لنفرح فرح المحبة والإنسانية لا فرح اللهو والخلاعة

لنفرح فرح المحبة والإنسانية لا فرح اللهو والخلاعة

في ذكرى ميلاد السيد المسيح ورأس السّنة:
لنفرح فرح المحبة والإنسانية لا فرح اللهو والخلاعة


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

معجزة ولادة المسيح(ع):

نعيش في هذه الأيّام ذكرى ميلاد السيد المسيح(ع) ورأس السنة الميلادية، فكيف نحتفل بهاتين المناسبتين؟! إنّ احتفالنا بذلك لا بدّ أن يكون كاحتفال القرآن به. فالقرآن لم يتحدث عن ولادة أيّ شخص مقدَّس بالتفاصيل التي تحدَّث بها عن ولادة المسيح(ع)، باعتباره آيةً من آيات الله، ولا سيما في سورة مريم، التي تحدث القرآن فيها عن مريم(ع) كصديقة طاهرة انفتحت على الله {وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ـ بعد أن نذرتها أمها لله سبحانه ـ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(آل عمران/37)، حيث كانت الملائكة تنـزل إليها طعامها وهي تتعبد لربها، {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً ـ أرادت العزلة لتعبد الله سبحانه وتعالى بعيداً عن ضجيج الأهل ـ فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ـ روح الله، وربما كان جبرائيل ـ فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً ـ فبينما كانت تتعبّد الله سبحانه، وإذ بشاب يقف أمامها، فارتعدت هذه العذراء، وخشيت أن ينالها بسوء...

ـ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ ـ فأنا قادم برسالة من نوع آخر ـ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ـ وهي تعرف أن الولادة لا تحصل إلاّ من خلال قيام علاقة بين الرجل والمرأة ـ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ـ لم أتزوَّج ـ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ ـ أنا لا أتحدث معك بالطرق الطبيعية التي يتداولها الناس، وإنما أتحدث إليك برسالة من الله الذي {إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(مريم/35)، وسيخلق هذا الغلام من رحمك كما يخلق الناس ـ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا ـ لأنه ولد من نوع آخر ـ وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً ـ أمراً منتهياً ليس لك أن تعترضي عليه، لأنه إرادة الله.

ـ فَحَمَلَتْهُ ـ بقدرة الله ـ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً ـ ويختلف المفسرون في مدة الحمل، والظاهر أنها ليست مدة طويلة، لأنها لو كانت كذلك لافتقدها أهلها لغيابها عنهم تسعة أشهر، والله العالم ـ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ ـ مخاض الولادة ـ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ ـ وأحست كما تحس أي أنثى بالضعف، ولا سيما أنها وحيدة وبعيدة عن أقربائها، وتخوض تجربة الولادة التي لم تعرفها من قبل ـ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً ـ لشعورها بثقل هذه التجربة، خصوصاً أنّها ستواجه النّاس ـ فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ـ يقال إن عيسى هو الّذي ناداها ـ أَلَّا تَحْزَنِي ـ فأنت الآن في رعاية الله، في رعاية ربّ السماوات والأرض ـ قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً ـ جدول ماء صغيراً تغتسلين به ـ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً ـ رطباً ناضجاً لتأكلي منه ـ فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً ـ طيـبي نفساً، وإذا كنت تخافين من الناس، فما عليك إلاّ اللجوء إلى صوم الصمت، وهو صومٌ كان متعارفاً عليه في ذلك الوقت ـ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً ـ.

المسيح عبد الله:

ومن ثم حملته إلى قومها، ففوجئوا بذلك، وهي الطاهرة والعفيفة ـ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً ـ عظيماً خطيراً، فهذا يدلُّ على أنّك أقمت علاقة غير شرعية لك برجل ـ يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً ـ وهنا أنطق الله عيسى وهو في المهد ـ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ـ وهذه العبارة باعتبار ما سيأتي عندما يؤلّهه الناس، ويعتبرون أن الله تجسَّد فيه، وهذا ما يقوله النصارى في هذه الأيام: «ربنا يسوع المسيح» ـ آتَانِيَ الْكِتَابَ ـ في المستقبل وهو الإنجيل ـ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً ـ أرسلني رسولاً إلى بني إسرائيل ـ وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً ـ نفَّاعاً للناس ـ أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}(مريم/16-36).

وهكذا كانت ولادة عيسى(ع)، وهكذا كانت طهارة مريم(ع) {الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}(التحريم/12).

طريقة الاحتفال بميلاد السيد المسيح:

وهكذا، أيها الأحبة، في مناسبة ميلاد السيد المسيح(ع)، أحبُّ أن أقول لكل أخواننا، إنه لا مانع من الاحتفال بميلاده، بل نشجِّع على ذلك، لأنه رسول الله، ولكن بشرط أن لا نخرج عن تقاليدنا، فليكن الاحتفال به المسيح بأن نجتمع في ليلة الميلاد أو ليلة رأس السنة ونقرأ سورة مريم، أو ما ورد عنه(ع) وعن أمه في سورة آل عمران، ونستذكر صورة السيد المسيح {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(آل عمران/59)، حتى ننطلق في الاحتفال بميلاده، لنؤكد العقيدة الإسلامية بأنّه رسول الله، الذي أعطاه الله سبحانه وتعالى المعجزة {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ}(آل عمران/49)، حيث أعطاه الله هذه المعجزات التي أسقطت كبرياء الذين كانوا في زمنه، وجعلت الحواريين يؤمنون به {قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ}(آل عمران/52) آمنَّا بالله.

هذه هي عقيدتنا في السيِّد المسيح(ع)؛ أنه عبد الله ورسوله إلى الناس، وليس ربّاً، ولم يتجسّد الله سبحانه وتعالى فيه، فالله فوق التجسّد. ولذلك علينا أن نؤكد عقيدتنا على الطريقة التي تحدث عنها القرآن، فتكون لنا تقاليدنا وأعيادنا في الخط القرآني، ولا نستعيرها من الناس، حتى شجرة الميلاد، فإنها قد جاءت عن طريق أوروبا، فإذا أردنا أن نضع شجرة فلتكن نخلةً، {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ}، لأنها عندما أرادت أن تلد السيد المسيح(ع)، استندت إلى النخلة وهزَّتها، وتساقط منها الرطب الناضج.

وهكذا نؤكد أيُّها الأحبة، أن الله أراد لنا أن ننفتح في أعيادنا على الفرح، ولكن أن نفرح فرحاً روحياً، فرحاً إنسانياً، فرحاً بالمحبة التي نقدمها لأطفالنا ولأخواننا وأخواتنا، لا أن نفرح بطريقة اللهو والخلاعة والمجون والغياب عن الوعي بشرب الخمر، كما يفعل الكثيرون من الناس على طريقة ما يحصل في أوروبا في ليلة رأس السنة الميلادية. أن يكون فرحنا بالله، وبرسالات الله، وبرسل الله سبحانه وتعالى في كل هذه الأمور، أن تكون لنا شخصيتنا الإسلامية حتى في أعيادنا وفي تقاليدنا، لنحافظ على هويتنا الإسلامية. أن نتعاون مع الآخرين، لكن دون أن نذوب فيهم. هذه هي مسألة المسيح(ع).

الإمام الباقر(ع) والقيمة الإسلامية في العطاء:

ونلتقي أيضاً في هذه الأيام بذكرى وفاة الإمام محمد الباقر(ع)، لنجد أنه ملأ المرحلة الإسلامية التي عاشها علماً وفكراً وحركةً، وانفتح فيها على الواقع الإسلامي كله، بحيث لا نجد أية قضية من قضايا الإسلام إلاّ وكان للباقر(ع) حديث حولها، وعلم وصية ونصيحة وعلم، وكانت مدرسته الممتدّة في كل واقع المسلمين، هي التي هيّأت لمدرسة ولده الإمام جعفر الصادق(ع)، الذي أعطى الإسلام كل الانفتاح وكل حركة الحوار وكل الاحتضان للرأي الآخر والفكر الآخر، سواء كان فكراً خارجاً عن الإسلام، أو فكراً مذهبياً آخر في هذ المجال.

ونكتفي بحديث للإمام الباقر(ع) في مناسبة الحج، تحدّث فيه عن الأفضل للإنسان المؤمن؛ تكرار الحجّ طلباً للصواب، أو بذل ماله للفقراء المحتاجين. يقول الإمام الباقر(ع) في ما نقل عنه: «لأن أعول أهل بيت من المسلمين، أسد جوعتهم، وأكسو عورتهم، وأكف وجوههم عن الناس، أحبّ إليّ من أحج حجة وحجة وحجة ومثلها حتى بلغ عشرين حجة، ومثلها ومثلها حتى بلغ السبعين»، يعني أنه عندما نتصدق بهذا المال على عائلة فقيرة مستورة يحلّ لها مشكلتها، ولا نجعلها تسأل الناس، حتى نحفظ عزتها وكرامتها، أعظم من سبعين حجة. وبهذا يؤكد لنا الإمام محمد الباقر(ع) القيمة الإسلامية في العطاء، وفي الرعاية للفقراء وللمساكين، بحلِّ مشكلاتهم، وسد حاجاتهم، والحفاظ على عزتهم وكرامتهم.

أيها الأحبة، هذه هي تعاليم الإسلام، وهذه هي تعاليم الأئمة من أهل البيت(ع)، وعلينا أن نسير في هذا الاتجاه، لأنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.

 

الخطبة الثانية

بسم الله الرَّحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله في هذه المرحلة من حياة المسلمين، وحياة المستضعفين، الذين يواجهون كلَّ التحديات التي يثيرها المستكبرون في مواقع العالم الإسلامي والعالم الثالث، حتى نستطيع أن نحفظ مواقعنا، ونؤصّل مواقفنا، وننفتح على مواجهة التحدي بكل الوسائل التي نستطيع من خلالها أن نحفظ وحدتنا وعزتنا وكرامتنا، ونحفظ ثرواتنا، ونقوّي أوضاعنا بما لا يستطيع معه المستكبرون أن يهزمونا وأن يبتعدوا بنا عن مواقع القوة والعزة والكرامة، فماذا هناك؟!

مجلس الأمن في خدمة المصالح الأمريكية:

نبدأ بالكارثة العربية الإسلامية في الصومال، هذا البلد الجائع المحروم، الذي تحركت الإدارة الأمريكية للثأر من شعبه على هزيمتها السابقة، فكان لحليفتها أثيوبيا الدور العدواني في الهجوم عليها بمختلف الأسلحة الفتّاكة، ما أدّى إلى قتل وجرح وتشريد الآلاف من دون أن نجد أيَّ ردّ فعل عربي أو إسلامي، وحتى من مجلس الأمن، لوقف إطلاق النار وإيقاف هذه المذبحة الوحشية، لأن المطلوب هو أن تحقّق أمريكا المهمّة التي أثارت الحرب من أجلها، كما هو الحال في لبنان والعراق. وربما اتّسعت هذه الحرب لتشمل القرن الإفريقي، من أجل تحقيق مصالح أمريكا الاستراتيجية ضد الشعوب المستضعفة.

ومن جهة ثانية، فإن مجلس الأمن العاجز عن إصدار قرار بوقف إطلاق النار حيال ما يجري في الصومال، يصدر بالإجماع عقوبات ضد إيران، مع أن هذه العقوبات ليست لها أية قاعدة قانونية، لأنَّ كل هذه الدول، إضافةً إلى أجهزة وكالة الطاقة الذرية، لم تقدّم أي دليل على أن إيران تخطِّط لصنع السلاح النووي، بل إن إيران بجميع قياداتها الدينية والسياسية، تؤكد أنَّ المشروع النووي مشروع سلمي لتوليد الطاقة، ولكن القضية هي أنَّ هذه الدول الغربية، وفي مقدمها أمريكا، لا تريد لإيران أن تملك الخبرة العلمية النووية، حتى على المستوى السلمي.

ونحن نتساءل: من الذي جعل من هذا الغرب، الذي انطلق في كلِّ تاريخه ضد العرب والمسلمين، من جعله وكيلاً علينا لاستصدار الأحكام والمواقف العقابية على المنطقة كلها، في الوقت الذي لا يحرك ساكناً إزاء الترسانة النووية الذرية الإسرائيلية، التي تمثل التهديد للمنطقة كلها، بفعل الخطة العدوانية الصهيونية في احتلالها لفلسطين، وفي عدوانها الوحشي والمتكرر على لبنان وسوريا، واحتلالها لأكثر من موقع هنا وهناك، وتحالفها الاستراتيجي مع أمريكا ضد العراق وأهله، من خلال أجهزة الموساد التي تنشط في أكثر من جانب في الساحة العراقية.

إننا ندعو الشعب الإيراني إلى الوقوف صفاً واحداً كالبنيان المرصوص مع قيادته في وحدة وطنية إسلامية ضد العقوبات الأمريكية ـ الغربية.

فلسطين: جهاد حتى التحرير:

أما في فلسطين، فإنَّ الوضع السياسي لا يزال خاضعاً للإرباك في الخلافات القائمة بين الحكومة والسلطة، في ظل مناخ إسرائيلي وعربي ودولي يخطط لتوسيع المشاكل في الواقع الفلسطيني، حيث يصرّح رئيس وزراء العدوّ أن ما يقدّمه لرئيس السلطة، إنما يستهدف الإيقاع بين الفلسطينيين وتقوية عباس في وجه حماس، التي لا تزال تعارض الاعتراف بإسرائيل، وتمتنع عن الموافقة على الاتفاقات المعقودة مع العدو، لأنها لا تحقق مصلحة الشعب الفلسطيني.

إننا أمام هذا الواقع، نرى في إطلاق حركة المقاومة المجاهدة للصواريخ ضد المستوطنات الصهيونية، رداً طبيعياً على ما تقوم به إسرائيل من اغتيالات واعتقالات في الضفة الغربية، في الوقت الذي تقرر حكومة العدو بناء مستوطنة جديدة في غور الأردن، تضاف إلى المستوطنات الكبرى التي اجتاحت الأرض الفلسطينية في عملية اغتصاب للشعب.

إننا ندعو الفلسطينيين، ولاسيما فصائل الانتفاضة، إلى تحريك الوحدة الجهادية بينها، لأن إسرائيل ترفض منح الشعب الفلسطيني أي حق من حقوقه الشرعية، والتي في مقدمها قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. وعلى الفلسطينيين أن لا يثقوا بوعود الغرب، وخصوصاً أمريكا، بعدما أعلن أمين عام الجامعة العربية أن قضية السلام في فلسطين ماتت، ولم يبقَ لها أي دور في الواقع السياسي، الأمر الذي يفرض امتداد الجهاد إلى حين التحرير.

العراق: المطلوب وحدة إسلامية ووطنية:

أما العراق الجريح، الذي يجتاحه الاحتلال الأمريكي وحليفه البريطاني، فإنه لا يزال ينـزف من خلال الضحايا التي تسقط في صباح كلِّ يوم بين قتيل وجريح من المدنيين الأبرياء، إلى جانب عمليات الخطف الوحشية والتشريد والتهجير الهمجي، وعمليات القتل التي يمارسها الاحتلال البريطاني والأمريكي ضد العراقيين ورموزهم، في الوقت الّذي أنّ نجد بعض العلماء من المسلمين، يصبون الزيت على النار، ويثيرون المسألة المذهبية في التباكي على فريق من العراقيين، مع أن المسألة هي أن الجميع من السنة والشيعة يتعرضون لعمليات القتل والتفجير المتحرك في أكثر من منطقة في العراق، ما يجعل الواقع العراقي كله يعيش ما يشبه الكارثة من خلال قوات الاحتلال من جهة، ودعوى التكفير المذهبي لأولئك الذين يستبيحون دماء المسلمين من جهة أخرى...

إننا نطالب الشعب العراقي أن يقف عند وحدته الإسلامية والوطنية التي تحفظ للشعب أمنه وسلامته، فلا يجوز لعراقي أن يعتدي على عراقي آخر، بل يجب على كلِّ عراقيّ أن يحفظ العراقيّ الآخر انطلاقاً من علاقة الإسلام والمواطنة والإنسانية التي تربط بينهم، وأن يقف الجميع ضد المحتل في عملية مقاومة شريفة، لا ينطلق فيها العنف إلا ضد الاحتلال.

لبنان بين تدخلات الخارج وحساسيات الداخل:

أما في لبنان، فإن المبادرة العربية بدأت تتعثّر في الدوائر الإقليمية، من خلال التعقيدات التي أحاطت وتحيط بعلاقة هذه الدولة العربية بالدولة العربية الأخرى، ومن خلال أكثر من عقدة خاصة تتحرك هنا وهناك، وتترك تأثيراتها على الشأن اللبناني بفعل بعض الحساسيات الحادة التي تمظهرت في كثير من الكلمات والمواقف السياسية، هذا إضافةً إلى الخطة الأمريكية التي تتماهى معها الخطة الأوروبية في الدخول على خط الأزمة لتأييد فريق ضد فريق آخر، وفي ظلّ التدخل المباشر وغير المباشر في قضايا الحكم والحكومة، وفي حديث مخادع عن الديمقراطية التي لا تبصر أمريكا ومن معها معالمها في الحشود الشعبية وفي حركة المعارضين بكل امتداداتها، لأن المسألة لدى الكثيرين من هؤلاء الساسة في الخارج، هي تأكيد خطوطهم الخاصة، أما في الداخل، فإن الجدل الذي يتراشق به البعض، يثير الكثير من العنف الكلامي في أساليب الوعيد والتهديد، ما يجعل الشعب كله حائراً لا يعرف من أين يبدأ أو إلى أين ينتهي، وكيف يجد في حاضره ومستقبله الحكومة الرشيدة التي يلتقي عليها اللبنانيون لدراسة القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية، بل يجدون بدلاً منها بعض المعقَّدين الذين يتاجرون بالمذهبية تارة، والطائفية أخرى، في عملية إثارة مستمرة...

إننا لا ندري كيف يمكن أن يسير البلد نحو الأمان في ظلّ سياسة إدارة الظهر التي تجعل من يقدّم نفسه للناس كسلطة شرعية، يصرّ على إغماض عينيه أمام المشهد الذي تهتزُّ فيه البلاد وتصرخ فيه العباد، فيما يتطلّع فيه المسؤولون إلى كلمة السرّ التي تأتي من الخارج.

إن المشكلة هي أن الكثيرين يخططون لمصالحهم الخاصة، أما مصالح الشعب اللبناني، فإنها تتحرك في متاهات المجهول.

في ذكرى ميلاد السيد المسيح ورأس السّنة:
لنفرح فرح المحبة والإنسانية لا فرح اللهو والخلاعة


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

معجزة ولادة المسيح(ع):

نعيش في هذه الأيّام ذكرى ميلاد السيد المسيح(ع) ورأس السنة الميلادية، فكيف نحتفل بهاتين المناسبتين؟! إنّ احتفالنا بذلك لا بدّ أن يكون كاحتفال القرآن به. فالقرآن لم يتحدث عن ولادة أيّ شخص مقدَّس بالتفاصيل التي تحدَّث بها عن ولادة المسيح(ع)، باعتباره آيةً من آيات الله، ولا سيما في سورة مريم، التي تحدث القرآن فيها عن مريم(ع) كصديقة طاهرة انفتحت على الله {وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ـ بعد أن نذرتها أمها لله سبحانه ـ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}(آل عمران/37)، حيث كانت الملائكة تنـزل إليها طعامها وهي تتعبد لربها، {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً ـ أرادت العزلة لتعبد الله سبحانه وتعالى بعيداً عن ضجيج الأهل ـ فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ـ روح الله، وربما كان جبرائيل ـ فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً ـ فبينما كانت تتعبّد الله سبحانه، وإذ بشاب يقف أمامها، فارتعدت هذه العذراء، وخشيت أن ينالها بسوء...

ـ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ ـ فأنا قادم برسالة من نوع آخر ـ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ـ وهي تعرف أن الولادة لا تحصل إلاّ من خلال قيام علاقة بين الرجل والمرأة ـ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ـ لم أتزوَّج ـ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ ـ أنا لا أتحدث معك بالطرق الطبيعية التي يتداولها الناس، وإنما أتحدث إليك برسالة من الله الذي {إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(مريم/35)، وسيخلق هذا الغلام من رحمك كما يخلق الناس ـ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا ـ لأنه ولد من نوع آخر ـ وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً ـ أمراً منتهياً ليس لك أن تعترضي عليه، لأنه إرادة الله.

ـ فَحَمَلَتْهُ ـ بقدرة الله ـ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً ـ ويختلف المفسرون في مدة الحمل، والظاهر أنها ليست مدة طويلة، لأنها لو كانت كذلك لافتقدها أهلها لغيابها عنهم تسعة أشهر، والله العالم ـ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ ـ مخاض الولادة ـ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ ـ وأحست كما تحس أي أنثى بالضعف، ولا سيما أنها وحيدة وبعيدة عن أقربائها، وتخوض تجربة الولادة التي لم تعرفها من قبل ـ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً ـ لشعورها بثقل هذه التجربة، خصوصاً أنّها ستواجه النّاس ـ فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ـ يقال إن عيسى هو الّذي ناداها ـ أَلَّا تَحْزَنِي ـ فأنت الآن في رعاية الله، في رعاية ربّ السماوات والأرض ـ قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً ـ جدول ماء صغيراً تغتسلين به ـ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً ـ رطباً ناضجاً لتأكلي منه ـ فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً ـ طيـبي نفساً، وإذا كنت تخافين من الناس، فما عليك إلاّ اللجوء إلى صوم الصمت، وهو صومٌ كان متعارفاً عليه في ذلك الوقت ـ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً ـ.

المسيح عبد الله:

ومن ثم حملته إلى قومها، ففوجئوا بذلك، وهي الطاهرة والعفيفة ـ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً ـ عظيماً خطيراً، فهذا يدلُّ على أنّك أقمت علاقة غير شرعية لك برجل ـ يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً ـ وهنا أنطق الله عيسى وهو في المهد ـ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ـ وهذه العبارة باعتبار ما سيأتي عندما يؤلّهه الناس، ويعتبرون أن الله تجسَّد فيه، وهذا ما يقوله النصارى في هذه الأيام: «ربنا يسوع المسيح» ـ آتَانِيَ الْكِتَابَ ـ في المستقبل وهو الإنجيل ـ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً ـ أرسلني رسولاً إلى بني إسرائيل ـ وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً ـ نفَّاعاً للناس ـ أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}(مريم/16-36).

وهكذا كانت ولادة عيسى(ع)، وهكذا كانت طهارة مريم(ع) {الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}(التحريم/12).

طريقة الاحتفال بميلاد السيد المسيح:

وهكذا، أيها الأحبة، في مناسبة ميلاد السيد المسيح(ع)، أحبُّ أن أقول لكل أخواننا، إنه لا مانع من الاحتفال بميلاده، بل نشجِّع على ذلك، لأنه رسول الله، ولكن بشرط أن لا نخرج عن تقاليدنا، فليكن الاحتفال به المسيح بأن نجتمع في ليلة الميلاد أو ليلة رأس السنة ونقرأ سورة مريم، أو ما ورد عنه(ع) وعن أمه في سورة آل عمران، ونستذكر صورة السيد المسيح {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(آل عمران/59)، حتى ننطلق في الاحتفال بميلاده، لنؤكد العقيدة الإسلامية بأنّه رسول الله، الذي أعطاه الله سبحانه وتعالى المعجزة {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ}(آل عمران/49)، حيث أعطاه الله هذه المعجزات التي أسقطت كبرياء الذين كانوا في زمنه، وجعلت الحواريين يؤمنون به {قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ}(آل عمران/52) آمنَّا بالله.

هذه هي عقيدتنا في السيِّد المسيح(ع)؛ أنه عبد الله ورسوله إلى الناس، وليس ربّاً، ولم يتجسّد الله سبحانه وتعالى فيه، فالله فوق التجسّد. ولذلك علينا أن نؤكد عقيدتنا على الطريقة التي تحدث عنها القرآن، فتكون لنا تقاليدنا وأعيادنا في الخط القرآني، ولا نستعيرها من الناس، حتى شجرة الميلاد، فإنها قد جاءت عن طريق أوروبا، فإذا أردنا أن نضع شجرة فلتكن نخلةً، {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ}، لأنها عندما أرادت أن تلد السيد المسيح(ع)، استندت إلى النخلة وهزَّتها، وتساقط منها الرطب الناضج.

وهكذا نؤكد أيُّها الأحبة، أن الله أراد لنا أن ننفتح في أعيادنا على الفرح، ولكن أن نفرح فرحاً روحياً، فرحاً إنسانياً، فرحاً بالمحبة التي نقدمها لأطفالنا ولأخواننا وأخواتنا، لا أن نفرح بطريقة اللهو والخلاعة والمجون والغياب عن الوعي بشرب الخمر، كما يفعل الكثيرون من الناس على طريقة ما يحصل في أوروبا في ليلة رأس السنة الميلادية. أن يكون فرحنا بالله، وبرسالات الله، وبرسل الله سبحانه وتعالى في كل هذه الأمور، أن تكون لنا شخصيتنا الإسلامية حتى في أعيادنا وفي تقاليدنا، لنحافظ على هويتنا الإسلامية. أن نتعاون مع الآخرين، لكن دون أن نذوب فيهم. هذه هي مسألة المسيح(ع).

الإمام الباقر(ع) والقيمة الإسلامية في العطاء:

ونلتقي أيضاً في هذه الأيام بذكرى وفاة الإمام محمد الباقر(ع)، لنجد أنه ملأ المرحلة الإسلامية التي عاشها علماً وفكراً وحركةً، وانفتح فيها على الواقع الإسلامي كله، بحيث لا نجد أية قضية من قضايا الإسلام إلاّ وكان للباقر(ع) حديث حولها، وعلم وصية ونصيحة وعلم، وكانت مدرسته الممتدّة في كل واقع المسلمين، هي التي هيّأت لمدرسة ولده الإمام جعفر الصادق(ع)، الذي أعطى الإسلام كل الانفتاح وكل حركة الحوار وكل الاحتضان للرأي الآخر والفكر الآخر، سواء كان فكراً خارجاً عن الإسلام، أو فكراً مذهبياً آخر في هذ المجال.

ونكتفي بحديث للإمام الباقر(ع) في مناسبة الحج، تحدّث فيه عن الأفضل للإنسان المؤمن؛ تكرار الحجّ طلباً للصواب، أو بذل ماله للفقراء المحتاجين. يقول الإمام الباقر(ع) في ما نقل عنه: «لأن أعول أهل بيت من المسلمين، أسد جوعتهم، وأكسو عورتهم، وأكف وجوههم عن الناس، أحبّ إليّ من أحج حجة وحجة وحجة ومثلها حتى بلغ عشرين حجة، ومثلها ومثلها حتى بلغ السبعين»، يعني أنه عندما نتصدق بهذا المال على عائلة فقيرة مستورة يحلّ لها مشكلتها، ولا نجعلها تسأل الناس، حتى نحفظ عزتها وكرامتها، أعظم من سبعين حجة. وبهذا يؤكد لنا الإمام محمد الباقر(ع) القيمة الإسلامية في العطاء، وفي الرعاية للفقراء وللمساكين، بحلِّ مشكلاتهم، وسد حاجاتهم، والحفاظ على عزتهم وكرامتهم.

أيها الأحبة، هذه هي تعاليم الإسلام، وهذه هي تعاليم الأئمة من أهل البيت(ع)، وعلينا أن نسير في هذا الاتجاه، لأنه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.

 

الخطبة الثانية

بسم الله الرَّحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله في هذه المرحلة من حياة المسلمين، وحياة المستضعفين، الذين يواجهون كلَّ التحديات التي يثيرها المستكبرون في مواقع العالم الإسلامي والعالم الثالث، حتى نستطيع أن نحفظ مواقعنا، ونؤصّل مواقفنا، وننفتح على مواجهة التحدي بكل الوسائل التي نستطيع من خلالها أن نحفظ وحدتنا وعزتنا وكرامتنا، ونحفظ ثرواتنا، ونقوّي أوضاعنا بما لا يستطيع معه المستكبرون أن يهزمونا وأن يبتعدوا بنا عن مواقع القوة والعزة والكرامة، فماذا هناك؟!

مجلس الأمن في خدمة المصالح الأمريكية:

نبدأ بالكارثة العربية الإسلامية في الصومال، هذا البلد الجائع المحروم، الذي تحركت الإدارة الأمريكية للثأر من شعبه على هزيمتها السابقة، فكان لحليفتها أثيوبيا الدور العدواني في الهجوم عليها بمختلف الأسلحة الفتّاكة، ما أدّى إلى قتل وجرح وتشريد الآلاف من دون أن نجد أيَّ ردّ فعل عربي أو إسلامي، وحتى من مجلس الأمن، لوقف إطلاق النار وإيقاف هذه المذبحة الوحشية، لأن المطلوب هو أن تحقّق أمريكا المهمّة التي أثارت الحرب من أجلها، كما هو الحال في لبنان والعراق. وربما اتّسعت هذه الحرب لتشمل القرن الإفريقي، من أجل تحقيق مصالح أمريكا الاستراتيجية ضد الشعوب المستضعفة.

ومن جهة ثانية، فإن مجلس الأمن العاجز عن إصدار قرار بوقف إطلاق النار حيال ما يجري في الصومال، يصدر بالإجماع عقوبات ضد إيران، مع أن هذه العقوبات ليست لها أية قاعدة قانونية، لأنَّ كل هذه الدول، إضافةً إلى أجهزة وكالة الطاقة الذرية، لم تقدّم أي دليل على أن إيران تخطِّط لصنع السلاح النووي، بل إن إيران بجميع قياداتها الدينية والسياسية، تؤكد أنَّ المشروع النووي مشروع سلمي لتوليد الطاقة، ولكن القضية هي أنَّ هذه الدول الغربية، وفي مقدمها أمريكا، لا تريد لإيران أن تملك الخبرة العلمية النووية، حتى على المستوى السلمي.

ونحن نتساءل: من الذي جعل من هذا الغرب، الذي انطلق في كلِّ تاريخه ضد العرب والمسلمين، من جعله وكيلاً علينا لاستصدار الأحكام والمواقف العقابية على المنطقة كلها، في الوقت الذي لا يحرك ساكناً إزاء الترسانة النووية الذرية الإسرائيلية، التي تمثل التهديد للمنطقة كلها، بفعل الخطة العدوانية الصهيونية في احتلالها لفلسطين، وفي عدوانها الوحشي والمتكرر على لبنان وسوريا، واحتلالها لأكثر من موقع هنا وهناك، وتحالفها الاستراتيجي مع أمريكا ضد العراق وأهله، من خلال أجهزة الموساد التي تنشط في أكثر من جانب في الساحة العراقية.

إننا ندعو الشعب الإيراني إلى الوقوف صفاً واحداً كالبنيان المرصوص مع قيادته في وحدة وطنية إسلامية ضد العقوبات الأمريكية ـ الغربية.

فلسطين: جهاد حتى التحرير:

أما في فلسطين، فإنَّ الوضع السياسي لا يزال خاضعاً للإرباك في الخلافات القائمة بين الحكومة والسلطة، في ظل مناخ إسرائيلي وعربي ودولي يخطط لتوسيع المشاكل في الواقع الفلسطيني، حيث يصرّح رئيس وزراء العدوّ أن ما يقدّمه لرئيس السلطة، إنما يستهدف الإيقاع بين الفلسطينيين وتقوية عباس في وجه حماس، التي لا تزال تعارض الاعتراف بإسرائيل، وتمتنع عن الموافقة على الاتفاقات المعقودة مع العدو، لأنها لا تحقق مصلحة الشعب الفلسطيني.

إننا أمام هذا الواقع، نرى في إطلاق حركة المقاومة المجاهدة للصواريخ ضد المستوطنات الصهيونية، رداً طبيعياً على ما تقوم به إسرائيل من اغتيالات واعتقالات في الضفة الغربية، في الوقت الذي تقرر حكومة العدو بناء مستوطنة جديدة في غور الأردن، تضاف إلى المستوطنات الكبرى التي اجتاحت الأرض الفلسطينية في عملية اغتصاب للشعب.

إننا ندعو الفلسطينيين، ولاسيما فصائل الانتفاضة، إلى تحريك الوحدة الجهادية بينها، لأن إسرائيل ترفض منح الشعب الفلسطيني أي حق من حقوقه الشرعية، والتي في مقدمها قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. وعلى الفلسطينيين أن لا يثقوا بوعود الغرب، وخصوصاً أمريكا، بعدما أعلن أمين عام الجامعة العربية أن قضية السلام في فلسطين ماتت، ولم يبقَ لها أي دور في الواقع السياسي، الأمر الذي يفرض امتداد الجهاد إلى حين التحرير.

العراق: المطلوب وحدة إسلامية ووطنية:

أما العراق الجريح، الذي يجتاحه الاحتلال الأمريكي وحليفه البريطاني، فإنه لا يزال ينـزف من خلال الضحايا التي تسقط في صباح كلِّ يوم بين قتيل وجريح من المدنيين الأبرياء، إلى جانب عمليات الخطف الوحشية والتشريد والتهجير الهمجي، وعمليات القتل التي يمارسها الاحتلال البريطاني والأمريكي ضد العراقيين ورموزهم، في الوقت الّذي أنّ نجد بعض العلماء من المسلمين، يصبون الزيت على النار، ويثيرون المسألة المذهبية في التباكي على فريق من العراقيين، مع أن المسألة هي أن الجميع من السنة والشيعة يتعرضون لعمليات القتل والتفجير المتحرك في أكثر من منطقة في العراق، ما يجعل الواقع العراقي كله يعيش ما يشبه الكارثة من خلال قوات الاحتلال من جهة، ودعوى التكفير المذهبي لأولئك الذين يستبيحون دماء المسلمين من جهة أخرى...

إننا نطالب الشعب العراقي أن يقف عند وحدته الإسلامية والوطنية التي تحفظ للشعب أمنه وسلامته، فلا يجوز لعراقي أن يعتدي على عراقي آخر، بل يجب على كلِّ عراقيّ أن يحفظ العراقيّ الآخر انطلاقاً من علاقة الإسلام والمواطنة والإنسانية التي تربط بينهم، وأن يقف الجميع ضد المحتل في عملية مقاومة شريفة، لا ينطلق فيها العنف إلا ضد الاحتلال.

لبنان بين تدخلات الخارج وحساسيات الداخل:

أما في لبنان، فإن المبادرة العربية بدأت تتعثّر في الدوائر الإقليمية، من خلال التعقيدات التي أحاطت وتحيط بعلاقة هذه الدولة العربية بالدولة العربية الأخرى، ومن خلال أكثر من عقدة خاصة تتحرك هنا وهناك، وتترك تأثيراتها على الشأن اللبناني بفعل بعض الحساسيات الحادة التي تمظهرت في كثير من الكلمات والمواقف السياسية، هذا إضافةً إلى الخطة الأمريكية التي تتماهى معها الخطة الأوروبية في الدخول على خط الأزمة لتأييد فريق ضد فريق آخر، وفي ظلّ التدخل المباشر وغير المباشر في قضايا الحكم والحكومة، وفي حديث مخادع عن الديمقراطية التي لا تبصر أمريكا ومن معها معالمها في الحشود الشعبية وفي حركة المعارضين بكل امتداداتها، لأن المسألة لدى الكثيرين من هؤلاء الساسة في الخارج، هي تأكيد خطوطهم الخاصة، أما في الداخل، فإن الجدل الذي يتراشق به البعض، يثير الكثير من العنف الكلامي في أساليب الوعيد والتهديد، ما يجعل الشعب كله حائراً لا يعرف من أين يبدأ أو إلى أين ينتهي، وكيف يجد في حاضره ومستقبله الحكومة الرشيدة التي يلتقي عليها اللبنانيون لدراسة القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية، بل يجدون بدلاً منها بعض المعقَّدين الذين يتاجرون بالمذهبية تارة، والطائفية أخرى، في عملية إثارة مستمرة...

إننا لا ندري كيف يمكن أن يسير البلد نحو الأمان في ظلّ سياسة إدارة الظهر التي تجعل من يقدّم نفسه للناس كسلطة شرعية، يصرّ على إغماض عينيه أمام المشهد الذي تهتزُّ فيه البلاد وتصرخ فيه العباد، فيما يتطلّع فيه المسؤولون إلى كلمة السرّ التي تأتي من الخارج.

إن المشكلة هي أن الكثيرين يخططون لمصالحهم الخاصة، أما مصالح الشعب اللبناني، فإنها تتحرك في متاهات المجهول.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير