من حقّ المرأة أن تتعلّم الملاكمة واستعمال السلاح

من حقّ المرأة أن تتعلّم الملاكمة واستعمال السلاح

يشكّل اللقاء مع المرجع العلامة، السيد محمد حسين فضل الله، إثارةً للعقل، وهو يميط الحجاب عن مسائل غطاها غبار التقاليد الموروثة التي تمّ تأويلها على أساس أنها منسوبة إلى نصوص من السلف.

فتاوى المرجع السيد فضل الله، كلام يحاول إضاءة حداثة في كتب قديمة، ويحاول إعادة توضيب رفوف مكتبات غطاها غبار القِدم... أكثر من مرة.

استفزّت فتاوى المرجع فضل الله وآراؤه جبهات الماضي التي ما تزال تعيش بيننا كحارس للأمس عند حدود اليوم، لكنه صمد مراهناً على أن الإسلام هو في صلب الرهان على العقل والاجتهاد الواعي وليس الغيبي.

وقد أثارت فتواه الأخيرة حول حقّ المرأة برد اعتداء زوجها الجسدي عليها، ردود فعل إيجابية وسلبية في الأوساط الدينية والشعبية، علماً أن السيد فضل الله يؤمن بالحوار، وهذه فضيلة في زمن القطيعة مع الآخر، ويؤمن بأنه صوت مرسل إلى آخر يناقشه ويتفاعل معه على أساس ندية العقل.


فضل الله ليس فقط مناصراً للمرأة من وجهة نظر إسلامية، بل أيضاً هو نصير الإنسان في كل هذه الحياة.

"الشراع" حاورت السيد فضل الله حول فتواه الأخيرة وغيرها من المواضيع المتصلة بهذه القضية.


الحياة الزوحية عقد والتزام


س: نستشفّ من الذين عارضوا فتواك، وكأنك دعوت المرأة إلى أن تردّ على ضرب زوجها لها بالضرب، ويعتبرون أنّ من الأوجب على المرأة أن تلجأ إلى القضاء، وليس لها أن تبادله العنف الجسدي بعنف مماثل، فالقانون هو الذي يأخذ بحقّ الإنسان إن كان امرأةً أو رجلاً؟


ج: في البداية، نحن نعتبر أن العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة ليست خاضعةً، بحسب طبيعتها الإنسانية، للمفردات القانونية، وإنما هي خاضعة للجانب الإنساني الذي عبّر عنه القرآن بـ"المودّة والرحمة"، بحيث تعيش المرأة المحبة لزوجها، ويعيش الزوج المحبة لها، وبحيث يرحم كل واحد منهما ذهنية الآخر وظروفه، سواء كانت ظروفاً داخلية أو خارجية. كما أن القرآن أراد للعلاقة الزوجية أن تمنح الزوجين السكينة، وهي الطمأنينة، بحيث يشعر كل من الطرفين بالطمأنينة تجاه الآخر. ثم عندما ندرس التعليمات الموجّهة إلى الرجل، نجد أن القاعدة العامة هي {فإمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإحسان} (البقرة:229)، و{عاشروهنّ بالمعروف فإن كرهتموهنّ فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً} (النساء:19).


إنّ ما يحكم الرجل والمرأة في الحياة الزوجية، إنما هو العقد الذي هو شريعة المتعاقدين، وكما على المرأة التزامات بالنسبة إلى زوجها، كذلك هناك التزامات على الرجل بالنسبة إلى زوجته، فعلى كلٍ منهما أن يحترم التزاماته تجاه الآخر، سواء في مسألة المعاشرة بالمعروف، أو في المسألة الجنسية، أو في مسألة الإنفاق أو غيرها من المسائل. أما ما عدا ذلك، فإنّ المرأة إنسان مستقل في الحياة الزوجية، فهي مستقلة في الأمور الشخصية والقانونية والمالية أيضاً، كما أنها، بحسب رأينا الفقهي، شخصية مستقلّة في زواجها، وليس لأحد أن يفرض عليها بالإكراه زوجاً لا تريده، وإذا كانت بالغةً راشدة، فهي بحسب فتوانا، كالبالغ الراشد، تستطيع أن تستقلّ بزواجها بعيداً عن العائلة، وإن كان الأحبّ لها أن تستشير أباها أو أهلها في هذا الموضوع.



فتوى إسلامية إنسانية


س: البعض اعتبر أنّ فتواكم في استقلال البالغة الراشدة في أمورها، هي للشيعة فقط؟


ج: هذه المسألة ليست قضية شيعية أو سنية، إنما هي مسألة طبيعية، حيث إن الإنسان يبدأ قاصراً، ولكنه إذا بلغ ورشد، ترتفع عنه الولاية من أي أحدٍ كان، وهذا ما نستدلّ عليه من قوله تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم} (النساء:6)، بمعنى إذا بلغ اليتيم النكاح، أي النضج الجنسي والرشد العقلي، فإنه يصبح مستقلاً مالياً، فعلينا أن ندفع له ماله، لأنه حينئذٍ لا ولاية لأحد عليه، وهذا لا فرق فيه بين الذكر والأنثى.


وعندما ندرس هذه المقدمة، نجد أن الشريعة الإسلامية لم تسلّط الرجل على المرأة بالضرب إلاّ في حالة واحدة، وهي حالة النشوز، وهو أن تمنع المرأة الرجل حقه الخاص في مقاربتها بعد أن تعقد العقد، فعندما يريد الزوج مقاربة زوجه، وتمتنع باستمرار من دون أي عذر صحي أو نفسي، ومن دون أي مانع من الموانع التي تمنعها من ناحية إنسانية من الاستجابة لزوجها، فهي تعتبر ناشزاً، لأننا نعتبر أن قضية الجنس في الحياة الزوجية هي حقٌ للطرفين.


وبحسب رأينا الفقهي، أنّه كما ليس للمرأة أن تمتنع عن زوجها في حاجته إليها إذا لم يكن هناك مانع، كذلك ليس للرجل أن يمتنع عن المرأة إذا كانت بحاجة له جنسياً في هذا المقام، خلافاً للفقهاء الذين يحددون مدة طويلة لهذا الأمر، هذه الحالة عالجها القرآن بهذه الطريقة: {واللاتي تخافون نشوزهنّ ـ النشوز هو الارتفاع عن الطاعة والالتزام ـ فعظوهنّ} أي أن يتحدّث الزوج معها عن السلبيات التي تنتج عن امتناعها عن الاستجابة لرغبه، باعتبار أن ذلك قد يؤدي إلى انحرافه، وطلبه لحاجته في خارج الدائرة الزوجية. والموعظة عبارة عن الأساليب والوسائل التي تقنع بها الطرف الآخر ـ واهجروهنّ في المضاجع ـ وغايته التأديب النفسي، كأن ينام الرجل في غرفة منفصلة عن الغرفة التي تنام فيها الزوجة، فتشعر بالمهانة في هذا المجال ـ واضربوهنّ ـ أي ضرباً غير مبرح، الضرب الذي يراد به إرجاعها إلى التزاماتها الزوجية ـ فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلاً} (النساء:34). قد يقول بعض الناس إنّه بدل أن يضربها، ينبغي أن يرفع أمره إلى المحاكم، لكننا نقول إنّه في مثل هذه القضايا الحيوية، من الصعب جداً أن تسيطر المحكمة على الوضع، فالمفروض أنّ الزوجة متمرّدة، فهل ترسل المحكمة قوى أمن إلى غرفة النوم لتحلّ الإشكال؟! فليست هناك وسيلة لإرجاع المرأة إلى التزاماتها الزوجية التي التزمت بها في العقد، إلا ما سبق وذكرناه.


فالإسلام يقول لها إنك التزمتِ بالعقد، والإنسان عندما يلتزم التزاماً قانونياً، عليه أن يفي بما التزم به، سواء في هذا الجانب، أو في الجوانب الاقتصادية أو الاجتماعية أو غيرها. أما ما عدا ذلك، فلا يجوز للرجل تحت أي اعتبار، أن يضرب زوجته، أو أن يسبها أو أن يتحدث معها بأسلوب رديء يهين كرامتها، لأنها إنسان محترم مستقل لا سلطة لزوجها عليها في هذا الجانب، كما أنه لا يجوز لها أن تشتم زوجها، أو أن تضربه أو تهينه...


وعندما ذكرت في الفتوى أن من حقّها الدفاع عن نفسها، كنت ألاحظ، ونحن في اليوم العالمي لمواجهة العنف ضد المرأة، أن المرأة والرجل لو كانا وحدهما في البيت، وكان الرجل يعيش حالة الجنون الذكوري أو العنفوان الرجولي في هذا المقام، وارتكبت المرأة خطأً في كلمة أو في ما لا يجب عليها القيام به، كأن لا تقوم برعاية طفلها بطريقة أو بأخرى، أو لم تنظف البيت بالطريقة التي يحبها الرجل، فيقوم الرجل بضرب زوجته ضرباً عنيفاً مبرحاً، قد يصل إلى حد الإدماء أو الكسر، فماذا تفعل المرأة في هذه الحال؟ بعض الناس يقولون إنه عليها أن ترفع أمرها إلى المحاكم.


فهي والزوج وحدهما في البيت، ولا تستطيع الخروج من البيت لتستعين بالآخرين، في ما الرجل يضربها ضرباً مبرحاً على رأسها، ويحاول أن يكسر يدها، أو يفقأ عينها أو يدميها، فهنا، من حقّها الدفاع عن نفسها. هذا أمر ننطلق به من خلال قوله سبحانه وتعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} (البقرة:195)، {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} (النحل:126). وهذا يعني أن لك الحق في رد الاعتداء بمثله، ولكن لك، وأنت صاحب الحق، أن تعفو.


إننا كنا نؤكد هذا المعنى، وهو أننا لا ندعو المرأة إلى جعل بيتها ساحة مصارعة أو ملاكمة، وربما يقول بعض الناس أن هذا يسيء إلى أجواء الحياة العائلية وما إلى ذلك، ولكن هذا السؤال لا بد له من أن يوجّه إلى الرجل ولا يوجّه إلى المرأة في هذا المجال.

الذين ناقشوا الفتوى لم يفهموا طبيعتها، لأنهم تحدثوا عن النشوز


لذلك أصدرنا هذه الفتوى، لأنها فتوى طبيعية، وكما لاحظنا في ردود بعض علماء الأزهر وغيرهم، أن البعض قال إن النبي(ص) أراد للمرأة أن تحسّن علاقتها بالرجل، وكان يقول: لو جاز السجود لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. إن هذا يدخل في الجانب الأخلاقي العام في العلاقات الطبيعية بين الرجل والمرأة، ولكنه لا يدخل في الحالات التي يمارس فيها الرجل العنف ضد المرأة. فلذلك، أنا أعتبر أن هذه الفتوى طبيعية، وأن الذين ناقشوها لم يفهموا طبيعتها، لأنهم تحدثوا عن النشوز، وأنا لم أتحدث عنه، لأنني أرى أن النشوز يبرر للرجل الضرب، ولكن ضرباً غير مبرح، يعني الضرب الذي يراد من خلاله جذب المرأة إلى الالتزام بالتزاماتها الزوجية.


القوامة لا تعني السيادة


وهناك نقطة أثارها بعض الناس، وهي قضية القوامة، {الرجال قوّامون على النساء}. ورأينا أن القوامة إنما هي في داخل البيت الزوجي، وليس الرجل قواماً على المرأة في كل شؤون المجتمع الإنساني، فالمرأة حرة في نفسها، كما الرجل حرّ في نفسه، لها أن تتصرف في أموالها وفي نفسها في الحدود الأخلاقية. فالقوامة لا تعني السيادة أو التملّك، أي أن الرجل يتملّك المرأة، كما هو المثل العامي الذي يقول للرجل: "نحن أعطيناك ابنتنا لحمة، فاعطنا إياها عظمة"، وهذا الكلام من قبيل أن لك أن تضربها ضرباً مبرحاً وتتسلط عليها.

   


القوامة لا تعني السيادة، بل إدارة شؤون العائلة


فالقوامة، في رأيي، إنما هي قوامة الإدارة، بمعنى أن الرجل، وبحسب طبيعة ظروفه الجسدية والاجتماعية، يملك الإدارة في البيت، كما أن الله فرض على الرجل الإنفاق: {الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} (النساء:34)، فالقوامة للرجل هي باعتبار ما حمّله الله من مسؤولية الإنفاق على البيت الزوجي وعلى المرأة والأولاد، لأنّ المرأة بحسب التشريع الإسلامي، حتى لو كانت غنيةً، هي غير ملزمة بأن تنفق على البيت الزوجي، ولكن هي تتبرّع أو تتطوّع بذلك من منطلق إنساني، كما أنه ليس من واجبها أن تصرف على أولادها، حتى إن القرآن الكريم نصّ على حقها بأن تأخذ أجراً على الرضاع، وأيضاً لم يكلفها الإسلام أن تقوم بخدمات البيت إلا إذا اشترطت ذلك على نفسها، لأن المؤمنين عند شروطهم في هذا المقام. وهكذا نجد أن علاقة الرجل بالمرأة هي علاقة إنسانية تحكمها التقوى التي تمنع كلاً من الطرفين أن يتمرّد على الحقوق التي التزم بها، أو أن يسيء إلى الطرف الآخر.


وهناك نقطة لا بدّ من الإشارة إليها، وهي أن الفقهاء بشكل عام من الشيعة والسنة، يفتون بأنّه لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه، حتى لو كان منعه لها مزاجياً. ما معنى هذا؟ معناه أن الزواج يتحوّل إلى سجن مؤبّد تنتقل فيه الزوجة من حفلة العقد إلى حفلة القبر. بينما نحن، بحسب فتوانا، نقول إنه يحرم على المرأة الخروج التمردي، لا الخروج الطبيعي، فإذا كان الزوج في عمله أو غائباً عنها، فإنها تستطيع أن تذهب إلى عائلتها وأهلها وغيرهم من الناس، مع التزامها الحدود الأخلاقية التي تحفظ أمانتها الزوجية، وما إلى ذلك، استناداً إلى قوله تعالى: {وعاشروهنّ بالمعروف} (النساء:19)، إذ ليس من المعاشرة بالمعروف أن يمنع الرجل زوجته من زيارة أهلها، أو من الخروج إلى حاجاتها الطبيعية، كالذهاب إلى السوق أو النزهة أو غيرها من الأمور عندما لا يكون زوجها بحاجة إليها في هذا المجال.

   

ليس من المعاشرة بالمعروف أن يمنع الرجل زوجته من الخروج لقضاء حاجاتها الطبيعية

         

معارضة الفتوى


س: لكن الذين عارضوا فتوى سماحتك من العلماء، يؤكدون أن ضرب المرأة هو نوع من التأديب الشرعي، وهو ضرب خفيف، فكيف تفسر دعواك لنقض التأديب الشرعي للمرأة؟


ج: لم يضع الله سبحانه وتعالى أي تشريع يفرض تأديب المرأة على الرجل، هناك في الإسلام بشكل عام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا يستوي فيه الرجال والنساء، كل من انحرف عن الخط وكل من أساء إلى النظام وأفسد في الأرض، فمن حقّ المجتمع أن يحاسبه وأن يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، ولكن ليس من حقّ الرجل في العقد الزوجي تأديب المرأة بالضرب، له أن ينصحها ويعظها، أما قضية الضرب، فهي خاصة في حال نشوز الزوجة لجهة عدم التزامها بحقّ الزوج، فهو لأجل إرجاعها إلى التزاماتها الزوجية في هذا المقام، لا من جهة التأديب الذاتي الذي يفرض عليها في هذا المجال.


التشريع لم يفرض على الرجل تأديب المرأة

حرية المرأة


س: قبل 15 سنة، دعوت في إحدى خطب الجمعة الفتيات لتعلّم فنون الرياضة، بما فيها الملاكمة وغيرها، لتستطعن الدفاع عن أنفسهنّ، هل ما زالت هذه الدعوة قائمةً؟ وهل نستطيع أن ندخلها ضمن فتوى سماحتكم؟


ج: نحن نقول إن هناك حرية للمرأة في أن تتعلّم كل شيء محلّل، وعلى هذا الأساس، فمن حقّها أن تتعلم كل فنون الرياضة، طبعاً في الحدود الشرعية الإسلامية، وحتى إن لها أن تتعلم الملاكمة، غير أن القضية لا تنحصر في مسألة الدفاع عن النفس في داخل البيت الزوجي، فنحن نعرف أن كثيراً من النساء يتعرّضن الآن للاغتصاب والاعتداء والسرقة، حيث إن هناك أشخاصاً يحاولون الهجوم على المرأة من أجل سرقة مصاغها أو ما شابه ذلك، وخصوصاً إذا كانت المرأة وحدها في البيت، فإن من حقها أن تتعلّم الملاكمة لتدافع عن نفسها، بل من حقّها أن تتعلّم استخدام السلاح، لتحمي نفسها في حال تعرضت لخطر يهدد حياتها من قِبَل السُرّاق أو المغتصبين أو ما شابه ذلك.


المرأة كالرجل في أنها إنسان جعل الله له الحق في الدفاع عن نفسه عندما يعتدي عليه الآخرون، فليس هناك فرق في هذا المبدأ الشرعي بين الرجل والمرأة، فكما أن من حقّ الرجل أن يدافع عن نفسه ضد أي عدوان، كذلك فإنّ للمرأة أن تدافع عن نفسها ضد أي أحدٍ يريد الاعتداء عليها. ومن هذا الباب، يجوز للمرأة أن تدافع عن نفسها ضد زوجها إذا تعسّف في ضربها إلى حد الكسر وما أشبه ذلك، أو أن تدافع عن نفسها أمام الذين يعتدون عليها اعتداءً جنسياً أو مالياً أو ما أشبه ذلك. ففي الإسلام، المرأة حرّة في أن تتعلّم كل شيء، وهي تملك الحق في الدفاع عن نفسها بكل الوسائل الشرعية.

   


المرأة كالرجل في أنها إنسان جعل الله له حقّ الدفاع عن نفسه عندما يعتدي عليه الآخرون

         

أمانة الفكر


س: فتواكم جريئة، بحيث تخرج عمّا هو نمطي وتقليدي، ما يثير اعتراضات داخل البيئة العلمائية. هل هناك إمكانية لتنظيم هذا النقاش عبر مؤسسات تنأى به عن السجال الإعلامي ولغة التهجّم؟


ج: إنني واجهت كثيراً من الأفكار التي قد لا تتوافق مع الكثيرين من الناس من الفقهاء أو من غيرهم، لأني أرى أن الله يقول: {وقل الحقّ من ربكم فمن شاء فليؤمن ومَن شاء فليكفر} (الكهف:29)، فأنا أعتبر أنّ الفكر، سواء كان فتوى أو غير فتوى، هو أمانة الله عند الإنسان، والإنسان يكون خائناً للأمانة عندما لا يعلن هذا الفكر، وأنا من الناس الذين يؤمنون بالحوار، ولعلّي من الأشخاص المتخصصين بالحوار، وقد ألّفت عدة كتب حول الحوار، وهي: "أسلوب الدعوة في القرآن"، و"الحوار في القرآن"، و"تأملات في الحوار الإسلامي ـ المسيحي"، وأخيراً "الحوار الإسلامي ـ الإسلامي". لذلك عندما أطلق الفكرة التي لا يوافق عليها الآخرون، فإنني أطلب منهم أن يدخلوا معي في حوار، فلعلّهم يكتشفون خطئي في هذا المقام، أو أكتشف خطأهم في ما لديهم.


س: يستشفّ المتابع لفتاوى سماحتكم، أنك تغييري، وأيضاً "ثوري". ما هي هذه المدرسة التي تقودها؟ وما هي المعايير الأساسية لمنهجك هذا؟


ج: لقد بدأت حياتي الفكرية، وربما حياتي السياسية، منذ أول الخمسينيات عندما كنت في العراق، معتبراً أن الحقيقة أمانة الله عندي، ولذلك لم أتبنَّ الثورية كمزاج، ولكني عندما كنت أواجه الاستعمار والانحراف والخطأ في العراق، كنت أشعر بالمسؤولية في أن أتحدث وأتحمّل مسؤولية ما أتحدّث به، وربما واجهت، سواء من بعض الحوزات الدينية في قم أو في النجف أو في غيرهما، الكثير من فتاوى التضليل والتكفير، ولكني أملك شجاعة قول الحقيقة، سواء على مستوى الفكر، أو على مستوى الفتوى، أو المواجهة السياسية التي تتحرك في ساحات الصراع.


مع المظلوم


س: هناك رأي علمائي بأنك تغالي في انحيازك للمرأة، ما هو ردّكم على ذلك؟


ج: أنا مع المظلوم، سواء كان امرأةً أو رجلاً، وأرى أن المرأة ظُلمت على مدى التاريخ، وأنها تملك عقلاً كعقل الرجل، وطاقة كطاقاته، وأنها عُزلت عن المعرفة وعن التجربة، واعتبرت مجرد لعبة وأَمة للرجل في هذا المجال. ولذلك كنت وما أزال منذ أكثر من خمسين سنة، أدعو المرأة إلى أن تثق بنفسها، وإلى أن تنفتح على كل خطوط المعرفة، من أجل أن تمنح وطنها ومجتمعها وأمتها الكثير من عبقريتها وفكرها وتجربتها.


أنا لا أرى أن الرجل هو أكثر عقلاً من المرأة أو أكثر وعياً منها، ولذلك فإنني أدعو المرأة إلى أن تتحرك من أجل أن تملك العلم كله بحسب الإمكانات التي تتيحها لها ظروفها، وأن تملك القوة كلها، وأن تكون إنساناً فاعلاً حراً كما هو الرجل إنسان فاعل حرّ. ولذلك أطلقت عدة فتاوى عندما استفتيت في الجدل الدائر، إن في الكويت أو غيرها، حول مسألة الانتخاب للمرأة، فقلت يجوز لها أن تنتخِب وتُنتخَب، لأن من حقها أن يكون لها رأي في بلدها، وأن يكون للناس حق في اختيارها ممثلةً عنهم.


س: الرجل، كما في الفتوى التقليدية في الإسلام، هو الممسك بمفتاح المبادرة الجنسية، سواء إقداماً أو اعتكافاً، بينما فتوى سماحتكم تعيد التوازن إلى هذه العملية، وهذه بالأساس فكرة عالجتها أديبات عربية علمانية، أين تلتقي مع هذه الأفكار وأين تفترق؟

المرأة عزلت عن المعرفة والتجربة، واعتبرت مجرد لعبة وأمة للرجل

         

ج: إن الإسلام اعتبر الزواج تحصيناً للمرأة وللرجل، بمعنى أنه أراد أن يحقق الوسائل الواقعية لالتزام المرأة بالعفّة من خلال تلبية حاجاتها الجنسية، كما أراد للرجل ذلك، وعلى هذا الأساس، فإن المرأة تساوي الرجل بحسب الفتوى التي أطلقتها، في أن عليه أن يستجيب لحاجاتها الجنسية، إذا كانت تعيش مثل هذه الحاجة بشكل كبير، كما أنّ عليها أن تستجيب لحاجاته الجنسية أيضاً: {ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف} (البقرة:228).


حوار ـ هلا بلوط


مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)

التاريخ: 15 ذو الحجة 1428 هـ  الموافق: 24/12/2007 م

يشكّل اللقاء مع المرجع العلامة، السيد محمد حسين فضل الله، إثارةً للعقل، وهو يميط الحجاب عن مسائل غطاها غبار التقاليد الموروثة التي تمّ تأويلها على أساس أنها منسوبة إلى نصوص من السلف.

فتاوى المرجع السيد فضل الله، كلام يحاول إضاءة حداثة في كتب قديمة، ويحاول إعادة توضيب رفوف مكتبات غطاها غبار القِدم... أكثر من مرة.

استفزّت فتاوى المرجع فضل الله وآراؤه جبهات الماضي التي ما تزال تعيش بيننا كحارس للأمس عند حدود اليوم، لكنه صمد مراهناً على أن الإسلام هو في صلب الرهان على العقل والاجتهاد الواعي وليس الغيبي.

وقد أثارت فتواه الأخيرة حول حقّ المرأة برد اعتداء زوجها الجسدي عليها، ردود فعل إيجابية وسلبية في الأوساط الدينية والشعبية، علماً أن السيد فضل الله يؤمن بالحوار، وهذه فضيلة في زمن القطيعة مع الآخر، ويؤمن بأنه صوت مرسل إلى آخر يناقشه ويتفاعل معه على أساس ندية العقل.


فضل الله ليس فقط مناصراً للمرأة من وجهة نظر إسلامية، بل أيضاً هو نصير الإنسان في كل هذه الحياة.

"الشراع" حاورت السيد فضل الله حول فتواه الأخيرة وغيرها من المواضيع المتصلة بهذه القضية.


الحياة الزوحية عقد والتزام


س: نستشفّ من الذين عارضوا فتواك، وكأنك دعوت المرأة إلى أن تردّ على ضرب زوجها لها بالضرب، ويعتبرون أنّ من الأوجب على المرأة أن تلجأ إلى القضاء، وليس لها أن تبادله العنف الجسدي بعنف مماثل، فالقانون هو الذي يأخذ بحقّ الإنسان إن كان امرأةً أو رجلاً؟


ج: في البداية، نحن نعتبر أن العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة ليست خاضعةً، بحسب طبيعتها الإنسانية، للمفردات القانونية، وإنما هي خاضعة للجانب الإنساني الذي عبّر عنه القرآن بـ"المودّة والرحمة"، بحيث تعيش المرأة المحبة لزوجها، ويعيش الزوج المحبة لها، وبحيث يرحم كل واحد منهما ذهنية الآخر وظروفه، سواء كانت ظروفاً داخلية أو خارجية. كما أن القرآن أراد للعلاقة الزوجية أن تمنح الزوجين السكينة، وهي الطمأنينة، بحيث يشعر كل من الطرفين بالطمأنينة تجاه الآخر. ثم عندما ندرس التعليمات الموجّهة إلى الرجل، نجد أن القاعدة العامة هي {فإمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإحسان} (البقرة:229)، و{عاشروهنّ بالمعروف فإن كرهتموهنّ فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً} (النساء:19).


إنّ ما يحكم الرجل والمرأة في الحياة الزوجية، إنما هو العقد الذي هو شريعة المتعاقدين، وكما على المرأة التزامات بالنسبة إلى زوجها، كذلك هناك التزامات على الرجل بالنسبة إلى زوجته، فعلى كلٍ منهما أن يحترم التزاماته تجاه الآخر، سواء في مسألة المعاشرة بالمعروف، أو في المسألة الجنسية، أو في مسألة الإنفاق أو غيرها من المسائل. أما ما عدا ذلك، فإنّ المرأة إنسان مستقل في الحياة الزوجية، فهي مستقلة في الأمور الشخصية والقانونية والمالية أيضاً، كما أنها، بحسب رأينا الفقهي، شخصية مستقلّة في زواجها، وليس لأحد أن يفرض عليها بالإكراه زوجاً لا تريده، وإذا كانت بالغةً راشدة، فهي بحسب فتوانا، كالبالغ الراشد، تستطيع أن تستقلّ بزواجها بعيداً عن العائلة، وإن كان الأحبّ لها أن تستشير أباها أو أهلها في هذا الموضوع.



فتوى إسلامية إنسانية


س: البعض اعتبر أنّ فتواكم في استقلال البالغة الراشدة في أمورها، هي للشيعة فقط؟


ج: هذه المسألة ليست قضية شيعية أو سنية، إنما هي مسألة طبيعية، حيث إن الإنسان يبدأ قاصراً، ولكنه إذا بلغ ورشد، ترتفع عنه الولاية من أي أحدٍ كان، وهذا ما نستدلّ عليه من قوله تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم} (النساء:6)، بمعنى إذا بلغ اليتيم النكاح، أي النضج الجنسي والرشد العقلي، فإنه يصبح مستقلاً مالياً، فعلينا أن ندفع له ماله، لأنه حينئذٍ لا ولاية لأحد عليه، وهذا لا فرق فيه بين الذكر والأنثى.


وعندما ندرس هذه المقدمة، نجد أن الشريعة الإسلامية لم تسلّط الرجل على المرأة بالضرب إلاّ في حالة واحدة، وهي حالة النشوز، وهو أن تمنع المرأة الرجل حقه الخاص في مقاربتها بعد أن تعقد العقد، فعندما يريد الزوج مقاربة زوجه، وتمتنع باستمرار من دون أي عذر صحي أو نفسي، ومن دون أي مانع من الموانع التي تمنعها من ناحية إنسانية من الاستجابة لزوجها، فهي تعتبر ناشزاً، لأننا نعتبر أن قضية الجنس في الحياة الزوجية هي حقٌ للطرفين.


وبحسب رأينا الفقهي، أنّه كما ليس للمرأة أن تمتنع عن زوجها في حاجته إليها إذا لم يكن هناك مانع، كذلك ليس للرجل أن يمتنع عن المرأة إذا كانت بحاجة له جنسياً في هذا المقام، خلافاً للفقهاء الذين يحددون مدة طويلة لهذا الأمر، هذه الحالة عالجها القرآن بهذه الطريقة: {واللاتي تخافون نشوزهنّ ـ النشوز هو الارتفاع عن الطاعة والالتزام ـ فعظوهنّ} أي أن يتحدّث الزوج معها عن السلبيات التي تنتج عن امتناعها عن الاستجابة لرغبه، باعتبار أن ذلك قد يؤدي إلى انحرافه، وطلبه لحاجته في خارج الدائرة الزوجية. والموعظة عبارة عن الأساليب والوسائل التي تقنع بها الطرف الآخر ـ واهجروهنّ في المضاجع ـ وغايته التأديب النفسي، كأن ينام الرجل في غرفة منفصلة عن الغرفة التي تنام فيها الزوجة، فتشعر بالمهانة في هذا المجال ـ واضربوهنّ ـ أي ضرباً غير مبرح، الضرب الذي يراد به إرجاعها إلى التزاماتها الزوجية ـ فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلاً} (النساء:34). قد يقول بعض الناس إنّه بدل أن يضربها، ينبغي أن يرفع أمره إلى المحاكم، لكننا نقول إنّه في مثل هذه القضايا الحيوية، من الصعب جداً أن تسيطر المحكمة على الوضع، فالمفروض أنّ الزوجة متمرّدة، فهل ترسل المحكمة قوى أمن إلى غرفة النوم لتحلّ الإشكال؟! فليست هناك وسيلة لإرجاع المرأة إلى التزاماتها الزوجية التي التزمت بها في العقد، إلا ما سبق وذكرناه.


فالإسلام يقول لها إنك التزمتِ بالعقد، والإنسان عندما يلتزم التزاماً قانونياً، عليه أن يفي بما التزم به، سواء في هذا الجانب، أو في الجوانب الاقتصادية أو الاجتماعية أو غيرها. أما ما عدا ذلك، فلا يجوز للرجل تحت أي اعتبار، أن يضرب زوجته، أو أن يسبها أو أن يتحدث معها بأسلوب رديء يهين كرامتها، لأنها إنسان محترم مستقل لا سلطة لزوجها عليها في هذا الجانب، كما أنه لا يجوز لها أن تشتم زوجها، أو أن تضربه أو تهينه...


وعندما ذكرت في الفتوى أن من حقّها الدفاع عن نفسها، كنت ألاحظ، ونحن في اليوم العالمي لمواجهة العنف ضد المرأة، أن المرأة والرجل لو كانا وحدهما في البيت، وكان الرجل يعيش حالة الجنون الذكوري أو العنفوان الرجولي في هذا المقام، وارتكبت المرأة خطأً في كلمة أو في ما لا يجب عليها القيام به، كأن لا تقوم برعاية طفلها بطريقة أو بأخرى، أو لم تنظف البيت بالطريقة التي يحبها الرجل، فيقوم الرجل بضرب زوجته ضرباً عنيفاً مبرحاً، قد يصل إلى حد الإدماء أو الكسر، فماذا تفعل المرأة في هذه الحال؟ بعض الناس يقولون إنه عليها أن ترفع أمرها إلى المحاكم.


فهي والزوج وحدهما في البيت، ولا تستطيع الخروج من البيت لتستعين بالآخرين، في ما الرجل يضربها ضرباً مبرحاً على رأسها، ويحاول أن يكسر يدها، أو يفقأ عينها أو يدميها، فهنا، من حقّها الدفاع عن نفسها. هذا أمر ننطلق به من خلال قوله سبحانه وتعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} (البقرة:195)، {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} (النحل:126). وهذا يعني أن لك الحق في رد الاعتداء بمثله، ولكن لك، وأنت صاحب الحق، أن تعفو.


إننا كنا نؤكد هذا المعنى، وهو أننا لا ندعو المرأة إلى جعل بيتها ساحة مصارعة أو ملاكمة، وربما يقول بعض الناس أن هذا يسيء إلى أجواء الحياة العائلية وما إلى ذلك، ولكن هذا السؤال لا بد له من أن يوجّه إلى الرجل ولا يوجّه إلى المرأة في هذا المجال.

الذين ناقشوا الفتوى لم يفهموا طبيعتها، لأنهم تحدثوا عن النشوز


لذلك أصدرنا هذه الفتوى، لأنها فتوى طبيعية، وكما لاحظنا في ردود بعض علماء الأزهر وغيرهم، أن البعض قال إن النبي(ص) أراد للمرأة أن تحسّن علاقتها بالرجل، وكان يقول: لو جاز السجود لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. إن هذا يدخل في الجانب الأخلاقي العام في العلاقات الطبيعية بين الرجل والمرأة، ولكنه لا يدخل في الحالات التي يمارس فيها الرجل العنف ضد المرأة. فلذلك، أنا أعتبر أن هذه الفتوى طبيعية، وأن الذين ناقشوها لم يفهموا طبيعتها، لأنهم تحدثوا عن النشوز، وأنا لم أتحدث عنه، لأنني أرى أن النشوز يبرر للرجل الضرب، ولكن ضرباً غير مبرح، يعني الضرب الذي يراد من خلاله جذب المرأة إلى الالتزام بالتزاماتها الزوجية.


القوامة لا تعني السيادة


وهناك نقطة أثارها بعض الناس، وهي قضية القوامة، {الرجال قوّامون على النساء}. ورأينا أن القوامة إنما هي في داخل البيت الزوجي، وليس الرجل قواماً على المرأة في كل شؤون المجتمع الإنساني، فالمرأة حرة في نفسها، كما الرجل حرّ في نفسه، لها أن تتصرف في أموالها وفي نفسها في الحدود الأخلاقية. فالقوامة لا تعني السيادة أو التملّك، أي أن الرجل يتملّك المرأة، كما هو المثل العامي الذي يقول للرجل: "نحن أعطيناك ابنتنا لحمة، فاعطنا إياها عظمة"، وهذا الكلام من قبيل أن لك أن تضربها ضرباً مبرحاً وتتسلط عليها.

   


القوامة لا تعني السيادة، بل إدارة شؤون العائلة


فالقوامة، في رأيي، إنما هي قوامة الإدارة، بمعنى أن الرجل، وبحسب طبيعة ظروفه الجسدية والاجتماعية، يملك الإدارة في البيت، كما أن الله فرض على الرجل الإنفاق: {الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} (النساء:34)، فالقوامة للرجل هي باعتبار ما حمّله الله من مسؤولية الإنفاق على البيت الزوجي وعلى المرأة والأولاد، لأنّ المرأة بحسب التشريع الإسلامي، حتى لو كانت غنيةً، هي غير ملزمة بأن تنفق على البيت الزوجي، ولكن هي تتبرّع أو تتطوّع بذلك من منطلق إنساني، كما أنه ليس من واجبها أن تصرف على أولادها، حتى إن القرآن الكريم نصّ على حقها بأن تأخذ أجراً على الرضاع، وأيضاً لم يكلفها الإسلام أن تقوم بخدمات البيت إلا إذا اشترطت ذلك على نفسها، لأن المؤمنين عند شروطهم في هذا المقام. وهكذا نجد أن علاقة الرجل بالمرأة هي علاقة إنسانية تحكمها التقوى التي تمنع كلاً من الطرفين أن يتمرّد على الحقوق التي التزم بها، أو أن يسيء إلى الطرف الآخر.


وهناك نقطة لا بدّ من الإشارة إليها، وهي أن الفقهاء بشكل عام من الشيعة والسنة، يفتون بأنّه لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه، حتى لو كان منعه لها مزاجياً. ما معنى هذا؟ معناه أن الزواج يتحوّل إلى سجن مؤبّد تنتقل فيه الزوجة من حفلة العقد إلى حفلة القبر. بينما نحن، بحسب فتوانا، نقول إنه يحرم على المرأة الخروج التمردي، لا الخروج الطبيعي، فإذا كان الزوج في عمله أو غائباً عنها، فإنها تستطيع أن تذهب إلى عائلتها وأهلها وغيرهم من الناس، مع التزامها الحدود الأخلاقية التي تحفظ أمانتها الزوجية، وما إلى ذلك، استناداً إلى قوله تعالى: {وعاشروهنّ بالمعروف} (النساء:19)، إذ ليس من المعاشرة بالمعروف أن يمنع الرجل زوجته من زيارة أهلها، أو من الخروج إلى حاجاتها الطبيعية، كالذهاب إلى السوق أو النزهة أو غيرها من الأمور عندما لا يكون زوجها بحاجة إليها في هذا المجال.

   

ليس من المعاشرة بالمعروف أن يمنع الرجل زوجته من الخروج لقضاء حاجاتها الطبيعية

         

معارضة الفتوى


س: لكن الذين عارضوا فتوى سماحتك من العلماء، يؤكدون أن ضرب المرأة هو نوع من التأديب الشرعي، وهو ضرب خفيف، فكيف تفسر دعواك لنقض التأديب الشرعي للمرأة؟


ج: لم يضع الله سبحانه وتعالى أي تشريع يفرض تأديب المرأة على الرجل، هناك في الإسلام بشكل عام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا يستوي فيه الرجال والنساء، كل من انحرف عن الخط وكل من أساء إلى النظام وأفسد في الأرض، فمن حقّ المجتمع أن يحاسبه وأن يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، ولكن ليس من حقّ الرجل في العقد الزوجي تأديب المرأة بالضرب، له أن ينصحها ويعظها، أما قضية الضرب، فهي خاصة في حال نشوز الزوجة لجهة عدم التزامها بحقّ الزوج، فهو لأجل إرجاعها إلى التزاماتها الزوجية في هذا المقام، لا من جهة التأديب الذاتي الذي يفرض عليها في هذا المجال.


التشريع لم يفرض على الرجل تأديب المرأة

حرية المرأة


س: قبل 15 سنة، دعوت في إحدى خطب الجمعة الفتيات لتعلّم فنون الرياضة، بما فيها الملاكمة وغيرها، لتستطعن الدفاع عن أنفسهنّ، هل ما زالت هذه الدعوة قائمةً؟ وهل نستطيع أن ندخلها ضمن فتوى سماحتكم؟


ج: نحن نقول إن هناك حرية للمرأة في أن تتعلّم كل شيء محلّل، وعلى هذا الأساس، فمن حقّها أن تتعلم كل فنون الرياضة، طبعاً في الحدود الشرعية الإسلامية، وحتى إن لها أن تتعلم الملاكمة، غير أن القضية لا تنحصر في مسألة الدفاع عن النفس في داخل البيت الزوجي، فنحن نعرف أن كثيراً من النساء يتعرّضن الآن للاغتصاب والاعتداء والسرقة، حيث إن هناك أشخاصاً يحاولون الهجوم على المرأة من أجل سرقة مصاغها أو ما شابه ذلك، وخصوصاً إذا كانت المرأة وحدها في البيت، فإن من حقها أن تتعلّم الملاكمة لتدافع عن نفسها، بل من حقّها أن تتعلّم استخدام السلاح، لتحمي نفسها في حال تعرضت لخطر يهدد حياتها من قِبَل السُرّاق أو المغتصبين أو ما شابه ذلك.


المرأة كالرجل في أنها إنسان جعل الله له الحق في الدفاع عن نفسه عندما يعتدي عليه الآخرون، فليس هناك فرق في هذا المبدأ الشرعي بين الرجل والمرأة، فكما أن من حقّ الرجل أن يدافع عن نفسه ضد أي عدوان، كذلك فإنّ للمرأة أن تدافع عن نفسها ضد أي أحدٍ يريد الاعتداء عليها. ومن هذا الباب، يجوز للمرأة أن تدافع عن نفسها ضد زوجها إذا تعسّف في ضربها إلى حد الكسر وما أشبه ذلك، أو أن تدافع عن نفسها أمام الذين يعتدون عليها اعتداءً جنسياً أو مالياً أو ما أشبه ذلك. ففي الإسلام، المرأة حرّة في أن تتعلّم كل شيء، وهي تملك الحق في الدفاع عن نفسها بكل الوسائل الشرعية.

   


المرأة كالرجل في أنها إنسان جعل الله له حقّ الدفاع عن نفسه عندما يعتدي عليه الآخرون

         

أمانة الفكر


س: فتواكم جريئة، بحيث تخرج عمّا هو نمطي وتقليدي، ما يثير اعتراضات داخل البيئة العلمائية. هل هناك إمكانية لتنظيم هذا النقاش عبر مؤسسات تنأى به عن السجال الإعلامي ولغة التهجّم؟


ج: إنني واجهت كثيراً من الأفكار التي قد لا تتوافق مع الكثيرين من الناس من الفقهاء أو من غيرهم، لأني أرى أن الله يقول: {وقل الحقّ من ربكم فمن شاء فليؤمن ومَن شاء فليكفر} (الكهف:29)، فأنا أعتبر أنّ الفكر، سواء كان فتوى أو غير فتوى، هو أمانة الله عند الإنسان، والإنسان يكون خائناً للأمانة عندما لا يعلن هذا الفكر، وأنا من الناس الذين يؤمنون بالحوار، ولعلّي من الأشخاص المتخصصين بالحوار، وقد ألّفت عدة كتب حول الحوار، وهي: "أسلوب الدعوة في القرآن"، و"الحوار في القرآن"، و"تأملات في الحوار الإسلامي ـ المسيحي"، وأخيراً "الحوار الإسلامي ـ الإسلامي". لذلك عندما أطلق الفكرة التي لا يوافق عليها الآخرون، فإنني أطلب منهم أن يدخلوا معي في حوار، فلعلّهم يكتشفون خطئي في هذا المقام، أو أكتشف خطأهم في ما لديهم.


س: يستشفّ المتابع لفتاوى سماحتكم، أنك تغييري، وأيضاً "ثوري". ما هي هذه المدرسة التي تقودها؟ وما هي المعايير الأساسية لمنهجك هذا؟


ج: لقد بدأت حياتي الفكرية، وربما حياتي السياسية، منذ أول الخمسينيات عندما كنت في العراق، معتبراً أن الحقيقة أمانة الله عندي، ولذلك لم أتبنَّ الثورية كمزاج، ولكني عندما كنت أواجه الاستعمار والانحراف والخطأ في العراق، كنت أشعر بالمسؤولية في أن أتحدث وأتحمّل مسؤولية ما أتحدّث به، وربما واجهت، سواء من بعض الحوزات الدينية في قم أو في النجف أو في غيرهما، الكثير من فتاوى التضليل والتكفير، ولكني أملك شجاعة قول الحقيقة، سواء على مستوى الفكر، أو على مستوى الفتوى، أو المواجهة السياسية التي تتحرك في ساحات الصراع.


مع المظلوم


س: هناك رأي علمائي بأنك تغالي في انحيازك للمرأة، ما هو ردّكم على ذلك؟


ج: أنا مع المظلوم، سواء كان امرأةً أو رجلاً، وأرى أن المرأة ظُلمت على مدى التاريخ، وأنها تملك عقلاً كعقل الرجل، وطاقة كطاقاته، وأنها عُزلت عن المعرفة وعن التجربة، واعتبرت مجرد لعبة وأَمة للرجل في هذا المجال. ولذلك كنت وما أزال منذ أكثر من خمسين سنة، أدعو المرأة إلى أن تثق بنفسها، وإلى أن تنفتح على كل خطوط المعرفة، من أجل أن تمنح وطنها ومجتمعها وأمتها الكثير من عبقريتها وفكرها وتجربتها.


أنا لا أرى أن الرجل هو أكثر عقلاً من المرأة أو أكثر وعياً منها، ولذلك فإنني أدعو المرأة إلى أن تتحرك من أجل أن تملك العلم كله بحسب الإمكانات التي تتيحها لها ظروفها، وأن تملك القوة كلها، وأن تكون إنساناً فاعلاً حراً كما هو الرجل إنسان فاعل حرّ. ولذلك أطلقت عدة فتاوى عندما استفتيت في الجدل الدائر، إن في الكويت أو غيرها، حول مسألة الانتخاب للمرأة، فقلت يجوز لها أن تنتخِب وتُنتخَب، لأن من حقها أن يكون لها رأي في بلدها، وأن يكون للناس حق في اختيارها ممثلةً عنهم.


س: الرجل، كما في الفتوى التقليدية في الإسلام، هو الممسك بمفتاح المبادرة الجنسية، سواء إقداماً أو اعتكافاً، بينما فتوى سماحتكم تعيد التوازن إلى هذه العملية، وهذه بالأساس فكرة عالجتها أديبات عربية علمانية، أين تلتقي مع هذه الأفكار وأين تفترق؟

المرأة عزلت عن المعرفة والتجربة، واعتبرت مجرد لعبة وأمة للرجل

         

ج: إن الإسلام اعتبر الزواج تحصيناً للمرأة وللرجل، بمعنى أنه أراد أن يحقق الوسائل الواقعية لالتزام المرأة بالعفّة من خلال تلبية حاجاتها الجنسية، كما أراد للرجل ذلك، وعلى هذا الأساس، فإن المرأة تساوي الرجل بحسب الفتوى التي أطلقتها، في أن عليه أن يستجيب لحاجاتها الجنسية، إذا كانت تعيش مثل هذه الحاجة بشكل كبير، كما أنّ عليها أن تستجيب لحاجاته الجنسية أيضاً: {ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف} (البقرة:228).


حوار ـ هلا بلوط


مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)

التاريخ: 15 ذو الحجة 1428 هـ  الموافق: 24/12/2007 م

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير