ولادة الحسين(ع) الجهاديّة التَّاريخيَّة في عاشوراء

ولادة الحسين(ع) الجهاديّة التَّاريخيَّة في عاشوراء

ألقى سماحة العلامة السيِّد محمد حسين فضل الله، خطبة صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمام الرّضا(ع) في بئر العبد، بتاريخ 10/8/1409هـ/ الموافق: 17 آذار 1989م، وذلك بحضور حشدٍ من المؤمنين، ومما جاء فيها:

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}[1]. تشير هذه الآية إلى كلِّ المسيرة الإسلاميَّة، منذ أن بدأها رسول الله(ص) إلى أن يختمها بآل محمَّد(عج)، فهناك في كلِّ مرحلة من مراحل حركة الإسلام في العالم، صفوة في مراكز القيادة، وصفوة في مراكز القاعدة وفي داخل الأمَّة، عاهدوا الله أن يؤمنوا به إيمان الموقف لا إيمان الله في الكلمة، وأن يجاهدوا في سبيله في كلِّ مواقع التّحدّي التي يفرضها الكفر على الإسلام، والاستكبار على الاستضعاف، هؤلاء الَّذين عاهدوا الله أن يصدِّقوه في إيمانهم، لتكون الحياة حياة الإيمان في كلِّ آفاقها، وأن يصدِّقوه في جهادهم، حتى يكون الجهاد بالكلمة والموقف والسَّيف هو حركة الأمَّة في كلِّ مواقعها الصَّعبة أمام أعدائها في كلِّ زمان ومكان.

مسؤوليَّة حماية الإسلام

ولهذا رأينا أنَّ الإمام الحسين(ع) لم يجد غير هذه الآية ليحركها وهو يستعرض حركة أصحابه وهم يسيرون في خطِّ الجهاد، ليواجهوا أولئك الَّذين ساروا في خطوات الشَّيطان وركبوا موجة الضَّلال والانحراف.. كان يقول إذا استأذنه أحد أصحابه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا...}. إنَّنا نستعيد كلَّ هذا من خلال ما نواجهه من المناسبات الإسلاميّة، ففي الأسبوع الماضي، كانت ذكرى ولادة الإمام الحسين(ع) في الثّالث من شعبان، وولادة العبّاس(ع) في الرّابع من شعبان، وولادة عليّ بن الحسين في الخامس من شعبان؛ الابن والأخ والأب، هؤلاء الّذين اجتمعوا في كربلاء. ونحن دائماً بحاجةٍ إلى أن نعيش مع الحسين(ع)، وعندما نعيش مع الحسين، فإنَّ العبّاس يعيش في قلب حركة الحسين، وإنَّ زين العابدين يعيش في امتداد خطِّ الحسين(ع)، ولهذا علينا أن نتوقَّف قليلاً أمامهم.

كيف نستقبل ذكرى الإمام  الحسين(ع) في مولده؟! إنَّ الحسين الَّذي لا تزال الحياة تهتف باسمه، لم يولد في الثَّالث من شعبان، ولكنَّه ولد في يوم عاشوراء. كانت هناك ولادته الجسديَّة، وفي عاشوراء كانت ولادته الجهاديَّة الإسلاميَّة التاريخيَّة، الّتي فتحت أمام الحسين ـ فيما تمثِّله ثورته ـ أبوب الحياة كلَّها، وقيل للحياة كلِّها مهما امتدّت السنوات، هذا الحسين بن عليّ بن أبي طالب، قادم من جديد، يفتح صفحةً جديدةً على خطِّ رسول الله(ص). ولهذا فإنّنا عندما نتحدَّث عن الحسين(ع)، فنحن نتحدَّث عن ثورته وعن دوره كإمامٍ يعطي الحركة الإسلاميَّة في خطِّ الثَّورة شرعيَّتها، ويقول للنّاس الّذين يأتون من بعده:

                   أنا الحسين بن عليّ       آليت أن لا أنثني

أحمي عيالات أبي         أمضي على دين النَّبي"[2]

الإسلام هو الخطّ الَّذي لا بدَّ من أن تسيروا عليه حتى تستمرّوا على دين النّبيّ. وينطلق أخوه العبّاس في قلب هذه الثّورة ليستجيب له ويقول:

والله إن قطعتم يميني        إني أبداً أحامي عن ديني...

ويأتي زين العابدين في أسلوب الدّعاء: "اللّهمَّ ووفِّقنا في يومنا هذا.. لاستعمال الخير، وهجران الشَّرّ... وحياطة الإسلام، وانتقاص الباطل وإذلاله، ونصرة الحقّ وإعزازه"[3].

إنَّه يركِّز في دعائه على حياطة الإسلام وحمايته، وعلى النَّهي عن المنكر، وعلى هداية الضالّين، وتلك عناصر الحسين(ع)..

إنَّ الخطَّ واحد وهو حماية الإسلام، وعندما يتحدَّث المتحدِّثون عن حماية الإسلام، فإنَّ هذه الحماية تنطلق من أجل حماية الخطِّ الإسلاميِّ في حياة المسلمين، لأنَّ المسلمين لن يشعروا بأيّة عزّة وبأيّة متعة إلا إذا كان الإسلام حيّاً في حياة المسلمين، لأنّه لا معنى لأن تكون مجتمعاً إسلاميّاً، ويكون نظامك نظاماً غير إسلاميّ، وشريعتك شريعةً غير إسلاميَّة. ولهذا انطلق الإمام الحسين(ع) ليقول لهم: ليس هناك فرقٌ بين أن تجاهد الكافرين في موقع كفرهم، وأن تجاهد المنحرفين في الدَّاخل، لأنّه لا حياة للإسلام إلا بأحكامه وحكمة شريعته.

ثورة لتغيير الواقع الفاسد

وعلى هذا الأساس، فإنَّ الحسين(ع) يريد أن يقول لنا إنَّ المسألة في الواقع السّياسيّ الإسلاميّ في كلِّ موقع الأمَّة، هو أن يواجهوا الكفر في الخارج، وحرّاس الكفر في الدّاخل. ولهذا فإنَّ الحديث عن الثَّورة في الدّاخل من أجل تغيير الواقع اللاإسلامي، هو الحديث عن الثّورة في الخارج في مواجهة المستكبرين، ولهذا فإنّ الّذين يتحدَّثون عن عدم شرعيّة الثّورات الداخليَّة عندما يقف عالم ضدّ ملك، أو شعب ضدّ رئيس، إنَّ ثورة الحسين(ع) تقول لنا إنَّني أعطي الشرعيَّة لذلك. وبهذا علينا أن نفهم من عاشوراء، أنَّ المسلمين مدعوّون دائماً للوقوف أمام الحكم الجائر الَّذي يحكم بالظّلم، والّذي يحرِّم حلال الله ويحلِّل حرامه..

وهكذا أراد الحسين(ع) أن تكون شعاراته شعاراتنا، لأنها ليست شعارات ذاتيّة.. ومن هنا، لا بدَّ للعاملين للإسلام من أن يتوفّروا على دراسة الثّورة الحسينيَّة دراسةً فقهيَّةً تأخذ من طبيعة حركة هذه الثّورة شرعيّة لما يمكن أن يأتي من بعدها من أوضاع وظروف.

لهذا نأخذ من الإمام الحسين(ع) خطَّ الثّورة، ومن الطبيعيّ أنّ علينا أن ندرس المرحلة التي عاشها والظّروف وطبيعة التحدّيات، فإذا عشنا مرحلةً تشبه مرحلته، وظروفاً تشبه ظروفه، وتحدِّيات تشبه تلك التحدّيات، فلا بدَّ من أن نتحرَّك حيث تحرَّك، وأن ننطلق حيث انطلق..

ونحن في مولد الحسين(ع) نستعيد ثورته، لأنَّه ولد في يوم عاشوراء كإمامٍ ثائرٍ منفتحٍ على كلّ مواقع التَّضحية في الحياة، ولا بدَّ للمسلمين جميعاً من أن لا يجمِّدوا قضيَّة الحسين في مسألة المأساة، ليجعلوا كربلاء مأساةً يستنفدون فيها دموعهم، ويلطمون فيها صدورهم.. إنَّ مسألة المأساة هي واقع كربلاء.. ولكن ليس دور كربلاء دور استنزاف الدّموع، وإن كنّا نريد أن تتحرّك كربلاء في عقولنا وعواطفنا، فنحن لا نريد أن تبقى كربلاء حالةً في العاطفة، بل في العاطفة الّتي تنفتح على العقل، لتكون عاطفة كربلاء العقل الثّائر المتحرّك، ليكون هذا هو خطّنا في الحياة.

ولا بدَّ من أن نعيش مع الحسين والعبّاس وزين العابدين والمؤمنين الّذين صدقوا الله، أن نعيش روحيَّة العبادة.. نحن نحتاج إلى الجوّ الروحيّ، ولا بدَّ من أن تكون عندنا روحيّة الإسلام، فلا يكفي أن نحمل الإسلام فكراً فحسب، بل نحن بحاجةٍ إلى أن نربّي أنفسنا على روحيَّة الإسلام، لأنَّ ذلك هو الّذي يحمي لنا إسلامنا، لأنّه لا يكفي أن يكون الإسلام في عقلك، بل لا بدَّ من أن يكون في دمك وقلبك..

الالتزام بالقيادة الإسلاميَّة

ونحن عندما نستعيد كلَّ هذه المواقع في ذكرى الحسين وولده وأخيه في ذكرى مولدهم، فماذا نستوحي من هذا الواقع؟ إنَّ هناك نقطةً يجب أن نستوحيها، وهي مسألة القيادة الإسلاميَّة، فلا بدَّ لنا من أن نؤكّد التزامنا بالقيادة الإسلاميّة الّتي أثبتت جدارتها وحياطتها للإسلام؛ هذه القيادة المنفتحة على العاطفة من خلال انفتاحها على الإسلام كلِّه، لتواجه التحدّي بالتحدّي المضادّ. وهذه القيادة نجدها متمثّلةً بالإمام الخمينيّ(حفظه الله)، الّذي نرى فيه روحيّة جدّه الإمام الحسين(ع)، ونرى فيه شجاعته، ونعرف فيه انفتاحه على الجوّ الرّوحانيّ من خلال عرفانيَّته.

نحن لم ننطلق لنؤكِّد التزامنا بقيادته من موقعه الشَّخصيّ، ولكن من موقعه الإسلاميّ الجهاديّ الرّوحاني، لهذا قلنا دائماً إنّنا معه لأنّه مع الإسلام، ولسنا معه لأنّنا نحبّه شخصياً، وقلنا مراراً لسنا جماعة إيران ولكنَّنا جماعة الإسلام، فنحن مع إيران ما دامت مع الإسلام، ونحن مع كلّ موقعٍ إسلاميٍّ في العالم ما دام مع الإسلام، وليست علاقاتنا بالدّول والقيادات من خلال أنَّ هناك ارتباطاً سياسيّاً بالمعنى الّذي يكون فيه الإنسان عميلاً سياسياً، بل نحن إسلاميّون ننفتح على كلِّ مسلم مخلص.

ولهذا لا ترتبطوا بالأشخاص، مهما كانوا كباراً، إلا من خلال انسجامهم مع الخطّ الإسلاميّ. إنّكم إذا وجدتم منّي انحرافاً في الإسلام ـ وأنا أعيش معكم ـ فلا يجوز أن تسيروا معي. لا ترتبطوا بالأشخاص، سواء كانوا قياداتٍ أو أصحاب منصب، ارتبطوا بالإسلام، فنحن الموالين لأهل البيت، قال لنا الإمام محمد الباقر(ع):"والله لا تنال ولايتنا إلا بالورع"[4].

ولهذا كنَّا معه (الإمام الخميني) في كلِّ مواقفه، لأنَّنا وجدنا فيها الموقف الإسلاميَّ الحقّ، ولا نزال معه في المواقف الّتي يقفها، لأنَّنا نعتقد أنّها مواقف إسلاميَّة صحيحة، ولذلك لا بدَّ من أن نلاحق في العالم حركة الإسلام، فنحن نلاحق الثّورة في أفغانستان على أساس حركة الإسلام، ونحن نخاف أن ينطلق التّآمر عليها ليجحف الثّورة داخليّاً بعد أن انتصرت على المستعمر، ونرجو أن تكون أفغانستان الدَّولة الإسلاميَّة المنفتحة على العزَّة الإسلاميَّة في كلِّ مجال.

حرب على الإسلام

وعلى هذا الأساس، فإنّنا نلاحق حركة الانطلاقة الإسلاميَّة في مصر، وحركة الانطلاقات الإسلاميَّة والمشاكل الّتي يعيشها الإسلاميّون في الغرب العربي كلّه، ونتطلَّع أيضاً إلى الإسلاميّين في تركيا وهم يواجهون الحكم الّذي أريد أن يظلَّ حارساً للانحراف الذي بدأه أتاتورك، باعتبار أنَّ تركيا عضو في الحلف الأطلسي الّذي لا يريد لها أن تعود إلى الإسلام، بل يريد هذا الحلف أن يفرض نفسه على الثّقافة والاقتصاد وكلّ ذلك.

ولهذا، فإنَّ الحكم هناك الّذي جُعل حارساً للانحراف والكفر، يعمل الآن على أساس أن يلاحق المحجَّبات في الجامعات، فيمنعهنّ من دخول المدارس والجامعات، إنهم يخافون حتى من الحجاب، لأنَّ الحجاب لا يعني غطاءً للرأس فقط، بل إنَّ هناك قراراً لدى المرأة المسلمة أن تعيش شخصيَّتها الإسلاميَّة.. وهذا ما تعيشه كثير من الدول المسمّاة بالإسلاميَّة، إنهم يريدون أن يثبتوا تقدميّتهم أمام الأوروبيين والأميركيين، وهم لا يفهمون هذا حتى على الطَّريقة الغربيّة التي تقول إنَّ لكلِّ إنسانٍ حريَّته في أن يلبس أو لا يلبس، وإنّ كلَّ امرأة حرّة في أن تتحجّب أو لا. هم الآن يزايدون على أوروبَّا، وفي أميركا وألمانيا وأوروبَّا محجّبات يدخلن الجامعات دون مشاكل.. أمّا في الدّول الإسلاميّة، فهناك مزايدة على أوروبّا وأمريكا، إنهم يخافون أن يتحوَّل الجامعيّون إلى مسلمين أصيلين، لأنَّ وضع البلد سوف يتغيَّر بعد ذلك، ولهذا يعملون على إبعاد الإسلام ومصالحه.

وهناك بعض المدارس في الغربيّة وغيرها تمنع البنت من أن تتحجَّب. إنَّ المدرسة التي ترفض أن تسمح للطالبة بالحجاب عليك أن تخرج ابنتك منها، فالحجاب تكليف شرعيّ وليس زيّاً. أيها المسلمون، هذا هو تكليفكم الشَّرعيّ، فلا تتسامحوا فيه، ولو أنَّ الآباء وقفوا معاً، لما تجرّأ أحد على أن يطبِّق هذا القانون، ولا بدّ من أن نضغط في كلّ مكان نستطيع أن نضغط فيه، ولكن ليس بالطّرق الفوضويَّة.

نحن نريد أن نستوحي من ثورة الإمام الحسين(ع) كيف نكون مع الإسلام والمسلمين، وعلى هذا الأساس، علينا أن نواجه الواقع الَّذي نعيشه في هذه المرحلة على أساس واعٍ وقويّ.

مرحلة جديدة في الصِّراع

نحن في الأسبوع الماضي عشنا مجزرة بيروت الغربيَّة الّتي تشبه مجزرة الضَّاحية الجنوبيَّة. هم يقولون إنَّ الجيش لم يقصف، ونحن رأينا صورة الضَّاحية الجنوبيَّة فيما حدث في بيروت الغربيَّة، وقد كانت الضَّاحية هدف الجيش الَّذي أريد له أن يدخل السَّاحة السّياسيَّة ليلعب كثيراً من الأوراق.

نقول لهم إذا كنتم لم تقصفوا بيروت الغربيَّة، ولكنَّكم أخفيتم الَّذي قصف، وأنتم تقولون إنَّ الجبل قصف أو القوَّات السوريَّة، إذا أردتم أن تكذبوا فلا يجب أن تكون الكذبة كبيرة إلى هذا الحد. إنَّكم تقولون لماذا لم يمنعوا القصف من هنا؟ ونحن نقول لكم: إذا لم تكونوا أنتم الّذين قصفتم الأطفال والطلاب ومفاصل الطّرق، لماذا تركتم من معكم يقصف؟ هذا كلام نرفضه ولا نصدّقه.

إنَّنا لا نعتبر هذه المسألة مجرَّد فعلٍ وردّ فعل، بل هي أخطر من ذلك، فهناك أخبار تتحدَّث أنَّ ضبّاطاً أميركيّين أصيبوا عندما قصفت اليرزة، وهناك أحاديث تقول إنَّ هناك أجهزة متقدِّمة أعطيت للجيش هناك، ويشرف عليها ضبَّاط أميركيّون في مسألة التَّصويب...

إنَّ هناك من يقول إنَّ هذه الأحاديث موثوقة، وإنَّ الضبَّاط والمستشارين الأميركيّين الّذين يربون الجيش اللّبناني على الطّريقة الأميركيَّة، يمكن أن يكونوا ساهموا في ذلك بشكلٍ وبآخر، ولم يصدر أيّ ردٍّ أمريكيّ من قبل السّلطات الأميركيَّة حول ذلك.

إنَّ هذه المسألة الّتي حدثت تعمل على إنهاء مرحلة الصِّراع، وقد بدأت مرحلة جديدة من الصّراع تطرح أهدافاً معيّنة، ونحن نتصوَّر أنَّ دور أمريكا الّتي يقال إنها لم ترسم سياستها في الشَّرق الأوسط ولبنان حتى الآن لأنها لم تستكمل إدارتها في وزارة الخارجيَّة وغيرها، إنَّ دورها الآن هو دور تقطيع الوقت في المبادرات، ولا تزال أميركا تتحدَّث عن دعم المبادرة العربيَّة، لأنها تريد أن تمضي وقتاً قبل أن تنظِّم وضعها الدّاخليّ وإدارتها.

والأميركيّون أيضاً يعتبرون العالم الثّالث حيوانات تجارب، فإذا أرادوا أن يكتشفوا مشروعاً جديداً، فهم يخلقون مشكلةً ليعرفوا كي يحركوا هذا المشروع. ونحن لا نزال في لبنان نعيش تجربة كيسنجر السياسيّة، وكما قلت لكم في حديثٍ سابق، إنَّ كيسنجر قادم إلى الإدارة الأميركيّة، وهناك اثنان من تلاميذه في مواقع قياديّة في الإدارة الجديدة.

لبنان محكوم بالتَّعايش

إنَّنا نفكِّر الآن، ونحن نعلم أنَّ هذه الإدارة الأميركيَّة الجديدة تختلف في سياستها عن الإدارة القديمة، وهي أكثر خطورةً على الواقع الّذي نعيشه من خلال التزامها الأمن الإسرائيليّ وغيره من الأوضاع السياسيّة في المنطقة.

إنها لم تفكِّر كيف تتعامل مع سوريا ومع المسألة الفلسطينيّة، وكيف تحرّك سياسة الوفاق في المنطقة، هل نفهم أنَّ ما حدث يوم الثّلاثاء، وأن حليب السِّباع الّذي شربه هذا الرّجل الّذي صنع المأساة،ـ يعني أنَّ أميركا تريد أن تجرِّب ما هو ردّ الفعل على المجازر وعلى مطالب هذا الرّجل في الحملة التي قادها ضد سوريا؟!

إنَّنا نخاف من التَّجارب الأميركيَّة، إنّهم يجرّبون مشاريعهم على أساس سفك دمائنا وتدمير بلدنا وإسقاط إرادتنا، ولكنّنا لا نزال نقول، لا من موقع عقدة ضدّ أميركا، بل من موقع خبرة بسياسة أميركا وطموحها لجعل المنطقة مزرعةً أميركيّةً وإسرائيليّة.. إنّنا نقول إنّ هذه المرحلة هي مرحلة أميركيّة جديدة في السياسة اللّبنانيّة وفي السياسة الإقليميّة، وإنّنا نراقب هذه المرحلة: هل هنا خلل في الوفاق السوفياتي الأمريكي وفي المسألة الفلسطينيّة؟ فتِّش عن أميركا في كلّ مجزرةٍ وفي كلّ فتنة، وها أنتم ترون أنّ أميركا تتحدَّث عن الشّيء وعدمه، والسّفير الأميركي يتحدّث بطريقة، والنّاطق الأميركيّ بطريقة أخرى، وهم يريدون أن يمرِّروا مشاريعهم.

ثم نقول للّبنانيّين الّذين يحترقون منذ 14 سنة بالنّار الأميركيَّة: لماذا تلدغون من الجحر ألف مرّة؟ إنّنا نجد مجزرةً هنا ومجزرةً هناك تحصد الواقفين على الأفران، فمن المستفيد من ذلك؟ إنَّ اللّبنانيّين جميعاً لا يستفيدون من ذلك، لن يستفيد المسلمون إذا قتلوا المسيحيّين، وكذلك العكس، إنّكم محكومون بالتّعايش، والمستفيد هو إسرائيل وأميركا، فحاولوا أن تتدبَّروا أمركم لكي لا تظلّوا حطباً للوقود وألعوبةً بيد اللاعبين الكبار والصّغار.


[1] [الأحزاب: 23].

[2] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 45، ص 49.

[3] الصحيفة السجادية، الإمام زين العابدين(ع)، دعاؤه عند الصباح والمساء.

[4] بحار الأنوار، ج 75، ص 281.

ألقى سماحة العلامة السيِّد محمد حسين فضل الله، خطبة صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمام الرّضا(ع) في بئر العبد، بتاريخ 10/8/1409هـ/ الموافق: 17 آذار 1989م، وذلك بحضور حشدٍ من المؤمنين، ومما جاء فيها:

{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}[1]. تشير هذه الآية إلى كلِّ المسيرة الإسلاميَّة، منذ أن بدأها رسول الله(ص) إلى أن يختمها بآل محمَّد(عج)، فهناك في كلِّ مرحلة من مراحل حركة الإسلام في العالم، صفوة في مراكز القيادة، وصفوة في مراكز القاعدة وفي داخل الأمَّة، عاهدوا الله أن يؤمنوا به إيمان الموقف لا إيمان الله في الكلمة، وأن يجاهدوا في سبيله في كلِّ مواقع التّحدّي التي يفرضها الكفر على الإسلام، والاستكبار على الاستضعاف، هؤلاء الَّذين عاهدوا الله أن يصدِّقوه في إيمانهم، لتكون الحياة حياة الإيمان في كلِّ آفاقها، وأن يصدِّقوه في جهادهم، حتى يكون الجهاد بالكلمة والموقف والسَّيف هو حركة الأمَّة في كلِّ مواقعها الصَّعبة أمام أعدائها في كلِّ زمان ومكان.

مسؤوليَّة حماية الإسلام

ولهذا رأينا أنَّ الإمام الحسين(ع) لم يجد غير هذه الآية ليحركها وهو يستعرض حركة أصحابه وهم يسيرون في خطِّ الجهاد، ليواجهوا أولئك الَّذين ساروا في خطوات الشَّيطان وركبوا موجة الضَّلال والانحراف.. كان يقول إذا استأذنه أحد أصحابه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا...}. إنَّنا نستعيد كلَّ هذا من خلال ما نواجهه من المناسبات الإسلاميّة، ففي الأسبوع الماضي، كانت ذكرى ولادة الإمام الحسين(ع) في الثّالث من شعبان، وولادة العبّاس(ع) في الرّابع من شعبان، وولادة عليّ بن الحسين في الخامس من شعبان؛ الابن والأخ والأب، هؤلاء الّذين اجتمعوا في كربلاء. ونحن دائماً بحاجةٍ إلى أن نعيش مع الحسين(ع)، وعندما نعيش مع الحسين، فإنَّ العبّاس يعيش في قلب حركة الحسين، وإنَّ زين العابدين يعيش في امتداد خطِّ الحسين(ع)، ولهذا علينا أن نتوقَّف قليلاً أمامهم.

كيف نستقبل ذكرى الإمام  الحسين(ع) في مولده؟! إنَّ الحسين الَّذي لا تزال الحياة تهتف باسمه، لم يولد في الثَّالث من شعبان، ولكنَّه ولد في يوم عاشوراء. كانت هناك ولادته الجسديَّة، وفي عاشوراء كانت ولادته الجهاديَّة الإسلاميَّة التاريخيَّة، الّتي فتحت أمام الحسين ـ فيما تمثِّله ثورته ـ أبوب الحياة كلَّها، وقيل للحياة كلِّها مهما امتدّت السنوات، هذا الحسين بن عليّ بن أبي طالب، قادم من جديد، يفتح صفحةً جديدةً على خطِّ رسول الله(ص). ولهذا فإنّنا عندما نتحدَّث عن الحسين(ع)، فنحن نتحدَّث عن ثورته وعن دوره كإمامٍ يعطي الحركة الإسلاميَّة في خطِّ الثَّورة شرعيَّتها، ويقول للنّاس الّذين يأتون من بعده:

                   أنا الحسين بن عليّ       آليت أن لا أنثني

أحمي عيالات أبي         أمضي على دين النَّبي"[2]

الإسلام هو الخطّ الَّذي لا بدَّ من أن تسيروا عليه حتى تستمرّوا على دين النّبيّ. وينطلق أخوه العبّاس في قلب هذه الثّورة ليستجيب له ويقول:

والله إن قطعتم يميني        إني أبداً أحامي عن ديني...

ويأتي زين العابدين في أسلوب الدّعاء: "اللّهمَّ ووفِّقنا في يومنا هذا.. لاستعمال الخير، وهجران الشَّرّ... وحياطة الإسلام، وانتقاص الباطل وإذلاله، ونصرة الحقّ وإعزازه"[3].

إنَّه يركِّز في دعائه على حياطة الإسلام وحمايته، وعلى النَّهي عن المنكر، وعلى هداية الضالّين، وتلك عناصر الحسين(ع)..

إنَّ الخطَّ واحد وهو حماية الإسلام، وعندما يتحدَّث المتحدِّثون عن حماية الإسلام، فإنَّ هذه الحماية تنطلق من أجل حماية الخطِّ الإسلاميِّ في حياة المسلمين، لأنَّ المسلمين لن يشعروا بأيّة عزّة وبأيّة متعة إلا إذا كان الإسلام حيّاً في حياة المسلمين، لأنّه لا معنى لأن تكون مجتمعاً إسلاميّاً، ويكون نظامك نظاماً غير إسلاميّ، وشريعتك شريعةً غير إسلاميَّة. ولهذا انطلق الإمام الحسين(ع) ليقول لهم: ليس هناك فرقٌ بين أن تجاهد الكافرين في موقع كفرهم، وأن تجاهد المنحرفين في الدَّاخل، لأنّه لا حياة للإسلام إلا بأحكامه وحكمة شريعته.

ثورة لتغيير الواقع الفاسد

وعلى هذا الأساس، فإنَّ الحسين(ع) يريد أن يقول لنا إنَّ المسألة في الواقع السّياسيّ الإسلاميّ في كلِّ موقع الأمَّة، هو أن يواجهوا الكفر في الخارج، وحرّاس الكفر في الدّاخل. ولهذا فإنَّ الحديث عن الثَّورة في الدّاخل من أجل تغيير الواقع اللاإسلامي، هو الحديث عن الثّورة في الخارج في مواجهة المستكبرين، ولهذا فإنّ الّذين يتحدَّثون عن عدم شرعيّة الثّورات الداخليَّة عندما يقف عالم ضدّ ملك، أو شعب ضدّ رئيس، إنَّ ثورة الحسين(ع) تقول لنا إنَّني أعطي الشرعيَّة لذلك. وبهذا علينا أن نفهم من عاشوراء، أنَّ المسلمين مدعوّون دائماً للوقوف أمام الحكم الجائر الَّذي يحكم بالظّلم، والّذي يحرِّم حلال الله ويحلِّل حرامه..

وهكذا أراد الحسين(ع) أن تكون شعاراته شعاراتنا، لأنها ليست شعارات ذاتيّة.. ومن هنا، لا بدَّ للعاملين للإسلام من أن يتوفّروا على دراسة الثّورة الحسينيَّة دراسةً فقهيَّةً تأخذ من طبيعة حركة هذه الثّورة شرعيّة لما يمكن أن يأتي من بعدها من أوضاع وظروف.

لهذا نأخذ من الإمام الحسين(ع) خطَّ الثّورة، ومن الطبيعيّ أنّ علينا أن ندرس المرحلة التي عاشها والظّروف وطبيعة التحدّيات، فإذا عشنا مرحلةً تشبه مرحلته، وظروفاً تشبه ظروفه، وتحدِّيات تشبه تلك التحدّيات، فلا بدَّ من أن نتحرَّك حيث تحرَّك، وأن ننطلق حيث انطلق..

ونحن في مولد الحسين(ع) نستعيد ثورته، لأنَّه ولد في يوم عاشوراء كإمامٍ ثائرٍ منفتحٍ على كلّ مواقع التَّضحية في الحياة، ولا بدَّ للمسلمين جميعاً من أن لا يجمِّدوا قضيَّة الحسين في مسألة المأساة، ليجعلوا كربلاء مأساةً يستنفدون فيها دموعهم، ويلطمون فيها صدورهم.. إنَّ مسألة المأساة هي واقع كربلاء.. ولكن ليس دور كربلاء دور استنزاف الدّموع، وإن كنّا نريد أن تتحرّك كربلاء في عقولنا وعواطفنا، فنحن لا نريد أن تبقى كربلاء حالةً في العاطفة، بل في العاطفة الّتي تنفتح على العقل، لتكون عاطفة كربلاء العقل الثّائر المتحرّك، ليكون هذا هو خطّنا في الحياة.

ولا بدَّ من أن نعيش مع الحسين والعبّاس وزين العابدين والمؤمنين الّذين صدقوا الله، أن نعيش روحيَّة العبادة.. نحن نحتاج إلى الجوّ الروحيّ، ولا بدَّ من أن تكون عندنا روحيّة الإسلام، فلا يكفي أن نحمل الإسلام فكراً فحسب، بل نحن بحاجةٍ إلى أن نربّي أنفسنا على روحيَّة الإسلام، لأنَّ ذلك هو الّذي يحمي لنا إسلامنا، لأنّه لا يكفي أن يكون الإسلام في عقلك، بل لا بدَّ من أن يكون في دمك وقلبك..

الالتزام بالقيادة الإسلاميَّة

ونحن عندما نستعيد كلَّ هذه المواقع في ذكرى الحسين وولده وأخيه في ذكرى مولدهم، فماذا نستوحي من هذا الواقع؟ إنَّ هناك نقطةً يجب أن نستوحيها، وهي مسألة القيادة الإسلاميَّة، فلا بدَّ لنا من أن نؤكّد التزامنا بالقيادة الإسلاميّة الّتي أثبتت جدارتها وحياطتها للإسلام؛ هذه القيادة المنفتحة على العاطفة من خلال انفتاحها على الإسلام كلِّه، لتواجه التحدّي بالتحدّي المضادّ. وهذه القيادة نجدها متمثّلةً بالإمام الخمينيّ(حفظه الله)، الّذي نرى فيه روحيّة جدّه الإمام الحسين(ع)، ونرى فيه شجاعته، ونعرف فيه انفتاحه على الجوّ الرّوحانيّ من خلال عرفانيَّته.

نحن لم ننطلق لنؤكِّد التزامنا بقيادته من موقعه الشَّخصيّ، ولكن من موقعه الإسلاميّ الجهاديّ الرّوحاني، لهذا قلنا دائماً إنّنا معه لأنّه مع الإسلام، ولسنا معه لأنّنا نحبّه شخصياً، وقلنا مراراً لسنا جماعة إيران ولكنَّنا جماعة الإسلام، فنحن مع إيران ما دامت مع الإسلام، ونحن مع كلّ موقعٍ إسلاميٍّ في العالم ما دام مع الإسلام، وليست علاقاتنا بالدّول والقيادات من خلال أنَّ هناك ارتباطاً سياسيّاً بالمعنى الّذي يكون فيه الإنسان عميلاً سياسياً، بل نحن إسلاميّون ننفتح على كلِّ مسلم مخلص.

ولهذا لا ترتبطوا بالأشخاص، مهما كانوا كباراً، إلا من خلال انسجامهم مع الخطّ الإسلاميّ. إنّكم إذا وجدتم منّي انحرافاً في الإسلام ـ وأنا أعيش معكم ـ فلا يجوز أن تسيروا معي. لا ترتبطوا بالأشخاص، سواء كانوا قياداتٍ أو أصحاب منصب، ارتبطوا بالإسلام، فنحن الموالين لأهل البيت، قال لنا الإمام محمد الباقر(ع):"والله لا تنال ولايتنا إلا بالورع"[4].

ولهذا كنَّا معه (الإمام الخميني) في كلِّ مواقفه، لأنَّنا وجدنا فيها الموقف الإسلاميَّ الحقّ، ولا نزال معه في المواقف الّتي يقفها، لأنَّنا نعتقد أنّها مواقف إسلاميَّة صحيحة، ولذلك لا بدَّ من أن نلاحق في العالم حركة الإسلام، فنحن نلاحق الثّورة في أفغانستان على أساس حركة الإسلام، ونحن نخاف أن ينطلق التّآمر عليها ليجحف الثّورة داخليّاً بعد أن انتصرت على المستعمر، ونرجو أن تكون أفغانستان الدَّولة الإسلاميَّة المنفتحة على العزَّة الإسلاميَّة في كلِّ مجال.

حرب على الإسلام

وعلى هذا الأساس، فإنّنا نلاحق حركة الانطلاقة الإسلاميَّة في مصر، وحركة الانطلاقات الإسلاميَّة والمشاكل الّتي يعيشها الإسلاميّون في الغرب العربي كلّه، ونتطلَّع أيضاً إلى الإسلاميّين في تركيا وهم يواجهون الحكم الّذي أريد أن يظلَّ حارساً للانحراف الذي بدأه أتاتورك، باعتبار أنَّ تركيا عضو في الحلف الأطلسي الّذي لا يريد لها أن تعود إلى الإسلام، بل يريد هذا الحلف أن يفرض نفسه على الثّقافة والاقتصاد وكلّ ذلك.

ولهذا، فإنَّ الحكم هناك الّذي جُعل حارساً للانحراف والكفر، يعمل الآن على أساس أن يلاحق المحجَّبات في الجامعات، فيمنعهنّ من دخول المدارس والجامعات، إنهم يخافون حتى من الحجاب، لأنَّ الحجاب لا يعني غطاءً للرأس فقط، بل إنَّ هناك قراراً لدى المرأة المسلمة أن تعيش شخصيَّتها الإسلاميَّة.. وهذا ما تعيشه كثير من الدول المسمّاة بالإسلاميَّة، إنهم يريدون أن يثبتوا تقدميّتهم أمام الأوروبيين والأميركيين، وهم لا يفهمون هذا حتى على الطَّريقة الغربيّة التي تقول إنَّ لكلِّ إنسانٍ حريَّته في أن يلبس أو لا يلبس، وإنّ كلَّ امرأة حرّة في أن تتحجّب أو لا. هم الآن يزايدون على أوروبَّا، وفي أميركا وألمانيا وأوروبَّا محجّبات يدخلن الجامعات دون مشاكل.. أمّا في الدّول الإسلاميّة، فهناك مزايدة على أوروبّا وأمريكا، إنهم يخافون أن يتحوَّل الجامعيّون إلى مسلمين أصيلين، لأنَّ وضع البلد سوف يتغيَّر بعد ذلك، ولهذا يعملون على إبعاد الإسلام ومصالحه.

وهناك بعض المدارس في الغربيّة وغيرها تمنع البنت من أن تتحجَّب. إنَّ المدرسة التي ترفض أن تسمح للطالبة بالحجاب عليك أن تخرج ابنتك منها، فالحجاب تكليف شرعيّ وليس زيّاً. أيها المسلمون، هذا هو تكليفكم الشَّرعيّ، فلا تتسامحوا فيه، ولو أنَّ الآباء وقفوا معاً، لما تجرّأ أحد على أن يطبِّق هذا القانون، ولا بدّ من أن نضغط في كلّ مكان نستطيع أن نضغط فيه، ولكن ليس بالطّرق الفوضويَّة.

نحن نريد أن نستوحي من ثورة الإمام الحسين(ع) كيف نكون مع الإسلام والمسلمين، وعلى هذا الأساس، علينا أن نواجه الواقع الَّذي نعيشه في هذه المرحلة على أساس واعٍ وقويّ.

مرحلة جديدة في الصِّراع

نحن في الأسبوع الماضي عشنا مجزرة بيروت الغربيَّة الّتي تشبه مجزرة الضَّاحية الجنوبيَّة. هم يقولون إنَّ الجيش لم يقصف، ونحن رأينا صورة الضَّاحية الجنوبيَّة فيما حدث في بيروت الغربيَّة، وقد كانت الضَّاحية هدف الجيش الَّذي أريد له أن يدخل السَّاحة السّياسيَّة ليلعب كثيراً من الأوراق.

نقول لهم إذا كنتم لم تقصفوا بيروت الغربيَّة، ولكنَّكم أخفيتم الَّذي قصف، وأنتم تقولون إنَّ الجبل قصف أو القوَّات السوريَّة، إذا أردتم أن تكذبوا فلا يجب أن تكون الكذبة كبيرة إلى هذا الحد. إنَّكم تقولون لماذا لم يمنعوا القصف من هنا؟ ونحن نقول لكم: إذا لم تكونوا أنتم الّذين قصفتم الأطفال والطلاب ومفاصل الطّرق، لماذا تركتم من معكم يقصف؟ هذا كلام نرفضه ولا نصدّقه.

إنَّنا لا نعتبر هذه المسألة مجرَّد فعلٍ وردّ فعل، بل هي أخطر من ذلك، فهناك أخبار تتحدَّث أنَّ ضبّاطاً أميركيّين أصيبوا عندما قصفت اليرزة، وهناك أحاديث تقول إنَّ هناك أجهزة متقدِّمة أعطيت للجيش هناك، ويشرف عليها ضبَّاط أميركيّون في مسألة التَّصويب...

إنَّ هناك من يقول إنَّ هذه الأحاديث موثوقة، وإنَّ الضبَّاط والمستشارين الأميركيّين الّذين يربون الجيش اللّبناني على الطّريقة الأميركيَّة، يمكن أن يكونوا ساهموا في ذلك بشكلٍ وبآخر، ولم يصدر أيّ ردٍّ أمريكيّ من قبل السّلطات الأميركيَّة حول ذلك.

إنَّ هذه المسألة الّتي حدثت تعمل على إنهاء مرحلة الصِّراع، وقد بدأت مرحلة جديدة من الصّراع تطرح أهدافاً معيّنة، ونحن نتصوَّر أنَّ دور أمريكا الّتي يقال إنها لم ترسم سياستها في الشَّرق الأوسط ولبنان حتى الآن لأنها لم تستكمل إدارتها في وزارة الخارجيَّة وغيرها، إنَّ دورها الآن هو دور تقطيع الوقت في المبادرات، ولا تزال أميركا تتحدَّث عن دعم المبادرة العربيَّة، لأنها تريد أن تمضي وقتاً قبل أن تنظِّم وضعها الدّاخليّ وإدارتها.

والأميركيّون أيضاً يعتبرون العالم الثّالث حيوانات تجارب، فإذا أرادوا أن يكتشفوا مشروعاً جديداً، فهم يخلقون مشكلةً ليعرفوا كي يحركوا هذا المشروع. ونحن لا نزال في لبنان نعيش تجربة كيسنجر السياسيّة، وكما قلت لكم في حديثٍ سابق، إنَّ كيسنجر قادم إلى الإدارة الأميركيّة، وهناك اثنان من تلاميذه في مواقع قياديّة في الإدارة الجديدة.

لبنان محكوم بالتَّعايش

إنَّنا نفكِّر الآن، ونحن نعلم أنَّ هذه الإدارة الأميركيَّة الجديدة تختلف في سياستها عن الإدارة القديمة، وهي أكثر خطورةً على الواقع الّذي نعيشه من خلال التزامها الأمن الإسرائيليّ وغيره من الأوضاع السياسيّة في المنطقة.

إنها لم تفكِّر كيف تتعامل مع سوريا ومع المسألة الفلسطينيّة، وكيف تحرّك سياسة الوفاق في المنطقة، هل نفهم أنَّ ما حدث يوم الثّلاثاء، وأن حليب السِّباع الّذي شربه هذا الرّجل الّذي صنع المأساة،ـ يعني أنَّ أميركا تريد أن تجرِّب ما هو ردّ الفعل على المجازر وعلى مطالب هذا الرّجل في الحملة التي قادها ضد سوريا؟!

إنَّنا نخاف من التَّجارب الأميركيَّة، إنّهم يجرّبون مشاريعهم على أساس سفك دمائنا وتدمير بلدنا وإسقاط إرادتنا، ولكنّنا لا نزال نقول، لا من موقع عقدة ضدّ أميركا، بل من موقع خبرة بسياسة أميركا وطموحها لجعل المنطقة مزرعةً أميركيّةً وإسرائيليّة.. إنّنا نقول إنّ هذه المرحلة هي مرحلة أميركيّة جديدة في السياسة اللّبنانيّة وفي السياسة الإقليميّة، وإنّنا نراقب هذه المرحلة: هل هنا خلل في الوفاق السوفياتي الأمريكي وفي المسألة الفلسطينيّة؟ فتِّش عن أميركا في كلّ مجزرةٍ وفي كلّ فتنة، وها أنتم ترون أنّ أميركا تتحدَّث عن الشّيء وعدمه، والسّفير الأميركي يتحدّث بطريقة، والنّاطق الأميركيّ بطريقة أخرى، وهم يريدون أن يمرِّروا مشاريعهم.

ثم نقول للّبنانيّين الّذين يحترقون منذ 14 سنة بالنّار الأميركيَّة: لماذا تلدغون من الجحر ألف مرّة؟ إنّنا نجد مجزرةً هنا ومجزرةً هناك تحصد الواقفين على الأفران، فمن المستفيد من ذلك؟ إنَّ اللّبنانيّين جميعاً لا يستفيدون من ذلك، لن يستفيد المسلمون إذا قتلوا المسيحيّين، وكذلك العكس، إنّكم محكومون بالتّعايش، والمستفيد هو إسرائيل وأميركا، فحاولوا أن تتدبَّروا أمركم لكي لا تظلّوا حطباً للوقود وألعوبةً بيد اللاعبين الكبار والصّغار.


[1] [الأحزاب: 23].

[2] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 45، ص 49.

[3] الصحيفة السجادية، الإمام زين العابدين(ع)، دعاؤه عند الصباح والمساء.

[4] بحار الأنوار، ج 75، ص 281.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير