الارتباط بالإمام المهدي(عج) انفتاح على خط العدل في الحياة

الارتباط بالإمام المهدي(عج) انفتاح على خط العدل في الحياة

في رحاب ذكرى الولادة الميمونة:
الارتباط بالإمام المهدي(عج) انفتاح على خط العدل في الحياة


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

موقعه(عج) في خط الرسالة

بالأمس كنا مع إشراقة النور على الزمان كله، فيما نستقبله من الزمان، في ولادة الإمام المهدي(عج) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً. ونحن في هذه الأجواء التي نعيش فيها بركته التي تطل علينا، وتنفذ إلى حياتنا، وتفتح لنا أبواب الهدى، علينا أن نتحمّل مسؤوليتنا لنرتفع إلى المستوى الكبير بحجم دوره في المسؤوليات، فلا نتجمّد في الزوايا الصغيرة، بل ننفتح على العالم كله كما انفتح رسول الله(ص) على العالم كله.

ورسالته(عج) هي رسالة رسول الله (ص)، ودوره هو في خط هذا الدور. ولذلك، فإن مسألة الارتباط به هي مسألة الارتباط بالإسلام في كل عمقه وامتداده، فمن لم يرتبط بالإسلام فعليه أن يعرف أنه لا رابطة بينه وبين الإمام، لأن أئمة أهل البيت(ع) ـ كما هو النبي(ص) ـ لا يريدون للناس أن يرتبطوا بهم ارتباطاً ذاتياً، وإن كانت ذواتهم تجسّد الرسالة، بل أرادوا لهم أن يرتبطوا بهم ارتباطاً رسالياً. ولذلك أعطانا الله تعالى هذا الخط في قوله سبحانه: {ما كان محمدٌ أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}، أي أن علاقتكم به تكون من خلال صفته الرسالية، وقد قال عليّ(ع) في بعض كلماته للذين يريدون أن يرتفعوا ويقربوا للنبي من خلال نسبهم: "إن وليّ محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته، وإن عدوّ محمد من عصى الله وإن قربت قرابته"..

لذلك، فإن الإمام المهدي(عج) يتحرك في عالمنا هذا من موقع الإمامة، والإمامة تمثّل حركة الرسالة من دون نبوة، وعلى هذا الأساس تكون مسألة الإسلام هي في الارتباط بمسألة الإمام(ع). ونحن نقرأ في دعاء الافتتاح: "اللهم اجعله الداعي إلى كتابك والقائم بدينك، اللهم أظهر به دينك وسنّة نبيّك، حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق"، فمهمته هو أن يُظهر الله دينه وسنّة نبيه، وإذا كانت مهمته هي هذه، فمهمتنا نحن أن نعمل على أن نظهر الدين كله ونظهر سنّة رسول الله، ونربط الناس بالإسلام في بيوتنا ونوادينا ومجتمعاتنا وفي كل حياتنا، أن يكون الإسلام بكل عقيدته وشرائعه هو الهم الذي نحمله قبل كل همّ، وأن يكون المسلمون هم الهم الذي يعيش في حياتنا قبل كل هم.

الإيمان به قضية إسلامية

أما قضية الإيمان به، فإنها انطلقت من خلال الصادق المصدّق رسول الله(ص) الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وقد روى عنه المسلمون من السنّة والشيعة: "إني مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، لن تضلوا ما تمسّكتم بهما وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض"، فإننا نستوحي من ذلك أنه ما دام هناك الكتاب فهناك إمام من أهل البيت(ع)، وقد روى السنّة والشيعة عن رسول الله(ص) أنه قال: "الخلفاء اثنا عشر كلهم من قريش"، ولا يمكن أن نجد أن هذا الرقم ينطبق على الخلفاء الراشدين أو على الخلافة الأموية ولا العباسية، ولكننا نجده ينطبق على الأئمة الإثني عشر من أئمة أهل البيت(ع).

وقد ورد أيضا الحديث عن الإمام المهدي(عج) في روايات السنّة والشيعة، بحيث لم يختلفا في مسألته، وإنما اختلفا في أنه هل وُلد أو لم يولد، وإلا فالحديث عن الإمام المهدي هو الحديث المتواتر عن السنّة والشيعة، فهو حقيقة إسلامية وليس مسألة شيعية، حتى أن بعض علماء أهل السنّة ركّز على اسمه وعلى أنه وُلد. وقد ورد في الحديث عن النبي(ص): "لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي"، وفي حديث آخر: "لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله رجلاً اسمه اسمي وخلقه خلقي"، وورد عن "حذيفة" يقول: سمعت رسول الله (ص) يقول: "ويح هذه الأمة من ملوك جبابرة كيف يقتلون ويخيفون المطيعين إلا من أظهر طاعتهم، فالمؤمن التقي يصانعهم بلسانه ويفر منهم بقلبه، فإذا أراد الله عزّ وجلّ أن يعيد الإسلام عزيزاً قصم كل جبار عنيد، وهو القادر على ما يشاء أن يصلح أمة بعد فسادها"، ثم قال (ص): "يا حذيفة، لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم، حتى يملك رجل من أهل بيتي، تجري الملاحم على يديه ويظهر الإسلام، لا يخلف الله وعده وهو سريع الحساب". وعن أبي سعيد الخدري في روايته عن رسول الله(ص) يقول: "لا تنقضي الساعة حتى يملك الأرض رجلٌ من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً"، فالإمام(عج) يؤكد في حركته العالمية على العدل العالمي كله في كل مجالات العالم، لأن الإسلام سوف ينتشر بكل عدله في العالم كله.

أما الحديث عن غيبته وطول عمره، والحديث عن كل ما أُثير من الشبهات، فهو حديثٌ لا يرتكز على أساسٍ متين، لأن غيبته من غيب الله، وظهوره من غيب الله، والله على كل شيءٍ قدير، وإذا كان الله تعالى حدّثنا عن نوح(ع) أنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، فما المانع في قدرة الله أن يتضاعف هذا الرقم، إنه غيبُ الله الذي لم نطّلع عليه، وعلينا أن نؤمن به، لأن الإيمان بالغيب إذا أكده الصادق المصدّق يصبح هو من أصول العقيدة الإسلامية.

رسالتـه العـدل

ما نريد أن نثيره في هذا اللقاء، هو أن رسالة الإمام (عج) في العالم هو أن يملأ العالم عدلاً، ومعنى ذلك أن حركته هي حركة العدل، وهي حركة النبوات كلها، وقد قال الله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}، فالله أرسل كل الرسل وأنزل كل الكتب ووضع كل الموازين من أجل قيام الناس بالعدل، فالعدل هو القاعدة التي انطلقت منها الرسالات، والإمام(عج) يتحرك في خط الرسالات من أجل أن يطبق في لحظة من الزمن ـ وهي المرحلة الأخيرة من المراحل التي يعيشها هذا العالم ـ ما لم يتمكّن الأنبياء بحسب ظروفهم أن يطبقوه، وهو العدل في العالم كله، بأن يقوم الناس كلهم بالقسط.

لهذا، لا بدّ لنا إذا أردنا أن نكون من أنصاره وجنوده أن نأخذ بالعدل كله، أن نأخذ بالعدل في أنفسنا لنقوم بالعدل مع الله، لنعطي الله حقه في أن نوحده ولا نشرك به شيئاً، ونطيعه ولا نعصيه، ونعبده ولا نعبد غيره، وأن نتحرك في الحياة ليكون العدل هو الخلق الذي يتميّز به المسلم، سواء كان العدل مع القريب أو البعيد.. اعدلوا حتى مع أعدائكم إذا كان لأعدائكم حق عليكم، فالعدل لا يعرف فرقاً بين دين ودين، اعدلوا مع كل الناس إذا كان للناس حق عندكم، لا تظلموا أحداً سواء كان هذا الإنسان مسلماً أو غير مسلم، لأن الله تعالى لا يريد أن يُظلم أحد في العالم حتى لو كان كافراً.

ومن الطبيعي أن من شروط العدل أن نكون مع العادلين، فلا يكفي أن نرفع العدل شعاراً سياسياً نطلقه في أوضاعنا السياسية، بل لا بدّ أن نعيش العدل في أنفسنا، ومن لم يعدل مع أهله وأولاده وجيرانه ومع الناس الذين يبايعهم ويشاريهم لا يمكن أن يعدل في الأمة كلها، لأن الظلم الصغير يعدّ الإنسان للظلم الكبير، هؤلاء الظالمون الذين يسيطرون على العالم تعلّموا الظلم في بيوتهم، عندما يرون أن الأب يظلم الأم، وأن الأولاد يظلمون أباهم، لقد تعلموا الظلم الصغير، وعندما هُيئت لهم الظروف التي يحكمون فيها تحركوا في خط الظلم الكبير.

لذلك، أن تكونوا من جنوده وأنصاره وشيعته، هو أن تعيشوا العدل في أنفسكم وبيوتكم، أن لا تكون العلاقة بينكم وبين الآخرين علاقة قوة تريد أن تسيطر على الضعف، وقد ورد عن الإمام عليّ (ع): "الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه"، وقد ورد عن النبي(ص) وهو يذكر لنا أن السبب في سقوط الحضارات والمجتمعات، هو هذا التمييز الطبقي بين الغني والفقير، وبين الشريف والوضيع، فيقول: "إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد"، القانون ضد الضعفاء، لو فرضنا أن فقيراً لم يدفع الضريبة تأتي كل البلديات والوزارات لتبيع له فراشه وأثاثه، لأنهم يريدون أن يطبقوا القانون، أما الشركات الكبرى والمسؤولون الكبار فلا يدفعون ضريبة، بل يأكلون ما يدفعه الفقراء من الضرائب، ولا يملك أحد أن يطالبهم، ولو طالبهم أحد لخُلقت في البلد مشكلة سياسية، حتى أن الناس الفقراء يثأرون لهم على أساس أن فلاناً أبو الطائفة وزعيم العشيرة، لأن الفقراء اختزنوا في أنفسهم العبودية لهؤلاء، ولذلك هم الذين سلّطوا هؤلاء على أنفسهم، لأننا نتّبعهم ونتقاتل باسمهم ولا نجرؤ على أن نجابههم بالحقيقة وأن ننقدهم، فهل نقول: "كما تكونون يولّى عليكم"؟؟

يـوم العـدل

لذلك، هذا اليوم ـ يوم الإمام (عج) ـ هو يوم العدل، وإذا أردتم أن تكونوا معه وتريدون أن تنتظروه، فلا تنتظروه وأنتم تظلمون بعضكم بعضاً، لأن الذين يعيشون الظلم هم في الموقف المقابل، فلا تكن قلوبنا معه وسيوفنا تتوجه إليه، عندما تريد أن تصنّف نفسك في أيّ موقع اعرف رسالة الموقع، وموقع الإمام (عج) هو موقع العدل وموقف الآخرين من أعدائه هو موقع الظلم، فانشروا العدل في بيوتكم ونواديكم وأحزابكم ومنظماتكم وأسواقكم وأوطانكم، وبعد ذلك يمكن أن تقولوا: "اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة ـ وهي دولته (عج) ـ تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة".. اللهم أرنا الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة، واجعلنا من أتباعه والسائرين على نهجه والعاملين برسالته وعدله، إنك أنت أرحم الراحمين.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

عباد الله.. اتقوا الله وتحركوا في خط العدل كله، ومن العدل أن نقف ضد المستكبرين في أيّ مكان كانوا، سواء تمثلوا في فرد مستكبر أو جماعة مستكبرة أو في دولة مستكبرة، أو في محور دولي مستكبر، لأن الله تعالى الذي رفض إبليس وأخرجه من رحمته لاستكباره، لا يحب المستكبرين، ولا يريد للناس إذا آمنوا به وعبدوه أن يؤيدوا المستكبرين، فعلى الناس أن يكونوا مع المستضعفين، يعملون على تقوية مواقعهم ومواقفهم وفكرهم، لأن ذلك هو الذي يعطي العدل قوته ويسقط الظلم، ولا سيما أن العالم يتحرك في هذه المرحلة من خلال السير مع المستكبرين في كل طغيانهم ومصادرتهم للشعوب المستضعفة، ولا سيما أنهم عندما يصابون بأيّ مصيبة، فإنهم يريدون للعالم أن ينطلق معهم ليحارب من حاربوا حتى لو لم تكن الحرب مبررة شرعاً وقانوناً وحضارة وإنسانية، وأن يسالم من سالموا حتى لو كانوا من الظالمين والطغاة. ولذلك لا بدّ للإنسان أن يحدد موقفه، ليرفض المنكر بأي أسلوب يملكه، فتعالوا لنرى ماذا هناك ونحدد الموقف.

أمريكا وإسرائيل.. توزع الأدوار

التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي يتوزّع الأدوار، فإسرائيل تغتال النشطين الفلسطينيين المجاهدين بمختلف الأسلحة، وتحتل مناطق السلطة الفلسطينية، وتستمر في حصارها الغذائي والدوائي والجغرافي، وفي تدمير البنية التحتية للشعب الفلسطيني، وفي قتل الأطفال والنساء والشيوخ كما لو كانوا حقل تجارب للأسلحة الأمريكية لدى إسرائيل..

ويحتجّ وزير الخارجية الأمريكي على بعض الممارسات الإسرائيلية، لا سيما احتلال مناطق "أ"، ويطالب إسرائيل بالانسحاب، ولكنها ترفض وتخضع أمريكا للرفض وتدعو "شارون" لزيارتها، ولكنه يتدلّل كما هو دلال الحبيب على الحبيب!! ويتداول مجلس الأمن حول الشكوى الفلسطينية والرفض الصهيوني للانسحاب، ويحار هل يصدر بياناً لا قيمة له من حيث الضغط التنفيذي، أو قراراً يملك بعض القوة، وتعترض أمريكا على إصدار القرار، لأنها لا تريد لمجلس الأمن الدولي الذي تسيطر عليه أن يدين إسرائيل بشكل قويّ؟!

وتتوالى زيارات رؤساء الدول الأوروبية أو وزراء خارجيتها، من إيطاليا إلى إسبانيا إلى بريطانيا، ليتحدثوا عن السلام وعن حق الفلسطينيين في إقامة الدولة، وفي ضرورة نبذ العنف، وفي تفهّم حاجة إسرائيل إلى الدفاع عن مواطنيها ـ على حدّ تعبيرهم ـ من دون أن يتجرأوا على مطالبة إسرائيل بالمبادرة إلى الانسحاب ورفع الحصار والكف عن اغتيال الكوادر الفلسطينية الصادر بقرار حكومي، لأنهم يتحفّظون من تسجيل الموقف ضدها.. أما العرب والفلسطينيون فيقدّم الأوروبيون لهم كلمات المجاملة، لأنهم لا يمـلكـون أيّ شيء في المسألة الفلسطينية إلا بمقدار ما تمنحهم أمريكا ـ ومعها إسرائيل ـ من فرصة.. وليس هناك قرار أمريكي للقيام بأيّ مبادرة سياسية في المرحلة الحاضرة وما بعدها، لأنها تسلط اهتماماتها على محاربة ما تسميه الإرهاب، الذي يحمل هوية فلسطينية أو عربية أو إسلامية، ولكنه لا يحمل هوية إسرائيلية، لأن إسرائيل ـ بالنسبة إلى أمريكا ـ ضحية "الإرهاب" الفلسطيني الذي تواجهه في نطاق الدفاع عن النفس؟!

محاولات لإنقاذ إسرائيل من المأزق

إنه الخداع الأمريكي ـ الأوروبي الذي انضم إليه ـ أخيراً ـ حديث "شارون" عن السلام والمفاوضات، ولكن بشرط إيقاف الانتفاضة الذي يسلب كل الأوراق من المفاوضات. ولهذا، فإن على الفلسطينيين أن لا يُلدغوا من جحر هذه الأساليب الخادعة في هذه المرحلة، بعدما لُدغوا منها آلاف المرّات.. إن الهدف من كل هذه المظاهرة الأمريكية ـ الأوروبية ـ الإسرائيلية، التي قد تنضم إليها في الخفاء دول عربية وإسلامية، هو إنقاذ إسرائيل من المأزق الذي تتخبط فيه، وإنقاذ بعض الدول العربية والإسلامية من الأزمات الشعبية التي انساقت للدخول في التحالف الدولي لمحاربة ما يُسمّى بالإرهاب.

إننا نقول للفلسطينيين: تابعوا الضغط ليتّسع المأزق الصهيوني، فإن خلاصكم في حركة التحرير متوقف على استمرار الانتفاضة التي كبرت ونمت وبلغت سنّ الرشد، فلا تقتلوها بالألاعيب السياسية والأمنية التي قد تربك الوحدة الوطنية التي تمثّل وحدة القوى الوطنية والإسلامية.

المأساة في أفغانستان

وكما هو الحال في فلسطين، هو الحال في أفغانستان، فأمريكا تتبع أسلوب إسرائيل في عملية القصف والتدمير وقتل المدنيين وإحراق مخازن التموين، وإلقاء القنابل على المستشفيات بحجة الدفاع عن النفس ضد ما تسميه الإرهاب.. إنه إرهاب الدولة هنا وهناك تحت مظلة الصمت الدولي حتى في الساحة العربية والإسلامية، لأنهم لا يملكون الاعتراض القوي على أمريكا في حربها أو في دعمها لحرب إسرائيل ضد الفلسطينيين..

وتتنوّع المأساة في أفغانستان، من قرية إلى قرية، ومن موقع مدني إلى موقع مدني آخر، ومن تهجير إلى تهجير، والمنظمات الإنسانية تصرخ: أوقفوا هذه الحرب ولو على سبيل الهدنة، لأن الملايين من الأفغان قد يموتون جوعاً، وأمريكا ـ ومعها التحالف الدولي ـ لا تجيب، لأن هؤلاء الناس لا يملكون عند أمريكا صفة الإنسانية، فهم عندها كالحشرات التي تحتاج إلى إبادة حتى لا تزعج المستكبرين؟؟

ونسمع بين وقت وآخر أن بعض الدول الإسلامية المتحالفة مع أمريكا ـ كتركيا والباكستان ـ أو بعض الأفغانيين يقاتلون مع أمريكا التي تقتل المسلمين من دون تمييز، من دون أن يرتفع صوت إسلامي قويّ رافض لهذه الحرب المجنونة التي بدأت تدخل معها أمريكا في المأزق، لأنها الحرب التي قد لا تنتهي، ومن الصعب أن تحقق فيها الانتصار، إلا إذا كانت أمريكا تعتبر أن قتل الشعب الأفغاني الجائع المدمَّر المستضعف انتصاراً؟!

وفي هذا الجانب، فإن أيّ محاولة لاعتبار الصراع في هذه الحرب بين الإسلام والمسيحية، أو بين المسلمين والمسيحيين، هي محاولة خبيثة غير واقعية. ولذلك، فإننا نرفض الهجوم الذي تعرّضت له كنيسة في باكستان، ما أدى إلى قتل بعض المصلّين وجرح البعض الآخر، كما نرفض الهجوم الأمريكي على المساجد والمصلّين في أفغانستان.. إن أمريكا لا تمثّل المسيحية، فنحن نعلم أن بعض المسيحيين ينكرون على أمريكا هذه الحرب العدوانية، في الوقت الذي يبررها بعض المسلمين.. إنها حرب المستكبرين ضد المستضعفين، من خلال المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية.

أين نحن من حصة الوطن؟!

ونصل إلى لبنان الذي دخل في لعبة المحاصصة في قضية التعيينات، ولا سيما في تعيين عمداء الجامعة اللبنانية، رعايةً لهذا المسؤول أو ذاك المسؤول، بعيداً عن حصة الشعب الباحث عن الكفاءات وعن الأمناء الصادقين، وعن حصة الوطن الذي يريد أن يرتفع إلى المستوى الحضاري في السياسة والإدارة والتعليم والتخطيط، بعيداً عن أية حالة تخلّف أو عصبية طائفية أو مذهبية..

أيها المسؤولون: إن لبنان بلد الجمال، فلماذا تفرضون عليه كل هذا القبح والتشويه؟؟ إن لبنان كان بلد الإشعاع فلماذا تغرقونه في الظلام؟؟ إن لبنان كان بلد الإنسان فلماذا تصادرون في الإنسان إنسانيته؟؟ إن لبنان كان بلد الحرية فلماذا تعملون على أن تجعلوه يرزح تحت ألف قيدٍ وقيد؟؟ إننا نحلم بالهواء النقي، والينبوع الصافي، والصحو المبدع، وعلى اللبنانيين أن يعملوا من أجل تحويل هذه الأحلام إلى واقع.

في رحاب ذكرى الولادة الميمونة:
الارتباط بالإمام المهدي(عج) انفتاح على خط العدل في الحياة


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

موقعه(عج) في خط الرسالة

بالأمس كنا مع إشراقة النور على الزمان كله، فيما نستقبله من الزمان، في ولادة الإمام المهدي(عج) الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً. ونحن في هذه الأجواء التي نعيش فيها بركته التي تطل علينا، وتنفذ إلى حياتنا، وتفتح لنا أبواب الهدى، علينا أن نتحمّل مسؤوليتنا لنرتفع إلى المستوى الكبير بحجم دوره في المسؤوليات، فلا نتجمّد في الزوايا الصغيرة، بل ننفتح على العالم كله كما انفتح رسول الله(ص) على العالم كله.

ورسالته(عج) هي رسالة رسول الله (ص)، ودوره هو في خط هذا الدور. ولذلك، فإن مسألة الارتباط به هي مسألة الارتباط بالإسلام في كل عمقه وامتداده، فمن لم يرتبط بالإسلام فعليه أن يعرف أنه لا رابطة بينه وبين الإمام، لأن أئمة أهل البيت(ع) ـ كما هو النبي(ص) ـ لا يريدون للناس أن يرتبطوا بهم ارتباطاً ذاتياً، وإن كانت ذواتهم تجسّد الرسالة، بل أرادوا لهم أن يرتبطوا بهم ارتباطاً رسالياً. ولذلك أعطانا الله تعالى هذا الخط في قوله سبحانه: {ما كان محمدٌ أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}، أي أن علاقتكم به تكون من خلال صفته الرسالية، وقد قال عليّ(ع) في بعض كلماته للذين يريدون أن يرتفعوا ويقربوا للنبي من خلال نسبهم: "إن وليّ محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته، وإن عدوّ محمد من عصى الله وإن قربت قرابته"..

لذلك، فإن الإمام المهدي(عج) يتحرك في عالمنا هذا من موقع الإمامة، والإمامة تمثّل حركة الرسالة من دون نبوة، وعلى هذا الأساس تكون مسألة الإسلام هي في الارتباط بمسألة الإمام(ع). ونحن نقرأ في دعاء الافتتاح: "اللهم اجعله الداعي إلى كتابك والقائم بدينك، اللهم أظهر به دينك وسنّة نبيّك، حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق"، فمهمته هو أن يُظهر الله دينه وسنّة نبيه، وإذا كانت مهمته هي هذه، فمهمتنا نحن أن نعمل على أن نظهر الدين كله ونظهر سنّة رسول الله، ونربط الناس بالإسلام في بيوتنا ونوادينا ومجتمعاتنا وفي كل حياتنا، أن يكون الإسلام بكل عقيدته وشرائعه هو الهم الذي نحمله قبل كل همّ، وأن يكون المسلمون هم الهم الذي يعيش في حياتنا قبل كل هم.

الإيمان به قضية إسلامية

أما قضية الإيمان به، فإنها انطلقت من خلال الصادق المصدّق رسول الله(ص) الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وقد روى عنه المسلمون من السنّة والشيعة: "إني مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، لن تضلوا ما تمسّكتم بهما وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض"، فإننا نستوحي من ذلك أنه ما دام هناك الكتاب فهناك إمام من أهل البيت(ع)، وقد روى السنّة والشيعة عن رسول الله(ص) أنه قال: "الخلفاء اثنا عشر كلهم من قريش"، ولا يمكن أن نجد أن هذا الرقم ينطبق على الخلفاء الراشدين أو على الخلافة الأموية ولا العباسية، ولكننا نجده ينطبق على الأئمة الإثني عشر من أئمة أهل البيت(ع).

وقد ورد أيضا الحديث عن الإمام المهدي(عج) في روايات السنّة والشيعة، بحيث لم يختلفا في مسألته، وإنما اختلفا في أنه هل وُلد أو لم يولد، وإلا فالحديث عن الإمام المهدي هو الحديث المتواتر عن السنّة والشيعة، فهو حقيقة إسلامية وليس مسألة شيعية، حتى أن بعض علماء أهل السنّة ركّز على اسمه وعلى أنه وُلد. وقد ورد في الحديث عن النبي(ص): "لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي"، وفي حديث آخر: "لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله رجلاً اسمه اسمي وخلقه خلقي"، وورد عن "حذيفة" يقول: سمعت رسول الله (ص) يقول: "ويح هذه الأمة من ملوك جبابرة كيف يقتلون ويخيفون المطيعين إلا من أظهر طاعتهم، فالمؤمن التقي يصانعهم بلسانه ويفر منهم بقلبه، فإذا أراد الله عزّ وجلّ أن يعيد الإسلام عزيزاً قصم كل جبار عنيد، وهو القادر على ما يشاء أن يصلح أمة بعد فسادها"، ثم قال (ص): "يا حذيفة، لو لم يبقَ من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم، حتى يملك رجل من أهل بيتي، تجري الملاحم على يديه ويظهر الإسلام، لا يخلف الله وعده وهو سريع الحساب". وعن أبي سعيد الخدري في روايته عن رسول الله(ص) يقول: "لا تنقضي الساعة حتى يملك الأرض رجلٌ من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً"، فالإمام(عج) يؤكد في حركته العالمية على العدل العالمي كله في كل مجالات العالم، لأن الإسلام سوف ينتشر بكل عدله في العالم كله.

أما الحديث عن غيبته وطول عمره، والحديث عن كل ما أُثير من الشبهات، فهو حديثٌ لا يرتكز على أساسٍ متين، لأن غيبته من غيب الله، وظهوره من غيب الله، والله على كل شيءٍ قدير، وإذا كان الله تعالى حدّثنا عن نوح(ع) أنه لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، فما المانع في قدرة الله أن يتضاعف هذا الرقم، إنه غيبُ الله الذي لم نطّلع عليه، وعلينا أن نؤمن به، لأن الإيمان بالغيب إذا أكده الصادق المصدّق يصبح هو من أصول العقيدة الإسلامية.

رسالتـه العـدل

ما نريد أن نثيره في هذا اللقاء، هو أن رسالة الإمام (عج) في العالم هو أن يملأ العالم عدلاً، ومعنى ذلك أن حركته هي حركة العدل، وهي حركة النبوات كلها، وقد قال الله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}، فالله أرسل كل الرسل وأنزل كل الكتب ووضع كل الموازين من أجل قيام الناس بالعدل، فالعدل هو القاعدة التي انطلقت منها الرسالات، والإمام(عج) يتحرك في خط الرسالات من أجل أن يطبق في لحظة من الزمن ـ وهي المرحلة الأخيرة من المراحل التي يعيشها هذا العالم ـ ما لم يتمكّن الأنبياء بحسب ظروفهم أن يطبقوه، وهو العدل في العالم كله، بأن يقوم الناس كلهم بالقسط.

لهذا، لا بدّ لنا إذا أردنا أن نكون من أنصاره وجنوده أن نأخذ بالعدل كله، أن نأخذ بالعدل في أنفسنا لنقوم بالعدل مع الله، لنعطي الله حقه في أن نوحده ولا نشرك به شيئاً، ونطيعه ولا نعصيه، ونعبده ولا نعبد غيره، وأن نتحرك في الحياة ليكون العدل هو الخلق الذي يتميّز به المسلم، سواء كان العدل مع القريب أو البعيد.. اعدلوا حتى مع أعدائكم إذا كان لأعدائكم حق عليكم، فالعدل لا يعرف فرقاً بين دين ودين، اعدلوا مع كل الناس إذا كان للناس حق عندكم، لا تظلموا أحداً سواء كان هذا الإنسان مسلماً أو غير مسلم، لأن الله تعالى لا يريد أن يُظلم أحد في العالم حتى لو كان كافراً.

ومن الطبيعي أن من شروط العدل أن نكون مع العادلين، فلا يكفي أن نرفع العدل شعاراً سياسياً نطلقه في أوضاعنا السياسية، بل لا بدّ أن نعيش العدل في أنفسنا، ومن لم يعدل مع أهله وأولاده وجيرانه ومع الناس الذين يبايعهم ويشاريهم لا يمكن أن يعدل في الأمة كلها، لأن الظلم الصغير يعدّ الإنسان للظلم الكبير، هؤلاء الظالمون الذين يسيطرون على العالم تعلّموا الظلم في بيوتهم، عندما يرون أن الأب يظلم الأم، وأن الأولاد يظلمون أباهم، لقد تعلموا الظلم الصغير، وعندما هُيئت لهم الظروف التي يحكمون فيها تحركوا في خط الظلم الكبير.

لذلك، أن تكونوا من جنوده وأنصاره وشيعته، هو أن تعيشوا العدل في أنفسكم وبيوتكم، أن لا تكون العلاقة بينكم وبين الآخرين علاقة قوة تريد أن تسيطر على الضعف، وقد ورد عن الإمام عليّ (ع): "الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه"، وقد ورد عن النبي(ص) وهو يذكر لنا أن السبب في سقوط الحضارات والمجتمعات، هو هذا التمييز الطبقي بين الغني والفقير، وبين الشريف والوضيع، فيقول: "إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد"، القانون ضد الضعفاء، لو فرضنا أن فقيراً لم يدفع الضريبة تأتي كل البلديات والوزارات لتبيع له فراشه وأثاثه، لأنهم يريدون أن يطبقوا القانون، أما الشركات الكبرى والمسؤولون الكبار فلا يدفعون ضريبة، بل يأكلون ما يدفعه الفقراء من الضرائب، ولا يملك أحد أن يطالبهم، ولو طالبهم أحد لخُلقت في البلد مشكلة سياسية، حتى أن الناس الفقراء يثأرون لهم على أساس أن فلاناً أبو الطائفة وزعيم العشيرة، لأن الفقراء اختزنوا في أنفسهم العبودية لهؤلاء، ولذلك هم الذين سلّطوا هؤلاء على أنفسهم، لأننا نتّبعهم ونتقاتل باسمهم ولا نجرؤ على أن نجابههم بالحقيقة وأن ننقدهم، فهل نقول: "كما تكونون يولّى عليكم"؟؟

يـوم العـدل

لذلك، هذا اليوم ـ يوم الإمام (عج) ـ هو يوم العدل، وإذا أردتم أن تكونوا معه وتريدون أن تنتظروه، فلا تنتظروه وأنتم تظلمون بعضكم بعضاً، لأن الذين يعيشون الظلم هم في الموقف المقابل، فلا تكن قلوبنا معه وسيوفنا تتوجه إليه، عندما تريد أن تصنّف نفسك في أيّ موقع اعرف رسالة الموقع، وموقع الإمام (عج) هو موقع العدل وموقف الآخرين من أعدائه هو موقع الظلم، فانشروا العدل في بيوتكم ونواديكم وأحزابكم ومنظماتكم وأسواقكم وأوطانكم، وبعد ذلك يمكن أن تقولوا: "اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة ـ وهي دولته (عج) ـ تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة".. اللهم أرنا الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة، واجعلنا من أتباعه والسائرين على نهجه والعاملين برسالته وعدله، إنك أنت أرحم الراحمين.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

عباد الله.. اتقوا الله وتحركوا في خط العدل كله، ومن العدل أن نقف ضد المستكبرين في أيّ مكان كانوا، سواء تمثلوا في فرد مستكبر أو جماعة مستكبرة أو في دولة مستكبرة، أو في محور دولي مستكبر، لأن الله تعالى الذي رفض إبليس وأخرجه من رحمته لاستكباره، لا يحب المستكبرين، ولا يريد للناس إذا آمنوا به وعبدوه أن يؤيدوا المستكبرين، فعلى الناس أن يكونوا مع المستضعفين، يعملون على تقوية مواقعهم ومواقفهم وفكرهم، لأن ذلك هو الذي يعطي العدل قوته ويسقط الظلم، ولا سيما أن العالم يتحرك في هذه المرحلة من خلال السير مع المستكبرين في كل طغيانهم ومصادرتهم للشعوب المستضعفة، ولا سيما أنهم عندما يصابون بأيّ مصيبة، فإنهم يريدون للعالم أن ينطلق معهم ليحارب من حاربوا حتى لو لم تكن الحرب مبررة شرعاً وقانوناً وحضارة وإنسانية، وأن يسالم من سالموا حتى لو كانوا من الظالمين والطغاة. ولذلك لا بدّ للإنسان أن يحدد موقفه، ليرفض المنكر بأي أسلوب يملكه، فتعالوا لنرى ماذا هناك ونحدد الموقف.

أمريكا وإسرائيل.. توزع الأدوار

التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي يتوزّع الأدوار، فإسرائيل تغتال النشطين الفلسطينيين المجاهدين بمختلف الأسلحة، وتحتل مناطق السلطة الفلسطينية، وتستمر في حصارها الغذائي والدوائي والجغرافي، وفي تدمير البنية التحتية للشعب الفلسطيني، وفي قتل الأطفال والنساء والشيوخ كما لو كانوا حقل تجارب للأسلحة الأمريكية لدى إسرائيل..

ويحتجّ وزير الخارجية الأمريكي على بعض الممارسات الإسرائيلية، لا سيما احتلال مناطق "أ"، ويطالب إسرائيل بالانسحاب، ولكنها ترفض وتخضع أمريكا للرفض وتدعو "شارون" لزيارتها، ولكنه يتدلّل كما هو دلال الحبيب على الحبيب!! ويتداول مجلس الأمن حول الشكوى الفلسطينية والرفض الصهيوني للانسحاب، ويحار هل يصدر بياناً لا قيمة له من حيث الضغط التنفيذي، أو قراراً يملك بعض القوة، وتعترض أمريكا على إصدار القرار، لأنها لا تريد لمجلس الأمن الدولي الذي تسيطر عليه أن يدين إسرائيل بشكل قويّ؟!

وتتوالى زيارات رؤساء الدول الأوروبية أو وزراء خارجيتها، من إيطاليا إلى إسبانيا إلى بريطانيا، ليتحدثوا عن السلام وعن حق الفلسطينيين في إقامة الدولة، وفي ضرورة نبذ العنف، وفي تفهّم حاجة إسرائيل إلى الدفاع عن مواطنيها ـ على حدّ تعبيرهم ـ من دون أن يتجرأوا على مطالبة إسرائيل بالمبادرة إلى الانسحاب ورفع الحصار والكف عن اغتيال الكوادر الفلسطينية الصادر بقرار حكومي، لأنهم يتحفّظون من تسجيل الموقف ضدها.. أما العرب والفلسطينيون فيقدّم الأوروبيون لهم كلمات المجاملة، لأنهم لا يمـلكـون أيّ شيء في المسألة الفلسطينية إلا بمقدار ما تمنحهم أمريكا ـ ومعها إسرائيل ـ من فرصة.. وليس هناك قرار أمريكي للقيام بأيّ مبادرة سياسية في المرحلة الحاضرة وما بعدها، لأنها تسلط اهتماماتها على محاربة ما تسميه الإرهاب، الذي يحمل هوية فلسطينية أو عربية أو إسلامية، ولكنه لا يحمل هوية إسرائيلية، لأن إسرائيل ـ بالنسبة إلى أمريكا ـ ضحية "الإرهاب" الفلسطيني الذي تواجهه في نطاق الدفاع عن النفس؟!

محاولات لإنقاذ إسرائيل من المأزق

إنه الخداع الأمريكي ـ الأوروبي الذي انضم إليه ـ أخيراً ـ حديث "شارون" عن السلام والمفاوضات، ولكن بشرط إيقاف الانتفاضة الذي يسلب كل الأوراق من المفاوضات. ولهذا، فإن على الفلسطينيين أن لا يُلدغوا من جحر هذه الأساليب الخادعة في هذه المرحلة، بعدما لُدغوا منها آلاف المرّات.. إن الهدف من كل هذه المظاهرة الأمريكية ـ الأوروبية ـ الإسرائيلية، التي قد تنضم إليها في الخفاء دول عربية وإسلامية، هو إنقاذ إسرائيل من المأزق الذي تتخبط فيه، وإنقاذ بعض الدول العربية والإسلامية من الأزمات الشعبية التي انساقت للدخول في التحالف الدولي لمحاربة ما يُسمّى بالإرهاب.

إننا نقول للفلسطينيين: تابعوا الضغط ليتّسع المأزق الصهيوني، فإن خلاصكم في حركة التحرير متوقف على استمرار الانتفاضة التي كبرت ونمت وبلغت سنّ الرشد، فلا تقتلوها بالألاعيب السياسية والأمنية التي قد تربك الوحدة الوطنية التي تمثّل وحدة القوى الوطنية والإسلامية.

المأساة في أفغانستان

وكما هو الحال في فلسطين، هو الحال في أفغانستان، فأمريكا تتبع أسلوب إسرائيل في عملية القصف والتدمير وقتل المدنيين وإحراق مخازن التموين، وإلقاء القنابل على المستشفيات بحجة الدفاع عن النفس ضد ما تسميه الإرهاب.. إنه إرهاب الدولة هنا وهناك تحت مظلة الصمت الدولي حتى في الساحة العربية والإسلامية، لأنهم لا يملكون الاعتراض القوي على أمريكا في حربها أو في دعمها لحرب إسرائيل ضد الفلسطينيين..

وتتنوّع المأساة في أفغانستان، من قرية إلى قرية، ومن موقع مدني إلى موقع مدني آخر، ومن تهجير إلى تهجير، والمنظمات الإنسانية تصرخ: أوقفوا هذه الحرب ولو على سبيل الهدنة، لأن الملايين من الأفغان قد يموتون جوعاً، وأمريكا ـ ومعها التحالف الدولي ـ لا تجيب، لأن هؤلاء الناس لا يملكون عند أمريكا صفة الإنسانية، فهم عندها كالحشرات التي تحتاج إلى إبادة حتى لا تزعج المستكبرين؟؟

ونسمع بين وقت وآخر أن بعض الدول الإسلامية المتحالفة مع أمريكا ـ كتركيا والباكستان ـ أو بعض الأفغانيين يقاتلون مع أمريكا التي تقتل المسلمين من دون تمييز، من دون أن يرتفع صوت إسلامي قويّ رافض لهذه الحرب المجنونة التي بدأت تدخل معها أمريكا في المأزق، لأنها الحرب التي قد لا تنتهي، ومن الصعب أن تحقق فيها الانتصار، إلا إذا كانت أمريكا تعتبر أن قتل الشعب الأفغاني الجائع المدمَّر المستضعف انتصاراً؟!

وفي هذا الجانب، فإن أيّ محاولة لاعتبار الصراع في هذه الحرب بين الإسلام والمسيحية، أو بين المسلمين والمسيحيين، هي محاولة خبيثة غير واقعية. ولذلك، فإننا نرفض الهجوم الذي تعرّضت له كنيسة في باكستان، ما أدى إلى قتل بعض المصلّين وجرح البعض الآخر، كما نرفض الهجوم الأمريكي على المساجد والمصلّين في أفغانستان.. إن أمريكا لا تمثّل المسيحية، فنحن نعلم أن بعض المسيحيين ينكرون على أمريكا هذه الحرب العدوانية، في الوقت الذي يبررها بعض المسلمين.. إنها حرب المستكبرين ضد المستضعفين، من خلال المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية.

أين نحن من حصة الوطن؟!

ونصل إلى لبنان الذي دخل في لعبة المحاصصة في قضية التعيينات، ولا سيما في تعيين عمداء الجامعة اللبنانية، رعايةً لهذا المسؤول أو ذاك المسؤول، بعيداً عن حصة الشعب الباحث عن الكفاءات وعن الأمناء الصادقين، وعن حصة الوطن الذي يريد أن يرتفع إلى المستوى الحضاري في السياسة والإدارة والتعليم والتخطيط، بعيداً عن أية حالة تخلّف أو عصبية طائفية أو مذهبية..

أيها المسؤولون: إن لبنان بلد الجمال، فلماذا تفرضون عليه كل هذا القبح والتشويه؟؟ إن لبنان كان بلد الإشعاع فلماذا تغرقونه في الظلام؟؟ إن لبنان كان بلد الإنسان فلماذا تصادرون في الإنسان إنسانيته؟؟ إن لبنان كان بلد الحرية فلماذا تعملون على أن تجعلوه يرزح تحت ألف قيدٍ وقيد؟؟ إننا نحلم بالهواء النقي، والينبوع الصافي، والصحو المبدع، وعلى اللبنانيين أن يعملوا من أجل تحويل هذه الأحلام إلى واقع.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير