علينا اجتناب الظن والالتزام بالضوابط الشرعية والقانونية

علينا اجتناب الظن والالتزام بالضوابط الشرعية والقانونية

من أجل حماية المجتمع الإسلامي:
علينا اجتناب الظن والالتزام بالضوابط الشرعية والقانونية


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:

بعض الظن إثم

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحبُّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه...}.

هناك بعض التوجيهات والأحكام الإسلامية التي تخطِّط من أجل حماية المجتمع الإسلامي من بعض التصرفات والسلوكيات التي قد تدمّر بعض جوانبه، وتجعله مجتمعاً غير متماسك، بحيث لا يشعر الإنسان فيه بالأمن والاستقرار والطمأنينة، بل ينتظر دائماً هزّة في بيته، وقلقاً في مواقع عمله، ومشاكل كثيرة في كل الواقع العام الذي يعيش فيه، لسبب بسيط، وهو أن المجتمع في تربيته، لا يتعامل بعضه مع بعض على أساس القانون الدقيق الذي لا يحكم على أحد إلا على أساس بيّنة وحجّة ومعطيات مبرّرة. فالمجتمع عندما يحكمه القانون وتخضع له سلوكيات كل الناس، والعلاقات المجتمعية في ما بينهم، عند ذلك يشعر الإنسان البريء بأنه لا يتعرض لأي سوء، لأن الناس عندما لا تحكم على الآخرين ولا تتصرف إلا بحجّة واضحة يمكن أن تثبت أمام القضاء والمحاكم، فإن البريء حينها لا يخاف. أما إذا كان المجتمع يأخذ بالظن والوهم ولا يرتكز على حجة، وإنما ينطلق من خلال كلمة طائرة هنا وإشاعة هناك، أو من خلال بعض المظاهر التي لا ترتكز على أساس، فإن الإنسان لا يعرف من أين تأتيه الرياح، ولا يعرف من أين تهجم عليه إشاعة من شخص يحكم عليه من دون أساس، لأنه سمع أو لاحظ بعض المظاهر التي لا ترتكز على قانون أو قاعدة، ولذلك يبقى المجتمع قلقاً، ابتداءً من البيت وانتهاءً بالمجتمع في شكل عام.

دور الإشاعة في إثارة الفتنة

نحن مثلاً نلاحظ الكثير من الظواهر الموجودة في مجتمعاتنا، فقد يتهم الشخص زوجته بتهمة ما، ربما كانت تتعلق بالشرف أو بعض الأوضاع السلبية، لمجرد أنه لاحظ بعض التحركات التي يمكن أن تفسّر بأكثر من احتمال، ولكنه يغلّب الاحتمال الأسوأ. فقد يبادر إلى القتل أو الطلاق أو الطرد. وعندما يسأل عن الأساس في ذلك، فإنه لا يجد إلا سوء الظن. وهكذا نلاحظ في كثيرٍ من الحالات، أن الإنسان قد يسقط في المجتمع من خلال إشاعة ربما أطلقها شخص حاقد يريد إثارة الفتنة في المجتمع، أو يريد أن يحطِّم رمزاً فيه، فيتلقّف الناس الإشاعة، ويحكمون على الشخص من دون أساس، فنحن مجتمع ـ ولا أتكلم عن كل المجتمع، بل عن ظاهرة ـ لم يتربَّ، حتى الذين يصلّون ويصومون ويحجّون، على الالتزام بالشريعة أو القانون كأساس، نحن نلعب على الشريعة والقانون، ولا نحمل مسؤولية وحدة المجتمع وتماسكه، حتى في حالات الاهتزاز السياسي والاقتصادي والاجتماعي، على أساس ما ذكرناه، وهو الأخذ بالإشاعات.

ونحن نلاحظ ـ حتى في المسائل الاقتصادية والسياسية والأمنية ـ أن هناك من يطلق الإشاعة فتربك الاقتصاد والسياسة والأمن، وهو ما يتحرك على مستوى السياسات الكبرى. فالمخابرات الدولية ـ سواء في القضايا الاقتصادية أو السياسية أو الأمنية ـ تحاول إطلاق الإشاعات، معتمدةً على عدم تدقيق الناس في الأخبار، بل تمشي هي وراء الإشاعات من دون أساس للحجة.

اجتناب الظن:

فالإسلام بدأ في قضيّة الظن؛ ما المراد من الظن في القرآن؟ الظن هو عبارة عن السلوك الذي لا يعتمد فيه الإنسان على حجّة وقانون وبيّنة، بل يعتمد على الهواجس النفسية لاحتمالات لا ترتكز على أساس أو أن يعتمد على التخمين: {...إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون}، بمعنى يعتمدون على التخمين الذي هو ليس حجة، {إن الظن لا يغني من الحق شيئاً}، ولا سيما في العلاقات الإنسانية: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم}، لا تحكموا على أساس ظنونكم وهواجسكم وتخميناتكم، بل احكموا على أساس اليقين، لأن الكثير من هذه التخمينات والهواجس والاحتمالات إثم لا يلتقي بالحقيقة، وخصوصاً إذا انطلقت هذه التخمينات من إنسان لا يؤتمن: {يا أيّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}.

علينا أن نثقِّف أنفسنا وأولادنا على ألا نحكم بشيء، إلا إذا ثبت هذا الشيء بالحجّة القاطعة. وقد سأل شخص النبي (ص): على ماذا أشهد؟ فالتفت النبي (ص) إلى الشمس في وقت الضحى وقال: "على مثل هذه فاشهد أو دع"، بحيث تكون القضية واضحة وضوح الشمس في حال الصحو، أما إذا كان هناك غيم أو ضباب، فوفّر على نفسك سؤال الله تعالى "على أي أساس شهدت؟".

الشهادة بدليل قاطع تصون المجتمع

وهذه المسألة هي من القضايا التي تتصل بعملية سلامة المجتمع، ابتداءً من البيت حتى القضايا العامة التي تتصل بقضايا المصير، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، فإن علينا أن نعمل على استقرار المجتمع، لأن المجتمع الذي يخضع للاهتزاز وزلزال الإشاعات، هو مجتمع تستطيع أن تعبث فيه المخابرات الدولية وكلُّ أعداء الأمة، معتمدين على هذا النوع من عدم الالتزام بالضوابط في الحكم على الأشياء والأشخاص. والنبي (ص) أكّد هذه الفكرة إذ قال: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث"، والسيد المسيح (ع) الذي كان يخاطب بعض الناس الذين يحكمون على الآخرين بغير حجة، قال: "يا عبيد السوء، تلومون الناس على الظن، ولا تلومون أنفسكم على اليقين؟".

وعن علي (ع) يقول: "اطرحوا سوء الظن بينكم، فإن الله عزّ وجلّ نهى عن ذلك"، وفي كلمة له (ع) يقول: "سوء الظن يفسد الأمور ويبعث على الشرور". ويقول(ع) أيضاً: "شر الناس من لا يثق بأحد لسوء ظنه، ولا يثق به أحد لسوء فعله". ويقول (ع): "الرجل السوء لا يظن بأحد خيراً، لأنه لا يراه إلا بوصف نفسه"، وهو ما نظمه المتنبي في شعره فقال:

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه     وصدّق مـا يعتـاده من توهّـمِ

إنّ مجتمعاتنا، ولا سيّما مجتمعات المسلمين، تعاني من الزلزال العائلي والسياسي والاقتصادي والأمني، وربما كنا نحن الذين نتحمّل مسؤولية ذلك، لأن للمجتمع قانوناً لا بد أن يسير عليه الجميع، وهو أن ينطلق الناس من خلال الضوابط الشرعية والقانونية من خلال ما يحكمون به على الأشياء وعلى الناس، ولأن المجتمع الذي يعاني من الاهتزاز سوف يسلّط عليه أعداؤه الكثير من عناصر الزلزال. أما عندما يملك المجتمع أسس الثبات في ضوابطه، فإنّ الآخرين لا يستطيعون أن يزلزلوه. وعلينا أن نعرف أن سلامة الفرد هي من سلامة المجتمع، ولا يظنّـنّ أحد أنه إذا سلم في بيته وكان المجتمع غير سليم فإنه سيرتاح، لأن النار عندما تهب في بيت جارك والرياح عاصفة، فإن النار سوف تنتقل إلى بيتك: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه...}.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله، وواجهوا مسؤوليتكم في مسؤولية ثبات الأمة وقوتها واستقرارها وحركيتها في تنمية كل عناصر القوة، وكل موارد التنمية فيها، فإن مسؤولية الأمة تقع على الأفراد، لأنها ـ الأمة ـ ليست إلا مجموعة الأفراد الذين تتنوّع طاقاتهم، ويحمل كل واحد منهم بعضاً من طاقاتها، وعليه أن يحركها كأمانة عنده لأمّته، فلا يجوز لأحد أن يحجب طاقاته عنها، ومن يفعل ذلك فإنه يخون الأمة ويخون أمانته، فالأنانية والفردية ليست من الإسلام، وقد جاء في الحديث: "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم".

ولذلك يجب أن يكون في كل واحد منّا جزءٌ من الأمة، بحيث نحرّك مسؤوليتنا تجاه القضايا الكبرى، كما لدينا جزء من الذات يحركنا في تنمية أوضاعنا الخاصة. والأمة في هذه المرحلة وما تتطلع إليه في المستقبل، تعيش اهتزازاً كبيراً على المستوى الأمني والاقتصادي وحتى الثقافي، وعلينا أن نقف لنواجه هذا التحدي الكبير الذي قد يُخشى منه على مستقبل الأمة كلها وعلى وجودها، كما نلاحظ في ما نعيشه الآن من الواقع في فلسطين والعراق وأكثر من موقع من مواقع المنطقة، فماذا هناك:

المحافظون الجدد يصعّدون ضد سوريا

لا تزال إسرائيل تمارس إرهابها في المدن والمخيّمات الفلسطينية، وتصادر الأراضي الفلسطينية، وتحوّل حياة المدنيين إلى كابوس خانق في الليل والنهار، وتقتل الأطفال يومياً وتمنعهم من الدراسة، وتهدد سوريا ـ بلسان رئيس الأركان ـ بشن اعتداءات جديدة عليها إذا لم تخضع وتنفّذ رسائلها التهديدية التي تعتبرها رسائل المجتمع الدولي الذي هو مجتمع الإدارة الأمريكية ـ الصهيونية...

وقد دعا بعض المنظّرين من المحافظين الجدد في أمريكا، ممن يملك التأثير على الإدارة الأمريكية، إلى اعتماد الرئيس "بوش" سياسة المواجهة مع سوريا، وذلك بتغيير النظام واستخدام وسائل مختلفة سياسية واقتصادية وحتى عسكرية لتحقيق هذا الهدف، وذلك لأن سوريا لم ترضخ للشروط المذلّة الضاغطة المفروضة من الإدارة الأمريكية والإسرائيلية، كجزء من إخضاع المنطقة العربية والإسلامية وإسقاط القوة فيها لمصلحة الحلف الثنائي الأمريكي ـ الإسرائيلي.

ومن الطريف، أن إسرائيل التي تهدد دول المنطقة بما تملكه من الأسلحة الأمريكية المتطوّرة، تحصل على تأييد بريطاني ـ أمريكي لاحتفاظها بالأسلحة النووية وكل أسلحة الدمار الشامل. وهذا ما صرّح به بعض المسؤولين هناك، إذ رفضوا دعوة سوريا إلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط من هذه الأسلحة المدمِّرة، وأعلنوا أنه لا يمكن مطالبة سوريا وكل دول المنطقة بالتخلّي عن أسلحتها ما لم تتخلَّ إسرائيل عن ترسانتها النووية، لأن ذلك لا بد أن يُطبق على جميع الدول...

إن من اللافت أن المسؤول البريطاني الحكومي رفيع المستوى يقول: "إن إسرائيل في وضع فريد، حيث إنها الدولة الوحيدة المهدد بقاؤها"، على حدّ قوله.. والسؤال: مَن الذي يحتل الأرض الفلسطينية ويهدد شعبها بالدمار والإبادة؟ ومَن الذي يحتل الأرض السورية واللبنانية، ومَن الذي يطلق التهديدات ضد المنطقة ويعبث بمقدّراتها، هل هي سوريا أم إسرائيل؟!

بريطانيا صنعت إسرائيل وأميركا تثبت كيانها

إن العرب والمسلمين لم ينسوا أن بريطانيا هي التي صنعت إسرائيل في فلسطين، وأن أمريكا هي التي تهدد أمن المنطقة كلها من أجل الأمن اليهودي... والمشكلة أن هاتين الدولتين لا تعترفان بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة، ولا تحترمان حقوق الإنسان العربي والمسلم، في الوقت الذي تعمل أمريكا على تهديد العالم الثالث باسم الحرية وحقوق الإنسان، وهو لا يزال يصرخ: أيتها الحرية، كم من الجرائم الاستكبارية ترتكب باسمك!!

إننا ـ أمام هذا الواقع ـ ندعو الجميع في عالم المستضعفين إلى أن يفهموا خلفيات الاستكبار العالمي، ولا سيما الأمريكي والبريطاني وحلفائهما، وأن يتعاملوا معه من موقع الرفض والحذر والدراسة الواعية لكلِّ المخططات العدوانية على جميع المستويات... ونريد للفلسطينيين أن يواجهوا الموقف بالصمود والوعي والحذر وتوزيع الأدوار، لأن أميركا وإسرائيل تحركان المجازر كلها من أجل الاستسلام الذي يعني نهاية فلسطين الحرة المستقلة في المستقبل.

ترحيب بالحوار السعودي

وعلى صعيد آخر، فإننا نرحب بالحوار السعودي بين الدولة والأطياف المختلفة على مستوى التنوّع المذهبي الإسلامي من جهة، والتنوّع الثقافي والخطوط السياسية من جهة أخرى، وذلك في إطار عملية الإصلاح، آملين أن تنتهي هذه اللقاءات إلى نتائج إيجابية من أجل التغيير الذي يصنعه المواطنون ولا يأتي بضغط خارجي...

و... العلاقات الإيرانية المصرية

كما نرحّب بالعلاقات الجديدة في الحوار الموضوعي السياسي بين مصر وإيران، من خلال إذابة جليد المواقف المعقَّدة المتراكم منذ سنين، ونرى أن هاتين الدولتين الإسلاميتين يمكن أن تقدّما للعالم الإسلامي الكثير من عناصر الوحدة والتعاون والتواصل والمواجهة ضد أعداء الأمة كلها...

وفي هذا الجو، فإن العلاقات الجديدة السياسية والأمنية والثقافية بين سوريا وتركيا قد تفتح صفحةً جديدة في المنطقة، ولا سيما أمام التحديات الكبرى التي تواجه الشعبين، ليتحوّل الواقع بينهما إلى حوارٍ موضوعي ثنائي ربما يمتدُّ إلى حوار ثلاثي عندما تدخل إيران في هذا المناخ الجديد.

العراق: تقرير المصير

وإذا انتقلنا إلى العراق، فإنّنا نؤكّد الدعوة إلى السعي نحو تقرير العراقيين مصيرهم بأنفسهم، من خلال الانتخابات التي يعبّرون فيها عن إرادتهم في صنع المستقبل على أساس الوحدة الإسلامية والوطنية، وفي رفض التقسيم على جميع المستويات الجغرافية والمذهبية...

وإذا كان البعض يتحدث عن عدم توافر الظروف لذلك، فإن على الجميع القيام بدراسة دقيقة لاكتشاف الوسائل الواقعية لتحقيق هذا الهدف، لأننا نخشى أن يكون وراء هذه التهاويل السياسية في الحديث عن صعوبة الاستفتاء الشعبي أهدافٌ يراد منها أن يُصنع العراق بعيداً عن الإرادة الشعبية الشاملة في الاستقلال والحرية وزوال الاحتلال.

وفي الإطار العام، فإننا ندعو إلى ملاحقة الخطط السياسية الأمريكية في العالم العربي والإسلامي التي لا نثق بخلفياتها، لنملك الرؤية الواضحة لما يُخطط للمنطقة من خلال القوى المعادية للإسلام والمسلمين في الإدارة الأمريكية، والتي قد يكون ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.

مزيد من اللفلفة على حساب اللبنانيين

أما في لبنان، فقد بدأت بعض الملفات تغلق لاعتبارات خفية لا يعرف الشعب عنها شيئاً، وبدأت بعض الإشارات والهمسات تتحدث عن تورط الكبار في مسألة الطائرة المنكوبة التي تختزن في أبعادها القضائية والسياسية أكثر من تفصيل، بينما لا يزال أهالي الضحايا ينتظرون معرفة السرّ الدفين في ذلك كله...

وإذا حاول الناس استعراض الواقع الميداني، فإنهم لا يزالون يلتقون بالتردي الداخلي الذي يوحي بغياب المؤسسات عن دورها الوطني الفاعل، ما يجتذب في كل يوم إضراباً جديداً واعتصاماً جديداً... كما يلتقون بالفساد والهدر، والتسلّط الطغياني، وتفشّي الطائفية، ما يجعل التفاؤل بالتغيير الذي يصنع المستقبل على قاعدة جديدة يملك فيها الشعب قراره أمراً مستبعداً.

إن الشعب كله ينادي بالحاجة إلى الوضوح في كل القرارات، ليفهم كيف يتحرك الحاضر في الهواء الطلق لا في الكهوف والمغاور السياسية... ولكن يبقى السؤال للشعب كله: هل خططتم كيف تصنعون مجلسكم التمثيلي الذي يصنع المجلس الوزاري وينتخب رئيس البلاد، أم أن مرض الإدمان على المخدرات السياسية والطائفية والشخصانية هو الذي يبقى على حساب لبنان الذي نخشى أن يصبح بلا لون ولا طعم ولا رائحة؟؟

من أجل حماية المجتمع الإسلامي:
علينا اجتناب الظن والالتزام بالضوابط الشرعية والقانونية


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:

بعض الظن إثم

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحبُّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه...}.

هناك بعض التوجيهات والأحكام الإسلامية التي تخطِّط من أجل حماية المجتمع الإسلامي من بعض التصرفات والسلوكيات التي قد تدمّر بعض جوانبه، وتجعله مجتمعاً غير متماسك، بحيث لا يشعر الإنسان فيه بالأمن والاستقرار والطمأنينة، بل ينتظر دائماً هزّة في بيته، وقلقاً في مواقع عمله، ومشاكل كثيرة في كل الواقع العام الذي يعيش فيه، لسبب بسيط، وهو أن المجتمع في تربيته، لا يتعامل بعضه مع بعض على أساس القانون الدقيق الذي لا يحكم على أحد إلا على أساس بيّنة وحجّة ومعطيات مبرّرة. فالمجتمع عندما يحكمه القانون وتخضع له سلوكيات كل الناس، والعلاقات المجتمعية في ما بينهم، عند ذلك يشعر الإنسان البريء بأنه لا يتعرض لأي سوء، لأن الناس عندما لا تحكم على الآخرين ولا تتصرف إلا بحجّة واضحة يمكن أن تثبت أمام القضاء والمحاكم، فإن البريء حينها لا يخاف. أما إذا كان المجتمع يأخذ بالظن والوهم ولا يرتكز على حجة، وإنما ينطلق من خلال كلمة طائرة هنا وإشاعة هناك، أو من خلال بعض المظاهر التي لا ترتكز على أساس، فإن الإنسان لا يعرف من أين تأتيه الرياح، ولا يعرف من أين تهجم عليه إشاعة من شخص يحكم عليه من دون أساس، لأنه سمع أو لاحظ بعض المظاهر التي لا ترتكز على قانون أو قاعدة، ولذلك يبقى المجتمع قلقاً، ابتداءً من البيت وانتهاءً بالمجتمع في شكل عام.

دور الإشاعة في إثارة الفتنة

نحن مثلاً نلاحظ الكثير من الظواهر الموجودة في مجتمعاتنا، فقد يتهم الشخص زوجته بتهمة ما، ربما كانت تتعلق بالشرف أو بعض الأوضاع السلبية، لمجرد أنه لاحظ بعض التحركات التي يمكن أن تفسّر بأكثر من احتمال، ولكنه يغلّب الاحتمال الأسوأ. فقد يبادر إلى القتل أو الطلاق أو الطرد. وعندما يسأل عن الأساس في ذلك، فإنه لا يجد إلا سوء الظن. وهكذا نلاحظ في كثيرٍ من الحالات، أن الإنسان قد يسقط في المجتمع من خلال إشاعة ربما أطلقها شخص حاقد يريد إثارة الفتنة في المجتمع، أو يريد أن يحطِّم رمزاً فيه، فيتلقّف الناس الإشاعة، ويحكمون على الشخص من دون أساس، فنحن مجتمع ـ ولا أتكلم عن كل المجتمع، بل عن ظاهرة ـ لم يتربَّ، حتى الذين يصلّون ويصومون ويحجّون، على الالتزام بالشريعة أو القانون كأساس، نحن نلعب على الشريعة والقانون، ولا نحمل مسؤولية وحدة المجتمع وتماسكه، حتى في حالات الاهتزاز السياسي والاقتصادي والاجتماعي، على أساس ما ذكرناه، وهو الأخذ بالإشاعات.

ونحن نلاحظ ـ حتى في المسائل الاقتصادية والسياسية والأمنية ـ أن هناك من يطلق الإشاعة فتربك الاقتصاد والسياسة والأمن، وهو ما يتحرك على مستوى السياسات الكبرى. فالمخابرات الدولية ـ سواء في القضايا الاقتصادية أو السياسية أو الأمنية ـ تحاول إطلاق الإشاعات، معتمدةً على عدم تدقيق الناس في الأخبار، بل تمشي هي وراء الإشاعات من دون أساس للحجة.

اجتناب الظن:

فالإسلام بدأ في قضيّة الظن؛ ما المراد من الظن في القرآن؟ الظن هو عبارة عن السلوك الذي لا يعتمد فيه الإنسان على حجّة وقانون وبيّنة، بل يعتمد على الهواجس النفسية لاحتمالات لا ترتكز على أساس أو أن يعتمد على التخمين: {...إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون}، بمعنى يعتمدون على التخمين الذي هو ليس حجة، {إن الظن لا يغني من الحق شيئاً}، ولا سيما في العلاقات الإنسانية: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم}، لا تحكموا على أساس ظنونكم وهواجسكم وتخميناتكم، بل احكموا على أساس اليقين، لأن الكثير من هذه التخمينات والهواجس والاحتمالات إثم لا يلتقي بالحقيقة، وخصوصاً إذا انطلقت هذه التخمينات من إنسان لا يؤتمن: {يا أيّها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}.

علينا أن نثقِّف أنفسنا وأولادنا على ألا نحكم بشيء، إلا إذا ثبت هذا الشيء بالحجّة القاطعة. وقد سأل شخص النبي (ص): على ماذا أشهد؟ فالتفت النبي (ص) إلى الشمس في وقت الضحى وقال: "على مثل هذه فاشهد أو دع"، بحيث تكون القضية واضحة وضوح الشمس في حال الصحو، أما إذا كان هناك غيم أو ضباب، فوفّر على نفسك سؤال الله تعالى "على أي أساس شهدت؟".

الشهادة بدليل قاطع تصون المجتمع

وهذه المسألة هي من القضايا التي تتصل بعملية سلامة المجتمع، ابتداءً من البيت حتى القضايا العامة التي تتصل بقضايا المصير، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، فإن علينا أن نعمل على استقرار المجتمع، لأن المجتمع الذي يخضع للاهتزاز وزلزال الإشاعات، هو مجتمع تستطيع أن تعبث فيه المخابرات الدولية وكلُّ أعداء الأمة، معتمدين على هذا النوع من عدم الالتزام بالضوابط في الحكم على الأشياء والأشخاص. والنبي (ص) أكّد هذه الفكرة إذ قال: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث"، والسيد المسيح (ع) الذي كان يخاطب بعض الناس الذين يحكمون على الآخرين بغير حجة، قال: "يا عبيد السوء، تلومون الناس على الظن، ولا تلومون أنفسكم على اليقين؟".

وعن علي (ع) يقول: "اطرحوا سوء الظن بينكم، فإن الله عزّ وجلّ نهى عن ذلك"، وفي كلمة له (ع) يقول: "سوء الظن يفسد الأمور ويبعث على الشرور". ويقول(ع) أيضاً: "شر الناس من لا يثق بأحد لسوء ظنه، ولا يثق به أحد لسوء فعله". ويقول (ع): "الرجل السوء لا يظن بأحد خيراً، لأنه لا يراه إلا بوصف نفسه"، وهو ما نظمه المتنبي في شعره فقال:

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه     وصدّق مـا يعتـاده من توهّـمِ

إنّ مجتمعاتنا، ولا سيّما مجتمعات المسلمين، تعاني من الزلزال العائلي والسياسي والاقتصادي والأمني، وربما كنا نحن الذين نتحمّل مسؤولية ذلك، لأن للمجتمع قانوناً لا بد أن يسير عليه الجميع، وهو أن ينطلق الناس من خلال الضوابط الشرعية والقانونية من خلال ما يحكمون به على الأشياء وعلى الناس، ولأن المجتمع الذي يعاني من الاهتزاز سوف يسلّط عليه أعداؤه الكثير من عناصر الزلزال. أما عندما يملك المجتمع أسس الثبات في ضوابطه، فإنّ الآخرين لا يستطيعون أن يزلزلوه. وعلينا أن نعرف أن سلامة الفرد هي من سلامة المجتمع، ولا يظنّـنّ أحد أنه إذا سلم في بيته وكان المجتمع غير سليم فإنه سيرتاح، لأن النار عندما تهب في بيت جارك والرياح عاصفة، فإن النار سوف تنتقل إلى بيتك: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه...}.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله، وواجهوا مسؤوليتكم في مسؤولية ثبات الأمة وقوتها واستقرارها وحركيتها في تنمية كل عناصر القوة، وكل موارد التنمية فيها، فإن مسؤولية الأمة تقع على الأفراد، لأنها ـ الأمة ـ ليست إلا مجموعة الأفراد الذين تتنوّع طاقاتهم، ويحمل كل واحد منهم بعضاً من طاقاتها، وعليه أن يحركها كأمانة عنده لأمّته، فلا يجوز لأحد أن يحجب طاقاته عنها، ومن يفعل ذلك فإنه يخون الأمة ويخون أمانته، فالأنانية والفردية ليست من الإسلام، وقد جاء في الحديث: "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم".

ولذلك يجب أن يكون في كل واحد منّا جزءٌ من الأمة، بحيث نحرّك مسؤوليتنا تجاه القضايا الكبرى، كما لدينا جزء من الذات يحركنا في تنمية أوضاعنا الخاصة. والأمة في هذه المرحلة وما تتطلع إليه في المستقبل، تعيش اهتزازاً كبيراً على المستوى الأمني والاقتصادي وحتى الثقافي، وعلينا أن نقف لنواجه هذا التحدي الكبير الذي قد يُخشى منه على مستقبل الأمة كلها وعلى وجودها، كما نلاحظ في ما نعيشه الآن من الواقع في فلسطين والعراق وأكثر من موقع من مواقع المنطقة، فماذا هناك:

المحافظون الجدد يصعّدون ضد سوريا

لا تزال إسرائيل تمارس إرهابها في المدن والمخيّمات الفلسطينية، وتصادر الأراضي الفلسطينية، وتحوّل حياة المدنيين إلى كابوس خانق في الليل والنهار، وتقتل الأطفال يومياً وتمنعهم من الدراسة، وتهدد سوريا ـ بلسان رئيس الأركان ـ بشن اعتداءات جديدة عليها إذا لم تخضع وتنفّذ رسائلها التهديدية التي تعتبرها رسائل المجتمع الدولي الذي هو مجتمع الإدارة الأمريكية ـ الصهيونية...

وقد دعا بعض المنظّرين من المحافظين الجدد في أمريكا، ممن يملك التأثير على الإدارة الأمريكية، إلى اعتماد الرئيس "بوش" سياسة المواجهة مع سوريا، وذلك بتغيير النظام واستخدام وسائل مختلفة سياسية واقتصادية وحتى عسكرية لتحقيق هذا الهدف، وذلك لأن سوريا لم ترضخ للشروط المذلّة الضاغطة المفروضة من الإدارة الأمريكية والإسرائيلية، كجزء من إخضاع المنطقة العربية والإسلامية وإسقاط القوة فيها لمصلحة الحلف الثنائي الأمريكي ـ الإسرائيلي.

ومن الطريف، أن إسرائيل التي تهدد دول المنطقة بما تملكه من الأسلحة الأمريكية المتطوّرة، تحصل على تأييد بريطاني ـ أمريكي لاحتفاظها بالأسلحة النووية وكل أسلحة الدمار الشامل. وهذا ما صرّح به بعض المسؤولين هناك، إذ رفضوا دعوة سوريا إلى إخلاء منطقة الشرق الأوسط من هذه الأسلحة المدمِّرة، وأعلنوا أنه لا يمكن مطالبة سوريا وكل دول المنطقة بالتخلّي عن أسلحتها ما لم تتخلَّ إسرائيل عن ترسانتها النووية، لأن ذلك لا بد أن يُطبق على جميع الدول...

إن من اللافت أن المسؤول البريطاني الحكومي رفيع المستوى يقول: "إن إسرائيل في وضع فريد، حيث إنها الدولة الوحيدة المهدد بقاؤها"، على حدّ قوله.. والسؤال: مَن الذي يحتل الأرض الفلسطينية ويهدد شعبها بالدمار والإبادة؟ ومَن الذي يحتل الأرض السورية واللبنانية، ومَن الذي يطلق التهديدات ضد المنطقة ويعبث بمقدّراتها، هل هي سوريا أم إسرائيل؟!

بريطانيا صنعت إسرائيل وأميركا تثبت كيانها

إن العرب والمسلمين لم ينسوا أن بريطانيا هي التي صنعت إسرائيل في فلسطين، وأن أمريكا هي التي تهدد أمن المنطقة كلها من أجل الأمن اليهودي... والمشكلة أن هاتين الدولتين لا تعترفان بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة، ولا تحترمان حقوق الإنسان العربي والمسلم، في الوقت الذي تعمل أمريكا على تهديد العالم الثالث باسم الحرية وحقوق الإنسان، وهو لا يزال يصرخ: أيتها الحرية، كم من الجرائم الاستكبارية ترتكب باسمك!!

إننا ـ أمام هذا الواقع ـ ندعو الجميع في عالم المستضعفين إلى أن يفهموا خلفيات الاستكبار العالمي، ولا سيما الأمريكي والبريطاني وحلفائهما، وأن يتعاملوا معه من موقع الرفض والحذر والدراسة الواعية لكلِّ المخططات العدوانية على جميع المستويات... ونريد للفلسطينيين أن يواجهوا الموقف بالصمود والوعي والحذر وتوزيع الأدوار، لأن أميركا وإسرائيل تحركان المجازر كلها من أجل الاستسلام الذي يعني نهاية فلسطين الحرة المستقلة في المستقبل.

ترحيب بالحوار السعودي

وعلى صعيد آخر، فإننا نرحب بالحوار السعودي بين الدولة والأطياف المختلفة على مستوى التنوّع المذهبي الإسلامي من جهة، والتنوّع الثقافي والخطوط السياسية من جهة أخرى، وذلك في إطار عملية الإصلاح، آملين أن تنتهي هذه اللقاءات إلى نتائج إيجابية من أجل التغيير الذي يصنعه المواطنون ولا يأتي بضغط خارجي...

و... العلاقات الإيرانية المصرية

كما نرحّب بالعلاقات الجديدة في الحوار الموضوعي السياسي بين مصر وإيران، من خلال إذابة جليد المواقف المعقَّدة المتراكم منذ سنين، ونرى أن هاتين الدولتين الإسلاميتين يمكن أن تقدّما للعالم الإسلامي الكثير من عناصر الوحدة والتعاون والتواصل والمواجهة ضد أعداء الأمة كلها...

وفي هذا الجو، فإن العلاقات الجديدة السياسية والأمنية والثقافية بين سوريا وتركيا قد تفتح صفحةً جديدة في المنطقة، ولا سيما أمام التحديات الكبرى التي تواجه الشعبين، ليتحوّل الواقع بينهما إلى حوارٍ موضوعي ثنائي ربما يمتدُّ إلى حوار ثلاثي عندما تدخل إيران في هذا المناخ الجديد.

العراق: تقرير المصير

وإذا انتقلنا إلى العراق، فإنّنا نؤكّد الدعوة إلى السعي نحو تقرير العراقيين مصيرهم بأنفسهم، من خلال الانتخابات التي يعبّرون فيها عن إرادتهم في صنع المستقبل على أساس الوحدة الإسلامية والوطنية، وفي رفض التقسيم على جميع المستويات الجغرافية والمذهبية...

وإذا كان البعض يتحدث عن عدم توافر الظروف لذلك، فإن على الجميع القيام بدراسة دقيقة لاكتشاف الوسائل الواقعية لتحقيق هذا الهدف، لأننا نخشى أن يكون وراء هذه التهاويل السياسية في الحديث عن صعوبة الاستفتاء الشعبي أهدافٌ يراد منها أن يُصنع العراق بعيداً عن الإرادة الشعبية الشاملة في الاستقلال والحرية وزوال الاحتلال.

وفي الإطار العام، فإننا ندعو إلى ملاحقة الخطط السياسية الأمريكية في العالم العربي والإسلامي التي لا نثق بخلفياتها، لنملك الرؤية الواضحة لما يُخطط للمنطقة من خلال القوى المعادية للإسلام والمسلمين في الإدارة الأمريكية، والتي قد يكون ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.

مزيد من اللفلفة على حساب اللبنانيين

أما في لبنان، فقد بدأت بعض الملفات تغلق لاعتبارات خفية لا يعرف الشعب عنها شيئاً، وبدأت بعض الإشارات والهمسات تتحدث عن تورط الكبار في مسألة الطائرة المنكوبة التي تختزن في أبعادها القضائية والسياسية أكثر من تفصيل، بينما لا يزال أهالي الضحايا ينتظرون معرفة السرّ الدفين في ذلك كله...

وإذا حاول الناس استعراض الواقع الميداني، فإنهم لا يزالون يلتقون بالتردي الداخلي الذي يوحي بغياب المؤسسات عن دورها الوطني الفاعل، ما يجتذب في كل يوم إضراباً جديداً واعتصاماً جديداً... كما يلتقون بالفساد والهدر، والتسلّط الطغياني، وتفشّي الطائفية، ما يجعل التفاؤل بالتغيير الذي يصنع المستقبل على قاعدة جديدة يملك فيها الشعب قراره أمراً مستبعداً.

إن الشعب كله ينادي بالحاجة إلى الوضوح في كل القرارات، ليفهم كيف يتحرك الحاضر في الهواء الطلق لا في الكهوف والمغاور السياسية... ولكن يبقى السؤال للشعب كله: هل خططتم كيف تصنعون مجلسكم التمثيلي الذي يصنع المجلس الوزاري وينتخب رئيس البلاد، أم أن مرض الإدمان على المخدرات السياسية والطائفية والشخصانية هو الذي يبقى على حساب لبنان الذي نخشى أن يصبح بلا لون ولا طعم ولا رائحة؟؟

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير