تعالوا لنلتقي على وحدة الله ووحدة الإنسانية

تعالوا لنلتقي على وحدة الله ووحدة الإنسانية

في ذكرى ميلاد السيد المسيح (ع): تعالوا لنلتقي على وحدة الله ووحدة الإنسانية


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:

آيتان بشريتان:

في ذكرى ميلاد السيِّد المسيح (ع)، لا بدَّ لنا أن نتطلّع إلى شخصيته وشخصية أمّه السيدة مريم (ع)، من خلال ما يوحيان به من الروح والخلق والانفتاح على الله تعالى، ومن الصبر والصمود في مواجهة التحديات، ومن الدعوة إلى الله سبحانه والانفتاح على قضايا الناس، في ما يحملونه من فكر، وفي ما يرتفعون به من روح، وفي ما يعيشونه من قضايا، فقد جعلهما الله آيتين بشرّيتين، ومنحهما لطفاً من لطفه، وكرامة من كرامته، وروحاً من روحه، وبقيت بشريتهما، كانا يأكلان الطعام كما البشر، وكانا يتألمان ويفرحان ويمشيان كما يمشي الناس، ولم يكن فيهما أيّ عنصر من عناصر الألوهية. كان كلٌّ منهما بشراً يرتفع في بشريته إلى مواقع السموّ الروحي والعقلي والعملي.

مريم (ع): الذرية الصالحة :

كيف كانت بداية مريم (ع)؟ كانت أمها امرأة عمران، وهي امرأة مؤمنة صالحة تحبُّ الله وتخلص له، وقد حملت ونذرت أن يكون ما تحمله في خدمة بيت المقدس، ليكون إنساناً محرراً من كل علاقة؛ من علاقة الأب والأم والناس كلهم، ومعنى محرراً، أيونذرت أن يكون محرراً ومعنى محرراً أن يكون حراً في علاقاته البشرية وعبداً لله: {إذ قالت امرأة عمران ربي إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبّل مني ـ لأن النذر لله ولا نذر لغيره ـ إنك أنت السميع العليم ـ وانتهت أشهر الحمل، وإذا بالمولود أنثى، وكانت التقاليد آنذاك لا تمكّن الأنثى من أن تخدم في بيت العبادة، حيث كانت الخدمة تقتصر على الذكور فقط. وأصيبت المرأة بخيبة أمل، ولكنَّها في الوقت نفسه، أرادت من الله تعالى أن يجعل هذه الأنثى في خدمته، أن يجعلها مؤمنة صالحة عابدة لله تعالى، وأن يؤمِّن الله لها ظروف التربية الصالحة التي تنشأ فيها نشأة حسنة.

وهذا درس نتعلّمه من امرأة عمران، أن يكون أوّل ما يفكر به الإنسان عندما يأتيه ولدٌ ـ ذكراً أو أنثى ـ أن يكون هذا الولد عبداً مؤمناً صالحاً، وأن يفكر أن هذا مخلوق لله وهبةٌ منه تعالى، وعلينا أن نعدّه ليكون مع الله وأن لا يكون مع الشيطان

ـ فلما وضعتها قالت ربي إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى ـ ليس الذكر الذي أرادته امرأة عمران كالأنثى التي لا تتمكن من أن تخدم في بيت الله. وقد يفهم البعض أن هذه الآية تبيّن أفضلية الذكر على الأنثى، والفكرة ليست كذلك ـ وإني سمّيتها مريم وإني أعيذها بك وذرّيتها من الشيطان الرجيم ـ يا ربّ، إنني أحبّ أن تكون ذريتي صالحة، بحيث يكون امتدادها في من ينتسب إليها امتداداً إيمانياً. فابتهلت إلى الله لأنها تخاف عليها من الشيطان الرجيم أن يضلّها ويغويها، وتخاف على ذريتها من الضلال، لأن البيئة التي يعيش فيها هؤلاء قد لا تكون صالحة، وقد لا توحي الظروف بالخير ـ فتقبّلها ربها بقبول حسن ـ لتكون الآية والنموذج الكامل الذي يرتفع في مدارج السموّ، ليكون مثلاً للرجال والنساء معاً، وهو ما تحدث الله عنه في قوله تعالى: {وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنّة ونجّني من فرعون وعمله ونجّني من القوم الظالمين* ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفحنا فيه من روحنا وصدّقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين} ـ وأنبتها نباتاً حسناً ـ والله يعبّر عن التربية بالنبات ـ وكفّلها زكريا ـ جعلها تعيش في كنف نبي الله زكريا (ع)، بعد أن اختلفوا في مَن يكفل مريم، فاجتمعوا وأجروا قرعة، فوقعت القرعة على زكريا (ع)، فكانت محلَّ كرامة الله منذ طفولتها الأولى ـ كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند الله ـ فقد كان الله ينزل لها الطعام بطريقة غيبية ـ إن الله يرزق من يشاء بغير حساب}..

البشارة المباركة بالمسيح (ع):

ونلاحظ أن القرآن الكريم يحدثنا بأن الملائكة كانت تطوف بمريم وتتحدث معها: {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك ـ اختارك من بين الناس لكرامته ـ وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين ـ بأن جعلك موقعاً من مواقع كرامته في أن تكوني أماً لعيسى (ع) في حدث لم يسبق مثله ولم يلحق بعد ذلك مثله ـ يا مريم اقنتي لربِّك واسجدي واركعي مع الراكعين}، وكانت المفاجأة: {يا مريم إن الله يبشّرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم ـ والكلمة هي "كن فيكون"، وهي سرّ الوجود، لأنه وُلد بالكلمة ـ وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين ـ ثم حدثوها عن صفاته وطبيعة الآية التي جعلها الله تعالى فيه ـ ويُكلّم الناس في المهد ـ وذلك عندما دافع عن أمه التي اتَّهمها قومها بعد أن جاءت إليهم وهي تحمل وليدها ، وقد كانت نذرت أن تصوم عن الكلام، فأشارت إليه فقال: {إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً* وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً* وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً* والسلام عليَّ يوم وُلدت ويوم أموت ويوم أُبعث حياً} ـ وكهلاً ومن الصالحين ـ إذ كان العبد الصالح الذي يدعو إلى الله ـ قالت ربي أنّى يكون لي ولد ـ وهي لم تتزوج ولم يمسّها بشر ـ ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون* ويعلّمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل* ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم ـ وما هي المعجزة التي جاء بها إلى بني إسرائيل وهو المستضعف الفقير والمجتمع كان يعيش الطغيان ـ أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين* ومصدّقاً لما بين يديّ من التوراة ولأحلّ لكم بعض الذي حُرِّم عليكم ـ لأن مصلحة التحريم قد انتهت، والتحليل والتحريم بيد الله ـ وجئتكم بآيةٍ من ربّكم فاتّقوا الله وأطيعون* إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراطٌ مستقيم* فلمَّا أحسّ عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنّا بالله واشهد بأنّا مسلمون* ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين* ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين* إذ قال الله يا عيسى إني متوفّيك ورافعك إليّ ومطهّرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتّبعوك ـ وهم الذين آمنوا بالرسول محمد (ص) ـ فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إليّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون*... إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون}.

إننا عندما نقف في ميلاد السيد المسيح (ع)، الذي هو روح الله وكلمته التي ألقاها إلى مريم، فإن علينا أن نعرف أن عقيدتنا الإسلامية في السيد المسيح (ع)، أنه عبد الله وليس فيه شيء من عناصر الألوهية.. وهناك عقيدة ثانية، وهي أن الآخرين يرون أن السيد المسيح صُلب ومات على الصليب ثم دُفن وبعد ذلك انشقَّ القبر عنه وارتفع، والله تعالى يقول: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبّه لهم}، خُيّل إليهم أنهم قتلوه، أو أن الله ألقى شبهه على شخص آخر.

لنعش القيم في الميلاد:

ومن هنا، فإننا نؤكد بأننا مع التعايش الإسلامي ـ المسيحي، ونؤكد على الحوار مع أهل الكتاب بالّتي هي أحسن، وأن نلتقي على وحدة الله ووحدة الإنسانية، ولكننا نختلف في هذه المسائل، والله أراد لنا أن نتجادل ونتحاور بالتي هي أحسن: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم وقولوا آمنّا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحدٌ ونحن له مسلمون}.

وهناك نقطة أخيرة، وهي أن لا مشكلة عندنا بالاحتفال بميلاد السيد المسيح (ع)، وذلك من خلال الاطّلاع على ما ورد في القرآن الكريم عنه وعن أمه (عليهما السلام)، من أجل أن نعيش القيمة الروحية فيهما، لا أن نحتفل على الطريقة التي يتعارف عليها الناس، من شجرة الميلاد وغير ذلك مما لم تأتِ به الشريعة الإسلامية ولا المسيحية، فعلينا أن لا نسقط أمام تقاليد الآخرين بل أن نحتفظ بعاداتنا وتقاليدنا، وأن نتعايش مع الآخرين في القضايا المشتركة.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله، ولننطلق جميعاً لنتحرك في وحدة إسلامية دينية إيمانية، فالله تعالى أراد للرسل أن يلتقوا على الإيمان الواحد من خلال الرب الواحد والرسالة الواحدة والخط الواحد، ونحن نعرف أن الرسالات جاءت من خلال العدل والحق والخير، كل الرسل جاءوا من أجل دعوة الإنسان ليسلم عقله وقلبه وحركته لله، فلا يكون في حياته إلا الخير والعدل والحق والمحبة..

إن الله يريد للمؤمنين أن يكونوا أقوياء بالحق، وأعزّة بالخير والعدل، ولا يريد للمؤمن أن يكون ضعيفاً، بل أن يكون القوي الذي يدافع عن الحق، ونحن لا نزال نعيش في معركة بين الحق والباطل، وبين الظلم والعدل، وبين الخير والشر، على مستوى العالم كله، فعلينا أن لا نكون حياديين، بل أن نكون ـ كما قال أمير المؤمنين (ع) ـ للظالم خصماً وللمظلوم عوناً، فتعالوا لنتعرّف ماذا هناك؟ 

المجازر الإسرائيلية والغطاء الأميركي

المجازر الإسرائيلية الوحشية في المناطق الفلسطينية المحتلّة تتوالى، ويستمر معها الحديث النفاقي عن الهدنة العسكرية التي تجتذب الهدنة في الساحة السياسية، والعرب يرتاحون للتصريحات الإعلامية السياسية الصادرة عن المسؤولين الصهاينة، من دون أن يركّزوا على المجازر المتنوّعة العشوائية التي حصدت في مخيّم "رفح" 50 شخصاً ما بين قتيل وجريح، فضلاً عن تدمير المزيد من البيوت...

أما أمريكا، فقد صرّح الناطق باسم وزارة خارجيتها، بأن لإسرائيل "الحقّ في أن تدافع عن نفسها"، مع ملاحظة نفاقية، وهي أن عليها "ألا تترجم هذه التحركات خسائر في الأرواح البريئة، وألا تعوِّق آفاق التقدّم نحو السلام"، كما قال، من دون أن يستنكر أو يدين ـ ولو بشكل خجول ـ المجازر في "رفح" وفي "غزة" التي حصدت المدنيين في قصف المخيّمات والسيارات المدنية...

إن إسرائيل تدمّر كل فرص ما يسمّى "بالسلام" بتصرفاتها الوحشية، ولكن أمريكا تحمّل الفلسطينيين ذلك، لأن السياسة لدى الإدارات الأمريكية تجعل الشرَّ كله يتمثَّل في العرب والمسلمين جميعاً، في الوقت الذي نرى أكثر المسؤولين العرب يعملون على تقديم كلَّ التنازلات بما يحقق لأمريكا الرضى، ويقودهم إلى السقوط أمام إسرائيل..

ويبقى للفلسطينيين أن يتابعوا المسيرة، ويؤصّلوا السياسة، ويحرّكوا الانتفاضة، فإن الزمن في مصلحتهم لا في مصلحة العدوّ، لأن الشعب إذا أكّد موقفه وصلابته في التحرير، فلن تستطيع أية قوة أن توقف مسيرته..

ومن المفارقات المضحكة المبكية، أن بعض الدول العربية التي بدأت في الانسحاق أمام أمريكا، أخذت تنطق باسمها في دعوة سوريا وإيران إلى الاقتداء بها والتخفّف من أسلحة الدمار الشامل.. ونحن نعلم أن سوريا وإيران قد وقّعتا على حظر صنع السلاح النووي في المعاهدة الدولية، بينما لم توقّع إسرائيل التي تملك ترسانة كبيرة من هذا السلاح، ناهيك بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية..

ولكنَّ أمريكا ـ ومعها إسرائيل ـ تبقى تطلق الاتّهامات من دون دليل، لتثير المشاكل ضدَّ هذه الدولة العربية أو الإسلامية، في الوقت الذي تعارض أية دعوة عربية أو إسلامية أو من الأمم المتّحدة للكيان الصهيوني في تدمير أسلحة الدمار الشامل لديه التي تهدد المنطقة كلها، لأن أمريكا تريد أن تبقى إسرائيل الدولة الأقوى في المنطقة، كما تريد لنفسها أن تكون القوة الإمبراطورية العليا في العالم، وإضعاف جميع الدول بما فيها بعض الدول الكبرى...

وهذا ما ينبغي للشعوب أن تواجهه في مواقفها حيال قضاياها المصيرية على مستوى القوة، سواء في الضغط على المسؤولين لديها، أو في معاقبة أمريكا بالمقاطعة الاقتصادية، ولو كان ذلك من ناحية المبدأ، مع التأكيد على أن الموقف السلبي موجَّه إلى الإدارة السياسية، لا إلى الشعب الأمريكي الذي نريد له أن يضغط على حكومته التي تعمل على توريطه في سياسة معاداة الشعوب.

الشرعية في العراق للاستفتاء الشعبي

ويبقى العراق الجريح خاضعاً للمشاكل الأمنية والسياسية والاقتصادية، في حيرته بين خطط الاحتلال في إبقاء هذا البلد تحت سيطرته، مع بعض الوعود غير الجديّة في تسليم العراقيين السلطة في العام القادم...

إننا ندعو هذا الشعب الطيِّب إلى الأخذ بأسباب الوحدة الوطنية، والتكامل في بناء الدولة العراقية على أساس الاستفتاء الشعبي بمختلف أشكاله، واللقاء على قاعدة التواصل مع المرجعيات الدينية الإسلامية المخلصة، ومع الجهات السياسية الواعية، مع تجميد الحساسيات المذهبية والعرقية، وعدم إثارة بعض الأمور الحسَّاسة المثيرة للجدل التي قد لا يكون توقيتها في هذه المرحلة ملائماً للمناخ السياسي الوحدوي، كإلحاق بلد نفطي بهذه المنطقة الكردية أو التركمانية أو العربية.

إن القرار للشعب العراقي كله، لا للمؤتمرات المعقودة قبل سقوط النظام، مع كل تقديرنا لشخصياته... إننا ندعو إلى عدم إثارة التعقيدات التي تخلق المشاكل وتعقّد الأوضاع مما لا يتناسب مع الأخطار المحيطة بالعراق.

في لبنان لم يعد للفرح مكان

أما في لبنان المريض تربوياً، والمتمارض سياسياً، والجائع الظامئ اقتصادياً، والمدمَّر حياتياً، فها هو يدخل دوّامة المرض الصحي بعد الأزمة القديمة الجديدة بين المستشفيات الخاصة وبين الضمان الاجتماعي، ما ينعكس سلباً على مختلف اللبنانيين، ولا سيّما الفقراء منهم، وقد يتحوّل إلى ما يهدِّد الاستقرار الاجتماعي للبلد كله..

لقد بدأت المديونية غير المدروسة والهدر والسرقات المحميّة من قِبَل أكثر من موقع للنفوذ السياسي، تؤتي ثمارها على حساب الطبقات الفقيرة والمحرومة والمستضعفة، حتى بات الناس يبحثون في أيام الأعياد عن الفرح، فلا يجدون إلا فرح القيمة الروحية في الماضي البعيد، أما فرح الحاضر في معنى الفرح الإنساني المنفتح على الحياة، فإنهم لا يجدونه في حياتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، في الأزمات المعيشية والتربوية..

والسؤال: متى يطلُّ الفرح على المستضعفين، ومتى يكفُّ المستكبرون في الداخل والخارج عن صناعة الحزن في صناعة المأساة؟؟ أيها المسؤولون: إن الطفولة بحاجة إلى عمق الفرح، فلا تصادروا الأطفال بما تنتجونه من المشاكل القاسية التي تستنزف الدموع، وتجفف البسمات.

وأخيراً، إننا أمام الفاجعة التي حلّت بلبنان في الكارثة الجوّية التي حصدت العشرات من أبنائنا وأحبائنا في إفريقيا، الذين لم تستطع بلادهم أن تؤمّن لهم فرص العمل والعيش الكريم، فهاجروا ليبحثوا عن لقمة العيش في المغتربات.. إننا أمام هول هذه الكارثة، نتوجّه إلى أهالي الضحايا بأعمق مشاعر العزاء والمواساة، سائلين المولى تعالى أن يرحم هؤلاء الضحايا بواسع رحمته، وأن يعجّل بشفاء الجرحى، وأن يربط على قلوبنا جميعاً بالصبر، ولنتذكّر قول الله تعالى: {ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين* الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون}.

وإننا ـ مع تقديرنا لما تقوم به الجهات الرسمية من جهد في متابعة تداعيات هذه الكارثة ـ ندعو الدولة إلى مزيد من الاهتمام، والإسراع في نقل الجرحى إلى لبنان، لكي يتلقوا العلاج الملائم، ونقل الجثث لكي يدفنوا في بلدهم الذي لم يستطع أن يحتضنهم وهم أحياء، وهذا أقلُّ الوفاء لهؤلاء الضحايا والجرحى.

في ذكرى ميلاد السيد المسيح (ع): تعالوا لنلتقي على وحدة الله ووحدة الإنسانية


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:

آيتان بشريتان:

في ذكرى ميلاد السيِّد المسيح (ع)، لا بدَّ لنا أن نتطلّع إلى شخصيته وشخصية أمّه السيدة مريم (ع)، من خلال ما يوحيان به من الروح والخلق والانفتاح على الله تعالى، ومن الصبر والصمود في مواجهة التحديات، ومن الدعوة إلى الله سبحانه والانفتاح على قضايا الناس، في ما يحملونه من فكر، وفي ما يرتفعون به من روح، وفي ما يعيشونه من قضايا، فقد جعلهما الله آيتين بشرّيتين، ومنحهما لطفاً من لطفه، وكرامة من كرامته، وروحاً من روحه، وبقيت بشريتهما، كانا يأكلان الطعام كما البشر، وكانا يتألمان ويفرحان ويمشيان كما يمشي الناس، ولم يكن فيهما أيّ عنصر من عناصر الألوهية. كان كلٌّ منهما بشراً يرتفع في بشريته إلى مواقع السموّ الروحي والعقلي والعملي.

مريم (ع): الذرية الصالحة :

كيف كانت بداية مريم (ع)؟ كانت أمها امرأة عمران، وهي امرأة مؤمنة صالحة تحبُّ الله وتخلص له، وقد حملت ونذرت أن يكون ما تحمله في خدمة بيت المقدس، ليكون إنساناً محرراً من كل علاقة؛ من علاقة الأب والأم والناس كلهم، ومعنى محرراً، أيونذرت أن يكون محرراً ومعنى محرراً أن يكون حراً في علاقاته البشرية وعبداً لله: {إذ قالت امرأة عمران ربي إني نذرت لك ما في بطني محرراً فتقبّل مني ـ لأن النذر لله ولا نذر لغيره ـ إنك أنت السميع العليم ـ وانتهت أشهر الحمل، وإذا بالمولود أنثى، وكانت التقاليد آنذاك لا تمكّن الأنثى من أن تخدم في بيت العبادة، حيث كانت الخدمة تقتصر على الذكور فقط. وأصيبت المرأة بخيبة أمل، ولكنَّها في الوقت نفسه، أرادت من الله تعالى أن يجعل هذه الأنثى في خدمته، أن يجعلها مؤمنة صالحة عابدة لله تعالى، وأن يؤمِّن الله لها ظروف التربية الصالحة التي تنشأ فيها نشأة حسنة.

وهذا درس نتعلّمه من امرأة عمران، أن يكون أوّل ما يفكر به الإنسان عندما يأتيه ولدٌ ـ ذكراً أو أنثى ـ أن يكون هذا الولد عبداً مؤمناً صالحاً، وأن يفكر أن هذا مخلوق لله وهبةٌ منه تعالى، وعلينا أن نعدّه ليكون مع الله وأن لا يكون مع الشيطان

ـ فلما وضعتها قالت ربي إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى ـ ليس الذكر الذي أرادته امرأة عمران كالأنثى التي لا تتمكن من أن تخدم في بيت الله. وقد يفهم البعض أن هذه الآية تبيّن أفضلية الذكر على الأنثى، والفكرة ليست كذلك ـ وإني سمّيتها مريم وإني أعيذها بك وذرّيتها من الشيطان الرجيم ـ يا ربّ، إنني أحبّ أن تكون ذريتي صالحة، بحيث يكون امتدادها في من ينتسب إليها امتداداً إيمانياً. فابتهلت إلى الله لأنها تخاف عليها من الشيطان الرجيم أن يضلّها ويغويها، وتخاف على ذريتها من الضلال، لأن البيئة التي يعيش فيها هؤلاء قد لا تكون صالحة، وقد لا توحي الظروف بالخير ـ فتقبّلها ربها بقبول حسن ـ لتكون الآية والنموذج الكامل الذي يرتفع في مدارج السموّ، ليكون مثلاً للرجال والنساء معاً، وهو ما تحدث الله عنه في قوله تعالى: {وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنّة ونجّني من فرعون وعمله ونجّني من القوم الظالمين* ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفحنا فيه من روحنا وصدّقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين} ـ وأنبتها نباتاً حسناً ـ والله يعبّر عن التربية بالنبات ـ وكفّلها زكريا ـ جعلها تعيش في كنف نبي الله زكريا (ع)، بعد أن اختلفوا في مَن يكفل مريم، فاجتمعوا وأجروا قرعة، فوقعت القرعة على زكريا (ع)، فكانت محلَّ كرامة الله منذ طفولتها الأولى ـ كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند الله ـ فقد كان الله ينزل لها الطعام بطريقة غيبية ـ إن الله يرزق من يشاء بغير حساب}..

البشارة المباركة بالمسيح (ع):

ونلاحظ أن القرآن الكريم يحدثنا بأن الملائكة كانت تطوف بمريم وتتحدث معها: {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك ـ اختارك من بين الناس لكرامته ـ وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين ـ بأن جعلك موقعاً من مواقع كرامته في أن تكوني أماً لعيسى (ع) في حدث لم يسبق مثله ولم يلحق بعد ذلك مثله ـ يا مريم اقنتي لربِّك واسجدي واركعي مع الراكعين}، وكانت المفاجأة: {يا مريم إن الله يبشّرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم ـ والكلمة هي "كن فيكون"، وهي سرّ الوجود، لأنه وُلد بالكلمة ـ وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين ـ ثم حدثوها عن صفاته وطبيعة الآية التي جعلها الله تعالى فيه ـ ويُكلّم الناس في المهد ـ وذلك عندما دافع عن أمه التي اتَّهمها قومها بعد أن جاءت إليهم وهي تحمل وليدها ، وقد كانت نذرت أن تصوم عن الكلام، فأشارت إليه فقال: {إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً* وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً* وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً* والسلام عليَّ يوم وُلدت ويوم أموت ويوم أُبعث حياً} ـ وكهلاً ومن الصالحين ـ إذ كان العبد الصالح الذي يدعو إلى الله ـ قالت ربي أنّى يكون لي ولد ـ وهي لم تتزوج ولم يمسّها بشر ـ ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون* ويعلّمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل* ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم ـ وما هي المعجزة التي جاء بها إلى بني إسرائيل وهو المستضعف الفقير والمجتمع كان يعيش الطغيان ـ أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين* ومصدّقاً لما بين يديّ من التوراة ولأحلّ لكم بعض الذي حُرِّم عليكم ـ لأن مصلحة التحريم قد انتهت، والتحليل والتحريم بيد الله ـ وجئتكم بآيةٍ من ربّكم فاتّقوا الله وأطيعون* إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراطٌ مستقيم* فلمَّا أحسّ عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنّا بالله واشهد بأنّا مسلمون* ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين* ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين* إذ قال الله يا عيسى إني متوفّيك ورافعك إليّ ومطهّرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتّبعوك ـ وهم الذين آمنوا بالرسول محمد (ص) ـ فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة ثم إليّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون*... إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون}.

إننا عندما نقف في ميلاد السيد المسيح (ع)، الذي هو روح الله وكلمته التي ألقاها إلى مريم، فإن علينا أن نعرف أن عقيدتنا الإسلامية في السيد المسيح (ع)، أنه عبد الله وليس فيه شيء من عناصر الألوهية.. وهناك عقيدة ثانية، وهي أن الآخرين يرون أن السيد المسيح صُلب ومات على الصليب ثم دُفن وبعد ذلك انشقَّ القبر عنه وارتفع، والله تعالى يقول: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبّه لهم}، خُيّل إليهم أنهم قتلوه، أو أن الله ألقى شبهه على شخص آخر.

لنعش القيم في الميلاد:

ومن هنا، فإننا نؤكد بأننا مع التعايش الإسلامي ـ المسيحي، ونؤكد على الحوار مع أهل الكتاب بالّتي هي أحسن، وأن نلتقي على وحدة الله ووحدة الإنسانية، ولكننا نختلف في هذه المسائل، والله أراد لنا أن نتجادل ونتحاور بالتي هي أحسن: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم وقولوا آمنّا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحدٌ ونحن له مسلمون}.

وهناك نقطة أخيرة، وهي أن لا مشكلة عندنا بالاحتفال بميلاد السيد المسيح (ع)، وذلك من خلال الاطّلاع على ما ورد في القرآن الكريم عنه وعن أمه (عليهما السلام)، من أجل أن نعيش القيمة الروحية فيهما، لا أن نحتفل على الطريقة التي يتعارف عليها الناس، من شجرة الميلاد وغير ذلك مما لم تأتِ به الشريعة الإسلامية ولا المسيحية، فعلينا أن لا نسقط أمام تقاليد الآخرين بل أن نحتفظ بعاداتنا وتقاليدنا، وأن نتعايش مع الآخرين في القضايا المشتركة.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله، ولننطلق جميعاً لنتحرك في وحدة إسلامية دينية إيمانية، فالله تعالى أراد للرسل أن يلتقوا على الإيمان الواحد من خلال الرب الواحد والرسالة الواحدة والخط الواحد، ونحن نعرف أن الرسالات جاءت من خلال العدل والحق والخير، كل الرسل جاءوا من أجل دعوة الإنسان ليسلم عقله وقلبه وحركته لله، فلا يكون في حياته إلا الخير والعدل والحق والمحبة..

إن الله يريد للمؤمنين أن يكونوا أقوياء بالحق، وأعزّة بالخير والعدل، ولا يريد للمؤمن أن يكون ضعيفاً، بل أن يكون القوي الذي يدافع عن الحق، ونحن لا نزال نعيش في معركة بين الحق والباطل، وبين الظلم والعدل، وبين الخير والشر، على مستوى العالم كله، فعلينا أن لا نكون حياديين، بل أن نكون ـ كما قال أمير المؤمنين (ع) ـ للظالم خصماً وللمظلوم عوناً، فتعالوا لنتعرّف ماذا هناك؟ 

المجازر الإسرائيلية والغطاء الأميركي

المجازر الإسرائيلية الوحشية في المناطق الفلسطينية المحتلّة تتوالى، ويستمر معها الحديث النفاقي عن الهدنة العسكرية التي تجتذب الهدنة في الساحة السياسية، والعرب يرتاحون للتصريحات الإعلامية السياسية الصادرة عن المسؤولين الصهاينة، من دون أن يركّزوا على المجازر المتنوّعة العشوائية التي حصدت في مخيّم "رفح" 50 شخصاً ما بين قتيل وجريح، فضلاً عن تدمير المزيد من البيوت...

أما أمريكا، فقد صرّح الناطق باسم وزارة خارجيتها، بأن لإسرائيل "الحقّ في أن تدافع عن نفسها"، مع ملاحظة نفاقية، وهي أن عليها "ألا تترجم هذه التحركات خسائر في الأرواح البريئة، وألا تعوِّق آفاق التقدّم نحو السلام"، كما قال، من دون أن يستنكر أو يدين ـ ولو بشكل خجول ـ المجازر في "رفح" وفي "غزة" التي حصدت المدنيين في قصف المخيّمات والسيارات المدنية...

إن إسرائيل تدمّر كل فرص ما يسمّى "بالسلام" بتصرفاتها الوحشية، ولكن أمريكا تحمّل الفلسطينيين ذلك، لأن السياسة لدى الإدارات الأمريكية تجعل الشرَّ كله يتمثَّل في العرب والمسلمين جميعاً، في الوقت الذي نرى أكثر المسؤولين العرب يعملون على تقديم كلَّ التنازلات بما يحقق لأمريكا الرضى، ويقودهم إلى السقوط أمام إسرائيل..

ويبقى للفلسطينيين أن يتابعوا المسيرة، ويؤصّلوا السياسة، ويحرّكوا الانتفاضة، فإن الزمن في مصلحتهم لا في مصلحة العدوّ، لأن الشعب إذا أكّد موقفه وصلابته في التحرير، فلن تستطيع أية قوة أن توقف مسيرته..

ومن المفارقات المضحكة المبكية، أن بعض الدول العربية التي بدأت في الانسحاق أمام أمريكا، أخذت تنطق باسمها في دعوة سوريا وإيران إلى الاقتداء بها والتخفّف من أسلحة الدمار الشامل.. ونحن نعلم أن سوريا وإيران قد وقّعتا على حظر صنع السلاح النووي في المعاهدة الدولية، بينما لم توقّع إسرائيل التي تملك ترسانة كبيرة من هذا السلاح، ناهيك بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية..

ولكنَّ أمريكا ـ ومعها إسرائيل ـ تبقى تطلق الاتّهامات من دون دليل، لتثير المشاكل ضدَّ هذه الدولة العربية أو الإسلامية، في الوقت الذي تعارض أية دعوة عربية أو إسلامية أو من الأمم المتّحدة للكيان الصهيوني في تدمير أسلحة الدمار الشامل لديه التي تهدد المنطقة كلها، لأن أمريكا تريد أن تبقى إسرائيل الدولة الأقوى في المنطقة، كما تريد لنفسها أن تكون القوة الإمبراطورية العليا في العالم، وإضعاف جميع الدول بما فيها بعض الدول الكبرى...

وهذا ما ينبغي للشعوب أن تواجهه في مواقفها حيال قضاياها المصيرية على مستوى القوة، سواء في الضغط على المسؤولين لديها، أو في معاقبة أمريكا بالمقاطعة الاقتصادية، ولو كان ذلك من ناحية المبدأ، مع التأكيد على أن الموقف السلبي موجَّه إلى الإدارة السياسية، لا إلى الشعب الأمريكي الذي نريد له أن يضغط على حكومته التي تعمل على توريطه في سياسة معاداة الشعوب.

الشرعية في العراق للاستفتاء الشعبي

ويبقى العراق الجريح خاضعاً للمشاكل الأمنية والسياسية والاقتصادية، في حيرته بين خطط الاحتلال في إبقاء هذا البلد تحت سيطرته، مع بعض الوعود غير الجديّة في تسليم العراقيين السلطة في العام القادم...

إننا ندعو هذا الشعب الطيِّب إلى الأخذ بأسباب الوحدة الوطنية، والتكامل في بناء الدولة العراقية على أساس الاستفتاء الشعبي بمختلف أشكاله، واللقاء على قاعدة التواصل مع المرجعيات الدينية الإسلامية المخلصة، ومع الجهات السياسية الواعية، مع تجميد الحساسيات المذهبية والعرقية، وعدم إثارة بعض الأمور الحسَّاسة المثيرة للجدل التي قد لا يكون توقيتها في هذه المرحلة ملائماً للمناخ السياسي الوحدوي، كإلحاق بلد نفطي بهذه المنطقة الكردية أو التركمانية أو العربية.

إن القرار للشعب العراقي كله، لا للمؤتمرات المعقودة قبل سقوط النظام، مع كل تقديرنا لشخصياته... إننا ندعو إلى عدم إثارة التعقيدات التي تخلق المشاكل وتعقّد الأوضاع مما لا يتناسب مع الأخطار المحيطة بالعراق.

في لبنان لم يعد للفرح مكان

أما في لبنان المريض تربوياً، والمتمارض سياسياً، والجائع الظامئ اقتصادياً، والمدمَّر حياتياً، فها هو يدخل دوّامة المرض الصحي بعد الأزمة القديمة الجديدة بين المستشفيات الخاصة وبين الضمان الاجتماعي، ما ينعكس سلباً على مختلف اللبنانيين، ولا سيّما الفقراء منهم، وقد يتحوّل إلى ما يهدِّد الاستقرار الاجتماعي للبلد كله..

لقد بدأت المديونية غير المدروسة والهدر والسرقات المحميّة من قِبَل أكثر من موقع للنفوذ السياسي، تؤتي ثمارها على حساب الطبقات الفقيرة والمحرومة والمستضعفة، حتى بات الناس يبحثون في أيام الأعياد عن الفرح، فلا يجدون إلا فرح القيمة الروحية في الماضي البعيد، أما فرح الحاضر في معنى الفرح الإنساني المنفتح على الحياة، فإنهم لا يجدونه في حياتهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، في الأزمات المعيشية والتربوية..

والسؤال: متى يطلُّ الفرح على المستضعفين، ومتى يكفُّ المستكبرون في الداخل والخارج عن صناعة الحزن في صناعة المأساة؟؟ أيها المسؤولون: إن الطفولة بحاجة إلى عمق الفرح، فلا تصادروا الأطفال بما تنتجونه من المشاكل القاسية التي تستنزف الدموع، وتجفف البسمات.

وأخيراً، إننا أمام الفاجعة التي حلّت بلبنان في الكارثة الجوّية التي حصدت العشرات من أبنائنا وأحبائنا في إفريقيا، الذين لم تستطع بلادهم أن تؤمّن لهم فرص العمل والعيش الكريم، فهاجروا ليبحثوا عن لقمة العيش في المغتربات.. إننا أمام هول هذه الكارثة، نتوجّه إلى أهالي الضحايا بأعمق مشاعر العزاء والمواساة، سائلين المولى تعالى أن يرحم هؤلاء الضحايا بواسع رحمته، وأن يعجّل بشفاء الجرحى، وأن يربط على قلوبنا جميعاً بالصبر، ولنتذكّر قول الله تعالى: {ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين* الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون}.

وإننا ـ مع تقديرنا لما تقوم به الجهات الرسمية من جهد في متابعة تداعيات هذه الكارثة ـ ندعو الدولة إلى مزيد من الاهتمام، والإسراع في نقل الجرحى إلى لبنان، لكي يتلقوا العلاج الملائم، ونقل الجثث لكي يدفنوا في بلدهم الذي لم يستطع أن يحتضنهم وهم أحياء، وهذا أقلُّ الوفاء لهؤلاء الضحايا والجرحى.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير