لنختزن في داخل شخصياتنا الفردية هموم الأمة وقضاياها

لنختزن في داخل شخصياتنا الفردية هموم الأمة وقضاياها

في رحاب العيد يوم الفرح الأكبر:
لنختزن في داخل شخصياتنا الفردية هموم الأمة وقضاياها


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:

لنعش الفرح الإيجابي

يقول الله تعالى في كتابه المجيد وهو يتحدث عن "قارون" مما خاطبه به قومه: {إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أُولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين* وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين}.

نستوحي في هذه الآيات الكريمة مفهوم الفرح السلبي الذي لا يحبه الله، كما أننا نستوحي من آية أخرى الفرح الإيجابي الذي يحبه الله، وهو قوله تعالى: { قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}، وقوله تعالى عن الشهداء: {فرحين بما آتاهم الله من فضله}، وهكذا يريد الإسلام للإنسان أن يعيش الفرح في كل وجوده؛ الفرح العقلي بالحق، والفرح القلبي بالمحبة، والفرح الحركي العملي بالخير، ليكون الإنسان في كل عناصر شخصيته إنساناً عاملاً على أساس أن يعيش الناس في سعادة روحية واجتماعية وعملية، لأن هذا هو الفرح المتجذّر في النفس.

فأنت عندما تفرح برضى الله عنك، فإن هذا الفرح سوف يملأ دنياك وآخرتك، لأنّ الله تعالى هو الذي يرفعك برضاه إلى مواقع القرب إليه، في الدرجات العالية، وهو الذي يُسبغ عليك من لطفه وفضله في الدنيا والآخرة، لأنه الغني كل الغنى، وقد جاء في القرآن الكريم أن رضى الله أعظم من الجنة، وذلك في قوله تعالى: {ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم}، لأن هذا الإحساس برضى الله يجعلك تشعر بالسعادة القصوى التي ما بعدها سعادة.

إن الإنسان عندما يفرح بالفكر الحق الذي ينتجه عقله، فلأن هذا الفكر الحق هو الذي يبقى مع الإنسان في كل حياته، فيهديه إلى الصراط المستقيم، ويسدِّد خطواته، وعندما يعيش الفرح بالمحبة، ينفتح قلبه على الناس كلهم؛ على الذين يلتقون معه ليتعاون معهم، وعلى الذين يختلفون معه ليحاورهم ويخطط من أجل هدايتهم. وهكذا، عندما يعيش الفرح بالخير الذي يعمل هو لأجله أو يقوم به غيره، وبالعدل الذي يتحرك في كل مواقع الحياة... إن هذا الفرح الروحي الإنساني هو الذي يمنح الحياة سلاماً والإنسان وحدةً، بحيث لا يعيش العقدة في نفسه، بل يعيش نفساً رحبة منفتحة على العالم كله، وقمة الفرح هي الفرح بالله تعالى، لأن الله سبحانه هو سر الوجود كله وسر الحياة كلها، وهذا ما جاء في كلمة النبي (ص) عندما اضطهده قومه في مسيرته للطائف فقال: "إن لم يكن بك غضبٌ عليّ فلا أبالي"، وهذا ما ردَّده أيضاً الإمام الحسين (ع) عندما استقبل دم ولده عبدالله الرضيع، فقال: "هوّن ما نزل بي أنه بعين الله"، وقد أُنشد على لسانه وهو في آخر لحظات حياته في استشهاده:

تركت الخلق طراً في هواك       وأيتمت العيال لكي أراك

فلو قطعتنـي بالحب إربـاً       لما مال الفؤاد إلى سواك

العيد فرح برضى الله

والعيد هو اليوم الذي يريد الله فيه للإنسان أن يفرح برضى الله عنه، وأن يفرح بإدخال الفرح على الناس، حيث يبدأ العيد ـ ولا سيما عيد الفطر ـ بالإحساس بمغفرة الله تعالى، وهذا ما جاءت به الأحاديث عن أمير المؤمنين(ع) في الكلمة المأثورة عنه: "إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه، وكل يوم لا يُعصى الله فيه فهو عيد". وهكذا، لا يعود العيد مجرد يوم في السنة بل يصبح كل يوم فيها حين يقوم الإنسان بمسؤولياته في كل يوم ـ في صباحه ومسائه ـ بالتفكير بما يريد الله منه في عباداته والتزاماته، وفي مسؤولياته تجاه عائلته وتجاه المجتمع من حوله، فيصبح عليه الصباح وهو في عيد، لأنه أطاع الله ولم يعصه.

وقد جاء في حديث الإمام علي (ع) عن عيد الفطر في إحدى خطبه: "عباد الله، إن أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديهم ملك في آخر يوم من شهر رمضان: أبشروا عباد الله، فقد غُفر لكم ما سلف من ذنوبكم، فانظروا كيف تكونون في ما تستأنفون".. وقد جاء عن بعض أصحاب أمير المؤمنين (ع) قوله: "دخلت عليه في يوم عيد وإذا عنده فاثور ـ مائدة ـ عليه خبز السمراء، وصحفة فيها خطيفة ـ وهو طعام مطبوخ مع لبن ـ وملبنة، فقلت: يا أمير المؤمنين، يوم عيد وخطيفة؟ فقال (ع): "إنما هذا عيد لمن غُفر له".

فـرح الآخـرة

وقد جاء عن علي (ع) وهو يعظ الناس ويبيّن بماذا يفرحون وبماذا لا يفرحون، يقول (ع): "ما بالكم تفرحون باليسير من الدنيا تدركونه ـ إذا حصل الإنسان على مكسب أو مال أو جاه، فإنه يفرح به ـ ولا يحزنكم الكثير من الآخرة تحرمونه؟"، فهناك الكثير من أعمال الآخرة التي ترفعكم عند الله تفوتكم، ومع ذلك فإنكم لا تشعرون بالخسارة!! ولذلك يجب على الإنسان أن يهتمّ بما يبقى له للآخرة لأنها هي دار البقاء، ولا يهتم كثيراً بما يحصل عليه في الدنيا، لأنه سيفارقه وهو في الدنيا أو عندما يفارقها.

إدخال السرور على المكروبين

وقد كان علي (ع) يطلب من الناس أن يهتموا بإدخال السرور على المكروبين والحزانى والذين يعيشون الأزمات في أكثر من جانب من جوانب حياتهم، وعلى أصحاب الحاجات، فعلينا أن نعمل من أجل أن نرفع ذلك عنهم، أن ندخل السرور عليهم بدلاً من الحزن الذي يعيشونه، وبذلك يعطينا الله تعالى الأجر في الدنيا والآخرة، فيقول (ع): "يا كميل، مرْ أهلك أن يروحوا في كسب المكارم، ويدلجوا ـ السير في الليل ـ في حاجة من هو نائم، فوالذي وسع سمعه الأصوات، ما من أحد أودع قلباً سروراً إلا وخلق الله له من ذلك السرور لطفاً، فإذا نابته نائبة جرى إليها كالماء في انحداره، حتى يطردها عنه كما تطرد غريبة الإبل".

وجاء في بعض الأحاديث الواردة عن النبي (ص): "من سرَّ مؤمناً فقد سرّني، ومن سرّني فقد سرّ الله تعالى"، وورد في بعض الأحاديث، أنه إذا وُضع الإنسان في قبره تمثَّل له مثال، فيقول له: "من أنت وقد فارقني كل أهلي وأصحابي؟ فيقول: أنا ذلك السرور الذي أودعته قلب فلان المؤمن، خلقني الله لأكون معك في قبرك وحشرك، فلا أزال بك حتى أُدخلك الجنة".

الله لا يحب الفرح السلبي

من هنا نفهم كيفية الفرح المعنوي والإنساني الذي يتمثَّل بفعل الخير والحق والعدل بما يعطي الحياة غنى، أما الفرح بالمال كما كان قارون ـ وما أكثر "القوارين" عندنا، الذين يرون القيمة كل القيمة والسعادة كل السعادة بالمال ـ فإن المال يذهب، وهو ليس أكثر من حاجة تستهلكها وأنت في الدنيا، أو تخلّفها وراءك بعد أن تموت، ولكن الذي يبقى هو السعادة كل السعادة.

وقد كان قارون من قوم موسى(ع)، ولكنه بغى على قومه واعتدى عليهم عندما أصبح من أصحاب الأموال ـ والكثيرون من أصحاب الأموال يحملهم المال على التكبر والطغيان على الآخرين، ولذلك يُدخلون الآلام والمآسي على الناس ـ فقال له قومه: {لا تفرح ـ لا تبطر بما أعطاك الله من مال، ولا تتكبر وتزهو إعجاباً بنفسك ـ إن الله لا يحب الفرحين ـ بل يحب المتواضعين الواقعيين الذين ينظرون إلى جوهر الأمور وحقيقتها ـ وابتغ في ما آتاك الله ـ فهذا المال من عند الله الذي منحك العقل والعينين واللسان والرجلين واليدين الذين استعملتهم في تحصيل هذا المال ـ الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ـ أن تتوازن بين حاجات الدنيا في مأكلك ومشربك ولباسك وبين تحصيل رضى الله في الآخرة ـ وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض ـ فلا تفسد حياة الناس واقتصادهم وسياستهم وثقافتهم ـ إن الله لا يحب المفسدين ـ لكنه بقي على استكباره ـ قال إنما أوتيته على علم عندي... فخسفنا به وبداره الأرض}.

أيُّها الأحبة، إنّ الحياة فرصة منحنا الله سبحانه وتعالى إياها لنفتح قلوب الناس على الحب، وحياتهم على الخير، وأجواءهم على الفرح، لنفرّح عيالنا والناس المتألمين الحزانى وأصحاب الحاجات، ونفرّح الأسرى بالدعاء لهم والسعي من أجل أن يفرّج الله عنهم، أن ننشر الفرح في الناس: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}، لأن الله يقول: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثواباً وخيرٌ أملاً}.

نسأل الله تعالى أن يمنحنا فرح الروح والعقل والقلب والعمل والمسؤولية، حتى نقدم عليه سبحانه ونحصل على فرح رضوانه، وذلك هو الفرح الأكبر.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتّقوا الله وواجهوا الحياة التي تضجُّ بكلِّ المشاكل التي تتحدى المسلمين والمستضعفين، بالاعتداءات التي يوزعها المستكبرون الذين يرشُّون القلق والحيرة والتمزق والضياع، ويصنعون الآلام للمستضعفين هنا وهناك، ويخطُّطون من أجل إسقاط العالم الإسلامي حتى يتحوّل إلى مجرد هامش من هوامش استكبارهم، وتابع من توابع سياستهم وأمنهم واقتصادهم، واجهوا الموقف بمسؤولية، وليختزن كل واحد منا الأمة في شخصيته، لأن الإنسان لا يكبر إلا إذا كبرت أمته، ولا يعيش العزة إلا إذا كانت أمته عزيزة، ولا يكون حراً إلا إذا كانت أمته حرة وأرضه حرة.

ولذلك، فإنَّ علينا أن نعيش عمق الحرية في تفكيرنا وكل خطواتنا وأوضاعنا، لأنَّ هناك صراعاً على مستوى العالم كله، بين العالم المستضعف الذي يتخبط بأزماته، سيما الاقتصادية والأمنية، والعالم المستكبر الذي يصنع الأزمات والآلام للناس هنا وهناك، ولذلك لا بد أن يعيش كل واحد منا الاهتمام بأمور المسلمين، ليختزن في داخل شخصيته الفردية أنه جزء من هذه الأمة، ليفكر فيها كما يفكر في نفسه، وليخطط لسلامتها وعزتها وكرامتها كما يخطط لذاته. فما هي صورة العالم الإسلامي والعربي في هذه المرحلة؟

الخداع الأمريكي ولعبة الحماية لإسرائيل

القضية الفلسطينية تـنزف دماءً ودماراً وحصاراً وتجاذباً دولياً في نطاق التفاصيل، من دون الضغط للمصلحة الأساس في القضية، وهي التحرير وإزالة الاحتلال، لأن المجتمع الدولي عاجز عن تقديم أية مساعدة للحل كما هو المجتمع العربي والإسلامي الرسمي. فإسرائيل ليست مستعدّة لاحترام العالم المتمثل في قرارات مجلس الأمن، كما حدث في رفضها لإجماع المجلس على خريطة الطريق، لأنها تريد إبقاء القضية في الدائرة الأمريكية التي لم تتقدم ولو لخطوة واحدة من ناحية عملية على مستوى الضغط على إسرائيل، ولكنها تكتفي بالكلمات الاستهلاكية في حديثها عن الدولة الفلسطينية التي "يتحمل الفلسطينيون مسؤولية تأخيرها"، فهم ـ حسب قول مسؤوليها ـ لا يدخلون في حرب مع فصائل الانتفاضة، باعتبارها تنظيمات إرهابية...

وقد حاولت الإدارة الأمريكية أن توحي أنها تمارس ضغوطاً على إسرائيل، وذلك بتخفيض ضمانات القروض بما يساوي ما يحتاجه إكمال الجدار أو بناء المستوطنات، ولكن الوزيرة الإسرائيلية كشفت خيوط اللعبة المزدوجة، عندما صرَّحت أن ما حاولت الإدارة الأمريكية أن توحي به أنه كان "اتفاقاً بين الدولتين"، لإبقاء الخداع الأمريكي في حركة اللعبة السياسية لحماية إسرائيل في الدائرة الدولية والعربية والإسلامية، لتبقى ممسكةً بالخيوط التي تجذب العرب والمسلمين إلى خطتها الإسرائيلية، ولتجمد الخطوات الدولية في دعم الشعب الفلسطيني...

إن إسرائيل ترفع الصوت عالياً احتجاجاً على قرارات مجلس الأمن الدولي وموقف المجتمع الدولي ضدها ـ وحتى الموقف الأمريكي ـ فكل ذلك لا يعنيها، لأنها تعتبر نفسها فوق القانون الدولي، فلا يمنعها ذلك كله من إكمال خطتها في بناء الجدار والمستوطنات على حساب الأرض الفلسطينية، وإرباك الحكومة الفلسطينية الجديدة، في إشغالها باجتماعات فارغة، وضغوط متحركة، واجتياحات قاتلة ومدمرة بين وقت وآخر، وإعلانها بأنها سوف تستمر في ذلك بهدنة فلسطينية وبغير هدنة، وتتخذ القرار من جانب واحد... أما أمريكا، فإنها لا تحرك ساكناً، لأنها لا تريد الضغط ولا تملكه، وخصوصاً أن السياسة الأمريكية الخارجية تابعة للأوضاع الداخلية، وفي مقدمها الانتخابات...

إن على العرب والمسلمين والعالم الحرّ أن يقوموا بمبادرة ضغط بما يملكونه من الوسائل ضدَّ حركة السياسة الأمريكية والإسرائيلية، فهذا هو الذي يمكن أن يبرر وجودهم السياسي وهويتهم الحضارية، حتى لا يكونوا ـ كما يريد المستكبرون ـ غثاءً كغثاء السيل... وإذا كان البعض يتحدث عن اجتماعات فلسطينية ـ إسرائيلية هنا وهناك، فإننا نراها مجرد لقاءات قد تجدد أحلام ما يُسمى السلام أو ما يوحي بالحل، ولكنها في واقعها وامتدادها تشبه السراب الذي قد يمنح الناس وهماً ولكنه لا يمثل شيئاً.

العراق يرفض الاحتلال

أما العراق، فإنه لا يزال من الناحية السياسية والأمنية والخدماتية في الدوامة في أكثر من جانب، بفعل سيطرة الاحتلال الذي قد يتحدث عن حق تقرير المصير للعراقيين، وعن سعيه لذلك، ولكنه يتدخل في كلِّ صغيرة وكبيرة عندما يريد مجلس الحكم إصدار قرار أو وضع خطة غير مناسبة للاحتلال، فيُمنع من ذلك كله، حتى يعرف الجميع أن الحرية التي تتحدث عنها أمريكا محصورة في دائرة سياسة الاحتلال، وأن الديمقراطية تتمثَّل في الحفاظ على مصالحه...

وهكذا، بدأنا نرى كيف يسقط العراقيون يومياً بطريقة عشوائية، كما يسقط الجنود الأمريكيون بفعل دورة العنف المقاوم للاحتلال، ولا يزال الصوت المرجعي الديني والشعبي يؤكد أن لا خطة ولا قرار إلا من خلال إرادة شعبية حرة، ونأمل أن يبقى هذا الصوت قوياً فاعلاً من أجل أن يعرف الاحتلال أن الشعب العراقي ـ بقياداته الدينية والشعبية ـ لا يريد للعراق أن يكون مقراً ولا ممراً للاحتلال، فالشعب قادر على أن يقرر مصيره بنفسه، لأنه قد بلغ سن الرشد في طاقاته المتحركة الفاعلة.

إيران تفشل مخططات أمريكا

وفي جانب آخر، لا تزال الضغوط الأمريكية والدولية تتوالى على إيران في مسألة الطاقة النووية، مستغلةً وكالة الطاقة الذرية الخاضعة لأكثر من محور سياسي دولي ـ وخصوصاً المحور الأمريكي ـ لتطويق مشروعها السلمي للطاقة، لأنه لا يُراد لأية دولة إسلامية حرة أن تملك الخبرة النووية... ولكن السياسة الإيرانية الذكية عرفت كيف تتفادى الخطة الأمريكية لنقل المسألة إلى مجلس الأمن من أجل فرض العقوبات على إيران مستقبلاً...

والسؤال: هل تملك وكالة الطاقة أن تنقل قضية السلاح النووي الإسرائيلي المدمر الذي يهدد المنطقة العربية والإسلامية إلى مجلس الأمن؟ لقد أصدر مدير الوكالة طلباً خجولاً لإسرائيل، ولكنه لا يجرؤ على أكثر من ذلك، لأن أمريكا ـ ومعها المجتمع الدولي السائر في ركابها ـ لا توافق على ذلك...

وهكذا، نجد السياسة الأمريكية ـ والغربية ـ تكيل بمكيالين، وتمارس اللعبة المزدوجة في مسألة الخبرة النووية، فلإسرائيل الحرية في امتلاك أسلحة الدمار الشامل بحجة الدفاع عن نفسها، وليس لأية دولة إسلامية أو معارضة للولايات المتحدة الأمريكية الحرية في ذلك، حتى للدفاع عن نفسها، ولا ندري ما معنى حديث الرئيس الأمريكي عن حرية الشعوب في العالم!

قضايا إسلامية حارة

وعلى صعيد آخر، فإن هناك أكثر من قضية إسلامية حارة ومعقّدة على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني والديني في الهند بين المسلمين والهندوس، وفي كشمير بين الهند وباكستان، وفي باكستان بين السنة والشيعة، وفي الشيشان وأفغانستان التي لا تزال تعاني من الاحتلال والتمزق العشائري وفوضى السلاح، وتتحرك في بعض البلدان الإسلامية التفجيرات المدمرة القاتلة التي تصيب الأبرياء وتؤدي إلى اختلال أمن المسلمين قبل غيرهم، في الوقت الذي لا يبرر الإسلام الاعتداء على غير المسلمين من المسالمين الذين يعيشون في البلاد الإسلامية، وهذا الخط الإرهابي الذي يخضع لثقافة خاطئة جامدة أو لعوامل خارجية وداخلية تخطط لاستغلال المشاعر الملتهبة لتنفيذ الخطط الإجرامية التي لا يسمح بها دين ولا شرع.

لبنان: الدولة المفقودة

وتبقى قضية الأسرى من المجاهدين والمدنيين لدى العدوّ الصهيوني والمستكبرين، فهي لا تزال في دائرة التعقيد وإهدار حقوق الإنسان، ما يفرض على الجميع متابعتها وممارسة أكثر من ضغطٍ على السجّانين من أجل إطلاق سراحهم.

ونصل إلى لبنان الذي يبحث شعبه عن دولة مسؤولة في مؤسساتها الدستورية، وفي امتداداتها السياسية، وفي قضائها المتصدي لكل أوضاع الانحراف الإداري والسياسي والإجرام الأمني والاقتصادي، والمرتكز على قاعدة قانونية حضارية تؤكد أن لا أحد فوق القانون، ولا تبرير لأي مجرم كبير أو صغير، ولا تمييع لأية قضية، ولا غطاء لأي هدر أو فساد...

ولكن هذا الشعب لا يجد الدولة بمعناها الحضاري الإنساني في خط العدالة التي لا تميز بين شريف ووضيع، بل يجد أشخاصاً مسؤولين في الموقع، ولكنهم قد لا يكونون مسؤولين في عمق معنى المسؤولية، ما يجعل الواقع يتحرك بين يأس يدفع الشباب إلى الهجرة، وبين انفعالات تصرخ ولكن من دون أن يسمعها أحد...

إن الفقراء يجوعون، والمزارع عطشى، والجامعات تعاني من اللامبالاة الرسمية، والخدمات في يد الذين يستخدمونها لأنفسهم وللمحاسيب، والدَّين يرتفع ويرتفع، والمنطقة العربية التي كانت تجد في لبنان الملجأ والجامعة والمستشفى، تنادي لبنان لكي يعود إلى موقعه ودوره التاريخي، ولا من مجيب... وإسرائيل تضحك تارة وتعبس أخرى، والمنطقة كلها تهتز، والساسة مشغولون بكل خلافاتهم... إن الشعوب تطلب في الأعياد إنتاج الفرح، وفي أعياد لبنان يتمثل الناس بقول الشاعر:

يفرح هذا الورى بعيدهم       ونحن أعيادنا مآتمنا

في رحاب العيد يوم الفرح الأكبر:
لنختزن في داخل شخصياتنا الفردية هموم الأمة وقضاياها


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:

لنعش الفرح الإيجابي

يقول الله تعالى في كتابه المجيد وهو يتحدث عن "قارون" مما خاطبه به قومه: {إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أُولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين* وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين}.

نستوحي في هذه الآيات الكريمة مفهوم الفرح السلبي الذي لا يحبه الله، كما أننا نستوحي من آية أخرى الفرح الإيجابي الذي يحبه الله، وهو قوله تعالى: { قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}، وقوله تعالى عن الشهداء: {فرحين بما آتاهم الله من فضله}، وهكذا يريد الإسلام للإنسان أن يعيش الفرح في كل وجوده؛ الفرح العقلي بالحق، والفرح القلبي بالمحبة، والفرح الحركي العملي بالخير، ليكون الإنسان في كل عناصر شخصيته إنساناً عاملاً على أساس أن يعيش الناس في سعادة روحية واجتماعية وعملية، لأن هذا هو الفرح المتجذّر في النفس.

فأنت عندما تفرح برضى الله عنك، فإن هذا الفرح سوف يملأ دنياك وآخرتك، لأنّ الله تعالى هو الذي يرفعك برضاه إلى مواقع القرب إليه، في الدرجات العالية، وهو الذي يُسبغ عليك من لطفه وفضله في الدنيا والآخرة، لأنه الغني كل الغنى، وقد جاء في القرآن الكريم أن رضى الله أعظم من الجنة، وذلك في قوله تعالى: {ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم}، لأن هذا الإحساس برضى الله يجعلك تشعر بالسعادة القصوى التي ما بعدها سعادة.

إن الإنسان عندما يفرح بالفكر الحق الذي ينتجه عقله، فلأن هذا الفكر الحق هو الذي يبقى مع الإنسان في كل حياته، فيهديه إلى الصراط المستقيم، ويسدِّد خطواته، وعندما يعيش الفرح بالمحبة، ينفتح قلبه على الناس كلهم؛ على الذين يلتقون معه ليتعاون معهم، وعلى الذين يختلفون معه ليحاورهم ويخطط من أجل هدايتهم. وهكذا، عندما يعيش الفرح بالخير الذي يعمل هو لأجله أو يقوم به غيره، وبالعدل الذي يتحرك في كل مواقع الحياة... إن هذا الفرح الروحي الإنساني هو الذي يمنح الحياة سلاماً والإنسان وحدةً، بحيث لا يعيش العقدة في نفسه، بل يعيش نفساً رحبة منفتحة على العالم كله، وقمة الفرح هي الفرح بالله تعالى، لأن الله سبحانه هو سر الوجود كله وسر الحياة كلها، وهذا ما جاء في كلمة النبي (ص) عندما اضطهده قومه في مسيرته للطائف فقال: "إن لم يكن بك غضبٌ عليّ فلا أبالي"، وهذا ما ردَّده أيضاً الإمام الحسين (ع) عندما استقبل دم ولده عبدالله الرضيع، فقال: "هوّن ما نزل بي أنه بعين الله"، وقد أُنشد على لسانه وهو في آخر لحظات حياته في استشهاده:

تركت الخلق طراً في هواك       وأيتمت العيال لكي أراك

فلو قطعتنـي بالحب إربـاً       لما مال الفؤاد إلى سواك

العيد فرح برضى الله

والعيد هو اليوم الذي يريد الله فيه للإنسان أن يفرح برضى الله عنه، وأن يفرح بإدخال الفرح على الناس، حيث يبدأ العيد ـ ولا سيما عيد الفطر ـ بالإحساس بمغفرة الله تعالى، وهذا ما جاءت به الأحاديث عن أمير المؤمنين(ع) في الكلمة المأثورة عنه: "إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه، وكل يوم لا يُعصى الله فيه فهو عيد". وهكذا، لا يعود العيد مجرد يوم في السنة بل يصبح كل يوم فيها حين يقوم الإنسان بمسؤولياته في كل يوم ـ في صباحه ومسائه ـ بالتفكير بما يريد الله منه في عباداته والتزاماته، وفي مسؤولياته تجاه عائلته وتجاه المجتمع من حوله، فيصبح عليه الصباح وهو في عيد، لأنه أطاع الله ولم يعصه.

وقد جاء في حديث الإمام علي (ع) عن عيد الفطر في إحدى خطبه: "عباد الله، إن أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديهم ملك في آخر يوم من شهر رمضان: أبشروا عباد الله، فقد غُفر لكم ما سلف من ذنوبكم، فانظروا كيف تكونون في ما تستأنفون".. وقد جاء عن بعض أصحاب أمير المؤمنين (ع) قوله: "دخلت عليه في يوم عيد وإذا عنده فاثور ـ مائدة ـ عليه خبز السمراء، وصحفة فيها خطيفة ـ وهو طعام مطبوخ مع لبن ـ وملبنة، فقلت: يا أمير المؤمنين، يوم عيد وخطيفة؟ فقال (ع): "إنما هذا عيد لمن غُفر له".

فـرح الآخـرة

وقد جاء عن علي (ع) وهو يعظ الناس ويبيّن بماذا يفرحون وبماذا لا يفرحون، يقول (ع): "ما بالكم تفرحون باليسير من الدنيا تدركونه ـ إذا حصل الإنسان على مكسب أو مال أو جاه، فإنه يفرح به ـ ولا يحزنكم الكثير من الآخرة تحرمونه؟"، فهناك الكثير من أعمال الآخرة التي ترفعكم عند الله تفوتكم، ومع ذلك فإنكم لا تشعرون بالخسارة!! ولذلك يجب على الإنسان أن يهتمّ بما يبقى له للآخرة لأنها هي دار البقاء، ولا يهتم كثيراً بما يحصل عليه في الدنيا، لأنه سيفارقه وهو في الدنيا أو عندما يفارقها.

إدخال السرور على المكروبين

وقد كان علي (ع) يطلب من الناس أن يهتموا بإدخال السرور على المكروبين والحزانى والذين يعيشون الأزمات في أكثر من جانب من جوانب حياتهم، وعلى أصحاب الحاجات، فعلينا أن نعمل من أجل أن نرفع ذلك عنهم، أن ندخل السرور عليهم بدلاً من الحزن الذي يعيشونه، وبذلك يعطينا الله تعالى الأجر في الدنيا والآخرة، فيقول (ع): "يا كميل، مرْ أهلك أن يروحوا في كسب المكارم، ويدلجوا ـ السير في الليل ـ في حاجة من هو نائم، فوالذي وسع سمعه الأصوات، ما من أحد أودع قلباً سروراً إلا وخلق الله له من ذلك السرور لطفاً، فإذا نابته نائبة جرى إليها كالماء في انحداره، حتى يطردها عنه كما تطرد غريبة الإبل".

وجاء في بعض الأحاديث الواردة عن النبي (ص): "من سرَّ مؤمناً فقد سرّني، ومن سرّني فقد سرّ الله تعالى"، وورد في بعض الأحاديث، أنه إذا وُضع الإنسان في قبره تمثَّل له مثال، فيقول له: "من أنت وقد فارقني كل أهلي وأصحابي؟ فيقول: أنا ذلك السرور الذي أودعته قلب فلان المؤمن، خلقني الله لأكون معك في قبرك وحشرك، فلا أزال بك حتى أُدخلك الجنة".

الله لا يحب الفرح السلبي

من هنا نفهم كيفية الفرح المعنوي والإنساني الذي يتمثَّل بفعل الخير والحق والعدل بما يعطي الحياة غنى، أما الفرح بالمال كما كان قارون ـ وما أكثر "القوارين" عندنا، الذين يرون القيمة كل القيمة والسعادة كل السعادة بالمال ـ فإن المال يذهب، وهو ليس أكثر من حاجة تستهلكها وأنت في الدنيا، أو تخلّفها وراءك بعد أن تموت، ولكن الذي يبقى هو السعادة كل السعادة.

وقد كان قارون من قوم موسى(ع)، ولكنه بغى على قومه واعتدى عليهم عندما أصبح من أصحاب الأموال ـ والكثيرون من أصحاب الأموال يحملهم المال على التكبر والطغيان على الآخرين، ولذلك يُدخلون الآلام والمآسي على الناس ـ فقال له قومه: {لا تفرح ـ لا تبطر بما أعطاك الله من مال، ولا تتكبر وتزهو إعجاباً بنفسك ـ إن الله لا يحب الفرحين ـ بل يحب المتواضعين الواقعيين الذين ينظرون إلى جوهر الأمور وحقيقتها ـ وابتغ في ما آتاك الله ـ فهذا المال من عند الله الذي منحك العقل والعينين واللسان والرجلين واليدين الذين استعملتهم في تحصيل هذا المال ـ الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا ـ أن تتوازن بين حاجات الدنيا في مأكلك ومشربك ولباسك وبين تحصيل رضى الله في الآخرة ـ وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض ـ فلا تفسد حياة الناس واقتصادهم وسياستهم وثقافتهم ـ إن الله لا يحب المفسدين ـ لكنه بقي على استكباره ـ قال إنما أوتيته على علم عندي... فخسفنا به وبداره الأرض}.

أيُّها الأحبة، إنّ الحياة فرصة منحنا الله سبحانه وتعالى إياها لنفتح قلوب الناس على الحب، وحياتهم على الخير، وأجواءهم على الفرح، لنفرّح عيالنا والناس المتألمين الحزانى وأصحاب الحاجات، ونفرّح الأسرى بالدعاء لهم والسعي من أجل أن يفرّج الله عنهم، أن ننشر الفرح في الناس: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}، لأن الله يقول: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثواباً وخيرٌ أملاً}.

نسأل الله تعالى أن يمنحنا فرح الروح والعقل والقلب والعمل والمسؤولية، حتى نقدم عليه سبحانه ونحصل على فرح رضوانه، وذلك هو الفرح الأكبر.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتّقوا الله وواجهوا الحياة التي تضجُّ بكلِّ المشاكل التي تتحدى المسلمين والمستضعفين، بالاعتداءات التي يوزعها المستكبرون الذين يرشُّون القلق والحيرة والتمزق والضياع، ويصنعون الآلام للمستضعفين هنا وهناك، ويخطُّطون من أجل إسقاط العالم الإسلامي حتى يتحوّل إلى مجرد هامش من هوامش استكبارهم، وتابع من توابع سياستهم وأمنهم واقتصادهم، واجهوا الموقف بمسؤولية، وليختزن كل واحد منا الأمة في شخصيته، لأن الإنسان لا يكبر إلا إذا كبرت أمته، ولا يعيش العزة إلا إذا كانت أمته عزيزة، ولا يكون حراً إلا إذا كانت أمته حرة وأرضه حرة.

ولذلك، فإنَّ علينا أن نعيش عمق الحرية في تفكيرنا وكل خطواتنا وأوضاعنا، لأنَّ هناك صراعاً على مستوى العالم كله، بين العالم المستضعف الذي يتخبط بأزماته، سيما الاقتصادية والأمنية، والعالم المستكبر الذي يصنع الأزمات والآلام للناس هنا وهناك، ولذلك لا بد أن يعيش كل واحد منا الاهتمام بأمور المسلمين، ليختزن في داخل شخصيته الفردية أنه جزء من هذه الأمة، ليفكر فيها كما يفكر في نفسه، وليخطط لسلامتها وعزتها وكرامتها كما يخطط لذاته. فما هي صورة العالم الإسلامي والعربي في هذه المرحلة؟

الخداع الأمريكي ولعبة الحماية لإسرائيل

القضية الفلسطينية تـنزف دماءً ودماراً وحصاراً وتجاذباً دولياً في نطاق التفاصيل، من دون الضغط للمصلحة الأساس في القضية، وهي التحرير وإزالة الاحتلال، لأن المجتمع الدولي عاجز عن تقديم أية مساعدة للحل كما هو المجتمع العربي والإسلامي الرسمي. فإسرائيل ليست مستعدّة لاحترام العالم المتمثل في قرارات مجلس الأمن، كما حدث في رفضها لإجماع المجلس على خريطة الطريق، لأنها تريد إبقاء القضية في الدائرة الأمريكية التي لم تتقدم ولو لخطوة واحدة من ناحية عملية على مستوى الضغط على إسرائيل، ولكنها تكتفي بالكلمات الاستهلاكية في حديثها عن الدولة الفلسطينية التي "يتحمل الفلسطينيون مسؤولية تأخيرها"، فهم ـ حسب قول مسؤوليها ـ لا يدخلون في حرب مع فصائل الانتفاضة، باعتبارها تنظيمات إرهابية...

وقد حاولت الإدارة الأمريكية أن توحي أنها تمارس ضغوطاً على إسرائيل، وذلك بتخفيض ضمانات القروض بما يساوي ما يحتاجه إكمال الجدار أو بناء المستوطنات، ولكن الوزيرة الإسرائيلية كشفت خيوط اللعبة المزدوجة، عندما صرَّحت أن ما حاولت الإدارة الأمريكية أن توحي به أنه كان "اتفاقاً بين الدولتين"، لإبقاء الخداع الأمريكي في حركة اللعبة السياسية لحماية إسرائيل في الدائرة الدولية والعربية والإسلامية، لتبقى ممسكةً بالخيوط التي تجذب العرب والمسلمين إلى خطتها الإسرائيلية، ولتجمد الخطوات الدولية في دعم الشعب الفلسطيني...

إن إسرائيل ترفع الصوت عالياً احتجاجاً على قرارات مجلس الأمن الدولي وموقف المجتمع الدولي ضدها ـ وحتى الموقف الأمريكي ـ فكل ذلك لا يعنيها، لأنها تعتبر نفسها فوق القانون الدولي، فلا يمنعها ذلك كله من إكمال خطتها في بناء الجدار والمستوطنات على حساب الأرض الفلسطينية، وإرباك الحكومة الفلسطينية الجديدة، في إشغالها باجتماعات فارغة، وضغوط متحركة، واجتياحات قاتلة ومدمرة بين وقت وآخر، وإعلانها بأنها سوف تستمر في ذلك بهدنة فلسطينية وبغير هدنة، وتتخذ القرار من جانب واحد... أما أمريكا، فإنها لا تحرك ساكناً، لأنها لا تريد الضغط ولا تملكه، وخصوصاً أن السياسة الأمريكية الخارجية تابعة للأوضاع الداخلية، وفي مقدمها الانتخابات...

إن على العرب والمسلمين والعالم الحرّ أن يقوموا بمبادرة ضغط بما يملكونه من الوسائل ضدَّ حركة السياسة الأمريكية والإسرائيلية، فهذا هو الذي يمكن أن يبرر وجودهم السياسي وهويتهم الحضارية، حتى لا يكونوا ـ كما يريد المستكبرون ـ غثاءً كغثاء السيل... وإذا كان البعض يتحدث عن اجتماعات فلسطينية ـ إسرائيلية هنا وهناك، فإننا نراها مجرد لقاءات قد تجدد أحلام ما يُسمى السلام أو ما يوحي بالحل، ولكنها في واقعها وامتدادها تشبه السراب الذي قد يمنح الناس وهماً ولكنه لا يمثل شيئاً.

العراق يرفض الاحتلال

أما العراق، فإنه لا يزال من الناحية السياسية والأمنية والخدماتية في الدوامة في أكثر من جانب، بفعل سيطرة الاحتلال الذي قد يتحدث عن حق تقرير المصير للعراقيين، وعن سعيه لذلك، ولكنه يتدخل في كلِّ صغيرة وكبيرة عندما يريد مجلس الحكم إصدار قرار أو وضع خطة غير مناسبة للاحتلال، فيُمنع من ذلك كله، حتى يعرف الجميع أن الحرية التي تتحدث عنها أمريكا محصورة في دائرة سياسة الاحتلال، وأن الديمقراطية تتمثَّل في الحفاظ على مصالحه...

وهكذا، بدأنا نرى كيف يسقط العراقيون يومياً بطريقة عشوائية، كما يسقط الجنود الأمريكيون بفعل دورة العنف المقاوم للاحتلال، ولا يزال الصوت المرجعي الديني والشعبي يؤكد أن لا خطة ولا قرار إلا من خلال إرادة شعبية حرة، ونأمل أن يبقى هذا الصوت قوياً فاعلاً من أجل أن يعرف الاحتلال أن الشعب العراقي ـ بقياداته الدينية والشعبية ـ لا يريد للعراق أن يكون مقراً ولا ممراً للاحتلال، فالشعب قادر على أن يقرر مصيره بنفسه، لأنه قد بلغ سن الرشد في طاقاته المتحركة الفاعلة.

إيران تفشل مخططات أمريكا

وفي جانب آخر، لا تزال الضغوط الأمريكية والدولية تتوالى على إيران في مسألة الطاقة النووية، مستغلةً وكالة الطاقة الذرية الخاضعة لأكثر من محور سياسي دولي ـ وخصوصاً المحور الأمريكي ـ لتطويق مشروعها السلمي للطاقة، لأنه لا يُراد لأية دولة إسلامية حرة أن تملك الخبرة النووية... ولكن السياسة الإيرانية الذكية عرفت كيف تتفادى الخطة الأمريكية لنقل المسألة إلى مجلس الأمن من أجل فرض العقوبات على إيران مستقبلاً...

والسؤال: هل تملك وكالة الطاقة أن تنقل قضية السلاح النووي الإسرائيلي المدمر الذي يهدد المنطقة العربية والإسلامية إلى مجلس الأمن؟ لقد أصدر مدير الوكالة طلباً خجولاً لإسرائيل، ولكنه لا يجرؤ على أكثر من ذلك، لأن أمريكا ـ ومعها المجتمع الدولي السائر في ركابها ـ لا توافق على ذلك...

وهكذا، نجد السياسة الأمريكية ـ والغربية ـ تكيل بمكيالين، وتمارس اللعبة المزدوجة في مسألة الخبرة النووية، فلإسرائيل الحرية في امتلاك أسلحة الدمار الشامل بحجة الدفاع عن نفسها، وليس لأية دولة إسلامية أو معارضة للولايات المتحدة الأمريكية الحرية في ذلك، حتى للدفاع عن نفسها، ولا ندري ما معنى حديث الرئيس الأمريكي عن حرية الشعوب في العالم!

قضايا إسلامية حارة

وعلى صعيد آخر، فإن هناك أكثر من قضية إسلامية حارة ومعقّدة على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني والديني في الهند بين المسلمين والهندوس، وفي كشمير بين الهند وباكستان، وفي باكستان بين السنة والشيعة، وفي الشيشان وأفغانستان التي لا تزال تعاني من الاحتلال والتمزق العشائري وفوضى السلاح، وتتحرك في بعض البلدان الإسلامية التفجيرات المدمرة القاتلة التي تصيب الأبرياء وتؤدي إلى اختلال أمن المسلمين قبل غيرهم، في الوقت الذي لا يبرر الإسلام الاعتداء على غير المسلمين من المسالمين الذين يعيشون في البلاد الإسلامية، وهذا الخط الإرهابي الذي يخضع لثقافة خاطئة جامدة أو لعوامل خارجية وداخلية تخطط لاستغلال المشاعر الملتهبة لتنفيذ الخطط الإجرامية التي لا يسمح بها دين ولا شرع.

لبنان: الدولة المفقودة

وتبقى قضية الأسرى من المجاهدين والمدنيين لدى العدوّ الصهيوني والمستكبرين، فهي لا تزال في دائرة التعقيد وإهدار حقوق الإنسان، ما يفرض على الجميع متابعتها وممارسة أكثر من ضغطٍ على السجّانين من أجل إطلاق سراحهم.

ونصل إلى لبنان الذي يبحث شعبه عن دولة مسؤولة في مؤسساتها الدستورية، وفي امتداداتها السياسية، وفي قضائها المتصدي لكل أوضاع الانحراف الإداري والسياسي والإجرام الأمني والاقتصادي، والمرتكز على قاعدة قانونية حضارية تؤكد أن لا أحد فوق القانون، ولا تبرير لأي مجرم كبير أو صغير، ولا تمييع لأية قضية، ولا غطاء لأي هدر أو فساد...

ولكن هذا الشعب لا يجد الدولة بمعناها الحضاري الإنساني في خط العدالة التي لا تميز بين شريف ووضيع، بل يجد أشخاصاً مسؤولين في الموقع، ولكنهم قد لا يكونون مسؤولين في عمق معنى المسؤولية، ما يجعل الواقع يتحرك بين يأس يدفع الشباب إلى الهجرة، وبين انفعالات تصرخ ولكن من دون أن يسمعها أحد...

إن الفقراء يجوعون، والمزارع عطشى، والجامعات تعاني من اللامبالاة الرسمية، والخدمات في يد الذين يستخدمونها لأنفسهم وللمحاسيب، والدَّين يرتفع ويرتفع، والمنطقة العربية التي كانت تجد في لبنان الملجأ والجامعة والمستشفى، تنادي لبنان لكي يعود إلى موقعه ودوره التاريخي، ولا من مجيب... وإسرائيل تضحك تارة وتعبس أخرى، والمنطقة كلها تهتز، والساسة مشغولون بكل خلافاتهم... إن الشعوب تطلب في الأعياد إنتاج الفرح، وفي أعياد لبنان يتمثل الناس بقول الشاعر:

يفرح هذا الورى بعيدهم       ونحن أعيادنا مآتمنا

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير