مع سيد شباب أهل الجنة في ذكرى استشهاده مثال في العبادة والزهد و رفعة المقام وشرف الموقع

مع سيد شباب أهل الجنة في ذكرى استشهاده مثال في العبادة والزهد و رفعة المقام وشرف الموقع

مع سيد شباب أهل الجنة في ذكرى استشهاده
مثال في العبادة والزهد و رفعة المقام وشرف الموقع


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} (الأحزاب/33). في السابع من شهر صفر، كانت وفاة الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، هذا الإمام الذي كانت وفاته استشهاداً من خلال ما دسّه إليه معاوية من السمّ على يد زوجته جعدة بنت الأشعث، التي كانت عائلتها عائلة حاقدة على أهل البيت(ع).

والإمام الحسن (ع) كما نعرف، كان أوَّل وليد لعليّ وفاطمة(ع)، وعاش في أحضان رسول الله(ص)، وورد عنه(ص) أنه قال: «اللّهمَّ إني أحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه». ورعاه (ص) وأخاه الإمام الحسين(ع) رعاية أبوية، فقد كان يحضنهما ويلاعبهما ويشيد بهما، وقد روى المسلمون عنه أنه قال: «الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة»، وقد عاش الحسن(ع) في أحضان أمه بعد رسول الله(ص) مدة قصيرة فارقته بعدها بالوفاة.

تعريف عظمة علي(ع):

عاش الإمام الحسن(ع) كلَّ شبابه مع أبيه عليّ(ع) الذي كان يعتمد عليه عندما استُخلف أميراً للمؤمنين على المسلمين، وأرسله إلى الكوفة عندما ارتبك الوضع فيها، وقد أراد في أول كلمة له، أن يعرّف الناس عظمة أبيه، فقال: «أيها الناس، إنّا جئنا ندعوكم إلى الله وكتابه وسنّة رسوله، وإلى أفقه من تفقّه من المسلمين، وأعدل من تعدّلون، وأفضل من تفضّلون، وأوفى من تبايعون، من لم يعيه القرآن، ولم تجهله السنّة، ولم تقعد به السابقة، إلى من قرّبه الله إلى رسوله قرابتين؛ قرابة الدين وقرابة الرحم، إلى من سبق الناس إلى كل مأثرة، إلى من كفى الله به رسوله والناس متخاذلون، فقرب منه وهم متباعدون، وصلّى معه وهم مشركون، وقاتل معه وهم منهزمون، وبارز معه وهم محجمون، وصدّقه وهم مكذّبون، إلى من لم تردّ له راية ولا تُكافأ له سابقة». وهكذا نجد في هذه الكلمات الصورة الواضحة لعليّ(ع) من ولده الَّذي يعرفه معرفةً عميقةً كما لم يعرفه أحد من الناس.

المثال في العبادة والزُّهد:

وقد كان الإمام عليّ(ع) يتعهّد الإمام الحسن(ع) روحياً وفكرياً، ونحن نقرأ في نهج البلاغة وصيّته له، والتي تمثِّل القمة في الوصايا التي ترتفع بالإنسان إلى مستوى الكمال، وتجعله قريباً إلى الله ومرضياً عنده ومحبوباً لديه. ونقرأ الحديث عن الإمام زين العابدين(ع)، وهو يصف عمّه الإمام الحسن(ع)، وهذه شهادةٌ عظيمةٌ تعرِّفنا شخصيَّة الإمام الحسن(ع). يقول الإمام زين العابدين في ما روي عنه: «كان أعبد الناس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم، كان إذا حجّ حجّ ماشياً، وربما مشى حافياً، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر الممرّ على الصراط بكى، وإذا ذكر العرض على الله شهق شهقة يغشى عليه منها، وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربِّه عزّ وجلّ، وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم، وسأل الله الجنة وتعوّذ من النار، وكان لا يقرأ من كتاب الله عزّ وجلّ قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} إلا أن قال: «لبيك اللهم لبيك، ولم يُرَ في شيء من أحواله إلا ذاكراً لله عزّ وجلّ».

رفعة المقام وشرف الموقع:

وينقل بعض كتّاب السيرة النبوية الشريفة، وهو محمد بن إسحاق، يقول: «ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله(ص) ما بلغ الحسن بن عليّ، كان يُبسط له على باب داره، فإذا خرج وجلس انقطع الطريق، فما يمرُّ أحد من خلق الله إجلالاً له، فإذا علم قام ودخل بيته فمرَّ النَّاس»، ويقول بعض الرواة وهو يتحدَّث عن مسير الإمام الحسن(ع) في حجّه إلى بيت الله الحرام: «ولقد رأيته في طريق مكَّة نزل عن راحلته فمشى، فما من خلق الله أحد إلا نزل ومشى، حتى قد رأيت سعد بن أبي وقاص قد نزل ومشى إلى جنبه».

وهكذا، كان الإمام الحسن(ع) في هذا المستوى العظيم الكبير من رفعة المقام، ومن شرف الموقع، ومن الحكمة والمحبَّة للناس. ويُنقل عنه، أنه كان سائراً مع الإمام الحسين(ع)، فرأيا شيخاً كبيراً في السنّ وهو يتوضأ فلا يُحسن الوضوء، ككثير من كبار السنّ الذين لم تكن لهم فرصة للتفقّه في الدين في وضوئهم وصلاتهم، فعزما(ع) أن يعلّماه الوضوء، وكانا شابَّين، وهذا الشيخ لا يعرفهما، فجاءا إليه، وطلبا منه أن يكون الحكم في وضوئهما، وبدأ الإمام الحسن بالوضوء، ثمّ توضّأ الحسين، فقالا: "احكم بيننا"، فرأى الرجل أن وضوءهما من أعلى ما يكون، وعرف أن وضوءه خطأ، فشكرهما لأنهما علّماه كيف يتوضَّأ. فعندما كانا يريدان أن يعلّما شخصاً، كانا يحترمان شخصه وسنّه، وهذا درس نتعلّمه، أن لا نعنف مع أحد حين نريد أن نعلّمه شيئاً من أمور دينه ودنياه، علينا أن نحترم كرامته وذاته في الأسلوب الذي نريد أن نثيره معه في التعبير.

المتواضع لله:

ونحن نعرف أنَّ الإمام الحسن(ع) كان المتواضع لله، وكان يشعر بقيمة المسجد باعتبار أنه بيت الله، فلا ينظر إلى المسجد على أنه مجرد ساحة يصلّي فيها بالطريقة التقليدية، بل يشعر بحضور الله في المسجد، فيُنقل عنه أنه كان إذا دخل إلى المسجد، وقف ببابه مستأذناً، ورفع رأسه وقال: «إلهي ضيفك ببابك، يا محسن قد أتاك المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندنا بجميل ما عندك يا كريم».

وكان(ع) يتمتَّع بأعلى ما يتمتَّع به المسلم المؤمن من الأخلاق، وكان يعفو عمّن أساء إليه، ويتّبع الأسلوب الذي يحوّل عدوّه إلى صديق. يذكر كتّاب سيرته، أنه بينما كان يسير في المدينة مع أهل بيته وأصحابه، جاءه شخص شامي ممن ثقّفهم معاوية ببغض أهل البيت(ع)، فسأل الشامي: «مَن هذا الرجل»؟ قيل له: «هذا الحسن بن علي بن أبي طالب»، فبدأ يشتم عليّاً والحسن (عليهما السلام)، والإمام الحسن ينظر إليه نظرة عطف ورحمة، وعندما انتهى من كلامه قال له: «أظنك غريباً، فإن كنت جائعاً أطعمناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت فقيراً أغنيناك، يا غلمان، امضوا به إلى المنـزل وأحسنوا ضيافته وإكرامه»، وفوجئ الرجل، فما كان منه إلا أن قال: «أشهد أنك خليفة الله في أرضه، والله أعلم حيث يجعل رسالته».

وإذا أردنا أن نحلِّل موقف الإمام الحسن(ع) هذا، وأن نعرف سرّ الأسلوب الذي اعتمده لنتعلّمه في حياتنا، فإنّ الإمام(ع) عرف أن هذا الرجل عاش في بيئة مغلقة، قام المشرفون عليها بما نسمّيه في هذه الأيام "غسل دماغ"، بحيث شحنوا كل فكره بعداوة عليّ وأبنائه، وعرف أنه خاضع لدعاية سيئة، ولهذا أراد (ع) أن يغيّر فكره على طريقة الآية الكريمة: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(فصلت/34)، وهكذا كان من الإمام(ع)، فربح إيمان هذا الشخص ومحبته له.

أسلوب الحسن والحسين (ع) واحد:

وعندما نواجه حياة الإمام الحسن(ع)، نجد أنه بعد استشهاد أبيه، عاش تجربة من أصعب التجارب، لأن معاوية اشترى كثيراً من أصحابه وأقربائه، وبعث بالأموال ليشتري بها رؤساء العشائر والقبائل، ولذلك كان جيشه لا يخلص له إلا من رحم الله منهم، فرأى(ع) أن مصلحة الإسلام والمسلمين أن يغلق ملف الحرب ليحتفظ بالمعارضة الواعية من أصحاب عليّ(ع)، ريثما تنكشف الغمة عنهم، وما يقوله بعض الناس بأنّ للحسين أسلوباً وللحسن أسلوباً، هو غير صحيح، لأن كليهما كانا ينطلقان من قاعدة واحدة وأسلوب واحد، وهو مصلحة الإسلام والمسلمين، ولو كان الحسن في موقع الحسين، لتحرك كما تحرك الحسين(ع)، وهذا ما رأيناه من الحسين(ع) عندما تولى الإمام الحسن(ع) إمرة المؤمنين، حيث وقَّع على وثيقة الصلح، كما يذكر التاريخ في هذا المجال.

كان الإمام الحسن(ع) يمثّل المصلحة للإسلام والمسلمين، ولذلك عندما قربت منه الوفاة، أوصى أخاه الحسين(ع) أن لا يدفن عند جده، لأن القوم لن يسمحوا بذلك، فقال: «فبالله أقسم عليك، أن لا تهرق في أمري ملء محجمة دماً»، وهذا ما كان عندما أقبلت زوجة النبي(ص) وهي تقول: «لا تُدخلوا بيتي من لا أحبّ»، فدُفن(ع) في البقيع.

إنَّ الإمام الحسن(ع) كان يمثل القمة الروحية الإنسانية الشامخة، وهكذا هي سيرة أهل البيت(ع) التي تريد للناس أن ينفتحوا على الله، وأن يقتربوا منه بالاقتراب من طاعته، وكان من كلماته(ع): «من أراد عزاً بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، فلينتقل من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعته»، وسلام عليه يوم وُلد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.

 

الخطبة الثانية

بسم الله الرَّحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا الموقف في حياتكم، ولا سيما في هذه المرحلة، بالوحدة الإسلامية، والموقف الصلب، والمواجهة القوية لكل الاستكبار والمستكبرين، ولكلِّ الظلم والظالمين، حتى تنصروا الله ورسوله بنصرة دينه ونصرة أمته، فماذا هناك من خلال التحديات الكبرى التي تواجه الإسلام؟:

حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني:

في المشهد الفلسطيني، تتواصل سياسة الاغتيالات لقادة الانتفاضة، وقصف المناطق الفلسطينية في غزة، واجتياح قرى ومدن الضفة الغربية، ومصادرة أراضيها لاستكمال بناء الجدار الفاصل، وتهديد الشعب الفلسطيني بالتجويع والحصار الاقتصادي عقاباً له على اختياره حركة حماس في الانتخابات...

ثم، تهدد حكومة العدو الصهيونية بالقبضة الحديدية في خطة الإبادة للمدنيين إذا قام المجاهدون بالردّ على العدوان، لأنها ـ ومعها أمريكا وأوروبا واللجنة الرباعية الدولية ـ تعطي جيشها الحرية في مجازره الوحشية، من دون أن يكون هناك أيّ حق في الرد تحت طائلة الاتهام بالإرهاب!!

إن الغرب الذي خطط عملية تشريد الفلسطينيين من أرضهم منذ أكثر من نصف قرن لحساب إقامة دولة إسرائيل، لا يزال يكذب ويخادع وينافق من خلال الموفدين الذين يبيعون السلطة الفلسطينية كلاماً، ويمنحون إسرائيل المواقف لاستكمال استراتيجيتها في السيطرة على فلسطين كلها...

العرب... انفتاح على العدوِّ الصهيوني!!

وإنه لمن الخزي والعار للعالمين العربي والإسلامي، أن ينفتحوا على العدو الصهيوني في علاقاتهم السياسية والاقتصادية بشكل وبآخر أكثر مما ينفتحون على الشعب الفلسطيني، ونحن نلاحظ أن الأرصدة الضخمة التي يملكونها في المصارف الأمريكية تتجمّع لصالح الشركات اليهودية هناك، ولكنهم لا يدعمون الشعب الفلسطيني بما هو في حاجة إليه من مساعدات، مما لا يمثل شيئاً من فوائد تلك الأرصدة، لأنهم يخافون من غضب أمريكا التي تتجوّل وزيرة خارجيتها على أكثر من بلد عربي لتمنعه من مساعدة حكومة حماس، وتحذّر إيران من مساعدتها، في الوقت الذي يصرّح بعض مسؤولي الأمم المتحدة، بأن منطقة غزَّة سوف تعيش الجوع الغذائي في وقت قريب... إننا نخشى أن هذه الدول تسير في خط النفاق لتبيع الفلسطينيين الكلام، ولتتدخّل للضغط عليهم حتى يخضعوا للضغط الدولي من أجل الاستراتيجية الإسرائيلية... يا للعار.

أمريكا .. معادية للإسلام والعرب:

وفي المشهد الأمريكي، لا تزال أمريكا تثير الخوف والكراهية في سياستها الاستكبارية في العالمين العربي والإسلامي، التي حوّلت المنطقة إلى حال من الفوضى الدموية، من خلال المجازر المتحركة في أكثر من موقع، باسم محاربة الإرهاب الذي تحوّل في خططها إلى نار مشتعلة تطال المدنيين الأبرياء، وتحرق الأمن كله...

لقد تحوّلت أمريكا في هذه المرحلة، أكثر من أيّ وقت مضى، إلى دولة معادية لمصالح العرب وللإسلام، ولا شك في أن المسؤولية الكبرى عن هذا التدهور البالغ، إنما تقع على إدارة بوش التي تواجه حالياً مجموعة نادرة من الإخفاقات في طول الشرق الأوسط وعرضه، من خلال الأفكار التي يحملها الرئيس بوش ومعاونيوه الرّئيسيّون، إضافة إلى النفوذ الخبيث الذي يتمتع به المحافظون الجدد داخل الإدارة وخارجها، حتى إنها تمادت في ممارسة ضغوطات هائلة على دول يُفترض أنها صديقة لأمريكا، الأمر الذي جعلها تخوض حرباً على العالم كله باسم الحرب على الإرهاب الذي يتخبّط في أكثر من موقع في العالمين العربي والإسلامي...

أميركا: تدمير وحدة الشعب العراقي:

لقد عملت أمريكا ـ ولا تزال ـ على تدمير وحدة الشعب العراقي، وأثارت الخلافات المذهبية والإثنية العنيفة، وأفسحت في المجال للموساد الإسرائيلي ليعبث بهذا البلد على جميع الأصعدة، وأيّدت سياسة شارون بتوسيع المستوطنات وبناء الجدار العازل والقتل المتعمّد للمجاهدين، ودعمت التهديد الإسرائيلي لإيران في التخطيط لقصف مفاعلاتها النووية السلمية...

إننا نطلق الصَّوت عالياً، بالتَّحذير من هذه الحرب الأميركيّة المتحالفة مع إسرائيل، من خلال الضَّغط على أكثر من محور دولي، ولا سيما الاتحاد الأوروبي، ضدَّ العرب والمسلمين، الأمر الذي يفرض علينا أن نخطط لمواجهة هذا الخطر الداهم الذي يحاول إسقاط المنطقة كلها...

الأخذ بأسباب القوّة:

وفي ضوء هذا، لا بدَّ للمسلمين من أن يأخذوا بأسباب الوحدة الإسلامية، ليقفوا صفاً واحداً كالبنيان المرصوص، وليرتفعوا إلى مستوى العنفوان الإسلامي في الأخذ بعناصر القوة، ولا سيما في العراق الجريح، الذي يغرق في بحور الدماء التي يُراد لها أن تتحوّل إلى حالة من الفتنة المذهبية والعرقية، من خلال المجازر التكفيرية الحاقدة، وحركة الفعل وردّ الفعل، وفي محاولة تهجير أهل المذهب الإسلامي الشيعي من المناطق المختلطة، كما حدث في بعض مناطق بغداد...

إننا نقول لإخواننا في العراق: أدركوا الموقف قبل أن يسقط الهيكل على رؤوس الجميع، لأن أمريكا لم ترد للعراق خيراً منذ البداية، فالنظام الطاغي كان صناعة أمريكية، حتى إذا انتهى دوره، جاءت أمريكا لتصنع نظاماً جديداً تحركه كيفما تشاء بإشراف إدارتها، لخدمة مصالحها الاستراتيجية في الداخل والخارج.

نسعى للبنان المواطنة!!

أما لبنان، فلا يزال يعيش في المناخ الأمريكي، من خلال زيارة وزيرة خارجية أمريكا التي جاءت لتشرف على خطتها في إدارة الفوضى السياسية فيه، الأمر الذي لا يزال يثير الخوف والقلق في نفوس الشعب الذي يستعيد في ذكرياته أجواء الحرب، من خلال أصوات التشنّج والعنف الكلامي في السجالات التي تتحرك بأسلوب الإثارة والانفعال...

وإذا كان الواقع في لبنان يعيش في داخل أجواء مؤتمر الحوار، فإننا نأمل أن يرتفع الجميع إلى مستوى الوطن في مشاكله الحقيقية في الاقتصاد المنهار، وفي الأمن القلق، وفي السقوط تحت تأثير التحديق في التدخّلات الدولية الخارجية... إننا نلاحظ أن عناوين الحوار ليست ـ بأجمعها ـ هي ما يفكر فيه اللبنانيون في تأسيس مستقبلهم، ولا سيَّما إذا تذكَّروا كيف كان التاريخ الدامي في الحرب الماضية يتمثَّل في أكثر من رمز من رموز الحرب، ما يفرض على الجميع أن يأخذوا العبرة من الماضي للمستقبل...

والسؤال: أين الجيل الجديد الذي لم يتلوّث بالسرقة والهدر والخيانة، ولم يدخل في لعبة القتل والتدمير والدماء البريئة؟ إننا نناشدهم جميعاً أن لا يسقطوا تحت تأثير الشعارات الغرائزية والأجواء الانفعالية، بل أن يخططوا للبنان الجديد على مستوى الصدق والأمانة والحب للوطن كله وللإنسان كله، من أجل نظام المواطنة لا الطائفة... إن لبنان يهتز في زلزال المنطقة، فلنحاول جميعاً أن نثبّت موقعه وأن نخطّط لصلابته التي تمنع الزلازل من أن تهدم الإنسان والكيان فيه.

مع سيد شباب أهل الجنة في ذكرى استشهاده
مثال في العبادة والزهد و رفعة المقام وشرف الموقع


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} (الأحزاب/33). في السابع من شهر صفر، كانت وفاة الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، هذا الإمام الذي كانت وفاته استشهاداً من خلال ما دسّه إليه معاوية من السمّ على يد زوجته جعدة بنت الأشعث، التي كانت عائلتها عائلة حاقدة على أهل البيت(ع).

والإمام الحسن (ع) كما نعرف، كان أوَّل وليد لعليّ وفاطمة(ع)، وعاش في أحضان رسول الله(ص)، وورد عنه(ص) أنه قال: «اللّهمَّ إني أحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه». ورعاه (ص) وأخاه الإمام الحسين(ع) رعاية أبوية، فقد كان يحضنهما ويلاعبهما ويشيد بهما، وقد روى المسلمون عنه أنه قال: «الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة»، وقد عاش الحسن(ع) في أحضان أمه بعد رسول الله(ص) مدة قصيرة فارقته بعدها بالوفاة.

تعريف عظمة علي(ع):

عاش الإمام الحسن(ع) كلَّ شبابه مع أبيه عليّ(ع) الذي كان يعتمد عليه عندما استُخلف أميراً للمؤمنين على المسلمين، وأرسله إلى الكوفة عندما ارتبك الوضع فيها، وقد أراد في أول كلمة له، أن يعرّف الناس عظمة أبيه، فقال: «أيها الناس، إنّا جئنا ندعوكم إلى الله وكتابه وسنّة رسوله، وإلى أفقه من تفقّه من المسلمين، وأعدل من تعدّلون، وأفضل من تفضّلون، وأوفى من تبايعون، من لم يعيه القرآن، ولم تجهله السنّة، ولم تقعد به السابقة، إلى من قرّبه الله إلى رسوله قرابتين؛ قرابة الدين وقرابة الرحم، إلى من سبق الناس إلى كل مأثرة، إلى من كفى الله به رسوله والناس متخاذلون، فقرب منه وهم متباعدون، وصلّى معه وهم مشركون، وقاتل معه وهم منهزمون، وبارز معه وهم محجمون، وصدّقه وهم مكذّبون، إلى من لم تردّ له راية ولا تُكافأ له سابقة». وهكذا نجد في هذه الكلمات الصورة الواضحة لعليّ(ع) من ولده الَّذي يعرفه معرفةً عميقةً كما لم يعرفه أحد من الناس.

المثال في العبادة والزُّهد:

وقد كان الإمام عليّ(ع) يتعهّد الإمام الحسن(ع) روحياً وفكرياً، ونحن نقرأ في نهج البلاغة وصيّته له، والتي تمثِّل القمة في الوصايا التي ترتفع بالإنسان إلى مستوى الكمال، وتجعله قريباً إلى الله ومرضياً عنده ومحبوباً لديه. ونقرأ الحديث عن الإمام زين العابدين(ع)، وهو يصف عمّه الإمام الحسن(ع)، وهذه شهادةٌ عظيمةٌ تعرِّفنا شخصيَّة الإمام الحسن(ع). يقول الإمام زين العابدين في ما روي عنه: «كان أعبد الناس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم، كان إذا حجّ حجّ ماشياً، وربما مشى حافياً، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر الممرّ على الصراط بكى، وإذا ذكر العرض على الله شهق شهقة يغشى عليه منها، وكان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربِّه عزّ وجلّ، وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم، وسأل الله الجنة وتعوّذ من النار، وكان لا يقرأ من كتاب الله عزّ وجلّ قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} إلا أن قال: «لبيك اللهم لبيك، ولم يُرَ في شيء من أحواله إلا ذاكراً لله عزّ وجلّ».

رفعة المقام وشرف الموقع:

وينقل بعض كتّاب السيرة النبوية الشريفة، وهو محمد بن إسحاق، يقول: «ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله(ص) ما بلغ الحسن بن عليّ، كان يُبسط له على باب داره، فإذا خرج وجلس انقطع الطريق، فما يمرُّ أحد من خلق الله إجلالاً له، فإذا علم قام ودخل بيته فمرَّ النَّاس»، ويقول بعض الرواة وهو يتحدَّث عن مسير الإمام الحسن(ع) في حجّه إلى بيت الله الحرام: «ولقد رأيته في طريق مكَّة نزل عن راحلته فمشى، فما من خلق الله أحد إلا نزل ومشى، حتى قد رأيت سعد بن أبي وقاص قد نزل ومشى إلى جنبه».

وهكذا، كان الإمام الحسن(ع) في هذا المستوى العظيم الكبير من رفعة المقام، ومن شرف الموقع، ومن الحكمة والمحبَّة للناس. ويُنقل عنه، أنه كان سائراً مع الإمام الحسين(ع)، فرأيا شيخاً كبيراً في السنّ وهو يتوضأ فلا يُحسن الوضوء، ككثير من كبار السنّ الذين لم تكن لهم فرصة للتفقّه في الدين في وضوئهم وصلاتهم، فعزما(ع) أن يعلّماه الوضوء، وكانا شابَّين، وهذا الشيخ لا يعرفهما، فجاءا إليه، وطلبا منه أن يكون الحكم في وضوئهما، وبدأ الإمام الحسن بالوضوء، ثمّ توضّأ الحسين، فقالا: "احكم بيننا"، فرأى الرجل أن وضوءهما من أعلى ما يكون، وعرف أن وضوءه خطأ، فشكرهما لأنهما علّماه كيف يتوضَّأ. فعندما كانا يريدان أن يعلّما شخصاً، كانا يحترمان شخصه وسنّه، وهذا درس نتعلّمه، أن لا نعنف مع أحد حين نريد أن نعلّمه شيئاً من أمور دينه ودنياه، علينا أن نحترم كرامته وذاته في الأسلوب الذي نريد أن نثيره معه في التعبير.

المتواضع لله:

ونحن نعرف أنَّ الإمام الحسن(ع) كان المتواضع لله، وكان يشعر بقيمة المسجد باعتبار أنه بيت الله، فلا ينظر إلى المسجد على أنه مجرد ساحة يصلّي فيها بالطريقة التقليدية، بل يشعر بحضور الله في المسجد، فيُنقل عنه أنه كان إذا دخل إلى المسجد، وقف ببابه مستأذناً، ورفع رأسه وقال: «إلهي ضيفك ببابك، يا محسن قد أتاك المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندنا بجميل ما عندك يا كريم».

وكان(ع) يتمتَّع بأعلى ما يتمتَّع به المسلم المؤمن من الأخلاق، وكان يعفو عمّن أساء إليه، ويتّبع الأسلوب الذي يحوّل عدوّه إلى صديق. يذكر كتّاب سيرته، أنه بينما كان يسير في المدينة مع أهل بيته وأصحابه، جاءه شخص شامي ممن ثقّفهم معاوية ببغض أهل البيت(ع)، فسأل الشامي: «مَن هذا الرجل»؟ قيل له: «هذا الحسن بن علي بن أبي طالب»، فبدأ يشتم عليّاً والحسن (عليهما السلام)، والإمام الحسن ينظر إليه نظرة عطف ورحمة، وعندما انتهى من كلامه قال له: «أظنك غريباً، فإن كنت جائعاً أطعمناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت فقيراً أغنيناك، يا غلمان، امضوا به إلى المنـزل وأحسنوا ضيافته وإكرامه»، وفوجئ الرجل، فما كان منه إلا أن قال: «أشهد أنك خليفة الله في أرضه، والله أعلم حيث يجعل رسالته».

وإذا أردنا أن نحلِّل موقف الإمام الحسن(ع) هذا، وأن نعرف سرّ الأسلوب الذي اعتمده لنتعلّمه في حياتنا، فإنّ الإمام(ع) عرف أن هذا الرجل عاش في بيئة مغلقة، قام المشرفون عليها بما نسمّيه في هذه الأيام "غسل دماغ"، بحيث شحنوا كل فكره بعداوة عليّ وأبنائه، وعرف أنه خاضع لدعاية سيئة، ولهذا أراد (ع) أن يغيّر فكره على طريقة الآية الكريمة: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(فصلت/34)، وهكذا كان من الإمام(ع)، فربح إيمان هذا الشخص ومحبته له.

أسلوب الحسن والحسين (ع) واحد:

وعندما نواجه حياة الإمام الحسن(ع)، نجد أنه بعد استشهاد أبيه، عاش تجربة من أصعب التجارب، لأن معاوية اشترى كثيراً من أصحابه وأقربائه، وبعث بالأموال ليشتري بها رؤساء العشائر والقبائل، ولذلك كان جيشه لا يخلص له إلا من رحم الله منهم، فرأى(ع) أن مصلحة الإسلام والمسلمين أن يغلق ملف الحرب ليحتفظ بالمعارضة الواعية من أصحاب عليّ(ع)، ريثما تنكشف الغمة عنهم، وما يقوله بعض الناس بأنّ للحسين أسلوباً وللحسن أسلوباً، هو غير صحيح، لأن كليهما كانا ينطلقان من قاعدة واحدة وأسلوب واحد، وهو مصلحة الإسلام والمسلمين، ولو كان الحسن في موقع الحسين، لتحرك كما تحرك الحسين(ع)، وهذا ما رأيناه من الحسين(ع) عندما تولى الإمام الحسن(ع) إمرة المؤمنين، حيث وقَّع على وثيقة الصلح، كما يذكر التاريخ في هذا المجال.

كان الإمام الحسن(ع) يمثّل المصلحة للإسلام والمسلمين، ولذلك عندما قربت منه الوفاة، أوصى أخاه الحسين(ع) أن لا يدفن عند جده، لأن القوم لن يسمحوا بذلك، فقال: «فبالله أقسم عليك، أن لا تهرق في أمري ملء محجمة دماً»، وهذا ما كان عندما أقبلت زوجة النبي(ص) وهي تقول: «لا تُدخلوا بيتي من لا أحبّ»، فدُفن(ع) في البقيع.

إنَّ الإمام الحسن(ع) كان يمثل القمة الروحية الإنسانية الشامخة، وهكذا هي سيرة أهل البيت(ع) التي تريد للناس أن ينفتحوا على الله، وأن يقتربوا منه بالاقتراب من طاعته، وكان من كلماته(ع): «من أراد عزاً بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان، فلينتقل من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعته»، وسلام عليه يوم وُلد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.

 

الخطبة الثانية

بسم الله الرَّحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا الموقف في حياتكم، ولا سيما في هذه المرحلة، بالوحدة الإسلامية، والموقف الصلب، والمواجهة القوية لكل الاستكبار والمستكبرين، ولكلِّ الظلم والظالمين، حتى تنصروا الله ورسوله بنصرة دينه ونصرة أمته، فماذا هناك من خلال التحديات الكبرى التي تواجه الإسلام؟:

حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني:

في المشهد الفلسطيني، تتواصل سياسة الاغتيالات لقادة الانتفاضة، وقصف المناطق الفلسطينية في غزة، واجتياح قرى ومدن الضفة الغربية، ومصادرة أراضيها لاستكمال بناء الجدار الفاصل، وتهديد الشعب الفلسطيني بالتجويع والحصار الاقتصادي عقاباً له على اختياره حركة حماس في الانتخابات...

ثم، تهدد حكومة العدو الصهيونية بالقبضة الحديدية في خطة الإبادة للمدنيين إذا قام المجاهدون بالردّ على العدوان، لأنها ـ ومعها أمريكا وأوروبا واللجنة الرباعية الدولية ـ تعطي جيشها الحرية في مجازره الوحشية، من دون أن يكون هناك أيّ حق في الرد تحت طائلة الاتهام بالإرهاب!!

إن الغرب الذي خطط عملية تشريد الفلسطينيين من أرضهم منذ أكثر من نصف قرن لحساب إقامة دولة إسرائيل، لا يزال يكذب ويخادع وينافق من خلال الموفدين الذين يبيعون السلطة الفلسطينية كلاماً، ويمنحون إسرائيل المواقف لاستكمال استراتيجيتها في السيطرة على فلسطين كلها...

العرب... انفتاح على العدوِّ الصهيوني!!

وإنه لمن الخزي والعار للعالمين العربي والإسلامي، أن ينفتحوا على العدو الصهيوني في علاقاتهم السياسية والاقتصادية بشكل وبآخر أكثر مما ينفتحون على الشعب الفلسطيني، ونحن نلاحظ أن الأرصدة الضخمة التي يملكونها في المصارف الأمريكية تتجمّع لصالح الشركات اليهودية هناك، ولكنهم لا يدعمون الشعب الفلسطيني بما هو في حاجة إليه من مساعدات، مما لا يمثل شيئاً من فوائد تلك الأرصدة، لأنهم يخافون من غضب أمريكا التي تتجوّل وزيرة خارجيتها على أكثر من بلد عربي لتمنعه من مساعدة حكومة حماس، وتحذّر إيران من مساعدتها، في الوقت الذي يصرّح بعض مسؤولي الأمم المتحدة، بأن منطقة غزَّة سوف تعيش الجوع الغذائي في وقت قريب... إننا نخشى أن هذه الدول تسير في خط النفاق لتبيع الفلسطينيين الكلام، ولتتدخّل للضغط عليهم حتى يخضعوا للضغط الدولي من أجل الاستراتيجية الإسرائيلية... يا للعار.

أمريكا .. معادية للإسلام والعرب:

وفي المشهد الأمريكي، لا تزال أمريكا تثير الخوف والكراهية في سياستها الاستكبارية في العالمين العربي والإسلامي، التي حوّلت المنطقة إلى حال من الفوضى الدموية، من خلال المجازر المتحركة في أكثر من موقع، باسم محاربة الإرهاب الذي تحوّل في خططها إلى نار مشتعلة تطال المدنيين الأبرياء، وتحرق الأمن كله...

لقد تحوّلت أمريكا في هذه المرحلة، أكثر من أيّ وقت مضى، إلى دولة معادية لمصالح العرب وللإسلام، ولا شك في أن المسؤولية الكبرى عن هذا التدهور البالغ، إنما تقع على إدارة بوش التي تواجه حالياً مجموعة نادرة من الإخفاقات في طول الشرق الأوسط وعرضه، من خلال الأفكار التي يحملها الرئيس بوش ومعاونيوه الرّئيسيّون، إضافة إلى النفوذ الخبيث الذي يتمتع به المحافظون الجدد داخل الإدارة وخارجها، حتى إنها تمادت في ممارسة ضغوطات هائلة على دول يُفترض أنها صديقة لأمريكا، الأمر الذي جعلها تخوض حرباً على العالم كله باسم الحرب على الإرهاب الذي يتخبّط في أكثر من موقع في العالمين العربي والإسلامي...

أميركا: تدمير وحدة الشعب العراقي:

لقد عملت أمريكا ـ ولا تزال ـ على تدمير وحدة الشعب العراقي، وأثارت الخلافات المذهبية والإثنية العنيفة، وأفسحت في المجال للموساد الإسرائيلي ليعبث بهذا البلد على جميع الأصعدة، وأيّدت سياسة شارون بتوسيع المستوطنات وبناء الجدار العازل والقتل المتعمّد للمجاهدين، ودعمت التهديد الإسرائيلي لإيران في التخطيط لقصف مفاعلاتها النووية السلمية...

إننا نطلق الصَّوت عالياً، بالتَّحذير من هذه الحرب الأميركيّة المتحالفة مع إسرائيل، من خلال الضَّغط على أكثر من محور دولي، ولا سيما الاتحاد الأوروبي، ضدَّ العرب والمسلمين، الأمر الذي يفرض علينا أن نخطط لمواجهة هذا الخطر الداهم الذي يحاول إسقاط المنطقة كلها...

الأخذ بأسباب القوّة:

وفي ضوء هذا، لا بدَّ للمسلمين من أن يأخذوا بأسباب الوحدة الإسلامية، ليقفوا صفاً واحداً كالبنيان المرصوص، وليرتفعوا إلى مستوى العنفوان الإسلامي في الأخذ بعناصر القوة، ولا سيما في العراق الجريح، الذي يغرق في بحور الدماء التي يُراد لها أن تتحوّل إلى حالة من الفتنة المذهبية والعرقية، من خلال المجازر التكفيرية الحاقدة، وحركة الفعل وردّ الفعل، وفي محاولة تهجير أهل المذهب الإسلامي الشيعي من المناطق المختلطة، كما حدث في بعض مناطق بغداد...

إننا نقول لإخواننا في العراق: أدركوا الموقف قبل أن يسقط الهيكل على رؤوس الجميع، لأن أمريكا لم ترد للعراق خيراً منذ البداية، فالنظام الطاغي كان صناعة أمريكية، حتى إذا انتهى دوره، جاءت أمريكا لتصنع نظاماً جديداً تحركه كيفما تشاء بإشراف إدارتها، لخدمة مصالحها الاستراتيجية في الداخل والخارج.

نسعى للبنان المواطنة!!

أما لبنان، فلا يزال يعيش في المناخ الأمريكي، من خلال زيارة وزيرة خارجية أمريكا التي جاءت لتشرف على خطتها في إدارة الفوضى السياسية فيه، الأمر الذي لا يزال يثير الخوف والقلق في نفوس الشعب الذي يستعيد في ذكرياته أجواء الحرب، من خلال أصوات التشنّج والعنف الكلامي في السجالات التي تتحرك بأسلوب الإثارة والانفعال...

وإذا كان الواقع في لبنان يعيش في داخل أجواء مؤتمر الحوار، فإننا نأمل أن يرتفع الجميع إلى مستوى الوطن في مشاكله الحقيقية في الاقتصاد المنهار، وفي الأمن القلق، وفي السقوط تحت تأثير التحديق في التدخّلات الدولية الخارجية... إننا نلاحظ أن عناوين الحوار ليست ـ بأجمعها ـ هي ما يفكر فيه اللبنانيون في تأسيس مستقبلهم، ولا سيَّما إذا تذكَّروا كيف كان التاريخ الدامي في الحرب الماضية يتمثَّل في أكثر من رمز من رموز الحرب، ما يفرض على الجميع أن يأخذوا العبرة من الماضي للمستقبل...

والسؤال: أين الجيل الجديد الذي لم يتلوّث بالسرقة والهدر والخيانة، ولم يدخل في لعبة القتل والتدمير والدماء البريئة؟ إننا نناشدهم جميعاً أن لا يسقطوا تحت تأثير الشعارات الغرائزية والأجواء الانفعالية، بل أن يخططوا للبنان الجديد على مستوى الصدق والأمانة والحب للوطن كله وللإنسان كله، من أجل نظام المواطنة لا الطائفة... إن لبنان يهتز في زلزال المنطقة، فلنحاول جميعاً أن نثبّت موقعه وأن نخطّط لصلابته التي تمنع الزلازل من أن تهدم الإنسان والكيان فيه.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير