لا تستكثروا كثير الخير، ولا تستقلّوا قليل الذنوب

لا تستكثروا كثير الخير، ولا تستقلّوا قليل الذنوب

""


ألقى سماحة آية الله العظمى السيّد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

كاظم الغيظ في خط الرسالة

في الخامس والعشرين من شهر رجب ـ الذي يصادف يوم السبت القادم ـ تمر علينا ذكرى وفاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع). ولا بدّ أن نقف بعض الوقت أمام حياة هذا الإمام الصابر المحتسب الشهيد، الذي عانى الكثير في حياته، وكان كاظم الغيظ يحبس غيظه في خطِّ رسالته، ومن أجل مسؤوليته في إمامته.

الإمام الكاظم (ع) هو الإمام السابع من أئمة أهل البيت (ع)، وقد خلف أباه الإمام جعفر الصادق (ع) في الإمامة، وقد أعطى الإسلام كل ما رزقه الله تعالى من علم ينفتح على كل مواقع المعرفة مما يحتاجه الناس في عقيدتهم وشريعتهم وحركتهم في الحياة، سواء كان ذلك في حياتهم الخاصة أو العامة، في علاقتهم ببعضهم البعض أو في علاقتهم بالحكم، وكان يثقّف الناس بكل ما يدور الخلاف فيه بين المسلمين أنفسهم تبعاً لاختلاف مذاهبهم، ليتعرّفوا الرأي الحق مما يرتكز على القاعدة الإسلامية، وهكذا عندما يثور الجدل بين المسلمين وغير المسلمين.

وكان (ع) يثقّف المسلمين لكي ينـزعوا من قلوبهم حبّ أيّ ظالم يظلم الناس، لأن الإنسان الذي يحبّ الظالمين يكون في قلبه بذرة للظلم يمكن أن تنمو، لأنك إذا كنت تكره الظلم فمن الطبيعي أن تكره كل ظالم، وإذا كنت تحبّ العدل فلا بد لك من أن تحب كل عادل، لأن الإنسان المسلم هو الذي يكون حبّه وبغضه في خط مبادئه، فليس من الطبيعي أن تكره الظلم وتحبّ الظالمين، أو تحبّ العدل وتكره العادلين.

ولعلنا نعيش هذا في حياتنا، فنحن قد نشجّع أن يظلم الإنسان عائلته أو خصمه، أو يظلم ابن غير طائفته أو مذهبه أو حزبه، ولكن المطلوب هو أن تكون العادل حتى مع خصمك، وهذا ما جعل الإمام(ع) يقول لأحد أصحابه وهو "صفوان الجمّال": "كل شيء فيك حسن إلا إكراءك جمالك هذا الرجل ـ ويقصد هارون الرشيد ـ قال يا مولاي إنما أكري جمالي له للسفر إلى مكة، قال: ألا تحب بقاءهم حتى يخرج إليك كراؤك، قال بلى، قال: من أحبّ بقاءهم فهو منهم". هذا في الوقت الذي كان(ع) يشجّع فيه بعض أصحابه على أن يدخلوا في الوظائف الرسمية، من أجل أن يراعوا قضايا الناس المستضعفين لرفع الظلم عنهم.

تحويل الأعداء إلى أصدقاء

كان على درجة خلقية عالية، وما يروى أنه كانت قد وصلته أخبار بأن هناك شخصاً يبغض الإمام ويسبه ويشتمه، حتى ضاق به أصحاب الإمام (ع) للدرجة التي قالوا فيها للإمام: مرنا أن نقتله، ولكن الإمام(ع) كان يمنعهم من ذلك، فركب دابته وانطلق إلى بستان الرجل، فصاح الرجل ـ من خلال حقده ـ : لا تفسد عليّ زرعي، فلم يعتنِ الإمام إلى أن وصل إليه وجلس إلى جانبه، قال: "كم تؤمّل في زرعك"، قال: مائتي دينار، فأعطاه الإمام المال وبدأ يلاطفه ويحدثه بعقل وقلب مفتوحين، ثم ودّعه وخرج مهرولاً إلى المسجد، فعندما دخل الإمام إلى المسجد قال هذا الرجل: الله أعلم حيث يجعل رسالته.

وفي ذلك دلالة على أن الأسلوب الأحسن يحوّل العدوَّ إلى صديق، فعندما تعيش السلبيات والتعقيدات الاجتماعية، فلا بدّ أن تضبط أعصابك وتفتح قلبك وتفتش عن أفضل الأساليب التي تستطيع من خلالها أن تجتذب الآخر إليك، وهذا يحتاج إلى صبر وضغط على الأعصاب وجهاد للنفس، وذلك هو الذي يزرع المحبة في النفوس، وهذا ما نحتاجه في مجتمعاتنا ومواقعنا السياسية والاجتماعية والعشائرية، لأن مشكلتنا هي أننا مجتمع يزرع الحقد في نفوس أصحابه ولا يزرع المحبة.

الكاظم(ع) العلم والقدوة

وكان من ألقاب الإمام الكاظم (ع) العبد الصالح، حتى كان الناس يقولون في كثير من الروايات: سمعت العبد الصالح، وحدّثني العبد الصالح، وهذا ما ينبغي لنا أن نعيشه، فلا يكون لنا أمام الله تعالى أيّ أمر. وكان(ع) يملك الامتداد الشعبي في حياة الأمة الإسلامية حتى خاف منه هارون الرشيد على خلافته، ولذلك صمّم هذا الخليفة على سجنه(ع) ليحجبه عن الناس، فلا يرتبطون به من خلال ما يمنحهم من العلم والقدوة وكل ما يرفع مستواهم، وهذا هو شأن الطغاة في كل زمان ومكان، أنهم لا يهيئون السجون للمجرمين بل للمصلحين والثائرين والعلماء الواعين، لأنهم يخشون أن يتحدّوا ظلهمم وحكمهم.

وقد قضى الإمام (ع) في سجن هارون الرشيد عدَّة سنوات، حتى دسّ اليه السم في سجن "السندي بن شاهك"، الذي حبسه في سرداب لا يعرف فيه الليل من النهار، وقد جاء "السندي" بالعلماء ليشهدوا أنه لم يُضرب بسيف، ولكن الإمام (ع) ـ وهو في حالة الاحتضار ـ أخبرهم بأن السمّ دسّ له في طعامه.

منهجه(ع) تربية وإصلاح

ونحن في هذا الموقف نحب أن نلتقط بعض كلمات الإمام (ع) في الموعظة وبعض الأمور الشرعية: حيث قال: "ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم ـ ادرس في صباحك ومسائك ما فعلته في ليلك ونهارك، ادرس أعمالك هل هي أعمال خير أم أعمال شر ـ فإن عمل خيراً استزاد الله منه ـ يطلب من الله أن يوفقه في المستقبل للخير كما وفقه للخير الذي عمله في هذا اليوم ـ وحمد الله عليه، وإن عمل شراً استغفر الله وتاب إليه"، فعلى الإنسان أن يصفّي حسابه يومياً مع الله، حتى يستقبل الخير في ما يستقبل من أيامه، وذلك بأن يندم على ما اقترف من الذنوب. وفي حديث آخر يقول: "لا تستكثروا كثير الخير ولا تستقلوا قليل الذنوب، فإن قليل الذنوب يجتمع حتى يصير كثيراً، وخافوا الله في السرّ حتى تعطوا من أنفسكم النصف، وسارعوا إلى طاعة الله، وأصدقوا الحديث، وأدّوا الأمانة، فإنما ذلك لكم، ولا تظلموا ولا تدخلوا في ما لا يحلّ لكم فإنما ذلك عليكم".

ونأتي إلى بعض القضايا التي لها جوانب شخصية وأخرى اجتماعية، يقول بعض أصحاب الإمام الكاظم (ع): كنا عند أبي الحسن موسى (ع)، فإذا دنانير مصبوبة بين يديه، فنظر إلى دينار فأخذه بيده وقطّعه نصفين ـ لأنه مزوّر ـ ثم قال لي: "ألقه في البالوعة حتى لا يباع شيء فيه غش"، يعني أن أيّ عملة مزوّرة لا بدّ من إتلافها، لأنك عندما تبقيها قد يتعامل بها الناس ويخسرون أموالهم، وكم نعاني نحن في مجتمعاتنا ممّن يزوّر الدولار بحجة أنه يبيعها للكافرين؟! من الذي أذن لكم أن تأخذوا مال الكافر غير المحارب بالباطل؟ {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم}.

سأل "علي بن جعفر" أخاه الإمام الكاظم (ع) عن المرأة لها أن تعطي من بيت زوجها من غير إذنه؟ فقال (ع): " لا، إلا أن يحللها"، إلا أن يسامحها، إما قبل أن تعطي أو بعد، وإلا كان ذلك حراماً عليها وعلى الذي أخذ. وفي بعض أحاديثه قال لبعض ولده: "إياك والكسل والضجر، فإنهما يمنعانك من حظك من الدنيا والآخرة"، لأنك عندما تكسل وتضجر لا تقوم بمسؤولياتك في الحياة. وعن بعض أصحابه قال: سمعت أبا الحسن الكاظم(ع) يقول: "إن الله يكره العبد البطّال النوّام"، والبطّال هو الذي لا يسعى وراء الرزق ولو تهيأ له العمل.

هذه هي بعض كلمات الإمام الكاظم (ع)، وعلينا أن نأخذ منها ما يحقق لنا كمال أنفسنا واستقامة أمورنا في الحياة، والسلام عليه يوم وُلد ويوم استُشهد ويوم يُبعث حيّاً.

الخطبة الثانية

عباد الله.. اتقوا الله، وليكن العدل هو الخط الذي تتحركون فيه في كل مواقعكم وأموركم ومواقفكم، فإن الله تعالى أراد للناس أن يقوموا بالقسط، لا تؤيدوا ظالماً ولا تبرروا له ظلمه، بل كونوا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً، لأن الحياة إنما ترتكز على العدل بلا حدود، ومن العدل أن تملك الشعوب حريتها في تقرير مصيرها، وأن لا يُحكم على إنسان إلا من خلال الإثباتات الأساسية، وأن لا يتحرك القوي من موقع قوته ضد الضعيف من دون أن يؤكد حقه بالطرق القضائية التي يرتكز عليها الحكم بالعدل.

ونحن الآن في واقع تتحرك فيه حرب تحت عنوان "العدالة بلا حدود"، ولكنها تنطلق من خلال واقع "الظلم بلا حدود"، وهذا هو من قبيل تسميه الشيء بنقيضه، أن تسمي الظلم عدلاً والقبح حسناً، فتعالوا لنتعرّف ماذا هناك مما يحدث في عالمنا الذي يعيش الاهتزاز العسكري والاقتصادي والسياسي والأمني:

أمريكا وحرب الإبادة

تشنّ الولايات المتحدة الأمريكية ـ ومعها الحلف الأطلسي ـ ما يشبه حرب الإبادة والعقاب الجماعي ضد الشعب الأفغاني، باسم "الحرب على الإرهاب" الذي تزعم واشنطن أنه يتمثّل بتنظيم "القاعدة" ورئيسه "أسامة بن لادن"، ولكنها تجرّب آخر ما أنتجته التقنية العسكرية الأمريكية باللحم الحيّ للشعب الأفغاني المستضعف، الذي لا يزال مشرّداً منذ أكثر من عقدين من السنين بفعل الحروب الخارجية والداخلية التي دمّرت اقتصاده وأمنه، وها هي أمريكا تجهز على ما تبقى من قراه وبنيته التحتية بحجة أن حكومة "طالبان" لم تسلّم المتهمين بالإرهاب..

والسؤال: إن أبسط شروط العدالة أن يقدّم الادّعاء الإثباتات على تورط المتّهم بالإجرام والجريمة.. ولم تفعل أمريكا ذلك، بل قدّمت ذلك إلى حلفائها من دون أية محاكمة قضائية ولو غيابياً، فأين هي العدالة في ذلك؟ أن ينطلق المدّعي ليحكم وينفّذ لا ضد المتهم، بل ضد الشعب الذي يسكن في بلده، في الوقت الذي ينكر فيه المتّهمون والمسؤولون في البلد التهمة، ألا يستحق هذا السلوك الأمريكي اسم "إرهاب الدولة"؟

الحرب الأمريكية غير مشروعة

إننا ـ من هذا المنطلق ـ أفتينا بحرمة مساعدة أمريكا في هذه الحرب، لأنها حرب غير مشروعة على جميع المستويات.. وما زالت أمريكا تهدد بالحرب ضد دول أخرى يقيم فيها متّهمون بالإرهاب، بحجة أن كل بلد لا يقف مع أمريكا فهو مع الإرهاب، ويجب أن يُعامل معاملة الإرهابيين، ليُقتل شعبه بما فيه المدنيون؟!

إن أمريكا تؤكد أن ما يصيبها من الاعتداء يفرض على العالم كله أن يحتج عليه، ليقف معها بكل خططها العسكرية والأمنية والاقتصادية، أما الإرهاب الذي يلحق بالشعوب من قِبَل حلفاء أمريكا، ولا سيما الشعب الفلسطيني الذي تحاصره إسرائيل وتدمّر بنيته التحتية وتقتل أطفاله ونساءه وشيوخه وشبابه كل يوم، أما هذا فهو دفاع عن النفس بحسب المنطق الأمريكي، بينما يمثّل دفاع الفلسطينيين عن أنفسهم وبلدهم وحريتهم، ومطالبتهم بإزالة الاحتلال الصهيوني، إرهاباً إجرامياً. ولذلك، لم يستقبل الرئيس الأمريكي المسؤول الفلسطيني، بينما استقبل "شارون" ـ صاحب مجزرة صبرا وشاتيلا ـ أكثر من مرة!! وقد سمعنا الرئيس الأمريكي يتحدث عن الدولة الفلسطينية، ولكن بموافقة إسرائيل التي لا تمنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة، تماماً كما حدث في عهد "كلينتون" الذي كان يضغط على الفلسطينيين للقبول بشروط إسرائيل، وإلا كانوا ضد السلام؟!

الإرهاب يزول بزوال مسبباته

إن الشعوب العربية والإسلامية لا مشكلة لديها مع أمريكا من ناحية ذاتية، بل المشكلة الأم هي في التأييد الأمريكي المطلق وبلا حدود لإسرائيل في كل عدوانها على الشعب الفلسطيني، وعلى المنطقة كلها، حتى أن الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد الفلسطينيين تتحرك بأسلحة أمريكية لا تُستعمل إلا في الحروب الكبيرة.

مضافاً إلى ذلك المشاكل الأخرى في الحصار الأمريكي للعراق، الذي هو حصار للشعب العراقي، وحصارها لليبيا والسودان، لاعتبارات لا تثبت أمام شرعة حقوق الإنسان. إن الحل لدينا هو أن ترجع أمريكا إلى شعاراتها الأولى في حريات الشعوب، وفي حقها في تقرير مصيرها، وفي احترام مصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية، وسترى أنها ستربح صداقة الشعوب العربية والإسلامية، بل شعوب العالم الثالث كله.. وسيزول الإرهاب بزوال مسبباته، وسيقف كل العالم ضد الإرهابيين الذين يعملون على تدمير الحضارة، وتحريك العنف الإجرامي ضد المدنيين.

هل الحرب حقيقة ضد الإرهاب؟!

ثم إننا ما زلنا نسمع أكثر من حديث أن الحرب ليست موجَّهة ضد الإسلام والمسلمين، بل ضد الإرهاب.. ولكننا نلاحظ أن أمريكا وحلفاءها يهددون الدول العربية والإسلامية بين وقت وآخر، كما نلاحظ الحملة العنصرية في الغرب ضد العرب والمسلمين، وربما تتحرك ضد الإسلام كدين في أكثر من موقع إعلامي.. والجميع يعرفون أن الإسلام يقف ضد العدوان الإرهابي، وإذا كان البعض يتحدث عن الجهاد الذي يتحسّس منه الغرب، فإن الإسلام يتحرك بالجهاد من أجل الدفاع عن نفسه، في الوقت الذي يؤكد فيه على اختيار الأسلوب السلمي في حلّ المشاكل بدلاً من أسلوب العنف، ويدعو المسلمين إلى العمل على تحويل أعدائهم إلى أصدقاء، ليحصلوا على صداقة كل الشعوب من دون أيّ تنازل عن دينهم وقضاياهم الحيوية المصيرية. وهذا ما ندعو إليه المسلمين في كل مكان، وهو الوحدة الإسلامية في مواجهة التحدي الاستكباري، وفي دراسة الوسائل التي تجمع بين الدفاع عن النفس وبين الانفتاح على الشعوب بالطرق الحضارية، لنثبت للعالم كله أننا في المستوى العالي من الحضارة التي تلتقي مع حركة الحرية وحركة الحوار مع الآراء الأخرى.

المؤتمرات.. مرتكزات العجز السياسي

وفي جانب آخر، فقد تابعنا أعمال المؤتمرين الإسلامي والعربي، وقرأنا مقرراتهما، فرأينا أنها كانت حبراً على ورق، لأنها لم تؤكد على آلية التنفيذ، ولم تقرر الالتزام بمعاهدة الدفاع المشترك عند الاعتداء على أيّ بلد عربي، ولم تقم بأيّ جهد كبير لمواجهة التحديات التي لا تزال تواجه الشعب الفلسطيني الذي فُرضت عليه العزلة الإعلامية والسياسية، لولا بعض التصريحات الصادرة عن بعض المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين في حديثهم عن إعادة الروح للمفاوضات، ولكن على طريقة الشعارات الاستهلاكية، لا على طريقة الخطة الواقعية.

إن مشكلة المؤتمرات الإسلامية والعربية هي أنها ترتكز على قاعدة العجز السياسي والأمني، لأنها ابتعدت عن القاعدة الشعبية التي تمثلها شعوب العالمين العربي والإسلامي، وهذا ما نلاحظه في الهوّة الفاصلة بين الشعوب وحكوماتها.. أما الحديث عن الرجوع إلى الأمم المتحدة في مسألة الإرهاب، فإنه يبعث على السخرية، لأن مجلس الأمن أصبح تحت هيمنة أمريكا، ما يجعله يلتقي معها في المفهوم والخطة، وفي إعلان الحرب على الشعوب المستضعفة.

أما في لبنان، فإن المرحلة تفرض على اللبنانيين جميعاً الوقوف في خط الوحدة الوطنية، لأن التحديات المستقبلية قد تؤدي إلى أكثر من مشكلة له، والتأكيد على مسألة التحرير مع المقاومة، وعلى حلّ الأمور الداخلية العالقة بالحوار، لأن المستقبل ينذر بالخطر الذي تخطط له الدول المستكبرة، التي تحاول الحصول في هذه المرحلة على ما لم تحصل عليه في الماضي، ولا سيما بما يتصل بمسألة الصراع مع إسرائيل
""


ألقى سماحة آية الله العظمى السيّد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

كاظم الغيظ في خط الرسالة

في الخامس والعشرين من شهر رجب ـ الذي يصادف يوم السبت القادم ـ تمر علينا ذكرى وفاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع). ولا بدّ أن نقف بعض الوقت أمام حياة هذا الإمام الصابر المحتسب الشهيد، الذي عانى الكثير في حياته، وكان كاظم الغيظ يحبس غيظه في خطِّ رسالته، ومن أجل مسؤوليته في إمامته.

الإمام الكاظم (ع) هو الإمام السابع من أئمة أهل البيت (ع)، وقد خلف أباه الإمام جعفر الصادق (ع) في الإمامة، وقد أعطى الإسلام كل ما رزقه الله تعالى من علم ينفتح على كل مواقع المعرفة مما يحتاجه الناس في عقيدتهم وشريعتهم وحركتهم في الحياة، سواء كان ذلك في حياتهم الخاصة أو العامة، في علاقتهم ببعضهم البعض أو في علاقتهم بالحكم، وكان يثقّف الناس بكل ما يدور الخلاف فيه بين المسلمين أنفسهم تبعاً لاختلاف مذاهبهم، ليتعرّفوا الرأي الحق مما يرتكز على القاعدة الإسلامية، وهكذا عندما يثور الجدل بين المسلمين وغير المسلمين.

وكان (ع) يثقّف المسلمين لكي ينـزعوا من قلوبهم حبّ أيّ ظالم يظلم الناس، لأن الإنسان الذي يحبّ الظالمين يكون في قلبه بذرة للظلم يمكن أن تنمو، لأنك إذا كنت تكره الظلم فمن الطبيعي أن تكره كل ظالم، وإذا كنت تحبّ العدل فلا بد لك من أن تحب كل عادل، لأن الإنسان المسلم هو الذي يكون حبّه وبغضه في خط مبادئه، فليس من الطبيعي أن تكره الظلم وتحبّ الظالمين، أو تحبّ العدل وتكره العادلين.

ولعلنا نعيش هذا في حياتنا، فنحن قد نشجّع أن يظلم الإنسان عائلته أو خصمه، أو يظلم ابن غير طائفته أو مذهبه أو حزبه، ولكن المطلوب هو أن تكون العادل حتى مع خصمك، وهذا ما جعل الإمام(ع) يقول لأحد أصحابه وهو "صفوان الجمّال": "كل شيء فيك حسن إلا إكراءك جمالك هذا الرجل ـ ويقصد هارون الرشيد ـ قال يا مولاي إنما أكري جمالي له للسفر إلى مكة، قال: ألا تحب بقاءهم حتى يخرج إليك كراؤك، قال بلى، قال: من أحبّ بقاءهم فهو منهم". هذا في الوقت الذي كان(ع) يشجّع فيه بعض أصحابه على أن يدخلوا في الوظائف الرسمية، من أجل أن يراعوا قضايا الناس المستضعفين لرفع الظلم عنهم.

تحويل الأعداء إلى أصدقاء

كان على درجة خلقية عالية، وما يروى أنه كانت قد وصلته أخبار بأن هناك شخصاً يبغض الإمام ويسبه ويشتمه، حتى ضاق به أصحاب الإمام (ع) للدرجة التي قالوا فيها للإمام: مرنا أن نقتله، ولكن الإمام(ع) كان يمنعهم من ذلك، فركب دابته وانطلق إلى بستان الرجل، فصاح الرجل ـ من خلال حقده ـ : لا تفسد عليّ زرعي، فلم يعتنِ الإمام إلى أن وصل إليه وجلس إلى جانبه، قال: "كم تؤمّل في زرعك"، قال: مائتي دينار، فأعطاه الإمام المال وبدأ يلاطفه ويحدثه بعقل وقلب مفتوحين، ثم ودّعه وخرج مهرولاً إلى المسجد، فعندما دخل الإمام إلى المسجد قال هذا الرجل: الله أعلم حيث يجعل رسالته.

وفي ذلك دلالة على أن الأسلوب الأحسن يحوّل العدوَّ إلى صديق، فعندما تعيش السلبيات والتعقيدات الاجتماعية، فلا بدّ أن تضبط أعصابك وتفتح قلبك وتفتش عن أفضل الأساليب التي تستطيع من خلالها أن تجتذب الآخر إليك، وهذا يحتاج إلى صبر وضغط على الأعصاب وجهاد للنفس، وذلك هو الذي يزرع المحبة في النفوس، وهذا ما نحتاجه في مجتمعاتنا ومواقعنا السياسية والاجتماعية والعشائرية، لأن مشكلتنا هي أننا مجتمع يزرع الحقد في نفوس أصحابه ولا يزرع المحبة.

الكاظم(ع) العلم والقدوة

وكان من ألقاب الإمام الكاظم (ع) العبد الصالح، حتى كان الناس يقولون في كثير من الروايات: سمعت العبد الصالح، وحدّثني العبد الصالح، وهذا ما ينبغي لنا أن نعيشه، فلا يكون لنا أمام الله تعالى أيّ أمر. وكان(ع) يملك الامتداد الشعبي في حياة الأمة الإسلامية حتى خاف منه هارون الرشيد على خلافته، ولذلك صمّم هذا الخليفة على سجنه(ع) ليحجبه عن الناس، فلا يرتبطون به من خلال ما يمنحهم من العلم والقدوة وكل ما يرفع مستواهم، وهذا هو شأن الطغاة في كل زمان ومكان، أنهم لا يهيئون السجون للمجرمين بل للمصلحين والثائرين والعلماء الواعين، لأنهم يخشون أن يتحدّوا ظلهمم وحكمهم.

وقد قضى الإمام (ع) في سجن هارون الرشيد عدَّة سنوات، حتى دسّ اليه السم في سجن "السندي بن شاهك"، الذي حبسه في سرداب لا يعرف فيه الليل من النهار، وقد جاء "السندي" بالعلماء ليشهدوا أنه لم يُضرب بسيف، ولكن الإمام (ع) ـ وهو في حالة الاحتضار ـ أخبرهم بأن السمّ دسّ له في طعامه.

منهجه(ع) تربية وإصلاح

ونحن في هذا الموقف نحب أن نلتقط بعض كلمات الإمام (ع) في الموعظة وبعض الأمور الشرعية: حيث قال: "ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم ـ ادرس في صباحك ومسائك ما فعلته في ليلك ونهارك، ادرس أعمالك هل هي أعمال خير أم أعمال شر ـ فإن عمل خيراً استزاد الله منه ـ يطلب من الله أن يوفقه في المستقبل للخير كما وفقه للخير الذي عمله في هذا اليوم ـ وحمد الله عليه، وإن عمل شراً استغفر الله وتاب إليه"، فعلى الإنسان أن يصفّي حسابه يومياً مع الله، حتى يستقبل الخير في ما يستقبل من أيامه، وذلك بأن يندم على ما اقترف من الذنوب. وفي حديث آخر يقول: "لا تستكثروا كثير الخير ولا تستقلوا قليل الذنوب، فإن قليل الذنوب يجتمع حتى يصير كثيراً، وخافوا الله في السرّ حتى تعطوا من أنفسكم النصف، وسارعوا إلى طاعة الله، وأصدقوا الحديث، وأدّوا الأمانة، فإنما ذلك لكم، ولا تظلموا ولا تدخلوا في ما لا يحلّ لكم فإنما ذلك عليكم".

ونأتي إلى بعض القضايا التي لها جوانب شخصية وأخرى اجتماعية، يقول بعض أصحاب الإمام الكاظم (ع): كنا عند أبي الحسن موسى (ع)، فإذا دنانير مصبوبة بين يديه، فنظر إلى دينار فأخذه بيده وقطّعه نصفين ـ لأنه مزوّر ـ ثم قال لي: "ألقه في البالوعة حتى لا يباع شيء فيه غش"، يعني أن أيّ عملة مزوّرة لا بدّ من إتلافها، لأنك عندما تبقيها قد يتعامل بها الناس ويخسرون أموالهم، وكم نعاني نحن في مجتمعاتنا ممّن يزوّر الدولار بحجة أنه يبيعها للكافرين؟! من الذي أذن لكم أن تأخذوا مال الكافر غير المحارب بالباطل؟ {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم}.

سأل "علي بن جعفر" أخاه الإمام الكاظم (ع) عن المرأة لها أن تعطي من بيت زوجها من غير إذنه؟ فقال (ع): " لا، إلا أن يحللها"، إلا أن يسامحها، إما قبل أن تعطي أو بعد، وإلا كان ذلك حراماً عليها وعلى الذي أخذ. وفي بعض أحاديثه قال لبعض ولده: "إياك والكسل والضجر، فإنهما يمنعانك من حظك من الدنيا والآخرة"، لأنك عندما تكسل وتضجر لا تقوم بمسؤولياتك في الحياة. وعن بعض أصحابه قال: سمعت أبا الحسن الكاظم(ع) يقول: "إن الله يكره العبد البطّال النوّام"، والبطّال هو الذي لا يسعى وراء الرزق ولو تهيأ له العمل.

هذه هي بعض كلمات الإمام الكاظم (ع)، وعلينا أن نأخذ منها ما يحقق لنا كمال أنفسنا واستقامة أمورنا في الحياة، والسلام عليه يوم وُلد ويوم استُشهد ويوم يُبعث حيّاً.

الخطبة الثانية

عباد الله.. اتقوا الله، وليكن العدل هو الخط الذي تتحركون فيه في كل مواقعكم وأموركم ومواقفكم، فإن الله تعالى أراد للناس أن يقوموا بالقسط، لا تؤيدوا ظالماً ولا تبرروا له ظلمه، بل كونوا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً، لأن الحياة إنما ترتكز على العدل بلا حدود، ومن العدل أن تملك الشعوب حريتها في تقرير مصيرها، وأن لا يُحكم على إنسان إلا من خلال الإثباتات الأساسية، وأن لا يتحرك القوي من موقع قوته ضد الضعيف من دون أن يؤكد حقه بالطرق القضائية التي يرتكز عليها الحكم بالعدل.

ونحن الآن في واقع تتحرك فيه حرب تحت عنوان "العدالة بلا حدود"، ولكنها تنطلق من خلال واقع "الظلم بلا حدود"، وهذا هو من قبيل تسميه الشيء بنقيضه، أن تسمي الظلم عدلاً والقبح حسناً، فتعالوا لنتعرّف ماذا هناك مما يحدث في عالمنا الذي يعيش الاهتزاز العسكري والاقتصادي والسياسي والأمني:

أمريكا وحرب الإبادة

تشنّ الولايات المتحدة الأمريكية ـ ومعها الحلف الأطلسي ـ ما يشبه حرب الإبادة والعقاب الجماعي ضد الشعب الأفغاني، باسم "الحرب على الإرهاب" الذي تزعم واشنطن أنه يتمثّل بتنظيم "القاعدة" ورئيسه "أسامة بن لادن"، ولكنها تجرّب آخر ما أنتجته التقنية العسكرية الأمريكية باللحم الحيّ للشعب الأفغاني المستضعف، الذي لا يزال مشرّداً منذ أكثر من عقدين من السنين بفعل الحروب الخارجية والداخلية التي دمّرت اقتصاده وأمنه، وها هي أمريكا تجهز على ما تبقى من قراه وبنيته التحتية بحجة أن حكومة "طالبان" لم تسلّم المتهمين بالإرهاب..

والسؤال: إن أبسط شروط العدالة أن يقدّم الادّعاء الإثباتات على تورط المتّهم بالإجرام والجريمة.. ولم تفعل أمريكا ذلك، بل قدّمت ذلك إلى حلفائها من دون أية محاكمة قضائية ولو غيابياً، فأين هي العدالة في ذلك؟ أن ينطلق المدّعي ليحكم وينفّذ لا ضد المتهم، بل ضد الشعب الذي يسكن في بلده، في الوقت الذي ينكر فيه المتّهمون والمسؤولون في البلد التهمة، ألا يستحق هذا السلوك الأمريكي اسم "إرهاب الدولة"؟

الحرب الأمريكية غير مشروعة

إننا ـ من هذا المنطلق ـ أفتينا بحرمة مساعدة أمريكا في هذه الحرب، لأنها حرب غير مشروعة على جميع المستويات.. وما زالت أمريكا تهدد بالحرب ضد دول أخرى يقيم فيها متّهمون بالإرهاب، بحجة أن كل بلد لا يقف مع أمريكا فهو مع الإرهاب، ويجب أن يُعامل معاملة الإرهابيين، ليُقتل شعبه بما فيه المدنيون؟!

إن أمريكا تؤكد أن ما يصيبها من الاعتداء يفرض على العالم كله أن يحتج عليه، ليقف معها بكل خططها العسكرية والأمنية والاقتصادية، أما الإرهاب الذي يلحق بالشعوب من قِبَل حلفاء أمريكا، ولا سيما الشعب الفلسطيني الذي تحاصره إسرائيل وتدمّر بنيته التحتية وتقتل أطفاله ونساءه وشيوخه وشبابه كل يوم، أما هذا فهو دفاع عن النفس بحسب المنطق الأمريكي، بينما يمثّل دفاع الفلسطينيين عن أنفسهم وبلدهم وحريتهم، ومطالبتهم بإزالة الاحتلال الصهيوني، إرهاباً إجرامياً. ولذلك، لم يستقبل الرئيس الأمريكي المسؤول الفلسطيني، بينما استقبل "شارون" ـ صاحب مجزرة صبرا وشاتيلا ـ أكثر من مرة!! وقد سمعنا الرئيس الأمريكي يتحدث عن الدولة الفلسطينية، ولكن بموافقة إسرائيل التي لا تمنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة، تماماً كما حدث في عهد "كلينتون" الذي كان يضغط على الفلسطينيين للقبول بشروط إسرائيل، وإلا كانوا ضد السلام؟!

الإرهاب يزول بزوال مسبباته

إن الشعوب العربية والإسلامية لا مشكلة لديها مع أمريكا من ناحية ذاتية، بل المشكلة الأم هي في التأييد الأمريكي المطلق وبلا حدود لإسرائيل في كل عدوانها على الشعب الفلسطيني، وعلى المنطقة كلها، حتى أن الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد الفلسطينيين تتحرك بأسلحة أمريكية لا تُستعمل إلا في الحروب الكبيرة.

مضافاً إلى ذلك المشاكل الأخرى في الحصار الأمريكي للعراق، الذي هو حصار للشعب العراقي، وحصارها لليبيا والسودان، لاعتبارات لا تثبت أمام شرعة حقوق الإنسان. إن الحل لدينا هو أن ترجع أمريكا إلى شعاراتها الأولى في حريات الشعوب، وفي حقها في تقرير مصيرها، وفي احترام مصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية، وسترى أنها ستربح صداقة الشعوب العربية والإسلامية، بل شعوب العالم الثالث كله.. وسيزول الإرهاب بزوال مسبباته، وسيقف كل العالم ضد الإرهابيين الذين يعملون على تدمير الحضارة، وتحريك العنف الإجرامي ضد المدنيين.

هل الحرب حقيقة ضد الإرهاب؟!

ثم إننا ما زلنا نسمع أكثر من حديث أن الحرب ليست موجَّهة ضد الإسلام والمسلمين، بل ضد الإرهاب.. ولكننا نلاحظ أن أمريكا وحلفاءها يهددون الدول العربية والإسلامية بين وقت وآخر، كما نلاحظ الحملة العنصرية في الغرب ضد العرب والمسلمين، وربما تتحرك ضد الإسلام كدين في أكثر من موقع إعلامي.. والجميع يعرفون أن الإسلام يقف ضد العدوان الإرهابي، وإذا كان البعض يتحدث عن الجهاد الذي يتحسّس منه الغرب، فإن الإسلام يتحرك بالجهاد من أجل الدفاع عن نفسه، في الوقت الذي يؤكد فيه على اختيار الأسلوب السلمي في حلّ المشاكل بدلاً من أسلوب العنف، ويدعو المسلمين إلى العمل على تحويل أعدائهم إلى أصدقاء، ليحصلوا على صداقة كل الشعوب من دون أيّ تنازل عن دينهم وقضاياهم الحيوية المصيرية. وهذا ما ندعو إليه المسلمين في كل مكان، وهو الوحدة الإسلامية في مواجهة التحدي الاستكباري، وفي دراسة الوسائل التي تجمع بين الدفاع عن النفس وبين الانفتاح على الشعوب بالطرق الحضارية، لنثبت للعالم كله أننا في المستوى العالي من الحضارة التي تلتقي مع حركة الحرية وحركة الحوار مع الآراء الأخرى.

المؤتمرات.. مرتكزات العجز السياسي

وفي جانب آخر، فقد تابعنا أعمال المؤتمرين الإسلامي والعربي، وقرأنا مقرراتهما، فرأينا أنها كانت حبراً على ورق، لأنها لم تؤكد على آلية التنفيذ، ولم تقرر الالتزام بمعاهدة الدفاع المشترك عند الاعتداء على أيّ بلد عربي، ولم تقم بأيّ جهد كبير لمواجهة التحديات التي لا تزال تواجه الشعب الفلسطيني الذي فُرضت عليه العزلة الإعلامية والسياسية، لولا بعض التصريحات الصادرة عن بعض المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين في حديثهم عن إعادة الروح للمفاوضات، ولكن على طريقة الشعارات الاستهلاكية، لا على طريقة الخطة الواقعية.

إن مشكلة المؤتمرات الإسلامية والعربية هي أنها ترتكز على قاعدة العجز السياسي والأمني، لأنها ابتعدت عن القاعدة الشعبية التي تمثلها شعوب العالمين العربي والإسلامي، وهذا ما نلاحظه في الهوّة الفاصلة بين الشعوب وحكوماتها.. أما الحديث عن الرجوع إلى الأمم المتحدة في مسألة الإرهاب، فإنه يبعث على السخرية، لأن مجلس الأمن أصبح تحت هيمنة أمريكا، ما يجعله يلتقي معها في المفهوم والخطة، وفي إعلان الحرب على الشعوب المستضعفة.

أما في لبنان، فإن المرحلة تفرض على اللبنانيين جميعاً الوقوف في خط الوحدة الوطنية، لأن التحديات المستقبلية قد تؤدي إلى أكثر من مشكلة له، والتأكيد على مسألة التحرير مع المقاومة، وعلى حلّ الأمور الداخلية العالقة بالحوار، لأن المستقبل ينذر بالخطر الذي تخطط له الدول المستكبرة، التي تحاول الحصول في هذه المرحلة على ما لم تحصل عليه في الماضي، ولا سيما بما يتصل بمسألة الصراع مع إسرائيل
اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير