تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان

تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان

لأنّ الرفق خلقٌ إسلاميٌ أصيل:
تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم}، ويروى عن النبي (ص) أنه قال: "إن الرفق لم يوضع على شيء إلا زانه، ولا نُزع عن شيء إلا شانه، وإن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف".

الرفق خُلُقٌ إسلامي أصيل

موضوعنا في هذا اللقاء مسألة الرفق والعنف، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع كثيراً، ولكن طبيعة الممارسات القاسية الوحشية التي انطلقت في مجتمعاتنا الشعبية، تجعلنا ندرك أن الإنسان المؤمن لم يستوعب هذا الخُلق الإسلامي الأصيل، ولم ينفتح على معرفة أن الله تعالى يبغض العنف في العلاقات الإنسانية، ولا سيما إذا كانت المسألة مسألة عنف ضد الطفولة أو ضد الضعيف، أو مسألة عنف في العلاقات الإنسانية التي يختلف فيها الناس مع بعضهم البعض في موقع ديني أو سياسي أو اجتماعي.

إنّ العنف قد يتحوّل إلى حالة من الوحشية تجعل الإنسان أقسى من الوحش، لأن الوحش لا يفعل ذلك.. لقد نقلت إلينا الأخبار قبل أيام أن أباً ينزعج من بكاء طفلته لأنه يريد أن ينام، ولم يحاول أن يدرس الوسائل التي يستطيع فيها أن يهدهد هذه الطفلة ذات الخمسة أشهر وأن يدللها، وأن يأتي إليها ببعض الأدوية التي تهدئ من بكائها، فانطلق كمثل الوحش ليضرب رأسها بجدار هنا وبأرض هناك، أو بأية وسيلة تحت يده، حتى نزفت هذه الطفلة وماتت تحت تأثير هذه الضربات، وبناء على أقوال والدتها، فإنه منعها من أخذها إلى المستشفى، وعندما قدمت شكوى لمخفر من مخافر الشرطة، قال لها إن من حق الأب أن يضرب ابنته.

العنف حرام

إننا نتساءل: أيّ وحش هو هذا الوحش؟ هل ترون وحشاً يمكن أن يسيء إلى وليده، بل المسألة بالعكس، فإننا نلاحظ من خلال بعض الأفلام الوثائقية، أن الحيوانات هي في منتهى الرفق في مسألة العناية بأطفالهم. وهذه الحادثة قد نجد أمثالها بشكل آخر، فقد نجد بعض الآباء والأمهات يعنفون مع أطفالهم إذا بكوا أو تمردوا على أيّ أمر بالضرب المبرح، باعتبار أن هذه هي الوسيلة "النافعة" في إسكات الطفل، لأن الأب لا يريد أن يصبر على طفله، بل يريد أن يختصر المسافة من أجل أن يريح نفسه، فيلجأ إلى ضربه، وإذا فرضنا أننا انتقلنا إلى المدارس، فإننا نجد أن هذا الأسلوب يستعمله الكثير من المربين والمربيات، والمعلّمين والمعلمات، حيث يختصرون مسألة تأديب الطفل بالضرب أو ببعض أساليب العنف التي قد تكون أخطر من الضرب في تأثيرها النفسي المدمّر..

الآباء يورثون العنف لأبنائهم

وكم أصدرنا من الفتوى للكثير من هؤلاء الذين يتولّون مهمة التربية والتعليم، حتى في المدارس الإسلامية، بأن ذلك حرام، ولكن المشكلة هي أن المعلمة تتعلّم ذلك من أبيها عندما يضربها في طفولتها، فالبيت هو المدرسة الأولى، والأب والأم اللذان يستعملان أسلوب العنف مع أبنائهم فإنهم يورثونه لأبنائهم عندما يصبحون آباء وأمهات، أو معلّمين ومعلّمات، والعالم كله الآن ينادي باحترام الطفولة ورعاية إنسانيتهم، حتى أنه يوجد في الأمم المتحدة قوانين لكيفية التعامل مع الطفل، وأغلبها مما دعا إليها الإسلام، حتى أنهم يستنكرون مسألة عمالة الأطفال، لا سيما في الأعمال العنيفة التي لا تتناسب مع طبيعة جسده وقدرته على الاحتمال.

ظاهرة تعذيب الطفولة في مجتمعاتنا

ونحن في مجتمعاتنا الإسلامية نجد ظاهرة تعذيب الطفولة بمختلف أساليب التعذيب، وهي ظاهرة شائعة، ولا نشمل كل الناس، وقد ورد في الحديث: "وظلم الضعيف أفحش الظلم"، لأن الإنسان الضعيف لا يملك وسيلة لرد الأذى عنه، بل ينظر إليك بحيرة وألم، فيجب على كل أب وأم يعنف مع طفله أن ينظر إلى عينيه كيف يعبّران عن مقت الطفل تجاههما، حتى أن بعض الناس عندما تراه يضرب ولده وتردعه عن ذلك يقول لك: "ما شأنك، إنه ابني"، وكأنه ملك له كأيّ قطعة من أثاث البيت، فالله تعالى لم يجعل الولد ملكاً لأبيه وأمه، بل هو أمانة الله عندهم.

لذلك، فليعلم كل الآباء والأمهات، والمعلّمين والمعلّمات، الذين يعنفون مع الأطفال، أنهم سوف يعاملون يوم القيامة عند الله معاملة الظالمين. وأنا أقول لكم: صلوا ما شئتم، وصوموا ما شئتم، ولن ينفعكم ذلك إذا كنتم تظلمون الضعيف، لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأي منكر أعظم من هذا المنكر؟

العقد الزوجي: حقوق متبادلة

وهناك العنف ضد المرأة، سواء كانت زوجة أو أختاً أو بنتاً، ومشكلتنا أن بعض الناس لا يزال يحمل فكرة تاريخية متخلّفة، فيعتبر أنه عندما دفع المهر فكأنه اشترى هذه المرأة، كما لو أنه اشترى الشاة بلحمها وعظمها وجلدها، وعلى كل إنسان أن يسأل نفسه: من الذي سلّطك على زوجتك؟ هل هو العقد الزوجي، الله تعالى يقول: {ولهنَّ مثل الذي عليهن}، العقد الزّوجي هو عقد يجعل لك حقاً وعليك واجبا، ولها حقاً وعليها واجباً، ولكنه لا يمكّنك من أيّ عنف ضد زوجتك، وكذلك بالنسبة إلى المرأة إذا كان زوجها ضعيفاً وهي بنت عشيرة أو يملك ذووها موقعاً متقدماً في المجتمع، سواء كان العنف عنف الضرب أو الشتيمة أو الاتهام بالفحشاء، وحدّ الاتهام الأخير أن يُجلد ويفقد حقوقه المدنية ويعتبر فاسقاً. وهناك نوع آخر من العنف وهو عنف الطرد من البيت، فمن الذي أعطى الزوج هذا الحق ما دامت زوجة له، والنفقة توجب عليه أن يؤمّن لها السكنى في البيت؟

الدين هو العدل

البعض يقول لك: الدين شيء والمعاملة شيء آخر؟؟ نحن نقول: إن الدين هو هذا الدين، الدين هو العدل، من لا عدل له لا دين له، سواء العدل مع الزوجة أو مع الطفل أو الجار وما إلى ذلك. افهموا الدين فهماً إنسانياً اجتماعياً ولا تفهموه مجرد طقوس وصلاة وإقامة في المسجد من الصباح حتى المساء، بحيث يكون الإنسان من أكثر المحافظين على الطقوس الدينية بينما أهله من أشقى الناس به، وهناك كلمة للنبي (ص) يقول فيها: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".

وهناك العنف الذي يمارس في أعمال الثأر الذي تستباح فيه الدماء البريئة لمجرّد أنهم ينتمون إلى عشيرة القاتل أو ما إلى ذلك، والعدل يقتضي أن يُقتص من القاتل، ولا يسرف وليّه في القتل، وأي إنسان فينا أعظم من أمير المؤمنين (ع)، ومع ذلك فإنه أوصى عشيرته: "يا بني عبد المطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً، تقولون: قُتل أمير المؤمنين، قُتل أمير المؤمنين، ألا لا يقتلن بي إلا قاتلي، ولا تمثلوا بالرجل، فإني سمعت رسول الله يقول: "إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور".

التعاون على البرّ والتقوى

العالم ينظر إلى مجتمعاتنا الإسلامية على أنها مجتمعات تخلّف وظلم ورجعية، وقد سمعنا مؤخراً الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته يقولان بأنهما يريدان أن يعلمانا العدالة والديمقراطية والحريات، لأن واقعنا يعاني من هذا التعصّب الحزبي والطائفي والمذهبي الذي هو نوع من أنواع العنف الذي قد يتحوّل إلى عنف مادي، ويؤدي إلى تقاتل تحت تأثير هذه العصبيات.

إن هذا الواقع الذي يعيشه مجتمعنا في الأخذ بأساليب العنف لن يخدم سلامه وتقدمه، ولن يخدم انتصاره أمام التحديات الأخرى، والله تعالى يأمرنا: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}، فعلينا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وأن نتحرك من أجل تخليص المجتمع من هذا العنف ضد الطفولة وضد المرأة وضد الضعيف وضد الإنسان الآخر، لنعيش في مجتمع يحترم فيه الإنسان الإنسان، ويتعاون فيه الإنسان مع الإنسان.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في ما حمّلكم مسؤوليته من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن معاونة الضعيف وإغاثة اللهيف، ومن القيام بكل ما يحقق للأمة السير في طريق العدل على جميع المستويات، سواء كان العدل عدلاً سياسياً أو اجتماعياً أو أمنياً. وعلينا أن نواجه الظالمين والمستكبرين في كل مكان في العالم، لتبقى لنا عزتنا وكرامتنا ونسيطر على مقدّراتنا، وأن لا نبتعد عن الحق وأهله، لا سيما وأننا نواجه الكثير من التحديات والمآسي، وعلينا أن نستعد لمواجهة ذلك ونخطط للخروج من هذا النفق، فماذا هناك:

من هم الإرهابيون!!!

لا تزال فلسطين في الواقع العربي والإسلامي هي العنوان الأبرز للتحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي الاستراتيجي، في تهديم البنية التحتية العمرانية والاقتصادية والإدارية للشعب الفلسطيني، بعد أن منحت الإدارة الأمريكية كل الحرية للصهاينة النازيين في ارتكاب كل الأعمال الوحشية الإرهابية التي تمثّل الأسلوب النازي، في محرقة جديدة من نوع آخر أعطتها أمريكا عنوان الدفاع عن النفس، لترجم الشعب الفلسطيني المدافع عن حريته واستقلاله بتهمة الإرهاب..

إننا ـ أمام هذا الواقع ـ ندعو العرب والمسلمين، وكل الشعوب الحرّة المستضعفة، إلى أن تفهم الخلفية الأمريكية في اضطهادها لحقوق الإنسان.

ومن جانب آخر، فإن مجلس الأمن أصدر إعلاناً حول مكافحة الإرهاب، والإنذار بالخطورة الكبيرة والمتزايدة من وصول من أسماهم الإرهابيين إلى مواد كيميائية ونووية وبيولوجية أو غيرها، ما يشكّل خطراً قاتلاً من قِبَل الذين يستخدمونها..

إننا نوافق مجلس الأمن على إعلانه بكل تفاصيله من حيث المبدأ.. ولكن، لماذا لم يحدد من هم الإرهابيون، وهل الذين يدافعون عن استقلال بلادهم ضد الاحتلال هم إرهابيون، كما يتحدث بعض أعضاء المجلس ـ وفي مقدمتهم أمريكا ـ عن رجال الانتفاضة، لا سيما أن إسرائيل تملك كل أسلحة الدمار الشامل في منطقة لا تملك أية دولة فيها أيّ شيء من هذا القبيل، إلا بما يثيره الإعلام الأمريكي ـ الإسرائيلي من أكاذيب واتهامات؟؟

ونتساءل مع كل شعوب المنطقة: مَن الذي يحمي المنطقة من الأسلحة الإسرائيلية، خصوصاً مع الدعم الأمريكي المطلق الذي تؤكد فيه أمريكا استعدادها للدخول في حرب عالمية لحماية أمن إسرائيل؟؟ إن مشكلة المنظمة الدولية ـ الأمم المتحدة ـ أنها أصبحت ألعوبة بيد أمريكا التي تعلن بين وقت وآخر بأنها سوف تخوض الحرب ضد العراق حتى من دون الحصول على قرار من هذه المنظمة!!

موقف فرنسي شجاع

وفي اتجاه آخر، فإن أمريكا تتحدث ـ دائماً ـ عن نفاد صبرها، لأن العراق لم ينزع أسلحة الدمار الشامل التي يملكها، على حدّ زعمها.. ولكنها في الوقت نفسه، ليست مستعدة ـ ولا بريطانيا ـ للقيام بتقديم المعلومات الدقيقة للمفتشين الدوليين لاكتشاف ذلك بطريقة حسيّة مباشرة، ما قد يوحي بأنها لا تملك أية معلومات لتقدّمها إلى العالم ـ حتى إلى حلفائها ـ لتبرير الحرب على أساس الشرعية الدولية..

إننا ـ في هذا الجانب ـ ننوّه بموقف الرئيس الفرنسي الذي صرّح لصحيفة "الفيغارو" بأن التدخّل العسكري "لن يكون شرعياً إذا لم يستند إلى قرارات مجلس الأمن.. وأن الحرب ليست قدراً وإنما هي تعبير عن الفشل وهي أسوأ الحلول، وبالتالي فنحن سنواصل جهودنا".. ويتابع الرئيس الفرنسي حديثه قائلاً: "إن المنطقة لا تحتاج لمثل هذه الحرب، ذلك أن حرباً بهذا الحجم ستكون لها آثار سلبية قد تكون كبيرة الخطورة، إضافةً إلى الثمن المالي الضخم، وثمة من يتحدث عن مائة مليار دولار، وحين نفكّر أننا عاجزون عن تقديم الأدوية إلى دول فقيرة أو مكافحة الأمراض المعدية، يحق لنا أن نتساءل إذا ما كانت الحرب منطقية"..

إننا نثمّن هذا المنطق العاقل الإنساني، الذي التقى مع الموقف الألماني الذي نرجو أن يتحرك ليشمل الاتحاد الأوروبي والروسي والصين، وكل الدول التي تحترم نفسها أمام الاستلاب الأمريكي للعالم..

نتحسس آلام الشعب العراقي

وإننا عندما نتحدث بهذه الطريقة، فليس معنى ذلك أننا لا نتحسس آلام الشعب العراقي من نظام الطاغية الذي دمّر كل حياته بمختلف الوسائل، وشرّد الملايين من أفراده، وجوّع الملايين من أطفاله، ولكننا ندعو إلى دعم الشعب العراقي في حركة معارضته الحقيقية للقيام بانتفاضة شعبية قوية واسعة كالانتفاضة التي أعقبت حرب تحرير الكويت، التي أسقطتها الإدارة الأمريكية آنذاك لدعم نظام الطاغية..

ثم، إن من المضحك المبكي أن وزير خارجية أمريكا يعتبر النفط العراقي أمانة للشعب العراقي بعد احتلال العراق.. ونحن نتساءل: هل هناك في العالم كله، حتى من حلفاء أمريكا، مَن يصدّق أكذوبة الأمانة الأمريكية التي صادرت وجمّدت أرصدة الشعوب الأخرى المودعة عندها حتى الآن، كالأرصدة الإيرانية؟

إن أمريكا ليست أمينة على ثروات الشعوب، ولا سيما في العالم العربي والإسلامي، لأنها تخطط للاستيلاء عليها بما تملك من الأسلحة المتطوّرة المدمِّرة.. وإننا ندعو هذه الإدارة إلى متابعة حركة الكراهية التي تحملها الشعوب لها، ما يجعل استهداف جنودها ومواطنيها يتحرك هنا وهناك بطريقة عشوائية حتى على المستوى الفردي.

لبنان: غرقٌ في السجالات

أما في لبنان المستهدَف إسرائيلياً دائماً على الصعيد الأمني، والخاضع لأكثر من لعبة أمريكية مخابراتية أو دبلوماسية أو من تهويل بالحرب ضد الإرهاب أو ما إلى ذلك.. أما لبنان الغارق في سجالاته السياسية، وفي حرب الأرقام غير الخاضعة للحسابات القضائية الدقيقة، فهل يستفيق على طبول الحرب التي يدقّها الاستكبار الأمريكي من حولـه، في عملية تخطيط لتغيير المنطقة على طريقة المصالح الأمريكية، في ضباب مستقبلي لا يعرف أحد ماذا يخفي من خطط أمنية أو سياسية للبلد؟ إن الجوّ السياسي مشغول بالحديث عن أرقام الميزانية، وعن حسابات الضرائب، وعن ضياع مشاريع الخدمات في متاهات العجز الاقتصادي..

الأموال العامة.. أمانة الشعب

إننا نتساءل عن القانون الذي يطلب من النائب التصريح عن ثروته قبل الدخول إلى المجلس، لماذا لا يُستكمل بالسؤال عن الثروة الجديدة بعد الخروج منه؟ ثم، لماذا لا يطلب من الموظفين الكبار أن يُفصحوا عن ثرواتهم قبل الوظيفة وبعدها، لا سيما الذين يديرون مجالس خدماتية مليئة بمئات الملايين؟ ولماذا لا يُطلب ذلك من الرؤساء والوزراء؟؟

إن المال العام هو أمانة الشعب بيد الذين يديرونه ويشرفون عليه، فمَن هو المسؤول عن التدقيق في صيانة هذه الأمانة؟ إنهم قد يقولون لك: أغلقوا هذا الملف أو ذاك لأنه سوف يخلق مشكلة طائفية عندما يتعلق الأمر برموز الطوائف، أو هزّة سياسية عندما يرتبط الموضوع بجماعة هذا السياسي الكبير أو ذاك.. وما أكثر ما تُفتح بعض الملفات من أجل لعبة سياسية أو تسجيل نقطة هنا وهناك، وما أكثر ما تُغلق الملفات بفعل التسويات التي تتم على حساب المال العام..

إن النظام الطائفي الذي يوزع الحصص على الطوائف قد يكون مظهر توازن شعبي، كما يقولون، ولكنه يتحوّل إلى إسقاط للتوازن الاقتصادي والسياسي عندما تتصل القضية بتقسيم المال العام لمصلحة رموز الطوائف.. فهل نحتاج إلى قمة لصلاة كل الطوائف ليساعد الله هذا البلد من بعض الذين يقودونه أو يحرّكون اللعبة السياسية فيه؟  

لأنّ الرفق خلقٌ إسلاميٌ أصيل:
تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم}، ويروى عن النبي (ص) أنه قال: "إن الرفق لم يوضع على شيء إلا زانه، ولا نُزع عن شيء إلا شانه، وإن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف".

الرفق خُلُقٌ إسلامي أصيل

موضوعنا في هذا اللقاء مسألة الرفق والعنف، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع كثيراً، ولكن طبيعة الممارسات القاسية الوحشية التي انطلقت في مجتمعاتنا الشعبية، تجعلنا ندرك أن الإنسان المؤمن لم يستوعب هذا الخُلق الإسلامي الأصيل، ولم ينفتح على معرفة أن الله تعالى يبغض العنف في العلاقات الإنسانية، ولا سيما إذا كانت المسألة مسألة عنف ضد الطفولة أو ضد الضعيف، أو مسألة عنف في العلاقات الإنسانية التي يختلف فيها الناس مع بعضهم البعض في موقع ديني أو سياسي أو اجتماعي.

إنّ العنف قد يتحوّل إلى حالة من الوحشية تجعل الإنسان أقسى من الوحش، لأن الوحش لا يفعل ذلك.. لقد نقلت إلينا الأخبار قبل أيام أن أباً ينزعج من بكاء طفلته لأنه يريد أن ينام، ولم يحاول أن يدرس الوسائل التي يستطيع فيها أن يهدهد هذه الطفلة ذات الخمسة أشهر وأن يدللها، وأن يأتي إليها ببعض الأدوية التي تهدئ من بكائها، فانطلق كمثل الوحش ليضرب رأسها بجدار هنا وبأرض هناك، أو بأية وسيلة تحت يده، حتى نزفت هذه الطفلة وماتت تحت تأثير هذه الضربات، وبناء على أقوال والدتها، فإنه منعها من أخذها إلى المستشفى، وعندما قدمت شكوى لمخفر من مخافر الشرطة، قال لها إن من حق الأب أن يضرب ابنته.

العنف حرام

إننا نتساءل: أيّ وحش هو هذا الوحش؟ هل ترون وحشاً يمكن أن يسيء إلى وليده، بل المسألة بالعكس، فإننا نلاحظ من خلال بعض الأفلام الوثائقية، أن الحيوانات هي في منتهى الرفق في مسألة العناية بأطفالهم. وهذه الحادثة قد نجد أمثالها بشكل آخر، فقد نجد بعض الآباء والأمهات يعنفون مع أطفالهم إذا بكوا أو تمردوا على أيّ أمر بالضرب المبرح، باعتبار أن هذه هي الوسيلة "النافعة" في إسكات الطفل، لأن الأب لا يريد أن يصبر على طفله، بل يريد أن يختصر المسافة من أجل أن يريح نفسه، فيلجأ إلى ضربه، وإذا فرضنا أننا انتقلنا إلى المدارس، فإننا نجد أن هذا الأسلوب يستعمله الكثير من المربين والمربيات، والمعلّمين والمعلمات، حيث يختصرون مسألة تأديب الطفل بالضرب أو ببعض أساليب العنف التي قد تكون أخطر من الضرب في تأثيرها النفسي المدمّر..

الآباء يورثون العنف لأبنائهم

وكم أصدرنا من الفتوى للكثير من هؤلاء الذين يتولّون مهمة التربية والتعليم، حتى في المدارس الإسلامية، بأن ذلك حرام، ولكن المشكلة هي أن المعلمة تتعلّم ذلك من أبيها عندما يضربها في طفولتها، فالبيت هو المدرسة الأولى، والأب والأم اللذان يستعملان أسلوب العنف مع أبنائهم فإنهم يورثونه لأبنائهم عندما يصبحون آباء وأمهات، أو معلّمين ومعلّمات، والعالم كله الآن ينادي باحترام الطفولة ورعاية إنسانيتهم، حتى أنه يوجد في الأمم المتحدة قوانين لكيفية التعامل مع الطفل، وأغلبها مما دعا إليها الإسلام، حتى أنهم يستنكرون مسألة عمالة الأطفال، لا سيما في الأعمال العنيفة التي لا تتناسب مع طبيعة جسده وقدرته على الاحتمال.

ظاهرة تعذيب الطفولة في مجتمعاتنا

ونحن في مجتمعاتنا الإسلامية نجد ظاهرة تعذيب الطفولة بمختلف أساليب التعذيب، وهي ظاهرة شائعة، ولا نشمل كل الناس، وقد ورد في الحديث: "وظلم الضعيف أفحش الظلم"، لأن الإنسان الضعيف لا يملك وسيلة لرد الأذى عنه، بل ينظر إليك بحيرة وألم، فيجب على كل أب وأم يعنف مع طفله أن ينظر إلى عينيه كيف يعبّران عن مقت الطفل تجاههما، حتى أن بعض الناس عندما تراه يضرب ولده وتردعه عن ذلك يقول لك: "ما شأنك، إنه ابني"، وكأنه ملك له كأيّ قطعة من أثاث البيت، فالله تعالى لم يجعل الولد ملكاً لأبيه وأمه، بل هو أمانة الله عندهم.

لذلك، فليعلم كل الآباء والأمهات، والمعلّمين والمعلّمات، الذين يعنفون مع الأطفال، أنهم سوف يعاملون يوم القيامة عند الله معاملة الظالمين. وأنا أقول لكم: صلوا ما شئتم، وصوموا ما شئتم، ولن ينفعكم ذلك إذا كنتم تظلمون الضعيف، لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأي منكر أعظم من هذا المنكر؟

العقد الزوجي: حقوق متبادلة

وهناك العنف ضد المرأة، سواء كانت زوجة أو أختاً أو بنتاً، ومشكلتنا أن بعض الناس لا يزال يحمل فكرة تاريخية متخلّفة، فيعتبر أنه عندما دفع المهر فكأنه اشترى هذه المرأة، كما لو أنه اشترى الشاة بلحمها وعظمها وجلدها، وعلى كل إنسان أن يسأل نفسه: من الذي سلّطك على زوجتك؟ هل هو العقد الزوجي، الله تعالى يقول: {ولهنَّ مثل الذي عليهن}، العقد الزّوجي هو عقد يجعل لك حقاً وعليك واجبا، ولها حقاً وعليها واجباً، ولكنه لا يمكّنك من أيّ عنف ضد زوجتك، وكذلك بالنسبة إلى المرأة إذا كان زوجها ضعيفاً وهي بنت عشيرة أو يملك ذووها موقعاً متقدماً في المجتمع، سواء كان العنف عنف الضرب أو الشتيمة أو الاتهام بالفحشاء، وحدّ الاتهام الأخير أن يُجلد ويفقد حقوقه المدنية ويعتبر فاسقاً. وهناك نوع آخر من العنف وهو عنف الطرد من البيت، فمن الذي أعطى الزوج هذا الحق ما دامت زوجة له، والنفقة توجب عليه أن يؤمّن لها السكنى في البيت؟

الدين هو العدل

البعض يقول لك: الدين شيء والمعاملة شيء آخر؟؟ نحن نقول: إن الدين هو هذا الدين، الدين هو العدل، من لا عدل له لا دين له، سواء العدل مع الزوجة أو مع الطفل أو الجار وما إلى ذلك. افهموا الدين فهماً إنسانياً اجتماعياً ولا تفهموه مجرد طقوس وصلاة وإقامة في المسجد من الصباح حتى المساء، بحيث يكون الإنسان من أكثر المحافظين على الطقوس الدينية بينما أهله من أشقى الناس به، وهناك كلمة للنبي (ص) يقول فيها: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".

وهناك العنف الذي يمارس في أعمال الثأر الذي تستباح فيه الدماء البريئة لمجرّد أنهم ينتمون إلى عشيرة القاتل أو ما إلى ذلك، والعدل يقتضي أن يُقتص من القاتل، ولا يسرف وليّه في القتل، وأي إنسان فينا أعظم من أمير المؤمنين (ع)، ومع ذلك فإنه أوصى عشيرته: "يا بني عبد المطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً، تقولون: قُتل أمير المؤمنين، قُتل أمير المؤمنين، ألا لا يقتلن بي إلا قاتلي، ولا تمثلوا بالرجل، فإني سمعت رسول الله يقول: "إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور".

التعاون على البرّ والتقوى

العالم ينظر إلى مجتمعاتنا الإسلامية على أنها مجتمعات تخلّف وظلم ورجعية، وقد سمعنا مؤخراً الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته يقولان بأنهما يريدان أن يعلمانا العدالة والديمقراطية والحريات، لأن واقعنا يعاني من هذا التعصّب الحزبي والطائفي والمذهبي الذي هو نوع من أنواع العنف الذي قد يتحوّل إلى عنف مادي، ويؤدي إلى تقاتل تحت تأثير هذه العصبيات.

إن هذا الواقع الذي يعيشه مجتمعنا في الأخذ بأساليب العنف لن يخدم سلامه وتقدمه، ولن يخدم انتصاره أمام التحديات الأخرى، والله تعالى يأمرنا: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}، فعلينا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وأن نتحرك من أجل تخليص المجتمع من هذا العنف ضد الطفولة وضد المرأة وضد الضعيف وضد الإنسان الآخر، لنعيش في مجتمع يحترم فيه الإنسان الإنسان، ويتعاون فيه الإنسان مع الإنسان.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في ما حمّلكم مسؤوليته من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن معاونة الضعيف وإغاثة اللهيف، ومن القيام بكل ما يحقق للأمة السير في طريق العدل على جميع المستويات، سواء كان العدل عدلاً سياسياً أو اجتماعياً أو أمنياً. وعلينا أن نواجه الظالمين والمستكبرين في كل مكان في العالم، لتبقى لنا عزتنا وكرامتنا ونسيطر على مقدّراتنا، وأن لا نبتعد عن الحق وأهله، لا سيما وأننا نواجه الكثير من التحديات والمآسي، وعلينا أن نستعد لمواجهة ذلك ونخطط للخروج من هذا النفق، فماذا هناك:

من هم الإرهابيون!!!

لا تزال فلسطين في الواقع العربي والإسلامي هي العنوان الأبرز للتحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي الاستراتيجي، في تهديم البنية التحتية العمرانية والاقتصادية والإدارية للشعب الفلسطيني، بعد أن منحت الإدارة الأمريكية كل الحرية للصهاينة النازيين في ارتكاب كل الأعمال الوحشية الإرهابية التي تمثّل الأسلوب النازي، في محرقة جديدة من نوع آخر أعطتها أمريكا عنوان الدفاع عن النفس، لترجم الشعب الفلسطيني المدافع عن حريته واستقلاله بتهمة الإرهاب..

إننا ـ أمام هذا الواقع ـ ندعو العرب والمسلمين، وكل الشعوب الحرّة المستضعفة، إلى أن تفهم الخلفية الأمريكية في اضطهادها لحقوق الإنسان.

ومن جانب آخر، فإن مجلس الأمن أصدر إعلاناً حول مكافحة الإرهاب، والإنذار بالخطورة الكبيرة والمتزايدة من وصول من أسماهم الإرهابيين إلى مواد كيميائية ونووية وبيولوجية أو غيرها، ما يشكّل خطراً قاتلاً من قِبَل الذين يستخدمونها..

إننا نوافق مجلس الأمن على إعلانه بكل تفاصيله من حيث المبدأ.. ولكن، لماذا لم يحدد من هم الإرهابيون، وهل الذين يدافعون عن استقلال بلادهم ضد الاحتلال هم إرهابيون، كما يتحدث بعض أعضاء المجلس ـ وفي مقدمتهم أمريكا ـ عن رجال الانتفاضة، لا سيما أن إسرائيل تملك كل أسلحة الدمار الشامل في منطقة لا تملك أية دولة فيها أيّ شيء من هذا القبيل، إلا بما يثيره الإعلام الأمريكي ـ الإسرائيلي من أكاذيب واتهامات؟؟

ونتساءل مع كل شعوب المنطقة: مَن الذي يحمي المنطقة من الأسلحة الإسرائيلية، خصوصاً مع الدعم الأمريكي المطلق الذي تؤكد فيه أمريكا استعدادها للدخول في حرب عالمية لحماية أمن إسرائيل؟؟ إن مشكلة المنظمة الدولية ـ الأمم المتحدة ـ أنها أصبحت ألعوبة بيد أمريكا التي تعلن بين وقت وآخر بأنها سوف تخوض الحرب ضد العراق حتى من دون الحصول على قرار من هذه المنظمة!!

موقف فرنسي شجاع

وفي اتجاه آخر، فإن أمريكا تتحدث ـ دائماً ـ عن نفاد صبرها، لأن العراق لم ينزع أسلحة الدمار الشامل التي يملكها، على حدّ زعمها.. ولكنها في الوقت نفسه، ليست مستعدة ـ ولا بريطانيا ـ للقيام بتقديم المعلومات الدقيقة للمفتشين الدوليين لاكتشاف ذلك بطريقة حسيّة مباشرة، ما قد يوحي بأنها لا تملك أية معلومات لتقدّمها إلى العالم ـ حتى إلى حلفائها ـ لتبرير الحرب على أساس الشرعية الدولية..

إننا ـ في هذا الجانب ـ ننوّه بموقف الرئيس الفرنسي الذي صرّح لصحيفة "الفيغارو" بأن التدخّل العسكري "لن يكون شرعياً إذا لم يستند إلى قرارات مجلس الأمن.. وأن الحرب ليست قدراً وإنما هي تعبير عن الفشل وهي أسوأ الحلول، وبالتالي فنحن سنواصل جهودنا".. ويتابع الرئيس الفرنسي حديثه قائلاً: "إن المنطقة لا تحتاج لمثل هذه الحرب، ذلك أن حرباً بهذا الحجم ستكون لها آثار سلبية قد تكون كبيرة الخطورة، إضافةً إلى الثمن المالي الضخم، وثمة من يتحدث عن مائة مليار دولار، وحين نفكّر أننا عاجزون عن تقديم الأدوية إلى دول فقيرة أو مكافحة الأمراض المعدية، يحق لنا أن نتساءل إذا ما كانت الحرب منطقية"..

إننا نثمّن هذا المنطق العاقل الإنساني، الذي التقى مع الموقف الألماني الذي نرجو أن يتحرك ليشمل الاتحاد الأوروبي والروسي والصين، وكل الدول التي تحترم نفسها أمام الاستلاب الأمريكي للعالم..

نتحسس آلام الشعب العراقي

وإننا عندما نتحدث بهذه الطريقة، فليس معنى ذلك أننا لا نتحسس آلام الشعب العراقي من نظام الطاغية الذي دمّر كل حياته بمختلف الوسائل، وشرّد الملايين من أفراده، وجوّع الملايين من أطفاله، ولكننا ندعو إلى دعم الشعب العراقي في حركة معارضته الحقيقية للقيام بانتفاضة شعبية قوية واسعة كالانتفاضة التي أعقبت حرب تحرير الكويت، التي أسقطتها الإدارة الأمريكية آنذاك لدعم نظام الطاغية..

ثم، إن من المضحك المبكي أن وزير خارجية أمريكا يعتبر النفط العراقي أمانة للشعب العراقي بعد احتلال العراق.. ونحن نتساءل: هل هناك في العالم كله، حتى من حلفاء أمريكا، مَن يصدّق أكذوبة الأمانة الأمريكية التي صادرت وجمّدت أرصدة الشعوب الأخرى المودعة عندها حتى الآن، كالأرصدة الإيرانية؟

إن أمريكا ليست أمينة على ثروات الشعوب، ولا سيما في العالم العربي والإسلامي، لأنها تخطط للاستيلاء عليها بما تملك من الأسلحة المتطوّرة المدمِّرة.. وإننا ندعو هذه الإدارة إلى متابعة حركة الكراهية التي تحملها الشعوب لها، ما يجعل استهداف جنودها ومواطنيها يتحرك هنا وهناك بطريقة عشوائية حتى على المستوى الفردي.

لبنان: غرقٌ في السجالات

أما في لبنان المستهدَف إسرائيلياً دائماً على الصعيد الأمني، والخاضع لأكثر من لعبة أمريكية مخابراتية أو دبلوماسية أو من تهويل بالحرب ضد الإرهاب أو ما إلى ذلك.. أما لبنان الغارق في سجالاته السياسية، وفي حرب الأرقام غير الخاضعة للحسابات القضائية الدقيقة، فهل يستفيق على طبول الحرب التي يدقّها الاستكبار الأمريكي من حولـه، في عملية تخطيط لتغيير المنطقة على طريقة المصالح الأمريكية، في ضباب مستقبلي لا يعرف أحد ماذا يخفي من خطط أمنية أو سياسية للبلد؟ إن الجوّ السياسي مشغول بالحديث عن أرقام الميزانية، وعن حسابات الضرائب، وعن ضياع مشاريع الخدمات في متاهات العجز الاقتصادي..

الأموال العامة.. أمانة الشعب

إننا نتساءل عن القانون الذي يطلب من النائب التصريح عن ثروته قبل الدخول إلى المجلس، لماذا لا يُستكمل بالسؤال عن الثروة الجديدة بعد الخروج منه؟ ثم، لماذا لا يطلب من الموظفين الكبار أن يُفصحوا عن ثرواتهم قبل الوظيفة وبعدها، لا سيما الذين يديرون مجالس خدماتية مليئة بمئات الملايين؟ ولماذا لا يُطلب ذلك من الرؤساء والوزراء؟؟

إن المال العام هو أمانة الشعب بيد الذين يديرونه ويشرفون عليه، فمَن هو المسؤول عن التدقيق في صيانة هذه الأمانة؟ إنهم قد يقولون لك: أغلقوا هذا الملف أو ذاك لأنه سوف يخلق مشكلة طائفية عندما يتعلق الأمر برموز الطوائف، أو هزّة سياسية عندما يرتبط الموضوع بجماعة هذا السياسي الكبير أو ذاك.. وما أكثر ما تُفتح بعض الملفات من أجل لعبة سياسية أو تسجيل نقطة هنا وهناك، وما أكثر ما تُغلق الملفات بفعل التسويات التي تتم على حساب المال العام..

إن النظام الطائفي الذي يوزع الحصص على الطوائف قد يكون مظهر توازن شعبي، كما يقولون، ولكنه يتحوّل إلى إسقاط للتوازن الاقتصادي والسياسي عندما تتصل القضية بتقسيم المال العام لمصلحة رموز الطوائف.. فهل نحتاج إلى قمة لصلاة كل الطوائف ليساعد الله هذا البلد من بعض الذين يقودونه أو يحرّكون اللعبة السياسية فيه؟  

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير