قضايا الحوار بين الإسلام والغرب

قضايا الحوار بين الإسلام والغرب

أجرت صحيفة "الزمن" حواراً مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، تناول فيها قضايا الحوار بين الإسلام والغرب، وسبل معالجته، حيث رأى أن المشاكل العالقة بينهما هي مشاكل اقتصادية وسياسية وأمنية... وقد جاء في الحوار ما نصّه:

"يجب أن نحاور العالم كله تحت شعار: "لا مقدسات في الحوار" هذا ما يؤكد عليه العلامة السيد محمد حسين فضل الله ويقول: إننا لا نعتبر أن الحروب الصليبية تمثل عقدة لدى المسلمين لأن الغربيين في هذه المرحلة كما المسلمين لا يعيشون حركية هذه الحرب بالمعنى الديني.

* ما شروط وظروف الحوار الحقيقي بين العالمين العربي والإسلامي وبين الغرب. هل يمكن أن يكون هناك حوار حقاً من دون الاتفاق أولاً على إعلان نهاية الحروب الصليبية والجهاد؟

ـ من شروط الحوار الهادف إلى الوصول إلى قاعدة الفهم المتبادل، هو أن لا تكون هناك شروط مسبقة يفرضها أحد الطرفين على الآخر من خلال إصدار الحكم على الآخر بشكل حازم لا يقبل أية مناقشة على ضوء هذا فإننا نبدأ من الحروب الصليبية والجهاد التي ربما يخيل للبعض كما طرحها السؤال بأنها تمثل عقبة في واقعية الحوار بين الغرب وبين الإسلام. نحن نعتقد أن الحروب الصليبية كانت منطلقة من ظروف معينة تختزن في داخلها الرغبة الدينية المسيحية في تحرير الأراضي المقدسة للمسيحيين في القدس والتي يعتبرها المسيحيون محتلة من قبل المسلمين بالإضافة إلى بعض الظروف السياسية والداخلية الموجودة في داخل الغرب أو خارجه في هذا المجال. إننا لا نعتبر الحروب الصليبية التي عاشت في مرحلة زمنية معينة وانتهت بجميع مفاعيلها ومؤثراتها لاسيما بعد تحرير فلسطين من الاحتلال الصليبي أنها تمثل عقدة لدى المسلمين، لأن الغربيين في هذه المرحلة كما المسلمين لا يعيشون حركية هذه الحرب بالمعنى الديني إلا ما قد يعيشه بعض الناس من مشاعر سلبية أو إيجابية كما يعيش البعض التاريخ السلبي أو الإيجابي في مجالاتهم.

أما مسألة الجهاد فإن الغرب قد يحملها ما لا تحتمل، لأن الجهاد في الإسلام بقاعدته الوقائية والدفاعية لا يختلف عن أي حرب يثيرها أي فريق في العالم لا يؤمن بالعدوان على الناس الآخرين، فالإسلام يمنع المسلمين من أن يعتدوا على كل إنسان مسالم لا يريد لهم حرباً ولا يضطهدهم أو يخرجهم من بلادهم فالله يقول: {ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}، والله يقول: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون}.

إن إعطاء كلمة الجهاد معنى عدوانياً بحيث يخيل للآخرين أن المسلم يمسك سيفاً فوضوياً عدوانياً يحاول من خلاله أن يضرب أي إنسان غير مسلم ليقهره على الدين إن هذا غير واقعي.

لذلك نقول إذا بقيت هناك بعض الذهنيات التي قد تسيء فهم هذا العنوان التي ربما نجد أن بعض المسؤولين الغربيين يكررها كما كررها بوش بعد 11 (سبتمبر ـ أيلول) وإن كان قد اعتذر عنها بعد ذلك بإنها زلة لسان لا يقصد بها المعنى الديني فلا مجال للحوار المنطلق من هذه الذهنيات.

لا مشكلة ولا مقدسات

لذلك إذا استقام للمتحاورين أنهما لا يحملان معنى عدوانياً، بإمكانهما أن ينطلقا من أجل أن يتحاورا في كل شيء. نحن أطلقنا قبل سنين عديدة شعاراً «لا مقدسات في الحوار»، فبإمكان الإنسان أن يحاور الآخر في كل ما يختلف معه أو ما يريد أن يتفاهم حوله. على ضوء هذا يمكننا أن نتحاور مع الغرب المثقف حول معنى الإسلام من حيث قاعدته الروحية المادية والفردية والاجتماعية والدنيا والآخرة وعلاقته بالإنسان وبحرية الإنسان وما هو حجم هذه الحرية وعلاقته بالآخر ومن حيث الاعتراف بالآخر ومن حيث طبيعة الأسلوب عنفاً كان أم رفقاً أو من حيث العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية.

من هنا يمكن للغرب أن يطرح تصوره في القاعدة الفكرية التي يرتكز عليها حيث يعتبر أن الدين خارج نطاق الحياة والسياسة والقانون وما إلى ذلك وفي التركيز على القاعدة الفلسفية المادية في نظرته إلى مسألة الحريات والحرية الفردية للإنسان بشكل واسع جداً وفي مسألة الاقتصاد وفي بعدها الرأسمالي أو الاشتراكي أو الوسط بين المادية والاشتراكية وفي قضية التبادل بينه وبين الشعوب الأخرى وفي العلاقات التي ينبغي أن تركز على أساس النفعية.

إننا لا نعتقد أن هناك مشكلة في الحوار بين إنسان وإنسان آخر، لأن الحوار أساساً وضع للذين يختلفون في أفكارهم.

على ضوء هذا فإننا كمسلمين نشعر بأن علينا أن نحاور العالم كله والإنسان كله وفي كل شيء، لأن مسؤوليتنا في الدعوة للإسلام تبدأ بأن يفهم الناس الإسلام وأن يفهم الأفكار التي يفكر بها الآخر على أساس أن الإسلام يعلمنا أن نلتقي مع الآخرين على كلمة السواء ثم نتحاور بيننا وبينهم فيما اختلفنا فيه. لذلك لا نجد أي مشكلة في مسألة الحوار ما بين الإسلام وبين الغرب.

المسألة ليست ثقافية

* العلاقة بين الشرق والغرب معقدة. ما السبل لإقامة علاقات متوازنة على الصعد كافة ـ الاستراتيجية، المصلحية، الفكرية، الثقافية، الاقتصادية والنفطية؟

ـ عندما نتحدث عن العلاقة بين الشرق والغرب فإننا لا نعتقد أن للبعد الجغرافي دوراً في تخطيط العلاقات إلا من خلال ما يمثله هذا للإنسان في هذا الموقع الجغرافي من أفكار ومصالح ومخاوف أما في الاتجاه الآخر وفي الموقع الآخر فإننا عندما ندرس المسألة في الشرق والغرب¡ نلاحظ بأن التطورات الإنسانية في جميع المواقع والجوانب جعلت كثيراً من الشرقيين غربيين كما أنها أعطت الغرب بعض الملامح الشرقية هنا وهناك وإن كان بشكل أقل مما أعطاه الغرب للشرق. هذا التداخل في الثقافات والأوضاع السياسية والاقتصادية جعل هناك مجالاً واسعاً لأن يفرض فريق نفسه في كل أبعاده على الفريق الآخر بحيث أصبح الفريق الثاني صورة مشوهة في بعض الحالات للصورة الموجودة لدى الفريق الأول.

على ضوء هذا لابد أن ندرس المسألة في الجانب الفكري وعلى المستوى الثقافي والديني بشكل خاص والاجتماعي والإنساني فالجواب الأول يمكن أن يتكفل في هذه المسألة بأن ندرس ما عند الشرق من أديان وأفكار ومفاهيم وعادات وتقاليد وما عند الغرب ليدور الحوار حول هذا أو ذاك وحول ما إذا كان هناك تباين بين الخطتين الثقافيتين أو أن هناك مواقع لقاء. فإذا لاحظنا وجود تباين في الذهنية من الطبيعي أن يكون الحوار من أجل التقريب بين الذهنيتين. وإذا وجدنا مواقع لقاء كما هو الواقع في كثير من المجالات الفكرية العملية في أكثر من جانب من جوانب الحياة الإنسانية، فإننا نقف على مواقع اللقاء أو نتحاور في مواقع الخلاف.

إننا نتصور أن المشكلة الآن بين الغرب وبين الشرق ليست في العمق على مستوى العلاقات الثقافية وإن كان للثقافة دورها في أكثر جانب من الجوانب. المسألة أصبحت مسألة اقتصادية سياسية أمنية. فالغرب بما يملك من قوة عسكرية وتكنولوجيا مادية وما إلى ذلك يحاول السيطرة على الشرق من خلال السيطرة على مواقعه الاستراتيجية. وعندما تحدث هناك صراعات سواء في داخل الغرب نفسه حول الموقع الاستراتيجي الذي يسيطر به على مصادر القوة كما البترول وما شابه أو الثروة الاقتصادية لا سيما البترول والأسواق الاستهلاكية والاستثمارات، فإننا نلاحظ أن المسألة أن الغرب يحاول أن يسيطر على الشرق لأن الشرق هو مخزن الثروات وهو الموقع الحساس للمسألة الاستراتيجية والأسواق الاستهلاكية وما إلى ذلك.

حدود المصالح

نحن نتصور أن المسألة إذا ما أريد لها أن تخضع لقاعدة، فلابد أن تكون هذه القاعدة مرتكزة على أساس الاحترام المتبادل. على الغرب أن يعي بأن مصالحه لن تستقر في الشرق إلا على أساس احترام الشرقي في قضاياه الحيوية وفي قراراته المصيرية المتعلقة بمسألة الاكتفاء الذاتي والحرية في سياسته واقتصاده وأمنه. لابد أن يكون الحوار والعلاقات مرتكزين على أساس أن يكفل الغرب للشرق قضاياه الحيوية وأن لا يقبل عليه باستكبار واستعلاء ليصادر سياسته لتكون على هامش سياسته واقتصاده وأمنه.

وهنا يجب أن نشير إلى أن العولمة الاقتصادية والسياسية والأمنية تمثل كلمة حق يراد بها باطل باعتبار أن الغرب يحطم كل الحواجز التي تقوم بين شركاته الواسعة وبين مواقع الشرق سواء كان الشرق عربياً أو إسلامياً لذلك المسألة تحتاج إلى احترام الغرب إلى الشرق والحوار حول الحدود الفاصلة بين مصالح الغرب ومصالح الشرق لتكون العلاقات مبنية على المصالح المتبادلة.

لكننا نلاحظ أن الغرب يحاول دائماً أن يجعل الشرق في حالة ابتزاز من خلال أجهزته الاستخباراتية ومن خلال ضغوطاته العسكرية والاقتصادية لتبقى له السيطرة على كل مقدرات الشرق. على ضوء هذا لا نرى أية إمكانية واقعية للحوار على أساس التكافؤ في المواقع والقضايا. فعلاقة الغرب والشرق هي علاقة استكبار يراد منها إضعاف المستضعفين وقهرهم بوسيلة أو أخرى.

الجرح في فلسطين

* إسرائيل، وهي أصلاً مخلوق غربي، عقبة كأداء في وجه أية تسوية تاريخية جدية بين الطرفين. ما السبيل لمنع هذه العقبة من إعاقة التسوية؟ هل يكون الحل، مثلاً على النمط التايواني، حيث الصين تتمسك بمطالبها التاريخية ـ القومية بالجزيرة من دون أن يؤدي ذلك إلى تصادم مع الغرب؟

ـ هناك فرق بين التجربة التايوانية والتجربة الإسرائيلية باعتبار أن مسألة تايوان والصين هي مسألة ترابط عضوي بينهما. وفي تصورنا أن المسألة تتحرك في نطاق موازين القوى باعتبار أن أميركا تلتزم بالصين الوطنية التزاماً مطلقاً كمركز للقوة في مواجهة الصين كدولة كبرى تحاول أن تتحول إلى دولة عظمى. ولهذا فإن المسألة قد حلت على أساس ما يشبه الهدنة، الهدنة القانونية في هذا المجال، بحيث أن الصين تبقى في حالة استقلال ولكنها لا تملك ما كانت تملكه سابقاً، إلا في الظرف الذي تحتاج أميركا إلى المزيد من الضغط على الصين. ونعتقد أن هذه الظروف قد تقلصت بفعل حاجة أميركا إلى الصين كما هي حاجة الصين إلى أميركا.

أما مشكلة إسرائيل فهي مشكلة أن اليهود جاؤوا وطردوا شعباً من بلاده وحلوا مكانه، ومن الطبيعي كما ذكر السؤال أنه مخلوق غربي، لأنه بدأ بوعد بلفور الذي صنعته بريطانيا وأعطت لليهود شرعية أن تكون لهم فلسطين ولو على أساس التقسيم الذي صدر ورفضه العرب. لذلك ستبقى القضية الفلسطينية مشكلة بين المسلمين والغرب وبين الغرب نفسه الذي يختلف في تصوره للحل، حتى بعد التنازلات التي قدمها الفلسطينيون والعرب للمشكلة الإسرائيلية ـ الفلسطينية. تصورنا أن المشكلة ستبقى متجذرة إلى أن يجد الغرب ومعه المسؤولون العرب حلاً توافقياً. كما أن الأجيال سوف تبقى تختزن في داخلها هذا الإحساس بالقهر والذل الغربي الذي فرض على الفلسطينيين الخضوع للإرادة الإسرائيلية عبر عدم القبول بعودتهم إلى بلادهم أو تنازلهم عن الجزء الأكبر من فلسطين. إننا نتصور أن الجرح العميق سيبقى ينزف بطريقة أو بأخرى على المستوى الإنساني.

الانحياز لأوروبا أم أميركا؟

* هناك خلافات داخل شطري الحضارة: أوروبا وأميركا. هل يجب أن ينحاز العرب والمسلمون إلى أي منهما، أم يجهدون لحوار شامل معهما يجنبهم دفع أثمان الصراعات أو التحول إلى كبش محرقة بينهما؟

ـ من الطبيعي أن علينا أن نبقى في الحوار إذا لم يكن الحوار بمثابة حوار الطرشان، بل يكون حواراً يحاول أن يصل إلى نتيجة تفاهم أو نتيجة تلاق. ولكن أمام حالة الاستكبار الذي يراد له أن يطلق علينا لتصادر أكثر مفاصل وجودنا الحضاري والإنساني في جوانبه السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية، لابد لنا من أن ندرس طبيعة المساحة، مساحة الصراع بين الفريقين الغربيين، فقد نلاحظ أن أوروبا أقرب إلينا من حيث فهمها لقضايانا أو من خلال قربها إلينا أو من خلال تقاطع مصالحها مع مصالحنا. ربما نكون في حاجة إلى حركة ذكية، واعية نقترب بها من أوروبا التي لم تستكمل حتى الآن قوتها لأنها لاتزال خاضعة لكثير في خطوطها السياسية والأمنية للسيطرة الأميركية. إنها لاتزال في حال تململ اقتصادي وتحاول أن تقدم رجلاً وتؤخر أخرى لتحتفظ لنفسها باقتصاد مستقل من خلال الاتحاد الأوروبي. نعتقد أن علينا أن ندرس الثغرات المفتوحة لنا التي يمكن أن ننفذ إليها.

ليست المسألة أن نكون أوروبيين فقط أو نكون أميركيين، بل نحاول أن نستفيد من بعض مواقف الأوروبيين بحسب مصالحهم ومواقف أميركا بحسب مصالحها. إن العالم يرتكز على أساس المصالح، والمصالح غالباً ما تتركز على أساس الاقتصاد، علينا أن ندرس مواقع أقدامنا في خطواتنا من أجل العلاقات المتوازنة مع هذا الفريق وذاك، وإن كانت المرحلة الحاضرة قد تجعلنا أقرب إلى أوروبا من أميركا لأن أوروبا أقرب إلينا من خلال مصالحها من أميركا.

تخلفنا مسؤوليتنا

* هل يمكن للمنطقة العربية الإسلامية أن تطالب الغرب بتحمل مسؤوليته عن تخلفها، قبل أن تكاشف نفسها أولاً حول مدى مسؤوليتها الذاتية في هذا التخلف؟

ـ ليس من الطبيعي أن نحمّل مسؤولية تخلفنا للآخرين، لأن مسألة أن يكون الإنسان متخلفاً أو متقدماً ليست بإصدار مرسوم من فريق هنا أو هناك. بل المسألة ناشئة من عناصر تاريخية فرضت جهلاً على الواقع العربي والإسلامي، ولعل من بين عوامل التخلف اننا خدعنا من الآخر ودهشنا لما يملكه، واندفعنا اندفاع الفراشة نحو النار لنحترق بها. إننا نتصور أن الغرب قد استفاد من عناصر التخلف والجهل الموجودة في مجتمعاتنا التي تقدس التاريخ بكل سلبياته وتقدس الأشخاص وتعبدهم، وهم لا يملكون أساساً للقداسة وللعبادة، لذلك لابد أن نعيد النظر في كل ما نحن فيه من أفكار ومفاهيم ومن عادات وتقاليد لندرس العناصر الإيجابية للاحتفاظ بها، والعناصر السلبية فنرفضها ثم ندرس مؤثرات الغرب علينا والاستفادة منها تاريخياً لنتعرف إلى الجوانب الطيبة من الجوانب الخبيثة.

المسألة أن نعمل على أساس ما قاله الله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فالله يحمل الإنسان مسؤولية عمله.

نأخذ من الغرب

* الغرب، كحضارة تكنولوجية ـ فكرية، يخترق معظم مناحي الحضارة العربية ـ الإسلامية. ألا يشكل الحوار معه في العمق حواراً أيضاً مع الذات العربية ـ الإسلامية؟

ـ من الطبيعي أن علينا أن نستفيد من حضارة الآخرين أي عندما سبقنا الغرب في التكنولوجيا وكنا سبقناه في مصادر المعرفة إلى جانب التأمل والتفكير، ولكننا وقفنا عند حدودنا وتحرك الغرب في هذا المجال، لذلك نشعر أن علينا أن نأخذ من الغرب كل العناصر التي تمثل التقدم العلمي والتكنولوجي وما إلى ذلك ونحاول أن نوفق بينهم وبين ما نملكه من مبادئ وما إلى ذلك، ثم نحاول أن ندرس لماذا تخلفنا؟ ولماذا لم نأخذ بسياسة التصنيع ولماذا لم نشجع العلماء عندنا من أجل أن يبدعوا ويأخذوا بأسباب التقدم، لماذا طردنا علماءنا وضيقنا عليهم، واستطاع الغرب ولاسيما الغرب الأميركي أن يشتري أدمغتهم وأن يوظفهم ليعملوا على أساس تطوير علومه التي يسيطر من خلالها علينا؟

إن مشكلتنا أن الواقع العربي الإسلامي يحكم لا من خلال الشعوب بل من خلال أشخاص عاشوا لذواتهم ولم يعيشوا لأمتهم، ولهذا ركزوا التسجيل والتخلف لأنه هو الذي يبقيهم في مواقعهم التي ربما وظفها الاستكبار العالمي.

إن المشكلة عندنا هي أن العلماء الذين يبلغون درجة عالية من العلم في كل مواقع العلم لا يجدون عندنا الفرصة لتفجير طاقاتهم العلمية في بلاد العرب والمسلمين لهذا يهاجرون إلى الخارج. علينا أن نعيد النظر فيما نحن فيه لأن إعادة النظر في ذلك قد تجعلنا نكتشف نقاط الضعف فينا ونقاط القوة عند الآخرين لنحاول تقوية نقاط ضعفنا من خلال ما ندرسه من مواقع القوة عند الآخرين أو من خلال ما ندرسه من عناصر القوة فيه.

مجلة الزمن الأسبوعية الكويتية- العدد 199

07-أيلول-سبتمبر-2002 بيروت ـ سعد محيو 

أجرت صحيفة "الزمن" حواراً مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، تناول فيها قضايا الحوار بين الإسلام والغرب، وسبل معالجته، حيث رأى أن المشاكل العالقة بينهما هي مشاكل اقتصادية وسياسية وأمنية... وقد جاء في الحوار ما نصّه:

"يجب أن نحاور العالم كله تحت شعار: "لا مقدسات في الحوار" هذا ما يؤكد عليه العلامة السيد محمد حسين فضل الله ويقول: إننا لا نعتبر أن الحروب الصليبية تمثل عقدة لدى المسلمين لأن الغربيين في هذه المرحلة كما المسلمين لا يعيشون حركية هذه الحرب بالمعنى الديني.

* ما شروط وظروف الحوار الحقيقي بين العالمين العربي والإسلامي وبين الغرب. هل يمكن أن يكون هناك حوار حقاً من دون الاتفاق أولاً على إعلان نهاية الحروب الصليبية والجهاد؟

ـ من شروط الحوار الهادف إلى الوصول إلى قاعدة الفهم المتبادل، هو أن لا تكون هناك شروط مسبقة يفرضها أحد الطرفين على الآخر من خلال إصدار الحكم على الآخر بشكل حازم لا يقبل أية مناقشة على ضوء هذا فإننا نبدأ من الحروب الصليبية والجهاد التي ربما يخيل للبعض كما طرحها السؤال بأنها تمثل عقبة في واقعية الحوار بين الغرب وبين الإسلام. نحن نعتقد أن الحروب الصليبية كانت منطلقة من ظروف معينة تختزن في داخلها الرغبة الدينية المسيحية في تحرير الأراضي المقدسة للمسيحيين في القدس والتي يعتبرها المسيحيون محتلة من قبل المسلمين بالإضافة إلى بعض الظروف السياسية والداخلية الموجودة في داخل الغرب أو خارجه في هذا المجال. إننا لا نعتبر الحروب الصليبية التي عاشت في مرحلة زمنية معينة وانتهت بجميع مفاعيلها ومؤثراتها لاسيما بعد تحرير فلسطين من الاحتلال الصليبي أنها تمثل عقدة لدى المسلمين، لأن الغربيين في هذه المرحلة كما المسلمين لا يعيشون حركية هذه الحرب بالمعنى الديني إلا ما قد يعيشه بعض الناس من مشاعر سلبية أو إيجابية كما يعيش البعض التاريخ السلبي أو الإيجابي في مجالاتهم.

أما مسألة الجهاد فإن الغرب قد يحملها ما لا تحتمل، لأن الجهاد في الإسلام بقاعدته الوقائية والدفاعية لا يختلف عن أي حرب يثيرها أي فريق في العالم لا يؤمن بالعدوان على الناس الآخرين، فالإسلام يمنع المسلمين من أن يعتدوا على كل إنسان مسالم لا يريد لهم حرباً ولا يضطهدهم أو يخرجهم من بلادهم فالله يقول: {ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}، والله يقول: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون}.

إن إعطاء كلمة الجهاد معنى عدوانياً بحيث يخيل للآخرين أن المسلم يمسك سيفاً فوضوياً عدوانياً يحاول من خلاله أن يضرب أي إنسان غير مسلم ليقهره على الدين إن هذا غير واقعي.

لذلك نقول إذا بقيت هناك بعض الذهنيات التي قد تسيء فهم هذا العنوان التي ربما نجد أن بعض المسؤولين الغربيين يكررها كما كررها بوش بعد 11 (سبتمبر ـ أيلول) وإن كان قد اعتذر عنها بعد ذلك بإنها زلة لسان لا يقصد بها المعنى الديني فلا مجال للحوار المنطلق من هذه الذهنيات.

لا مشكلة ولا مقدسات

لذلك إذا استقام للمتحاورين أنهما لا يحملان معنى عدوانياً، بإمكانهما أن ينطلقا من أجل أن يتحاورا في كل شيء. نحن أطلقنا قبل سنين عديدة شعاراً «لا مقدسات في الحوار»، فبإمكان الإنسان أن يحاور الآخر في كل ما يختلف معه أو ما يريد أن يتفاهم حوله. على ضوء هذا يمكننا أن نتحاور مع الغرب المثقف حول معنى الإسلام من حيث قاعدته الروحية المادية والفردية والاجتماعية والدنيا والآخرة وعلاقته بالإنسان وبحرية الإنسان وما هو حجم هذه الحرية وعلاقته بالآخر ومن حيث الاعتراف بالآخر ومن حيث طبيعة الأسلوب عنفاً كان أم رفقاً أو من حيث العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية.

من هنا يمكن للغرب أن يطرح تصوره في القاعدة الفكرية التي يرتكز عليها حيث يعتبر أن الدين خارج نطاق الحياة والسياسة والقانون وما إلى ذلك وفي التركيز على القاعدة الفلسفية المادية في نظرته إلى مسألة الحريات والحرية الفردية للإنسان بشكل واسع جداً وفي مسألة الاقتصاد وفي بعدها الرأسمالي أو الاشتراكي أو الوسط بين المادية والاشتراكية وفي قضية التبادل بينه وبين الشعوب الأخرى وفي العلاقات التي ينبغي أن تركز على أساس النفعية.

إننا لا نعتقد أن هناك مشكلة في الحوار بين إنسان وإنسان آخر، لأن الحوار أساساً وضع للذين يختلفون في أفكارهم.

على ضوء هذا فإننا كمسلمين نشعر بأن علينا أن نحاور العالم كله والإنسان كله وفي كل شيء، لأن مسؤوليتنا في الدعوة للإسلام تبدأ بأن يفهم الناس الإسلام وأن يفهم الأفكار التي يفكر بها الآخر على أساس أن الإسلام يعلمنا أن نلتقي مع الآخرين على كلمة السواء ثم نتحاور بيننا وبينهم فيما اختلفنا فيه. لذلك لا نجد أي مشكلة في مسألة الحوار ما بين الإسلام وبين الغرب.

المسألة ليست ثقافية

* العلاقة بين الشرق والغرب معقدة. ما السبل لإقامة علاقات متوازنة على الصعد كافة ـ الاستراتيجية، المصلحية، الفكرية، الثقافية، الاقتصادية والنفطية؟

ـ عندما نتحدث عن العلاقة بين الشرق والغرب فإننا لا نعتقد أن للبعد الجغرافي دوراً في تخطيط العلاقات إلا من خلال ما يمثله هذا للإنسان في هذا الموقع الجغرافي من أفكار ومصالح ومخاوف أما في الاتجاه الآخر وفي الموقع الآخر فإننا عندما ندرس المسألة في الشرق والغرب¡ نلاحظ بأن التطورات الإنسانية في جميع المواقع والجوانب جعلت كثيراً من الشرقيين غربيين كما أنها أعطت الغرب بعض الملامح الشرقية هنا وهناك وإن كان بشكل أقل مما أعطاه الغرب للشرق. هذا التداخل في الثقافات والأوضاع السياسية والاقتصادية جعل هناك مجالاً واسعاً لأن يفرض فريق نفسه في كل أبعاده على الفريق الآخر بحيث أصبح الفريق الثاني صورة مشوهة في بعض الحالات للصورة الموجودة لدى الفريق الأول.

على ضوء هذا لابد أن ندرس المسألة في الجانب الفكري وعلى المستوى الثقافي والديني بشكل خاص والاجتماعي والإنساني فالجواب الأول يمكن أن يتكفل في هذه المسألة بأن ندرس ما عند الشرق من أديان وأفكار ومفاهيم وعادات وتقاليد وما عند الغرب ليدور الحوار حول هذا أو ذاك وحول ما إذا كان هناك تباين بين الخطتين الثقافيتين أو أن هناك مواقع لقاء. فإذا لاحظنا وجود تباين في الذهنية من الطبيعي أن يكون الحوار من أجل التقريب بين الذهنيتين. وإذا وجدنا مواقع لقاء كما هو الواقع في كثير من المجالات الفكرية العملية في أكثر من جانب من جوانب الحياة الإنسانية، فإننا نقف على مواقع اللقاء أو نتحاور في مواقع الخلاف.

إننا نتصور أن المشكلة الآن بين الغرب وبين الشرق ليست في العمق على مستوى العلاقات الثقافية وإن كان للثقافة دورها في أكثر جانب من الجوانب. المسألة أصبحت مسألة اقتصادية سياسية أمنية. فالغرب بما يملك من قوة عسكرية وتكنولوجيا مادية وما إلى ذلك يحاول السيطرة على الشرق من خلال السيطرة على مواقعه الاستراتيجية. وعندما تحدث هناك صراعات سواء في داخل الغرب نفسه حول الموقع الاستراتيجي الذي يسيطر به على مصادر القوة كما البترول وما شابه أو الثروة الاقتصادية لا سيما البترول والأسواق الاستهلاكية والاستثمارات، فإننا نلاحظ أن المسألة أن الغرب يحاول أن يسيطر على الشرق لأن الشرق هو مخزن الثروات وهو الموقع الحساس للمسألة الاستراتيجية والأسواق الاستهلاكية وما إلى ذلك.

حدود المصالح

نحن نتصور أن المسألة إذا ما أريد لها أن تخضع لقاعدة، فلابد أن تكون هذه القاعدة مرتكزة على أساس الاحترام المتبادل. على الغرب أن يعي بأن مصالحه لن تستقر في الشرق إلا على أساس احترام الشرقي في قضاياه الحيوية وفي قراراته المصيرية المتعلقة بمسألة الاكتفاء الذاتي والحرية في سياسته واقتصاده وأمنه. لابد أن يكون الحوار والعلاقات مرتكزين على أساس أن يكفل الغرب للشرق قضاياه الحيوية وأن لا يقبل عليه باستكبار واستعلاء ليصادر سياسته لتكون على هامش سياسته واقتصاده وأمنه.

وهنا يجب أن نشير إلى أن العولمة الاقتصادية والسياسية والأمنية تمثل كلمة حق يراد بها باطل باعتبار أن الغرب يحطم كل الحواجز التي تقوم بين شركاته الواسعة وبين مواقع الشرق سواء كان الشرق عربياً أو إسلامياً لذلك المسألة تحتاج إلى احترام الغرب إلى الشرق والحوار حول الحدود الفاصلة بين مصالح الغرب ومصالح الشرق لتكون العلاقات مبنية على المصالح المتبادلة.

لكننا نلاحظ أن الغرب يحاول دائماً أن يجعل الشرق في حالة ابتزاز من خلال أجهزته الاستخباراتية ومن خلال ضغوطاته العسكرية والاقتصادية لتبقى له السيطرة على كل مقدرات الشرق. على ضوء هذا لا نرى أية إمكانية واقعية للحوار على أساس التكافؤ في المواقع والقضايا. فعلاقة الغرب والشرق هي علاقة استكبار يراد منها إضعاف المستضعفين وقهرهم بوسيلة أو أخرى.

الجرح في فلسطين

* إسرائيل، وهي أصلاً مخلوق غربي، عقبة كأداء في وجه أية تسوية تاريخية جدية بين الطرفين. ما السبيل لمنع هذه العقبة من إعاقة التسوية؟ هل يكون الحل، مثلاً على النمط التايواني، حيث الصين تتمسك بمطالبها التاريخية ـ القومية بالجزيرة من دون أن يؤدي ذلك إلى تصادم مع الغرب؟

ـ هناك فرق بين التجربة التايوانية والتجربة الإسرائيلية باعتبار أن مسألة تايوان والصين هي مسألة ترابط عضوي بينهما. وفي تصورنا أن المسألة تتحرك في نطاق موازين القوى باعتبار أن أميركا تلتزم بالصين الوطنية التزاماً مطلقاً كمركز للقوة في مواجهة الصين كدولة كبرى تحاول أن تتحول إلى دولة عظمى. ولهذا فإن المسألة قد حلت على أساس ما يشبه الهدنة، الهدنة القانونية في هذا المجال، بحيث أن الصين تبقى في حالة استقلال ولكنها لا تملك ما كانت تملكه سابقاً، إلا في الظرف الذي تحتاج أميركا إلى المزيد من الضغط على الصين. ونعتقد أن هذه الظروف قد تقلصت بفعل حاجة أميركا إلى الصين كما هي حاجة الصين إلى أميركا.

أما مشكلة إسرائيل فهي مشكلة أن اليهود جاؤوا وطردوا شعباً من بلاده وحلوا مكانه، ومن الطبيعي كما ذكر السؤال أنه مخلوق غربي، لأنه بدأ بوعد بلفور الذي صنعته بريطانيا وأعطت لليهود شرعية أن تكون لهم فلسطين ولو على أساس التقسيم الذي صدر ورفضه العرب. لذلك ستبقى القضية الفلسطينية مشكلة بين المسلمين والغرب وبين الغرب نفسه الذي يختلف في تصوره للحل، حتى بعد التنازلات التي قدمها الفلسطينيون والعرب للمشكلة الإسرائيلية ـ الفلسطينية. تصورنا أن المشكلة ستبقى متجذرة إلى أن يجد الغرب ومعه المسؤولون العرب حلاً توافقياً. كما أن الأجيال سوف تبقى تختزن في داخلها هذا الإحساس بالقهر والذل الغربي الذي فرض على الفلسطينيين الخضوع للإرادة الإسرائيلية عبر عدم القبول بعودتهم إلى بلادهم أو تنازلهم عن الجزء الأكبر من فلسطين. إننا نتصور أن الجرح العميق سيبقى ينزف بطريقة أو بأخرى على المستوى الإنساني.

الانحياز لأوروبا أم أميركا؟

* هناك خلافات داخل شطري الحضارة: أوروبا وأميركا. هل يجب أن ينحاز العرب والمسلمون إلى أي منهما، أم يجهدون لحوار شامل معهما يجنبهم دفع أثمان الصراعات أو التحول إلى كبش محرقة بينهما؟

ـ من الطبيعي أن علينا أن نبقى في الحوار إذا لم يكن الحوار بمثابة حوار الطرشان، بل يكون حواراً يحاول أن يصل إلى نتيجة تفاهم أو نتيجة تلاق. ولكن أمام حالة الاستكبار الذي يراد له أن يطلق علينا لتصادر أكثر مفاصل وجودنا الحضاري والإنساني في جوانبه السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية، لابد لنا من أن ندرس طبيعة المساحة، مساحة الصراع بين الفريقين الغربيين، فقد نلاحظ أن أوروبا أقرب إلينا من حيث فهمها لقضايانا أو من خلال قربها إلينا أو من خلال تقاطع مصالحها مع مصالحنا. ربما نكون في حاجة إلى حركة ذكية، واعية نقترب بها من أوروبا التي لم تستكمل حتى الآن قوتها لأنها لاتزال خاضعة لكثير في خطوطها السياسية والأمنية للسيطرة الأميركية. إنها لاتزال في حال تململ اقتصادي وتحاول أن تقدم رجلاً وتؤخر أخرى لتحتفظ لنفسها باقتصاد مستقل من خلال الاتحاد الأوروبي. نعتقد أن علينا أن ندرس الثغرات المفتوحة لنا التي يمكن أن ننفذ إليها.

ليست المسألة أن نكون أوروبيين فقط أو نكون أميركيين، بل نحاول أن نستفيد من بعض مواقف الأوروبيين بحسب مصالحهم ومواقف أميركا بحسب مصالحها. إن العالم يرتكز على أساس المصالح، والمصالح غالباً ما تتركز على أساس الاقتصاد، علينا أن ندرس مواقع أقدامنا في خطواتنا من أجل العلاقات المتوازنة مع هذا الفريق وذاك، وإن كانت المرحلة الحاضرة قد تجعلنا أقرب إلى أوروبا من أميركا لأن أوروبا أقرب إلينا من خلال مصالحها من أميركا.

تخلفنا مسؤوليتنا

* هل يمكن للمنطقة العربية الإسلامية أن تطالب الغرب بتحمل مسؤوليته عن تخلفها، قبل أن تكاشف نفسها أولاً حول مدى مسؤوليتها الذاتية في هذا التخلف؟

ـ ليس من الطبيعي أن نحمّل مسؤولية تخلفنا للآخرين، لأن مسألة أن يكون الإنسان متخلفاً أو متقدماً ليست بإصدار مرسوم من فريق هنا أو هناك. بل المسألة ناشئة من عناصر تاريخية فرضت جهلاً على الواقع العربي والإسلامي، ولعل من بين عوامل التخلف اننا خدعنا من الآخر ودهشنا لما يملكه، واندفعنا اندفاع الفراشة نحو النار لنحترق بها. إننا نتصور أن الغرب قد استفاد من عناصر التخلف والجهل الموجودة في مجتمعاتنا التي تقدس التاريخ بكل سلبياته وتقدس الأشخاص وتعبدهم، وهم لا يملكون أساساً للقداسة وللعبادة، لذلك لابد أن نعيد النظر في كل ما نحن فيه من أفكار ومفاهيم ومن عادات وتقاليد لندرس العناصر الإيجابية للاحتفاظ بها، والعناصر السلبية فنرفضها ثم ندرس مؤثرات الغرب علينا والاستفادة منها تاريخياً لنتعرف إلى الجوانب الطيبة من الجوانب الخبيثة.

المسألة أن نعمل على أساس ما قاله الله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فالله يحمل الإنسان مسؤولية عمله.

نأخذ من الغرب

* الغرب، كحضارة تكنولوجية ـ فكرية، يخترق معظم مناحي الحضارة العربية ـ الإسلامية. ألا يشكل الحوار معه في العمق حواراً أيضاً مع الذات العربية ـ الإسلامية؟

ـ من الطبيعي أن علينا أن نستفيد من حضارة الآخرين أي عندما سبقنا الغرب في التكنولوجيا وكنا سبقناه في مصادر المعرفة إلى جانب التأمل والتفكير، ولكننا وقفنا عند حدودنا وتحرك الغرب في هذا المجال، لذلك نشعر أن علينا أن نأخذ من الغرب كل العناصر التي تمثل التقدم العلمي والتكنولوجي وما إلى ذلك ونحاول أن نوفق بينهم وبين ما نملكه من مبادئ وما إلى ذلك، ثم نحاول أن ندرس لماذا تخلفنا؟ ولماذا لم نأخذ بسياسة التصنيع ولماذا لم نشجع العلماء عندنا من أجل أن يبدعوا ويأخذوا بأسباب التقدم، لماذا طردنا علماءنا وضيقنا عليهم، واستطاع الغرب ولاسيما الغرب الأميركي أن يشتري أدمغتهم وأن يوظفهم ليعملوا على أساس تطوير علومه التي يسيطر من خلالها علينا؟

إن مشكلتنا أن الواقع العربي الإسلامي يحكم لا من خلال الشعوب بل من خلال أشخاص عاشوا لذواتهم ولم يعيشوا لأمتهم، ولهذا ركزوا التسجيل والتخلف لأنه هو الذي يبقيهم في مواقعهم التي ربما وظفها الاستكبار العالمي.

إن المشكلة عندنا هي أن العلماء الذين يبلغون درجة عالية من العلم في كل مواقع العلم لا يجدون عندنا الفرصة لتفجير طاقاتهم العلمية في بلاد العرب والمسلمين لهذا يهاجرون إلى الخارج. علينا أن نعيد النظر فيما نحن فيه لأن إعادة النظر في ذلك قد تجعلنا نكتشف نقاط الضعف فينا ونقاط القوة عند الآخرين لنحاول تقوية نقاط ضعفنا من خلال ما ندرسه من مواقع القوة عند الآخرين أو من خلال ما ندرسه من عناصر القوة فيه.

مجلة الزمن الأسبوعية الكويتية- العدد 199

07-أيلول-سبتمبر-2002 بيروت ـ سعد محيو 

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير