دعوة للحوار وفهم الواقع ومواجهة الحملة على الإسلام

دعوة للحوار وفهم الواقع ومواجهة الحملة على الإسلام

في أجواء شهر رمضان المبارك، وما يصاحبه من خلافات وظواهر، وفي أوج الهجمة الفكرية والسياسية التي يتعرض لها الإسلام، وفي ظل الغطرسة الأميركية والإسرائيلية، أجرت صحيفة "الرأي العام" الكويتية حواراً مطوّلاً مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله تطرّق إلى كل هذه العناوين.

في هذا الحوار، دان سماحته كيل أميركا بمكيالين على الصعيدين العالمي والإقليمي، ورأى أنها نصّبت نفسها "خصماً وحكماً ومنفذاً".

ودعا إلى ضرورة مجابهة الحرب الثقافية والفكرية التي تُشنّ على الإسلام بحرب مماثلة لتوضيح معاني الإسلام ومفاهيمه السمحة. وأرجع، سماحته، نجاح الحركات الإسلامية في عدد من الدول إلى إرادة الشعوب بالتعبير عن رفضها للهجمة ضد الإسلام. وحضّ المسلمين على ضرورة التوحد على شهر رمضان، لأن الخلاف "يعطي صورة سلبية" عنهم، ودعا منتقديه إلى أن يناقشوا فتاواه بعلم وموضوعية، وقال إنه يرحب بكل نقد موضوعي يرتكز على تقديم الأدلة.

وفي ما يأتي نص الحوار الذي أجراه مصطفى ياسين من بيروت:

* * * *

لماذا هذا الخلاف الدائم بين المسلمين على تحديد بداية شهر رمضان ونهايته؟

ـ هناك جدل فقهي لا يزال يفرض نفسه على الواقع الاسلامي الفقهي، ينطلق من اعتبار الرؤية اساساً في ثبوت بداية الشهر ونهايته, ومن الطبيعي أن مسألة شهادة الرؤية تخضع لعملية الاستيثاق بالشاهد هنا وهناك، او تتحرك على اساس اختلاف الآفاق وما إلى ذلك.

من هنا، نجد هذا النوع من الخلاف التاريخي الذي اصبح يعطي صورة سلبية عن المسلمين في شكل عام، انهم لم يستطيعوا أن يتفقوا على بداية شهر رمضان او نهايته، فكيف يستطيعون أن يتفقوا على القضايا الكبرى؟ وقد اطلقنا قبل سنوات عدة، الرأي الفقهي الذي يعتبر الشهر ظاهرة كونية، لا علاقة لها بالرؤية وعدمها، بل هي مسألة تخضع للنظام الكوني، حيث أن نهاية الشهر تنطلق من دخول القمر في المحاق وبدايته تنطلق من خروج القمر منه أي ما يطلق عليه في المصطلح الفلكي ولادة الهلال، مع ضم شرط آخر، هو أن يختزن كمية من النور، بحيث يمكن رؤيته لولا العوائق الموجودة في الفضاء, وعلى هذا الاساس، درجنا منذ اعوام على تحديد هلال شهر رمضان وهلال شهر شوال قبل مجيء الشهر بأيام عدة، ورأينا أنه من الممكن، وحسب الدراسة الدقيقة، أن نتحدث عن بدايات الشهور ونهاياتها لخمسين سنة قادمة, بعد أن بلغ علم الفلك مبلغاً بحيث اصبح يمثل ما يقارب المعادلات الرياضية, ونلاحظ انه لم يختلف الفلكيون طوال مئة سنة او اكثر على مسألة تحديد ولادة الهلال، كما لم يختلفوا في مسائل الخسوف والكسوف التي تخضع لما يقارب هذا الحساب، وان كان هناك بعض وجهات النظر المختلفة في تحديد عمر الهلال لتحديد امكان الرؤية، ونحن نعتبر انه اذا وجد الهلال وبلغ من العمر مدة يمكن فيها الرؤية، فاننا نحكم بالهلال حتى لو لم يره احد، واستطعنا أن نحصل على تأييد اكثر من جهة فقهية سواء لدى اخواننا من اهل السُنّة او لدى الشيعة، ونأمل في أن يمتد هذا الرأي ليقتنع به الاخرون، حتى نرتاح من هذا الجدل الذي يسيء إلى المسلمين في داخلهم، لانه قد يوجد نوعاً من الحساسيات في ما بينهم، كما يسيء إلى الصورة الاسلامية في الخارج.

السُنّة والشيعة

هذا الخلاف بدأ بين السُنّة والشيعة, واصبح الآن بين الشيعة انفسهم والسُنّة انفسهم، هل له علاقة بالخلاف على المرجعية الدينية؟

ـ لعل اختلاف المراجع في هذا الأمر ينشأ من وثاقة هذا المرجع بالشهود وعدم وثاقة المرجع الثاني بالشهود او لاختلاف المبنى الاجتهادي عند كل مرجع حول ما هو الاساس في ثبوت الهلال, هل هو في الحسابات الفلكية ام بالرؤية؟ لكن الناس الذي يتعصبون لمرجعية هنا ومرجعية هناك، هم الذين يصنعون العصبية في الامور التي تنطلق من اختلاف الاجتهادات، ولا بد من الاشارة إلى أن الذين يعتبرون الرؤية اساساً يعتمدون على قول الرسول الكريم(ص): "صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته"، حيث يعتبرون أن للرؤية موضوعية في ثبوت الهلال, لكننا نستوحي من هذا الكلام، أن الرؤية وسيلة من وسائل اثبات وجود الشيء, وهنا اضرب مثلاً شعبياً، حسب فهم الناس لوظيفة الرؤية: لو قال لك شخص، اذا رأيت فلاناً فأخبرني, لكنه لم ير فلاناً، بل اتصل به هاتفياً من البلد، فهل يشك احد في أن لا بد من أن يخبره، في الوقت الذي نعرف انه لم يره لكنه تيقن من وجوده عبر وسيلة اخرى؟ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يريد أن ينبهنا إلى أن لا نأخذ بالشك، وقد ورد في الأحاديث مثل هذا المعنى: "إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فافطروا، وليس بالرأي ولا بالتظني، ولكن بالرؤية", فالرؤية مطلوبة باعتبارها احدى وسائل اليقين، فاذا امكننا أن نحصل على اليقين، الذي هو الاساس، من وسيلة اخرى، فانه يكون كالرؤية في هذا المجال حيث تتوسع إلى أن تكون علمية إلى جانب الرؤية البصرية.

في إطار الحديث عن شهر رمضان، فقد سمعنا أنكم لا تعتبرون التدخين من المفطرات للصائم في شهر رمضان؟

ـ أنا أحرم التدخين كل أيام السنة ليلا ونهارا لأنه يضر البدن ويضر الإنسان ويؤدي به إلى التهلكة، بحيث يجعل جسمه قابلا للاصابة بالمرض المميت وهو السرطان، وعندنا أن كل ما يضر البدن هو حرام سواء أدى إلى التهلكة أو لم يؤد، وربما نستوحي ذلك من قوله تعالى «يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس واثمهما أكبر من نفعهما»، بحيث إن المراد بالاثم هو الضرر كما يقول اللغويون، فكل ما كان ضرره اكثر من نفعه فهو حرام.

ولكنني لا أرى الدخان مفطراً في شهر رمضان، سواء أكان من قبيل التدخين أو دخان السيارة او دخان الطبخ أو ما أشبه ذلك في المقام، لان المفطرات ما يكون أكلاً أو شرابا أو ما يكون جنسا أو ما اشبه ذلك، والتدخين ليس من ذلك لكنني في الوقت نفسه، احرم التدخين في شهر رمضان، انطلاقا من نقطتين: النقطة الأولى هي انه حرام في نفسه مثل الغيبة والنميمة، وثانيا لان فيه اساءة إلى اجواء شهر رمضان، لان كثيرا من المسلمين يعتبرونه في صورته افطارا، وان لم يكن هو افطار, بعض الناس يقولون إذا كان حراما فكيف لا يكون مفطرا؟ وانا اقول أن الغيبة حرام ولكنها ليست مفطرة وليس كل حرام مفطرا, لذلك نحن نحرم التدخين في شهر رمضان، بالعنوان الأول كونه ضررا والعنوان الثاني لانه يؤدي إلى هتك حرمة شهر رمضان في العرف العام.

الفتاوي التجديدية

اثيرت في السنوات الفائتة حملة ضدكم في شأن عدد من فتاواكم التجديدية؟

ـ إن مسألة الفتوى تخضع إلى الدليل الاجتهادي من الكتاب والسنة، واننا في كل فتاوانا نرتكز على اساس الادلة الواردة في الكتاب والسنة، والقواعد التي تستوحى منهما، وهناك الكثير من الفتاوى التي قد تعتبر تجديدية، نلتقي فيها مع فقهاء كبار من المتقدمين او المتأخرين, لكنها تخالف مشهور الفقهاء الا أن الفقهاء ليسوا معصومين، فهم علماء مجتهدون يمكن أن يخطئوا ويمكن أن يصيبوا، فاذا كانوا يختلفون بعضهم مع بعض، فلماذا يحرم علينا أن نختلف معهم؟

وفي الوقت نفسه فإننا نرد على الحملة التشهيرية الإنكارية من بعض الناس بكلمة علمية موضوعية, أن الذي يحترم علمه، اذا كان عالماً وفقهه اذا كان فقيهاً، لا بد من أن يسأل عن الدليل ليناقش، اما اذا لم يكن من اهل الخبرة، فما دخله في الموضوع ليثبت او ينفي؟

ان مثل هذه المسائل ترجم الفكر، سواء كان فكراً فقهياً او كلامياً او سياسياً، وان مثل هؤلاء ينطلقون من وسائل غريزية لا من وسائل علمية وعقلية, وانني اقول لكل هؤلاء، اتقوا الله في ما تتكلمون وانني ارحب بكل نقد علمي يناقش الاسس العلمية التي ترتكز عليها افكاري، سواء أكانت في المسائل التاريخية او الكلامية او الفقهية، وأقول لهم، هاتوا برهانكم أن كنتم صادقين، لان هذا هو الذي يغني العلم، وأملك الشجاعة لان اتراجع عن رأي يثبت عندي خطأه، سواء أكان من تأمل جديد اقوم به او عبر الاخرين.

لكن يبدو أن هذه الحملة انحسرت؟

ـ إن الحقيقة تفرض نفسها عندما تستطيع أن تؤكد الاسس التي ترتكز عليها, أن بعض الناس هداه الله، لا ينطلق من موقع علم او من موقع دين، وإن قال إنه يدافع عن الدين والمذهب، لكنه ينطلق من موقع تخلف ذهني او تعصب شخصي او ما اشبه ذلك.

مآدب أميركية!

السفير الاميركي لدى لبنان دعا إلى مآدب رمضانية يقيمها في السفارة، كيف تنظر إلى هذا الامر؟

ـ أعتقد أن السفير الاميركي يمثل دولته التي تقيم المآدب التي يشرب فيها الناس دماء الابرياء، ولا سيما الفلسطينيين، ويأكلون لحومهم بطريقة أو بأخرى, لذلك اتصور أنه إذا كان الهدف من هذه المآدب إعطاء صورة للمسلمين بان أميركا تحترم مشاعرهم ومواسمهم وتقاليدهم، فعليها أن تحترم العدالة في تصرفاتها عندما تحاصر بلداً هنا وجماعة هناك، حتى عندما تصدر قوانين ضد جمعيات خيرية اسلامية تعين الايتام والفقراء والمحرومين من الفلسطينيين وغيرهم.

اتصور أن أميركا رغم كل احاديث رئيسها عن احترامه للاسلام والمسلمين، إلا أنها تنطلق في تصرفاته السياسية لضرب المسلمين في عمق قضاياهم ولا سيما القضية الفلسطينية، ويعمل على مصادرة مواقفهم وخصوصاً انه يعمل على أن يشن الحرب على كل المواقع الاسلامية بحجة الاتهام بالارهاب او بأسلحة الدمار الشامل، في الوقت الذي يتحدث بكل ديبلوماسية عن كوريا الشمالية، التي تعلن انها مصرة على انتاج الاسلحة الذرية, ثم، لماذا يسكت الاميركيون عن كل اسلحة الدمار الشامل التي تملكها إسرائيل والتي اثبتت انها تهدد المنطقة كلها ولا تهدد الفلسطينيين وحدهم في هذا المجال؟ كيف يكون الصيف والشتاء على سقف واحد؟ اننا نتهم الرئيس الاميركي بالنفاق السياسي في كلماته هنا وهناك, وإذا كان يتحدث، عبر البرنامج الاميركي الذي يراد من خلاله تلميع صورة الدولة الاميركية في رعايتها للمسلمين، انهم يملكون حرية العبادة، فكيف يفسرون هذا القلق الذي يعيشه المسلمون في أميركا وهم مواطنون أميركيون، ويشعر كل منهم بانه مدان حتى تثبت براءته؟ أن الكلمات شيء والاعمال شيء اخر.

الرئيس جورج بوش هنأ المسلمين بشهر رمضان، ودعاهم إلى الصلاة والتأمل؟

ـ قلت في خطبة الجمعة الأخيرة، أن شهر رمضان هو شهر للتأمل وللصلاة وللصيام، وهو شهر للحرية ايضاً لحرية الارادة وحرية الموقف، ونحن نحترم حريتنا في اتخاذ مواقفنا، فلماذا يريدنا أن نحترم حريته في الوقت الذي لا يحترم حريتنا؟ أن التأمل في شهر رمضان، يقودنا إلى التأمل في واقع المسلمين وفي القوى المضادة التي تحاول أن تتلاعب بمصائرهم وتتحدى كل سياستهم وأمنهم واقتصادهم.

رغم هذه الهجمة التي يتعرض لها المسلمون منذ11أيلول سبتمبر، نرى نجاحاً يحققه المسلمون او الحركات الاسلامية في عدد من الدول، مثل تركيا والمغرب والبحرين وباكستان؟

ـ اتصور أن هذا هو الرد السياسي الثقافي من المسلمين العاديين، ولا سيما في تركيا، البلد الذي انطلقت فيه العلمانية لتحاكي علمانية الغرب، لكنها تحولت علمانية شرقية غريزية, العلمانية تحترم الحريات الدينية وحتى حرية الفكر الديني والافكار الدينية والمواقف الدينية السياسية، بينما نجد أن دولة مثل تركيا يحكمها الجيش من وراء الستار، تخشى الحجاب وتمنع نائبة انتخبها الشعب من أن تدخل البرلمان بحجابها، وتمنع الفتيات من أن يتعلمن في المدارس والجامعات بحجابهن.

إن الشعوب التركية والباكستانية والبحرينية والمغربية، أرادت أن تعبر عن رفضها لهذه الهجمة ضد الاسلام التي تقوم بها أميركا وحلفاؤها في المنطقة وخارجها، لتقول إنها تدعم الخط الاسلامي حتى في السياسة وأن الاسلام ليس تطرفاً وليس ارهاباً، الاسلام يعترف بالاخر ولا ينكره ولا يعتبر القوة وسيلة للتغيير، بل يأخذ بالاساليب الشعبية ليتحرك عبر الاستفتاء الشعبي وليحكم من خلال ذلك بأسلوب واقعي معتدل لا يتنكر للاسلام ويحافظ على حقوق المواطن بأمانة وصدق قد لا يحافظ عليهما الاخرون.

اميركا وأسرائيل

حصلت اخيراً حادثة لافتة، هي أن الطائرات الاميركية تدخلت مباشرة في اليمن وقتلت عدداً من الاشخاص بتهمة انهم ينتمون إلى تنظيم «القاعدة», هل تعتبر هذه العملية، بمثابة رسالة إلى الدول العربية والاسلامية؟

ـ أميركا تلتقي مع إسرائيل في اسلوبها في مواجهة الذين تتهمهم بمعارضة سياستها او الاساءة اليها في طريقة او في اخرى, لذلك كنا نقرأ في خبر قصف السيارة المدنية في اليمن، من خلال الاستخبارات الاميركية, انها قصفت اشخاصاً تتهمهم أميركا بضلوعهم في تفجير احدى سفنها, لذلك عملت على قتل هؤلاء وليس لديها سوى الاتهام ومن دون أن يقدموا إلى المحاكمة، وهذا الاسلوب الاميركي الجديد، الذي يجعل من الولايات المتحدة خصماً وحكماً ومنفذاً، سيترك تأثيره في كل الذين يعارضون سياستها في العالم أو تتهمهم بأنهم ضالعون في ضرب مصالحها هنا وهناك.

إن أميركا وإسرائيل تلتقيان في هذا الاسلوب الوحشي، الذي لا يمثل اي صورة للعدالة او للحرية حتى على مستوى القانون الاميركي, ومن الطبيعي أن يمثل هذا رسالة إلى كل الدول العربية والاسلامية وربما إلى دول العالم الثالث، مفادها أن أميركا تملك الحرية في أن تضرب مواطني هذه الدول لمجرد الاتهام، منتهكة سيادة هذه الدول، التي نريد لها أن تحدد ما هو معنى السيادة عندها.

ورغم ذلك، نرى أن معظم الدول العربية وحتى الاسلامية يسعى إلى كسب ود أميركا؟

ـ كثيرون من الذين يملكون المواقع في الحكم في هذه الدول هم موظفون لدى الادارة الاميركية, كما نرى في غالبية بلدان العالم الثالث أن المسؤولين يعيشون في موقع والشعب في موقع اخر، لذلك لا يشعرون باستنادهم إلى قوة شعبية تحمي قراراتهم في محافظتهم على السيادة والحرية وما إلى ذلك, ولذلك نلاحظ أن غالبية هذه السياسات تتسم بالعجز والفشل والضعف والتخاذل.

هناك تساؤلات كثيرة حول الموقف الايراني في هذا الاطار؟

ـ الموقف الايراني يحاول أن يحافظ على شعاراته من جهة وعلى امن الدولة من جهة اخرى، وهذه هي المشكلة بين سلامة الدولة وسلامة الثورة.

العلاقة مع إيران

الواضح أن علاقتكم مع ايران ليست على ما يرام، أن لم نقل اكثر من ذلك، بدليل انكم لم تزوروا طهران منذ مدة طويلة؟

ـ ليس هناك مشكلة بيني وبين الاخوة في ايران، لكنني لا اجد اي فرصة لزيارة ايران، لان مسؤولياتي الكبيرة، ولا سيما بعد المرجعية، لا تفسح لي في المجال لأية زيارة لايران، كما كنت افعل في السابق, وهناك دعوات ايضاً من خارج ايران لم ألبّها.

قد تكون المرجعية هي السبب في هذا الجفاء؟

ـ من الطبيعي أن هناك فريقاً كبيراً في المواقع المتقدمة في ايران، يلتقي مع مواقع في بعض البلدان العربية، لا يرتاح إلى هذه المرجعية.

هل هناك صراع حول المرجعية بين العرب والعجم؟

ـ قد يتحدث بعض الناس بهذه الطريقة ولكن لا اتصوّر المسألة في هذه الدقة.

لكن هناك اتصالات ورسائل بينكم وبين القيادة الايرانية من اجل اطلاق العديد من السجناء الشيعة العراقيين في ايران؟

ـ هناك صداقة تاريخية بيني وبين سماحة السيد علي خامنئي، وقد ارسلت اليه رسائل عدة تحريرية وشفوية حول بعض العراقيين الذين كانوا يعانون بسبب بعض القوانين التي تضغط عليهم في اقامتهم في ايران، وكان الجواب ايجابياً في تلك المرحلة.

... ومع القادة الروحيين

ما هي علاقتكم بالقادة الروحيين الاسلاميين والمسيحيين في لبنان؟

ـ انني منفتح على كل القادة الذين يسمون روحيين، وليست عندي مشكلة مع احد، ولكن ربما لا يفكر الاخرون في الطريقة التي افكر فيها بالانفتاح على كل الناس.

نلاحظ أنك بعيد من المراكز الدينية الرسمية؟

ـ عندما انطلقت منذ اكثر من 50 سنة كان اسلوبي في العمل الاسلامي، ينطلق من الارتباط المباشر بالشعب، ممن اتفق معه او اختلف، لذلك أعتبر أن المواقع الرسمية محنطة، تحنط فكرك وتحنط حركتك ولا احب أن اكون محنطاً ما دمت حياً.

الحرب الثقافية

اصدرتم اخيراً فتوى تدعو المسلمين، ولا سيما في الخارج، إلى التصدي للحملة التشهيرية التي تستهدف الاسلام والمسلمين عبر الحوار؟

ـ انا اؤمن بالحوار مع كل الاتجاهات الدينية والسياسية والثقافية العامة، ولذلك ادعو إلى الحوار مع الغرب، وإذا كان الغرب السياسي في اداراته لا ينفتح على الحوار بموضوعية وعقلانية فان هناك غرباً مثقفاً في الجامعات والنوادي الثقافية ينفتح على مناقشة القضايا الاسلامية, كما أن هناك حركة في الواقع المسيحي، خصوصاً الكاثوليكي بقيادة الفاتيكان، تعمل بانفتاح على الحوار الاسلامي ـ المسيحي , وأتصور أن المشكلة التي نواجهها هي أن الاعلام الاميركي والغربي، قد تسيطر عليه بعض المواقع الصهيونية المعادية للاسلام والمسلمين, ما يترك تأثيره في الرأي العام الغربي، لذلك لا بد من أن ننفذ إلى داخله من اجل أن نعرّفه على صورة الاسلام, لذلك، اطلقت في هذه الفتوى، الطلب الشرعي الالزامي لكل المسلمين المغتربين في العالم، أن ينفتحوا على الشعوب التي يعيشون بينها اولاً كي تشعر هذه الشعوب بالاهتمام بقضاياها الداخلية، وأن مواطنية هؤلاء مواطنية كاملة، وثانياً ليكون سلوكهم حضارياً اسلامياً، يعطي المثل والنموذج القائم على أن المسلم اذا عاش في اي موقع فانه يحافظ على امنه ونظامه، وثالثاً ليدخلوا في حوار مع كل الفئات لتعريفهم بالاسلام وسلام الاسلام والفرق بين الإرهاب بالمعنى السياسي وحركات التحرير، وللتأكيد أن العنف في فلسطين ليس ارهابياً بل حركة من اجل التحرير، تماماً كما هو العنف في اوروبا عندما تمت مواجهة النازي، وكما هو العنف في أميركا عندما تمت مواجهة الاستعمار البريطاني.

ان الاسلام يرفض الارهاب ضد المدنيين من دون أن تكون هناك حرب، وتكرر في القرآن الكريم {ولا تعتدوا فان الله لا يحب المعتدين}، لذلك ندعو إلى أن يقوم المسلمون في العالم بتوضيح الصورة الاسلامية بأقوالهم وأفعالهم حتى يعرف العالم غير المسلم أن الاسلام هو دين حرية وحضارة وعلم وسلام واحترام للإنسان وقبول بالرأي الاخر.

هل تعتبر أن في هذه المرحلة الاولوية للحرب الثقافية؟

ـ لا أعتبر أن هناك اولوية لحرب من دون حرب، عندما تُفرض عليك الحرب عليك أن تخوضها، فاذا كانت حرباً عسكرية فعليك أن تدافع عن نفسك، وإذا كانت سياسية، فعليك أن تحارب سياسياً, وإذا كانت ثقافية فعليك أن تحارب ثقافياً, اقول "ألبس لكل حالة لبوسها".

تعريف موحّد

الا تعتبر أن علينا، قبل الحوار مع الغرب، أن نتحاور في ما بيننا كعرب ومسلمين لتحديد تعريف موحّد لهذه القضايا المختلف عليها؟

ـ من الطبيعي اننا نتحدث عن المشكلة في مرحلتها الحاضرة، اي الهجمة الغربية على الاسلام والمسلمين والتي تتغذى من الخلفيات الصهيونية، لكننا في الوقت نفسه نعمل على الدعوة إلى حوار اسلامي ـ اسلامي وإلى حوار اسلامي ـ مسيحي وسياسي ـ سياسي.

ومن الطبيعي انه لتحاور الاخر، عليك أن تنطلق من موقف واحد او من ذهنية حوارية تعيشها داخل بلدك، لذلك نحن من دعاة الحوار وكتبت اكثر من كتاب عن الحوار الاسلامي ـ الاسلامي, والحوار الاسلامي ـ المسيحي، ولا ازال منذ اربعين سنة اقول أن الحقيقة بنت الحوار، وأن لا مقدسات للحوار.

كيف تابعت القمة الفرنكوفونية التي عقدت اخيراً في بيروت، وخصوصاً انها كانت تحت عنوان حوار الثقافات والحضارات؟

ـ كانت قمة فرنسا من اجل المحافظة على امتدادها الدولي, وهناك بعض الايجابيات فيها للبنان وبعض العناوين التي نرجو لفرنسا أن تبقى معها بمقدار ما يتصل الامر بحرية الشعوب, وتحدثت مع السفير الفرنسي أن أميركا تمر بلحظة جنون، ونريد من فرنسا وغيرها أن تخفف من جموح هذا الثور الهائج المجنون.

لقد كانت الشعوب تطلب من فرنسا ومن روسيا أن تستعمل حق الفيتو ضد القرار الاميركي، لان الولايات المتحدة عندما تصطدم بنقض قرارها سوف تراجع حساباتها في هذا العنفوان الامبراطوري الذي تفرضه على العالم, وعلينا أن نتأمل في تصريحات الرئيس الاميركي ووزير دفاعه ومستشارته للأمن القومي، عندما تحدثوا بعد القرار (1441): «إننا سندخل الحرب ضد العراق، سواء بقرار من مجلس الامن او من دون قرار»، ما يعني أنهم لا يزالون يرون في هذا القرار فرصة للحرب.

القرار 1441

كيف قرأت هذا القرار الذي صدر بالإجماع عن مجلس الامن؟

ـ هذا القرار الاميركي انطلق من خلفيات ضغط هنا ومقايضة هناك، ودخلت المسألة في سوق البيع والشراء, على مبدأ: سأعطيكم هذا لتعطوني ذاك، ونحن نعرف أن الدول الكبرى لا تختلف الا في نطاق صراع مصالحها، فاذا التقت مصالحها، فإن الشعوب المستضعفة لا قيمة لها في هذا المجال، رغم ما يوحون به الينا من انهم مع هذ الشعب او مع ذاك, أن الخمسة الكبار في مجلس الامن اخذوا حق النقض حتى ينقضوا كل قرار يسيء إلى مصالحهم وحتى ينقضوا كل قرار يخدم مصالح الشعوب في الحرية التي لا تعجب مصالحهم، رغم انهم يتحدثون عن الحرية والحضارة والتقدم, المهم أن تكون لنا عيون مفتوحة في عقولنا وقلوبنا، وألا نكتفي بهذه العيون التي تحدق في التلفزيون لتتخدر، ولتأخذ الفكرة من السطح في الوقت الذي يطبخ الآخرون كل الخطط في العمق.

هل من كلمة توجهها إلى الشعب الكويتي؟

ـ نتمنى لإخواننا في الكويت الأمن والسلام بعدما واجهوه من وحشية في الاحتلال الذي فرض عليهم وعلى بلدهم، وعانوا الكثير مما جرى عليهم، كما عانى ويعاني الشعب العراقي حتى الآن بسبب هذا النظام الذي فرض نفسه على الأمة كلها، ونرجو أن يعجّل الله في فرج أسراهم الأبرياء الطيبين ليتحرروا من هذا السجن الصغير والكبير هناك، ونأمل في الا تحدث الحرب في المنطقة والتي لن يعاني الشعب العراقي فقط، بل ستعاني منها كل شعوب المنطقة لانها الزلزال الذي ربما يهز المنطقة من ادناها إلى اقصاها.

في أجواء شهر رمضان المبارك، وما يصاحبه من خلافات وظواهر، وفي أوج الهجمة الفكرية والسياسية التي يتعرض لها الإسلام، وفي ظل الغطرسة الأميركية والإسرائيلية، أجرت صحيفة "الرأي العام" الكويتية حواراً مطوّلاً مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله تطرّق إلى كل هذه العناوين.

في هذا الحوار، دان سماحته كيل أميركا بمكيالين على الصعيدين العالمي والإقليمي، ورأى أنها نصّبت نفسها "خصماً وحكماً ومنفذاً".

ودعا إلى ضرورة مجابهة الحرب الثقافية والفكرية التي تُشنّ على الإسلام بحرب مماثلة لتوضيح معاني الإسلام ومفاهيمه السمحة. وأرجع، سماحته، نجاح الحركات الإسلامية في عدد من الدول إلى إرادة الشعوب بالتعبير عن رفضها للهجمة ضد الإسلام. وحضّ المسلمين على ضرورة التوحد على شهر رمضان، لأن الخلاف "يعطي صورة سلبية" عنهم، ودعا منتقديه إلى أن يناقشوا فتاواه بعلم وموضوعية، وقال إنه يرحب بكل نقد موضوعي يرتكز على تقديم الأدلة.

وفي ما يأتي نص الحوار الذي أجراه مصطفى ياسين من بيروت:

* * * *

لماذا هذا الخلاف الدائم بين المسلمين على تحديد بداية شهر رمضان ونهايته؟

ـ هناك جدل فقهي لا يزال يفرض نفسه على الواقع الاسلامي الفقهي، ينطلق من اعتبار الرؤية اساساً في ثبوت بداية الشهر ونهايته, ومن الطبيعي أن مسألة شهادة الرؤية تخضع لعملية الاستيثاق بالشاهد هنا وهناك، او تتحرك على اساس اختلاف الآفاق وما إلى ذلك.

من هنا، نجد هذا النوع من الخلاف التاريخي الذي اصبح يعطي صورة سلبية عن المسلمين في شكل عام، انهم لم يستطيعوا أن يتفقوا على بداية شهر رمضان او نهايته، فكيف يستطيعون أن يتفقوا على القضايا الكبرى؟ وقد اطلقنا قبل سنوات عدة، الرأي الفقهي الذي يعتبر الشهر ظاهرة كونية، لا علاقة لها بالرؤية وعدمها، بل هي مسألة تخضع للنظام الكوني، حيث أن نهاية الشهر تنطلق من دخول القمر في المحاق وبدايته تنطلق من خروج القمر منه أي ما يطلق عليه في المصطلح الفلكي ولادة الهلال، مع ضم شرط آخر، هو أن يختزن كمية من النور، بحيث يمكن رؤيته لولا العوائق الموجودة في الفضاء, وعلى هذا الاساس، درجنا منذ اعوام على تحديد هلال شهر رمضان وهلال شهر شوال قبل مجيء الشهر بأيام عدة، ورأينا أنه من الممكن، وحسب الدراسة الدقيقة، أن نتحدث عن بدايات الشهور ونهاياتها لخمسين سنة قادمة, بعد أن بلغ علم الفلك مبلغاً بحيث اصبح يمثل ما يقارب المعادلات الرياضية, ونلاحظ انه لم يختلف الفلكيون طوال مئة سنة او اكثر على مسألة تحديد ولادة الهلال، كما لم يختلفوا في مسائل الخسوف والكسوف التي تخضع لما يقارب هذا الحساب، وان كان هناك بعض وجهات النظر المختلفة في تحديد عمر الهلال لتحديد امكان الرؤية، ونحن نعتبر انه اذا وجد الهلال وبلغ من العمر مدة يمكن فيها الرؤية، فاننا نحكم بالهلال حتى لو لم يره احد، واستطعنا أن نحصل على تأييد اكثر من جهة فقهية سواء لدى اخواننا من اهل السُنّة او لدى الشيعة، ونأمل في أن يمتد هذا الرأي ليقتنع به الاخرون، حتى نرتاح من هذا الجدل الذي يسيء إلى المسلمين في داخلهم، لانه قد يوجد نوعاً من الحساسيات في ما بينهم، كما يسيء إلى الصورة الاسلامية في الخارج.

السُنّة والشيعة

هذا الخلاف بدأ بين السُنّة والشيعة, واصبح الآن بين الشيعة انفسهم والسُنّة انفسهم، هل له علاقة بالخلاف على المرجعية الدينية؟

ـ لعل اختلاف المراجع في هذا الأمر ينشأ من وثاقة هذا المرجع بالشهود وعدم وثاقة المرجع الثاني بالشهود او لاختلاف المبنى الاجتهادي عند كل مرجع حول ما هو الاساس في ثبوت الهلال, هل هو في الحسابات الفلكية ام بالرؤية؟ لكن الناس الذي يتعصبون لمرجعية هنا ومرجعية هناك، هم الذين يصنعون العصبية في الامور التي تنطلق من اختلاف الاجتهادات، ولا بد من الاشارة إلى أن الذين يعتبرون الرؤية اساساً يعتمدون على قول الرسول الكريم(ص): "صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته"، حيث يعتبرون أن للرؤية موضوعية في ثبوت الهلال, لكننا نستوحي من هذا الكلام، أن الرؤية وسيلة من وسائل اثبات وجود الشيء, وهنا اضرب مثلاً شعبياً، حسب فهم الناس لوظيفة الرؤية: لو قال لك شخص، اذا رأيت فلاناً فأخبرني, لكنه لم ير فلاناً، بل اتصل به هاتفياً من البلد، فهل يشك احد في أن لا بد من أن يخبره، في الوقت الذي نعرف انه لم يره لكنه تيقن من وجوده عبر وسيلة اخرى؟ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يريد أن ينبهنا إلى أن لا نأخذ بالشك، وقد ورد في الأحاديث مثل هذا المعنى: "إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فافطروا، وليس بالرأي ولا بالتظني، ولكن بالرؤية", فالرؤية مطلوبة باعتبارها احدى وسائل اليقين، فاذا امكننا أن نحصل على اليقين، الذي هو الاساس، من وسيلة اخرى، فانه يكون كالرؤية في هذا المجال حيث تتوسع إلى أن تكون علمية إلى جانب الرؤية البصرية.

في إطار الحديث عن شهر رمضان، فقد سمعنا أنكم لا تعتبرون التدخين من المفطرات للصائم في شهر رمضان؟

ـ أنا أحرم التدخين كل أيام السنة ليلا ونهارا لأنه يضر البدن ويضر الإنسان ويؤدي به إلى التهلكة، بحيث يجعل جسمه قابلا للاصابة بالمرض المميت وهو السرطان، وعندنا أن كل ما يضر البدن هو حرام سواء أدى إلى التهلكة أو لم يؤد، وربما نستوحي ذلك من قوله تعالى «يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس واثمهما أكبر من نفعهما»، بحيث إن المراد بالاثم هو الضرر كما يقول اللغويون، فكل ما كان ضرره اكثر من نفعه فهو حرام.

ولكنني لا أرى الدخان مفطراً في شهر رمضان، سواء أكان من قبيل التدخين أو دخان السيارة او دخان الطبخ أو ما أشبه ذلك في المقام، لان المفطرات ما يكون أكلاً أو شرابا أو ما يكون جنسا أو ما اشبه ذلك، والتدخين ليس من ذلك لكنني في الوقت نفسه، احرم التدخين في شهر رمضان، انطلاقا من نقطتين: النقطة الأولى هي انه حرام في نفسه مثل الغيبة والنميمة، وثانيا لان فيه اساءة إلى اجواء شهر رمضان، لان كثيرا من المسلمين يعتبرونه في صورته افطارا، وان لم يكن هو افطار, بعض الناس يقولون إذا كان حراما فكيف لا يكون مفطرا؟ وانا اقول أن الغيبة حرام ولكنها ليست مفطرة وليس كل حرام مفطرا, لذلك نحن نحرم التدخين في شهر رمضان، بالعنوان الأول كونه ضررا والعنوان الثاني لانه يؤدي إلى هتك حرمة شهر رمضان في العرف العام.

الفتاوي التجديدية

اثيرت في السنوات الفائتة حملة ضدكم في شأن عدد من فتاواكم التجديدية؟

ـ إن مسألة الفتوى تخضع إلى الدليل الاجتهادي من الكتاب والسنة، واننا في كل فتاوانا نرتكز على اساس الادلة الواردة في الكتاب والسنة، والقواعد التي تستوحى منهما، وهناك الكثير من الفتاوى التي قد تعتبر تجديدية، نلتقي فيها مع فقهاء كبار من المتقدمين او المتأخرين, لكنها تخالف مشهور الفقهاء الا أن الفقهاء ليسوا معصومين، فهم علماء مجتهدون يمكن أن يخطئوا ويمكن أن يصيبوا، فاذا كانوا يختلفون بعضهم مع بعض، فلماذا يحرم علينا أن نختلف معهم؟

وفي الوقت نفسه فإننا نرد على الحملة التشهيرية الإنكارية من بعض الناس بكلمة علمية موضوعية, أن الذي يحترم علمه، اذا كان عالماً وفقهه اذا كان فقيهاً، لا بد من أن يسأل عن الدليل ليناقش، اما اذا لم يكن من اهل الخبرة، فما دخله في الموضوع ليثبت او ينفي؟

ان مثل هذه المسائل ترجم الفكر، سواء كان فكراً فقهياً او كلامياً او سياسياً، وان مثل هؤلاء ينطلقون من وسائل غريزية لا من وسائل علمية وعقلية, وانني اقول لكل هؤلاء، اتقوا الله في ما تتكلمون وانني ارحب بكل نقد علمي يناقش الاسس العلمية التي ترتكز عليها افكاري، سواء أكانت في المسائل التاريخية او الكلامية او الفقهية، وأقول لهم، هاتوا برهانكم أن كنتم صادقين، لان هذا هو الذي يغني العلم، وأملك الشجاعة لان اتراجع عن رأي يثبت عندي خطأه، سواء أكان من تأمل جديد اقوم به او عبر الاخرين.

لكن يبدو أن هذه الحملة انحسرت؟

ـ إن الحقيقة تفرض نفسها عندما تستطيع أن تؤكد الاسس التي ترتكز عليها, أن بعض الناس هداه الله، لا ينطلق من موقع علم او من موقع دين، وإن قال إنه يدافع عن الدين والمذهب، لكنه ينطلق من موقع تخلف ذهني او تعصب شخصي او ما اشبه ذلك.

مآدب أميركية!

السفير الاميركي لدى لبنان دعا إلى مآدب رمضانية يقيمها في السفارة، كيف تنظر إلى هذا الامر؟

ـ أعتقد أن السفير الاميركي يمثل دولته التي تقيم المآدب التي يشرب فيها الناس دماء الابرياء، ولا سيما الفلسطينيين، ويأكلون لحومهم بطريقة أو بأخرى, لذلك اتصور أنه إذا كان الهدف من هذه المآدب إعطاء صورة للمسلمين بان أميركا تحترم مشاعرهم ومواسمهم وتقاليدهم، فعليها أن تحترم العدالة في تصرفاتها عندما تحاصر بلداً هنا وجماعة هناك، حتى عندما تصدر قوانين ضد جمعيات خيرية اسلامية تعين الايتام والفقراء والمحرومين من الفلسطينيين وغيرهم.

اتصور أن أميركا رغم كل احاديث رئيسها عن احترامه للاسلام والمسلمين، إلا أنها تنطلق في تصرفاته السياسية لضرب المسلمين في عمق قضاياهم ولا سيما القضية الفلسطينية، ويعمل على مصادرة مواقفهم وخصوصاً انه يعمل على أن يشن الحرب على كل المواقع الاسلامية بحجة الاتهام بالارهاب او بأسلحة الدمار الشامل، في الوقت الذي يتحدث بكل ديبلوماسية عن كوريا الشمالية، التي تعلن انها مصرة على انتاج الاسلحة الذرية, ثم، لماذا يسكت الاميركيون عن كل اسلحة الدمار الشامل التي تملكها إسرائيل والتي اثبتت انها تهدد المنطقة كلها ولا تهدد الفلسطينيين وحدهم في هذا المجال؟ كيف يكون الصيف والشتاء على سقف واحد؟ اننا نتهم الرئيس الاميركي بالنفاق السياسي في كلماته هنا وهناك, وإذا كان يتحدث، عبر البرنامج الاميركي الذي يراد من خلاله تلميع صورة الدولة الاميركية في رعايتها للمسلمين، انهم يملكون حرية العبادة، فكيف يفسرون هذا القلق الذي يعيشه المسلمون في أميركا وهم مواطنون أميركيون، ويشعر كل منهم بانه مدان حتى تثبت براءته؟ أن الكلمات شيء والاعمال شيء اخر.

الرئيس جورج بوش هنأ المسلمين بشهر رمضان، ودعاهم إلى الصلاة والتأمل؟

ـ قلت في خطبة الجمعة الأخيرة، أن شهر رمضان هو شهر للتأمل وللصلاة وللصيام، وهو شهر للحرية ايضاً لحرية الارادة وحرية الموقف، ونحن نحترم حريتنا في اتخاذ مواقفنا، فلماذا يريدنا أن نحترم حريته في الوقت الذي لا يحترم حريتنا؟ أن التأمل في شهر رمضان، يقودنا إلى التأمل في واقع المسلمين وفي القوى المضادة التي تحاول أن تتلاعب بمصائرهم وتتحدى كل سياستهم وأمنهم واقتصادهم.

رغم هذه الهجمة التي يتعرض لها المسلمون منذ11أيلول سبتمبر، نرى نجاحاً يحققه المسلمون او الحركات الاسلامية في عدد من الدول، مثل تركيا والمغرب والبحرين وباكستان؟

ـ اتصور أن هذا هو الرد السياسي الثقافي من المسلمين العاديين، ولا سيما في تركيا، البلد الذي انطلقت فيه العلمانية لتحاكي علمانية الغرب، لكنها تحولت علمانية شرقية غريزية, العلمانية تحترم الحريات الدينية وحتى حرية الفكر الديني والافكار الدينية والمواقف الدينية السياسية، بينما نجد أن دولة مثل تركيا يحكمها الجيش من وراء الستار، تخشى الحجاب وتمنع نائبة انتخبها الشعب من أن تدخل البرلمان بحجابها، وتمنع الفتيات من أن يتعلمن في المدارس والجامعات بحجابهن.

إن الشعوب التركية والباكستانية والبحرينية والمغربية، أرادت أن تعبر عن رفضها لهذه الهجمة ضد الاسلام التي تقوم بها أميركا وحلفاؤها في المنطقة وخارجها، لتقول إنها تدعم الخط الاسلامي حتى في السياسة وأن الاسلام ليس تطرفاً وليس ارهاباً، الاسلام يعترف بالاخر ولا ينكره ولا يعتبر القوة وسيلة للتغيير، بل يأخذ بالاساليب الشعبية ليتحرك عبر الاستفتاء الشعبي وليحكم من خلال ذلك بأسلوب واقعي معتدل لا يتنكر للاسلام ويحافظ على حقوق المواطن بأمانة وصدق قد لا يحافظ عليهما الاخرون.

اميركا وأسرائيل

حصلت اخيراً حادثة لافتة، هي أن الطائرات الاميركية تدخلت مباشرة في اليمن وقتلت عدداً من الاشخاص بتهمة انهم ينتمون إلى تنظيم «القاعدة», هل تعتبر هذه العملية، بمثابة رسالة إلى الدول العربية والاسلامية؟

ـ أميركا تلتقي مع إسرائيل في اسلوبها في مواجهة الذين تتهمهم بمعارضة سياستها او الاساءة اليها في طريقة او في اخرى, لذلك كنا نقرأ في خبر قصف السيارة المدنية في اليمن، من خلال الاستخبارات الاميركية, انها قصفت اشخاصاً تتهمهم أميركا بضلوعهم في تفجير احدى سفنها, لذلك عملت على قتل هؤلاء وليس لديها سوى الاتهام ومن دون أن يقدموا إلى المحاكمة، وهذا الاسلوب الاميركي الجديد، الذي يجعل من الولايات المتحدة خصماً وحكماً ومنفذاً، سيترك تأثيره في كل الذين يعارضون سياستها في العالم أو تتهمهم بأنهم ضالعون في ضرب مصالحها هنا وهناك.

إن أميركا وإسرائيل تلتقيان في هذا الاسلوب الوحشي، الذي لا يمثل اي صورة للعدالة او للحرية حتى على مستوى القانون الاميركي, ومن الطبيعي أن يمثل هذا رسالة إلى كل الدول العربية والاسلامية وربما إلى دول العالم الثالث، مفادها أن أميركا تملك الحرية في أن تضرب مواطني هذه الدول لمجرد الاتهام، منتهكة سيادة هذه الدول، التي نريد لها أن تحدد ما هو معنى السيادة عندها.

ورغم ذلك، نرى أن معظم الدول العربية وحتى الاسلامية يسعى إلى كسب ود أميركا؟

ـ كثيرون من الذين يملكون المواقع في الحكم في هذه الدول هم موظفون لدى الادارة الاميركية, كما نرى في غالبية بلدان العالم الثالث أن المسؤولين يعيشون في موقع والشعب في موقع اخر، لذلك لا يشعرون باستنادهم إلى قوة شعبية تحمي قراراتهم في محافظتهم على السيادة والحرية وما إلى ذلك, ولذلك نلاحظ أن غالبية هذه السياسات تتسم بالعجز والفشل والضعف والتخاذل.

هناك تساؤلات كثيرة حول الموقف الايراني في هذا الاطار؟

ـ الموقف الايراني يحاول أن يحافظ على شعاراته من جهة وعلى امن الدولة من جهة اخرى، وهذه هي المشكلة بين سلامة الدولة وسلامة الثورة.

العلاقة مع إيران

الواضح أن علاقتكم مع ايران ليست على ما يرام، أن لم نقل اكثر من ذلك، بدليل انكم لم تزوروا طهران منذ مدة طويلة؟

ـ ليس هناك مشكلة بيني وبين الاخوة في ايران، لكنني لا اجد اي فرصة لزيارة ايران، لان مسؤولياتي الكبيرة، ولا سيما بعد المرجعية، لا تفسح لي في المجال لأية زيارة لايران، كما كنت افعل في السابق, وهناك دعوات ايضاً من خارج ايران لم ألبّها.

قد تكون المرجعية هي السبب في هذا الجفاء؟

ـ من الطبيعي أن هناك فريقاً كبيراً في المواقع المتقدمة في ايران، يلتقي مع مواقع في بعض البلدان العربية، لا يرتاح إلى هذه المرجعية.

هل هناك صراع حول المرجعية بين العرب والعجم؟

ـ قد يتحدث بعض الناس بهذه الطريقة ولكن لا اتصوّر المسألة في هذه الدقة.

لكن هناك اتصالات ورسائل بينكم وبين القيادة الايرانية من اجل اطلاق العديد من السجناء الشيعة العراقيين في ايران؟

ـ هناك صداقة تاريخية بيني وبين سماحة السيد علي خامنئي، وقد ارسلت اليه رسائل عدة تحريرية وشفوية حول بعض العراقيين الذين كانوا يعانون بسبب بعض القوانين التي تضغط عليهم في اقامتهم في ايران، وكان الجواب ايجابياً في تلك المرحلة.

... ومع القادة الروحيين

ما هي علاقتكم بالقادة الروحيين الاسلاميين والمسيحيين في لبنان؟

ـ انني منفتح على كل القادة الذين يسمون روحيين، وليست عندي مشكلة مع احد، ولكن ربما لا يفكر الاخرون في الطريقة التي افكر فيها بالانفتاح على كل الناس.

نلاحظ أنك بعيد من المراكز الدينية الرسمية؟

ـ عندما انطلقت منذ اكثر من 50 سنة كان اسلوبي في العمل الاسلامي، ينطلق من الارتباط المباشر بالشعب، ممن اتفق معه او اختلف، لذلك أعتبر أن المواقع الرسمية محنطة، تحنط فكرك وتحنط حركتك ولا احب أن اكون محنطاً ما دمت حياً.

الحرب الثقافية

اصدرتم اخيراً فتوى تدعو المسلمين، ولا سيما في الخارج، إلى التصدي للحملة التشهيرية التي تستهدف الاسلام والمسلمين عبر الحوار؟

ـ انا اؤمن بالحوار مع كل الاتجاهات الدينية والسياسية والثقافية العامة، ولذلك ادعو إلى الحوار مع الغرب، وإذا كان الغرب السياسي في اداراته لا ينفتح على الحوار بموضوعية وعقلانية فان هناك غرباً مثقفاً في الجامعات والنوادي الثقافية ينفتح على مناقشة القضايا الاسلامية, كما أن هناك حركة في الواقع المسيحي، خصوصاً الكاثوليكي بقيادة الفاتيكان، تعمل بانفتاح على الحوار الاسلامي ـ المسيحي , وأتصور أن المشكلة التي نواجهها هي أن الاعلام الاميركي والغربي، قد تسيطر عليه بعض المواقع الصهيونية المعادية للاسلام والمسلمين, ما يترك تأثيره في الرأي العام الغربي، لذلك لا بد من أن ننفذ إلى داخله من اجل أن نعرّفه على صورة الاسلام, لذلك، اطلقت في هذه الفتوى، الطلب الشرعي الالزامي لكل المسلمين المغتربين في العالم، أن ينفتحوا على الشعوب التي يعيشون بينها اولاً كي تشعر هذه الشعوب بالاهتمام بقضاياها الداخلية، وأن مواطنية هؤلاء مواطنية كاملة، وثانياً ليكون سلوكهم حضارياً اسلامياً، يعطي المثل والنموذج القائم على أن المسلم اذا عاش في اي موقع فانه يحافظ على امنه ونظامه، وثالثاً ليدخلوا في حوار مع كل الفئات لتعريفهم بالاسلام وسلام الاسلام والفرق بين الإرهاب بالمعنى السياسي وحركات التحرير، وللتأكيد أن العنف في فلسطين ليس ارهابياً بل حركة من اجل التحرير، تماماً كما هو العنف في اوروبا عندما تمت مواجهة النازي، وكما هو العنف في أميركا عندما تمت مواجهة الاستعمار البريطاني.

ان الاسلام يرفض الارهاب ضد المدنيين من دون أن تكون هناك حرب، وتكرر في القرآن الكريم {ولا تعتدوا فان الله لا يحب المعتدين}، لذلك ندعو إلى أن يقوم المسلمون في العالم بتوضيح الصورة الاسلامية بأقوالهم وأفعالهم حتى يعرف العالم غير المسلم أن الاسلام هو دين حرية وحضارة وعلم وسلام واحترام للإنسان وقبول بالرأي الاخر.

هل تعتبر أن في هذه المرحلة الاولوية للحرب الثقافية؟

ـ لا أعتبر أن هناك اولوية لحرب من دون حرب، عندما تُفرض عليك الحرب عليك أن تخوضها، فاذا كانت حرباً عسكرية فعليك أن تدافع عن نفسك، وإذا كانت سياسية، فعليك أن تحارب سياسياً, وإذا كانت ثقافية فعليك أن تحارب ثقافياً, اقول "ألبس لكل حالة لبوسها".

تعريف موحّد

الا تعتبر أن علينا، قبل الحوار مع الغرب، أن نتحاور في ما بيننا كعرب ومسلمين لتحديد تعريف موحّد لهذه القضايا المختلف عليها؟

ـ من الطبيعي اننا نتحدث عن المشكلة في مرحلتها الحاضرة، اي الهجمة الغربية على الاسلام والمسلمين والتي تتغذى من الخلفيات الصهيونية، لكننا في الوقت نفسه نعمل على الدعوة إلى حوار اسلامي ـ اسلامي وإلى حوار اسلامي ـ مسيحي وسياسي ـ سياسي.

ومن الطبيعي انه لتحاور الاخر، عليك أن تنطلق من موقف واحد او من ذهنية حوارية تعيشها داخل بلدك، لذلك نحن من دعاة الحوار وكتبت اكثر من كتاب عن الحوار الاسلامي ـ الاسلامي, والحوار الاسلامي ـ المسيحي، ولا ازال منذ اربعين سنة اقول أن الحقيقة بنت الحوار، وأن لا مقدسات للحوار.

كيف تابعت القمة الفرنكوفونية التي عقدت اخيراً في بيروت، وخصوصاً انها كانت تحت عنوان حوار الثقافات والحضارات؟

ـ كانت قمة فرنسا من اجل المحافظة على امتدادها الدولي, وهناك بعض الايجابيات فيها للبنان وبعض العناوين التي نرجو لفرنسا أن تبقى معها بمقدار ما يتصل الامر بحرية الشعوب, وتحدثت مع السفير الفرنسي أن أميركا تمر بلحظة جنون، ونريد من فرنسا وغيرها أن تخفف من جموح هذا الثور الهائج المجنون.

لقد كانت الشعوب تطلب من فرنسا ومن روسيا أن تستعمل حق الفيتو ضد القرار الاميركي، لان الولايات المتحدة عندما تصطدم بنقض قرارها سوف تراجع حساباتها في هذا العنفوان الامبراطوري الذي تفرضه على العالم, وعلينا أن نتأمل في تصريحات الرئيس الاميركي ووزير دفاعه ومستشارته للأمن القومي، عندما تحدثوا بعد القرار (1441): «إننا سندخل الحرب ضد العراق، سواء بقرار من مجلس الامن او من دون قرار»، ما يعني أنهم لا يزالون يرون في هذا القرار فرصة للحرب.

القرار 1441

كيف قرأت هذا القرار الذي صدر بالإجماع عن مجلس الامن؟

ـ هذا القرار الاميركي انطلق من خلفيات ضغط هنا ومقايضة هناك، ودخلت المسألة في سوق البيع والشراء, على مبدأ: سأعطيكم هذا لتعطوني ذاك، ونحن نعرف أن الدول الكبرى لا تختلف الا في نطاق صراع مصالحها، فاذا التقت مصالحها، فإن الشعوب المستضعفة لا قيمة لها في هذا المجال، رغم ما يوحون به الينا من انهم مع هذ الشعب او مع ذاك, أن الخمسة الكبار في مجلس الامن اخذوا حق النقض حتى ينقضوا كل قرار يسيء إلى مصالحهم وحتى ينقضوا كل قرار يخدم مصالح الشعوب في الحرية التي لا تعجب مصالحهم، رغم انهم يتحدثون عن الحرية والحضارة والتقدم, المهم أن تكون لنا عيون مفتوحة في عقولنا وقلوبنا، وألا نكتفي بهذه العيون التي تحدق في التلفزيون لتتخدر، ولتأخذ الفكرة من السطح في الوقت الذي يطبخ الآخرون كل الخطط في العمق.

هل من كلمة توجهها إلى الشعب الكويتي؟

ـ نتمنى لإخواننا في الكويت الأمن والسلام بعدما واجهوه من وحشية في الاحتلال الذي فرض عليهم وعلى بلدهم، وعانوا الكثير مما جرى عليهم، كما عانى ويعاني الشعب العراقي حتى الآن بسبب هذا النظام الذي فرض نفسه على الأمة كلها، ونرجو أن يعجّل الله في فرج أسراهم الأبرياء الطيبين ليتحرروا من هذا السجن الصغير والكبير هناك، ونأمل في الا تحدث الحرب في المنطقة والتي لن يعاني الشعب العراقي فقط، بل ستعاني منها كل شعوب المنطقة لانها الزلزال الذي ربما يهز المنطقة من ادناها إلى اقصاها.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير