرتبطة بالواقع الشعبي الإسلامي العام، لأن الواقع الشعبي الإسلامي، في المجتمعين السني والشيعي على السواء يتعقد من أية مرجعية تتصل بالحاكم، وترتبط بالحاكم وتصدر فتاواها تحت ضغط الحاكم، ولا أقول لمصلحة الحاكم.

إن المرجعية في الإسلام كانت في مدى العصور التي يهفو المسلمون إليها ويقدسونها في المرجعية التي تملك حرية القرار... وإنني أتحدث عن ظاهرة في المرجعية الشيعية، وهي أن هذه المرجعية في مدى التأريخ كانت تهرب من ضغط الحاكم ومحاولة إعطائها الأموال، وتتجنب هذه الحالة والأمثلة كثيرة على ذلك... ففي أوائل القرن الماضي كان في الهند أوقاف لطُلاب فقراء النجف وكربلاء والكاظمية، يوزعها البريطانيون لأنهم كانوا يسيطرون على الهند، وقد فقد من يأخذ من هذه الاوقاف ثقة الناس به وموقعه، علماً أن الأوقاف شرعية، حتى أن بعض الفضلاء، وحين كان يوظف في مقام القاضي، كان موقعه يضعف لأخذه الأموال من الدولة، لقد كانت قيمة علماء ومراجع الشيعة، وحتى الآن، أنهم يملكون حريتهم لأن مصاريفهم كلها هي من الحقوق الشرعية، حتى قال بعضهم لقد تحررنا من ضغط الحاكم ووقعنا تحت ضغط الناس، وهذا الأمر ينطبق على كل الحوزات، فالحوزة العلمية في قم لا تتغذى من الدولة، بل من الحقوق الشرعية، وهو ما تمارسه معظم المرجعيات في إيران، ولو تحدثنا عن تجربتنا في لبنان فإننا ومنذ انطلاقتنا وحتى الآن استطيع التأكيد وبصوت عال، أنه ليس هناك أية دولة عربية أو اسلامية بما في ذلك إيران لها علاقة بأي مشروع في لبنان حتى الآن نقوم به. لأن هذه المشاريع تتغذى من الحقوق الشرعية التي يدفعها المؤمنون في لبنان وخارجه.

* إذا أصدرتم فتوى وغيركم أصدر فتوى كالسيد الخامنئي في الموضوع نفسه كالموضوع العراقي، فكيف يتم التعامل بذلك؟

ـ في تصوري أن كل الذين يرتبطون بالمرجع يلتزمون فتواه، فبالنسبة إلى قضية فتوى مقاطعة البضائع الأميركية فلا تزال تأتيني آلاف الاستفتاءات من سائر العالم العربي والاسلامي يتساءلون عن خصوصيات هذه البضاعة وتلك، وفي صورة الحاجة وغيرها حيث لاحظت التزاماً في هذه القضية، كما أن الذين يلتزمون مرجعية السيد خامنئي يتقيدون بذلك، فهذه تتحرك حسب مسألة الارتباط بالمرجع.

* بالنسبة للموضوع العراقي باعتباره حساساً أكثر من غيره؟

ـ هكذا بالنسبة إلى الموضوع العراقي، فالضجة التي حصلت حول الفتوى التي أصدرتها، من قبل بعض فصائل المعارضة العراقية، كانت خلفياتها الخوف من تأثير هذه الفتوى لدى الجماهير العراقية الملتزمة بفتاواي داخلياً وخارجياً.

* ولكن تعديلها كان لأن الموقف الايراني نفسه أقل مما ذهبتم إليه؟

ـ لقد سمعت من بعض الأصدقاء أن الفتوى كانت مفاجئة للجميع، حتى في المواقع الإسلامية، ولعل الأصداء التي وصلتني حول الفتوى، أن ما فهمه الناس من الموقف الإيراني بالنسبة للمسألة العراقية في ذهاب وفد "المجلس الأعلى" الذي يدين بولاية الفقيه حسب خطابه الرسمي، أعتبر في العالم الرسمي هو الموقف الشيعي الذي قيل فيه خطأ أو صواباً أن الشيعة باعوا العراق للأميركيين، ولا أدعي دقة هذا الكلام، ولهذا كانت الفتوى التي أطلقتها، وكانت جواباً لموقع إسلامي سني على الانترنت هو موقع "إسلام لاين" قد استطاعت أن ترفع شبهة هذه الفكرة.

إنني لم أعدل بالفتوى أبدا لأنها كانت تستهدف كل تعاون مع أميركا ولا أزال أؤكد هذه الفتوى، ولكن في الوقت نفسه كنت أقول للشعب العراقي إان عليه أن يعمل لإسقاط النظام.

* نشر نص أول ثم آخر ثان؟

ـ فالنص الأول لم يتعرض لمسألة النظام بشكل واضح، ولكن قلت إن على كل بلد إسلامي أن يعالج مشاكله، وأما النص الثاني فقد كان يتحدث عن النظام، وعن أن الشعب العراقي لا بد له من أن يغيره ولم أبدل في الفتوى، ولكن هناك بعض الصحفيين الذين أعطوا عناوين غير واقعية، وقد أشار عليّ المسؤول الاعلامي بعدم ضرورة التوضيح... لأني تحدثت مع إذاعة "أوروبا الحرة" في ذلك، وفي أكثر من موقع حول هذه المسألة، وبأن هذه الفتوى لا تنافي غيرها.

حدود الصراع الداخلي في إيران

* بالنسبة للوضع الإيراني، وما يحصل هناك، كيف ترون إيران من خلال ذلك؟

ـ عندما ندرس هذه الصراعات في الخط السياسي، فإن هذا الانطباع والفكرة دليل على حيوية الحياة السياسية في إيران، فهناك تياران حقيقيان في إيران، ولكل واحد منهما إيديولوجية في المسألة السياسية ويحاول أن يخضع البلد لفكره بكل ما لديه من نفوذ في المؤسسات أو في الواقع الشعبي، إن هناك حيوية سياسية من حيث المبدأ، ولكن المسألة تبقى في نطاق أدوات العمل السياسي. فربما ينقد هذا الأسلوب، وهذه المفردات هنا وهناك بشكل طبيعي جداً، فهناك فرق بين أن تقول إن هناك "فيتو" بالمعنى الشامل، وأن تقول إن هناك خطين سياسيين، يملك واحد موقعاً ويحاول أن يعطل على الآخر حركته وبالعكس. وقد يتحدث البعض عن أن الحركية السياسية في الشرق تختلف عن الحركية السياسية في الغرب، لأن الشرق لم يدخل عصر المؤسسات بالمسألة المتعلقة بالأنظمة، ولعل إيران تمثل على الأقل وبالشكل الذي يلامس العمق أكثر البلدان في المنطقة والتي يشعر الشعب فيها بحرية اختيار ممثليه.

* هل أنت خائف على إيران؟

ـ لست خائفاً على إيران من الخارج، وإنما أخاف من أن يسقط القائمون على النظام تحت تأثير بعض الأساليب الحادة، وأننا نقدر لإيران الآن أن النظام لم يتدخل بالعنف لقمع الحركات، إلا بما يعيد النظام إلى الساحة، ولكن إذا أفلت الأمر من يد النظام، وبدأ استعمال العنف ضد القوى الشعبية، فهناك الخوف، لأن أي نظام يستعمل العنف ضد الشعب لن يستطيع أن يرتكز على قاعدة ثابتة.

* ولكن هناك قضية محاكمة أغاجاري؟

ـ لم أفهم المعطيات التي انطلقت منها في هذا المجال، حتى أن كلام سماحة آية الله خامنئي في إعادة النظر في هذا الحكم يختزن في داخله رفض الحكم أو التحفظ على الحكم.

* ولكن هناك صراعاً حول هذا الموضوع؟

ـ أعتقد أنك، وكما في كل بلد، عندما تدفع بالصراع إلى نهاياته مع وجود ضوابط لحركية هذا الصراع فإن التغيير قادم، ولكن علينا أن نعطي التجربة مجالها في تطوير الواقع.
ولعل قيمة الثورة الإسلامية في إيران وقيمة نظرية الإمام الخميني (قده) هي إعطاء المجال للشعب والساحة والصراع، فقد كان الإمام الخميني يستطيع أن يحسم الصراع الذي عاش وبدأ في زمنه، ولكنه أراد للصراع أن يأخذ حريته، شرط الاّ يهدد النظام وألا يسيء إلى الثوابت.

إن أي حركة تصادر تياراً سوف تجمّد الواقع، ولكن أي حركة تصارع تياراً بوسائل معقولة وضوابط متوازنة سوف تصنع التطور الذي يملك الامتداد.

اننا قد نسمع من خلال التيارين الرئيسيين في إيران لغة حادة، ولكننا نشهد أن الأمر إذا وصل إلى ما يقارب حافة الانهيار يلتقي الجميع، فالجميع مخلصون للنظام، ولكن كل واحد منهم يحاول بطريقته ومواقع القوة عنده أن يصنع النظام على شاكلته.

* صحيفة السفير اللبنانية 27 رمضان 1423هـ الموافق 2-12-2002م

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير