ذكرى وفاة النبيّ الأكرم(ص)

ذكرى وفاة النبيّ الأكرم(ص)
ألقى سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:

 

الخطبة الأولى 

ذكرى وفاة النبيّ الأكرم(ص)
يقول الله تعالى في كتابه المجيد مخاطباً رسوله:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}[الزّمر:30]. ويقول أيضاً: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}[الأنبياء:34].

في الثّامن والعشرين من شهر صفر، نلتقي بذكرى وفاة النبيّ محمّد(ص)، الذي انقطع بموته وحيُ السّماء، وفُقِدَ أحد الأمانيْن لأهل الأرض، كما قال تعالى:{وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الأنفال: 33]من وصايا الرّسول(ص)

وقد كان(ص) نوراً كلّه، وخيراً كلّه، ورحمةً كلّه، ورسالةً وخلقاً ليس فوقه خلق. ونحن عندما نقف في ذكرى وفاته، فإنّنا نتذكّر الهمّ الكبير الّذي كان يشغل باله وهو في مرض الموت، ولذلك انطلق ليوصي، لا بمالٍ يورّثه، ولا بدنيا يمنحها أقرباءه، بل بالإسلام الّذي كان كلّ همّه أن لا يضعفه المسلمون بعصبيّاتهم وأحقادهم وجهلهم، ولذلك وقف في حجّة الوداع، في يوم النّحر في مِنى خطيباً، وقال: «أيّها النّاس، إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا... لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض...".

وقد كان(ص) يعرف من خلال الغيب، أنّ المسلمين سيتقاتلون، وسيختلفون، وسيكفّر بعضهم بعضاً، وسوف يكيد بعضهم لبعض، ولذلك كانت هذه الوصيّة آخر ما أراد للنّاس أن يسمعوه ويعوه، وقد حجّ أكثرهم في تلك الحجّة مع رسول الله.

وفي موقفٍ آخر، وكان عنده في مرضه عددٌ من أقاربه، فالتفت إليهم وقال: «يا بني عبدِ مناف، اعملوا لما عند الله فإنّي لا أغني عنكم من الله شيئاً. يا عبّاس بن عبد المطّلب، يا عمّ رسول الله، اعمل لما عند الله فإنّي لا أغني عنك من الله شيئاً. يا صفيّة بنت عبد المطّلب، يا عمّة رسول الله، اعملي لما عند الله فإنّي لا أغني عنك من الله شيئاً. يا فاطمة بنت محمّد، يا بنت رسول الله، اعملي لما عند الله فإنّي لا أغني عنك من الله شيئاً». وكان يتوجّه إلى المسلمين ليقول: «لا يدّعِ مدّعٍ، ولا يتمنّ متمنٍّ؛ والذي بعثني بالحقّ نبيّاً، لا يُنجي إلا عمل مع رحمة، ولو عصيتُ لهويت».

التمثّل بسيرة النبيّ(ص)


هكذا أيّها الأحبّة، يطلّ علينا رسول الله في يوم ذكراه، ليقول لنا: لقد حملتُ همّ الإسلام، وفتحت لكم به طريق النّور في الحياة، وهو مسؤوليّتكم؛ أن تحفظوه لتحفظوا من خلاله أنفسكم، وأن تعزّوه لتكونوا من خلاله الأمّة العزيزة، وأن تستقيموا عليه، وأن تنطلقوا به في حياتكم الخاصّة والعامّة؛ لأنّ الإسلام هو أساس عزّتكم وقوّتكم ونجاتكم في الدّنيا والآخرة.

والسّلام عليك يا رسول الله، يوم ولدتَ، ويوم ارتفعت روحك إلى الله، ويوم تُبعث حيّاً.

الخطبة الثّانية

فقدان الحياء العربي!
في الأسبوع الماضي، نقل الإعلام مشهد مصافحةٍ بين مسؤولٍ عربيّ وآخر صهيونيّ، في دلالةٍ على عمق السّذاجة العربيّة، حتّى لا نقول التّآمر أو التّخاذل العربي، في مقاربة قضايا الأمّة؛ إذ في الوقت الذي يزيد العدوّ من مستوى تهديداته للواقع العربيّ والإسلاميّ، ويكثّف من توسيع الاستيطان، ويتشدّد في مواقفه تجاه كلّ التزاماته السّابقة، يظهر علينا بين الآونة والأخرى المسؤولون العرب، وحتى الدينيّون منهم، ليصافحوا الأيدي الملطّخة بدماء أهلنا وشعبنا في فلسطين ولبنان وأكثر من موقع من مواقع الأمّة.

لقد فقد الواقع العربيّ الرسميّ ـ مع الأسف ـ كلّ حياء، ولا يزال العرب يبرزون إلى العالم ـ الذي لا يحترم إلا الأقوياء ـ بمظهر الضّعف والانهزام؛ ما يجعلهم غير قادرين على تحقيق أيّ مكسبٍ لشعوبهم التي لو رجعوا إليها، لعرفوا أنّها لا ترضى بأيّ تهاونٍ في حقوقها، فكيف بمن يفرض عليها ـ باسمها ـ الذلّ والهوان أمام العدوّ؟!

انتفاضة جديدة
وربّما لم يعد أمام الشّعب الفلسطيني، إلا إطلاق حركة انتفاضة جديدة تعمل على إخراج القضيّة الفلسطينيّة من أيدي المتآمرين والمتخاذلين الّذين عملوا على بيع القضيّة وتحرّكوا للتحرّر منها والخلاص من كلّ تبعاتها والتزاماتها.

وإنّنا نقول للشّعب الفلسطينيّ: إنّ هؤلاء الذين يخوّفونكم من تبعات أيّ انتفاضة جديدة، هم المسؤولون عن إجهاض حركتكم في السّابق، من خلال الارتهان لأمريكا تارةً، والخضوع للشروط الإسرائيلية أخرى، وحركة هؤلاء هي التي جعلت الاستيطان الصهيوني يتوسّع ويمتد على حساب مقولة الدولة المستقلة، التي لا يمكن أن تبصر النور من خلال سياسة الاستجداء والانهزام التي يمارسها الرسميّون العرب.

لبنان: المأزق السياسيّ الدائم
أمّا لبنان، فإنّه يقطع المرحلة الصّعبة التي تضجّ بالمشاكل والأزمات على مستوى المنطقة كلّها، بالمزيد من الرّكود على مستوى الدّولة التي تهرب من معالجة أبسط الأمور، تارةً تحت عنوان الاختلاف على تقاسم الجبنة، وأخرى من خلال التباعد بين الخطوط السياسيّة التي تعكس مزيداً من الاختلاف داخل الحكومة، ليتواصل المأزق داخل الدوّامة في بلدٍ يُنتج المزيد من العصبيّة مع كلّ انتخابات، والمزيد من الفشل في حركة الحكومات. والمشكلة الكبرى تكمن في واقع الفقراء والمستضعفين الّذين أكل المتوحّشون السياسيّون حقوقهم، وراهنوا دائماً على الحصول على أصواتهم عند كلّ موسم انتخابي، ويبدو أنّ الشّعب مستعدّ دائماً لخدمة أصحاب النّفوذ والمواقع العصبيّة بعيداً عن مصلحة الوطن الذي يخدم كلّ أبنائه.

ألقى سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:

 

الخطبة الأولى 

ذكرى وفاة النبيّ الأكرم(ص)
يقول الله تعالى في كتابه المجيد مخاطباً رسوله:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}[الزّمر:30]. ويقول أيضاً: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}[الأنبياء:34].

في الثّامن والعشرين من شهر صفر، نلتقي بذكرى وفاة النبيّ محمّد(ص)، الذي انقطع بموته وحيُ السّماء، وفُقِدَ أحد الأمانيْن لأهل الأرض، كما قال تعالى:{وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الأنفال: 33]من وصايا الرّسول(ص)

وقد كان(ص) نوراً كلّه، وخيراً كلّه، ورحمةً كلّه، ورسالةً وخلقاً ليس فوقه خلق. ونحن عندما نقف في ذكرى وفاته، فإنّنا نتذكّر الهمّ الكبير الّذي كان يشغل باله وهو في مرض الموت، ولذلك انطلق ليوصي، لا بمالٍ يورّثه، ولا بدنيا يمنحها أقرباءه، بل بالإسلام الّذي كان كلّ همّه أن لا يضعفه المسلمون بعصبيّاتهم وأحقادهم وجهلهم، ولذلك وقف في حجّة الوداع، في يوم النّحر في مِنى خطيباً، وقال: «أيّها النّاس، إنّ دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا... لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض...".

وقد كان(ص) يعرف من خلال الغيب، أنّ المسلمين سيتقاتلون، وسيختلفون، وسيكفّر بعضهم بعضاً، وسوف يكيد بعضهم لبعض، ولذلك كانت هذه الوصيّة آخر ما أراد للنّاس أن يسمعوه ويعوه، وقد حجّ أكثرهم في تلك الحجّة مع رسول الله.

وفي موقفٍ آخر، وكان عنده في مرضه عددٌ من أقاربه، فالتفت إليهم وقال: «يا بني عبدِ مناف، اعملوا لما عند الله فإنّي لا أغني عنكم من الله شيئاً. يا عبّاس بن عبد المطّلب، يا عمّ رسول الله، اعمل لما عند الله فإنّي لا أغني عنك من الله شيئاً. يا صفيّة بنت عبد المطّلب، يا عمّة رسول الله، اعملي لما عند الله فإنّي لا أغني عنك من الله شيئاً. يا فاطمة بنت محمّد، يا بنت رسول الله، اعملي لما عند الله فإنّي لا أغني عنك من الله شيئاً». وكان يتوجّه إلى المسلمين ليقول: «لا يدّعِ مدّعٍ، ولا يتمنّ متمنٍّ؛ والذي بعثني بالحقّ نبيّاً، لا يُنجي إلا عمل مع رحمة، ولو عصيتُ لهويت».

التمثّل بسيرة النبيّ(ص)


هكذا أيّها الأحبّة، يطلّ علينا رسول الله في يوم ذكراه، ليقول لنا: لقد حملتُ همّ الإسلام، وفتحت لكم به طريق النّور في الحياة، وهو مسؤوليّتكم؛ أن تحفظوه لتحفظوا من خلاله أنفسكم، وأن تعزّوه لتكونوا من خلاله الأمّة العزيزة، وأن تستقيموا عليه، وأن تنطلقوا به في حياتكم الخاصّة والعامّة؛ لأنّ الإسلام هو أساس عزّتكم وقوّتكم ونجاتكم في الدّنيا والآخرة.

والسّلام عليك يا رسول الله، يوم ولدتَ، ويوم ارتفعت روحك إلى الله، ويوم تُبعث حيّاً.

الخطبة الثّانية

فقدان الحياء العربي!
في الأسبوع الماضي، نقل الإعلام مشهد مصافحةٍ بين مسؤولٍ عربيّ وآخر صهيونيّ، في دلالةٍ على عمق السّذاجة العربيّة، حتّى لا نقول التّآمر أو التّخاذل العربي، في مقاربة قضايا الأمّة؛ إذ في الوقت الذي يزيد العدوّ من مستوى تهديداته للواقع العربيّ والإسلاميّ، ويكثّف من توسيع الاستيطان، ويتشدّد في مواقفه تجاه كلّ التزاماته السّابقة، يظهر علينا بين الآونة والأخرى المسؤولون العرب، وحتى الدينيّون منهم، ليصافحوا الأيدي الملطّخة بدماء أهلنا وشعبنا في فلسطين ولبنان وأكثر من موقع من مواقع الأمّة.

لقد فقد الواقع العربيّ الرسميّ ـ مع الأسف ـ كلّ حياء، ولا يزال العرب يبرزون إلى العالم ـ الذي لا يحترم إلا الأقوياء ـ بمظهر الضّعف والانهزام؛ ما يجعلهم غير قادرين على تحقيق أيّ مكسبٍ لشعوبهم التي لو رجعوا إليها، لعرفوا أنّها لا ترضى بأيّ تهاونٍ في حقوقها، فكيف بمن يفرض عليها ـ باسمها ـ الذلّ والهوان أمام العدوّ؟!

انتفاضة جديدة
وربّما لم يعد أمام الشّعب الفلسطيني، إلا إطلاق حركة انتفاضة جديدة تعمل على إخراج القضيّة الفلسطينيّة من أيدي المتآمرين والمتخاذلين الّذين عملوا على بيع القضيّة وتحرّكوا للتحرّر منها والخلاص من كلّ تبعاتها والتزاماتها.

وإنّنا نقول للشّعب الفلسطينيّ: إنّ هؤلاء الذين يخوّفونكم من تبعات أيّ انتفاضة جديدة، هم المسؤولون عن إجهاض حركتكم في السّابق، من خلال الارتهان لأمريكا تارةً، والخضوع للشروط الإسرائيلية أخرى، وحركة هؤلاء هي التي جعلت الاستيطان الصهيوني يتوسّع ويمتد على حساب مقولة الدولة المستقلة، التي لا يمكن أن تبصر النور من خلال سياسة الاستجداء والانهزام التي يمارسها الرسميّون العرب.

لبنان: المأزق السياسيّ الدائم
أمّا لبنان، فإنّه يقطع المرحلة الصّعبة التي تضجّ بالمشاكل والأزمات على مستوى المنطقة كلّها، بالمزيد من الرّكود على مستوى الدّولة التي تهرب من معالجة أبسط الأمور، تارةً تحت عنوان الاختلاف على تقاسم الجبنة، وأخرى من خلال التباعد بين الخطوط السياسيّة التي تعكس مزيداً من الاختلاف داخل الحكومة، ليتواصل المأزق داخل الدوّامة في بلدٍ يُنتج المزيد من العصبيّة مع كلّ انتخابات، والمزيد من الفشل في حركة الحكومات. والمشكلة الكبرى تكمن في واقع الفقراء والمستضعفين الّذين أكل المتوحّشون السياسيّون حقوقهم، وراهنوا دائماً على الحصول على أصواتهم عند كلّ موسم انتخابي، ويبدو أنّ الشّعب مستعدّ دائماً لخدمة أصحاب النّفوذ والمواقع العصبيّة بعيداً عن مصلحة الوطن الذي يخدم كلّ أبنائه.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير