سيرة امتدّت علماً في حياة الناس

سيرة امتدّت علماً في حياة الناس

في رحاب ذكرى الصادق (ع): سيرة امتدّت علماً في حياة الناس


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى:

العالم الصادق

في اليوم الخامس والعشرين من شهر شوّال - والذي يصادف غداً - نلتقي بذكرى وفاة الإمام جعفر الصادق(ع)، هذا الإمام الذي أعطى الإمامــة امتدادهـا ورحابتها في الواقع الإسلامي كله، فكان يلتقي ويعلّم مَـن كان يؤمـن بإمامتـه بالمعنى الشرعي للإمامة ومَن كان لا يؤمن بها، وقد التقى الجميع على أنه الـذي يحمل علم رسول الله(ص) وعلم أجداده من خلال كل هذا الينبوع الصافي الذي كان يغترف منه، وأنـه الصادق الذي لا يمكن لأحد أن يشك في صدقه، وأنـه الإنسان الذي انفتحت روحانيته المطلقة على الله تعالى، فكان كما قال بعض الناس الذيـن ليسوا على خط الإسلام: "ما رأيت رجلاً يتروّح إذا شاء - يبدو كما لو كان روحـاً تحلّق - ويتجسّد إذا شاء، كما رأيت جعفر بن محمد الصادق"، كان الناس يرون فيه روحاً تفيض عليهم بكل معاني الروحانية حتى يخشعوا أمامه.

المحاوِر المنفتح

وكان الإمام الصادق(ع) إلى جانب ذلك الإمامَ المحاوِر الذي لا يتعقّد من الحوار مع كل أحد، فكان يجلس في المسجد الحرام والناس مشغولون بالطواف، وهو مشغول بالطواف حول الحقيقة والإسلام ليقرّب الآخرين إليه، فكان يلتقي بمجموعة من "الزنادقة"، وهو المصطلح الذي يعرف به من كان لا يؤمن بالله، حيث يستقبلهم في المسجد الحرام ويفتح لهم عقله وصدره ليستمع إليهم بكل رأفة ورحمة، ليعطيهم الحلّ لكل المشاكل الفكرية التي كانت تواجههم.

وكان الإمام الصادق(ع) الإمام الذي عاش مع كل الناس، صغيرهم وكبيرهم، ولم يترك فرصة لأيّ موقع من المواقع إلا ويحدّث الناس عما يعرّفهم بالله وبأنفسهم وبالحياة من حولهم، كان الناطق دائماً، فيجيب الناس إذا سألوه، ويبتدئهم إذا لم يسألوه، كان الصدر الرحب في أخلاقه، وكان يستمع إلى الذين يؤذونه فيتلقّاهم بابتسامته وعفوه. ولذلك، كانت مرحلة الإمام الصادق(ع) في حركة الإمامة مرحلة علم الإسلام الذي امتد في حياة الناس كما هو في وحي الله في كل قضاياهم الصغيرة والكبيرة، لأن الإمام الصادق(ع) كان في موسوعيته الحركية يريد أن يعرّف كل الناس ، من المثقفين والفقهاء والمتكلّمين أو الذين لا يؤمنون بالإسلام ، أن الإسلام يتسع في معالجته لكل قضايا الحياة، بحيث لا يترك أيّ شيء مما يحتاجه الناس إلا وله فيه حكم ورأي وخط.

التأصيل للمرونة الإسلامية

وعندما ندرس تراث الإمام الصادق (ع)، فإننا نجد أنه لم يترك شيئاً يحتاجه الناس إلا وقد تحدث فيه، ولم يواجه أيّة مشكلة جديدة تفرض نفسها على الفكر الإسلامي أو أيّ أمر يختلف فيه الناس في داخل الواقع الإسلامي وخارجه إلا وقد تحدث فيه، وكان (ع) يرعى الخط الإسلامي الأصيل الذي يتحرك في خط أهل البيت(ع)، فيحافظ على أصحاب هذا الخط ويُصدر إليهم التعليمات التي توحّدهم وتجمعهم، ويرشدهم إلى الخطوط السياسية التي تحمي وجودهم لكي لا يصادرهم الآخرون.

ومن هنا، فقد أكّد الإمام الصادق (ع) التقية، لا على أساس أنه يريد أن يجعل شيعة أهل البيت (ع) يعيشون السقوط الفكري والعملي، ولكنه يريدهم أن يعيشوا المرونة الإسلامية في مواجهة التحديات الكبرى حتى يبقى الخط سليماً، كانت قضيته هي أن يستمر الخط، ولذلك كان لا يوافق على انفعال المنفعلين وحماس المتحمّسين، كان يريد أن يقول لهم بأن عليهم إبّان مواجهة التحديات لأي فئة من فئات الحق، أن يدرسوا الأرضية التي يقفون عليها، والأجواء التي تحيط بهم، لاتّباع الأساليب التي يسلم فيها الخط، لأن في سلامة الخط سلامة للحق، وامتداداً له في المستقبل، وهذا ما جرى عليه رسول الله (ص) عندما كان يمنع المسلمين في مكة قبل الهجرة، من أن يدخلوا في أيّ عمل سلبي على مستوى المواجهة الحادة مع المشركين، لأنه كان يريد لتلك الفترة أن تكون فترة الدعوة التي تركّز المفاهيم الإسلامية لدى الناس.

ونحن في التزامنا بإمامة الأئمة من أهل البيت (ع) كعقيدة إيمانية، إنما نلتزم بهم جميعاً كأئمة يسيرون على أساس الوصاية من رسول الله(ص)، وذلك بأن نستمع لكل ما تحدثوا به في شؤون الحياة، وأن ننفّذ كل الوصايا التي أوصونا بها، ووصاياهم وأحاديثهم هي وصايا رسول الله(ص) وأحاديثه، فتعالوا ونحن نواجه في حياتنا الكثير من القلوب المليئة غشاً، والكلمات المليئة انحرافاً، والمجتمع المليء تمزّقاً، حتى في مجتمع المؤمنين الذي تنتشر فيه ظاهرة عدم المحبة لبعضنا البعض، لأننا نختلف في الرأي على أشياء صغيرة تجعل كل واحد منا يدبّر للآخر الغوائل، ويعمل على أساس أن يقسّم المجتمع، ويصبح كل حزب بما لديهم فرحون، في حين يجب أن يكون المجتمع المسلم الذي ينطق بالشهادتين والسائر في خط الأئمة من أهل البيت(ع) مجتمعاً متماسكاً متناصحاً.

النصح للناس

لذلك، تعالوا إلى الإمام الصادق (ع) في ما يتحدث به عن رسول الله (ص) في النصيحة للمؤمنين، نصيحة العقل في ما تعطيه من رأي، ونصيحة القلب فيما ينبض بالمحبة، ونصيحة الكلمة في ما تتحرك به من نصائح للناس، ونصيحة الموقف في ما تقف أمامه في القضايا المصيرية للناس، أن تكون مؤمناً هو أن تكون الناصح للمؤمنين، أن لا يكون في قلبك ولا في عقلك ولا في كلمتك وموقفك غش، ولا يتحرك موقعك فيمن يتّبعك بالغش، كن الصفحة البيضاء التي تكاد تكون مرآة تجد فيها المسلمين، ويجد المسلمون فيها إيمانك.

قال الإمام الصادق (ع): "قال رسول الله (ص): إن أعظم الناس منزلة عند الله يوم القيامة - الدرجة العظيمة عند الله ربّ العالمين، يوم القيامة، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه هو - أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه"، الذي يتحرك في كل اهتماماته وعلاقاته وأوضاعه وهمه على أساس النصح لخلقه، ولاحظوا كلمة "النصيحة لخلقه"، فالمسلم هو الإنسان الذي يعيش النصيحة للناس كلهم لأنه يعيش إنسانيته، وإنسانيته تدعوه إلى أن يحب للإنسان الآخر أن لا يصاب بسوء أو خلل، إلا الذين ظلموا فإن لهم حساباً آخر.

وفي حديث آخر للإمام الصادق (ع): " يجب - وليس مستحباً - للمؤمن على المؤمن النصيحة له في المشهد والمغيب"، أن تتكلم وتتحرك بالنصيحة له في كل قول وفعل، بأن تقصد الخير له في حضوره وغيبته. وعنه (ع) أنه قال: "قال رسول الله (ص): أنسك الناس نسكاً - والنسك هو العبادة - أنصحهم جيباً - والجيب معناه الصدر، وهو كناية عن القلب - وأسلمهم قلباً لجميع المسلمين". وورد عنه (ع) أنه قال: "قال رسول الله (ص): مَن سعى في حاجة أخيه المؤمن فلم يناصحه فقد خان الله ورسوله". وفي الحديث عنه (ع) قال: "من استشار أخاه فلم يمحضه الرأي - كمن جاء يستشيرك في الزواج من إحدى أقاربك فحسّنتها له من أجل أن توقع به - سلبه الله عزّ وجلّ رأيه". وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع) ينقله أحد أصحابه وهو "عثمان بن عيينة" قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (ع) يقول: "عليكم بالنصح لله في خلقه، فلن تلقاه بعمل أفضل منه".

بناء المجتمع المتناصح

هذا هو الخط الذي يريد الإمام جعفر الصادق (ع) أن نسير عليه في علاقتنا ببعضنا البعض، حتى يكون المجتمع المسلم مجتمع التناصح على جميع المستويات، كي لا نبني أمورنا على الغش، وهذه المسألة تمتد من المسألة الفردية إلى المسألة الجماعية، فننصح لوطننا وأمتنا في القضايا السياسية والاجتماعية، أن لا ننطلق بإعطاء الرأي على المستوى الخاص والعام بما يمزّق الأمة ويسقطها ويثير الفتنة فيها، علينا أن نفتح قلوبنا لله ليرى تعالى أن قلوبنا سليمة من كل غش وبغضاء، لأن القلب الذي يعيش الحقد هو قلب يعشش فيه الشيطان، لأن الله تعالى قال عندما حدّثنا عن تأثير الخمر والميسر: {إنما يُريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر}، وعليه، فإن الشيطان يريد أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في العصبيات والحزبيات، وفي كل الذاتيات، وهذا ما فعله الشيطان وخضعنا له فيه، ومما ورد في دعاء الإمام زين العابدين (ع): "إن الشيطان قد شمت بنا إذ شايعناه على معصيتك، فلا تشمته بنا بعد تركنا إياه لك، ورغبتنا عنه إليك".

هذه كلمات الإمام جعفر الصادق (ع)، وهي كلمات رسول الله (ص)، فتعالوا لنعش مع رسول الله والأئمة، والعيش معهم يكلّف ويُتعب كثيراً، ربما تتصوّرون أنه يكفي في موالاتكم لرسول الله وأهل بيته أن تقيموا التعازي وتخرجوا في المواكب، ولكن الإمام الباقر (ع) يقول: "أفيكفي من ينتحل التشيّع أن يقول إني أحب علياً وأتولاه ثم لا يكون فعّالاً، فرسول الله خير من عليّ، أفحسب الرجل أن يقول أحبّ رسول الله ثم لا يعمل بسنّته، مَن كان وليّاً لله فهو لنا وليّ، ومَن كان عدوّاً لله فهو لنا عدو، والله ما تُنال ولايتنا إلا بالورع".. فكّروا عندما تخرجون من بيوتكم إلى قبوركم ويترككم الأهل والأخوان والأولاد كيف تواجهون حساب القبر والمحشر بعد ذلك، وكيف تواجهون الموقف بين يدي الله تعالى {يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها}.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في نظم أمركم وفي النصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين، فإن الله تعالى يريد لعقولنا وقلوبنا وألسنتنا ومواقفنا ومواقعنا أن تحمل الخير كله، بحيث يكون الإنسان المؤمن رجل الخير لنفسه ولأمته ولكل ما حمّله الله تعالى من مسؤوليات، ولذلك كن إنسان الخير ولا تكن إنسان الشر، فإن الخير يرتفع بك إلى أعلى الدرجات عند الله..

ومن النصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين أن نقف مع قضايا المسلمين ونتابعها وندعمها، وأن نتحمّل مسؤوليتها، وأن نقف مع قضايا المستضعفين في العالم، لأنهم إذا انتصروا في قضية انتصر المسلمون في تلك القضية، وعلينا أن نهتم بأمور المسلمين، وهذا ما نريد أن نثيره في هذا الموقف.

الانتفاضة.. محاولات التطويق

لا تزال عمليات تطويق الانتفاضة وتجميدها تفرض نفسها على الساحة الفلسطينية، بالمفاوضات الأمنية تارة والسياسية أخرى، التي لا تؤدي إلى أية نتيجة سوى محاولة إعطاء الكيان الصهيوني فرصة لالتقاط الأنفاس، أو رسم خطة للتأثير في الانتخابات، في الوقت الذي تُقدَّم فيه النصيحة للرئيس الأمريكي الجديد "بوش" – من "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" – بإعلان حرب أمريكية شاملة على العالم العربي كله من أجل فرض تسوية على المنطقة لمصلحة إسرائيل، مع الاحتفاظ بمطامعها في الأرض والسلام والأمن في وقت واحد.. إن هذه النصيحة التي سوف تكون على طاولة الرئيس الأمريكي الجديد، قد تترك تأثيرها على مجمل السياسة الأمريكية تجاه دول المنطقة، بما فيها إيران وتركيا، بالإضافة إلى الدول العربية..

الدعوة لحماية الانتفاضة

إننا نحذّر العالم العربي من خطورة هذه التحركات السياسية، في خطورتها على المرحلة كلها، ونريد له أن يخطط لمواجهة ذلك بالضغط على السياسة الأمريكية من خلال مصالحها في المنطقة، واتخاذ المواقف الجادّة انطلاقاً من التخطيط للمستقبل العربي كله في العلاقات الدولية، فلا تكون الحركة مجرد ردّ فعل لما يخطط له الآخرون، لأن القضية – في نتائجها المدمّرة – هي قضية الوجود أو اللاوجود في هذا العالم المتحرّك تبعاً لموازين القوى وللمصالح المتنوّعة..

كما أننا نريد للفلسطينيين أن يكونوا واعين لحركة اللعبة السياسية الصهيونية والأمريكية والأوروبية، ليتابعوا الانتفاضة بتخطيط جديد متنوّع ومتحرّك، لأنها الوسيلة الوحيدة للضغط على كل الذين يريدون الحل لمصلحة العدو، وهذا ما لاحظناه في احتجاج الاتحاد الأوروبي على إعدام عميلين للعدو من قِبَل السلطة الفلسطينية، من دون أن يسجل أيّ احتجاج على سحب مجاهد فلسطيني في الشوارع بطريقة وحشية، أو القتل اليومي للمدنيين!! إن علينا أن نتعامل مع العالم المستكبر بطريقة ذكيّة، بحيث لا تأكل الدبلوماسية قضية الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني في التحرير والاستقلال ومصالح المنطقة كلها.

النظام العراقي..إرباك المنطقة

وفي هذه الأيام، تمرّ علينا ذكرى اجتياح النظام العراقي للكويت، بكل فجائعه وآلامه الإنسانية والسياسية التي طاولت الشعب الكويتي، فدمّر ممتلكاته وهجّره، وترك عدداً من أبنائه أسرى في سجون النظام العراقي، كما دمّر الشعب العراقي من خلال تلك السياسة الرعناء، ما أدى إلى الحرب الطاحنة التي أسقطت البنية التحتية للعراق، وقتلت عشرات الألوف من جيشه وشعبه، بالإضافة إلى ما أنتجته هذه الحرب من أوضاع سلبية على مستوى مصالح المنطقة كلها، ولا تزال الأمة كلها تعاني من هذا النزيف الذي دفع بالأنظمة للهرولة أكثر نحو التسوية والاعتراف بالعدو..

إننا نتذكّر هذه الحرب العدوانية على الكويت وعلى العالم العربي كله، لنشير إلى أن العراق لا يزال يعاني من سياسة الطاغية الذي أربك المنطقة كلها في أكثر من حرب وأكثر من مشكلة، كما أن الشعب العراقي لا يزال يعيش الكارثة السياسية والأمنية والاقتصادية من ذلك، وأمريكا هي المستفيد من كل هذا الوضع، فهي في الوقت الذي تدعم فيه بقاء هذا النظام من جهة، تعمل على تخويف أنظمة وشعوب الخليج منه لتبرر بقاءها فيه، كما تحاول الإيحاء بأنها تدعم المعارضة العراقية لإسقاطه، وقد أدخلتها في متاهات سياسية لا نهاية لها.. في الوقت الذي يستمر فيه القصف الأمريكي – البريطاني على العراق، بحجة حماية الشعب العراقي الذي يعاني من الحصار المفروض عليه من قِبَل الأمم المتحدة بكل وحشية، ومن دون مسؤولية.. إننا نقف في هذه الذكرى مع شعب الكويت، وندعو إلى إطلاق أسراه المظلومين، ونذكّر العالم – في الوقت نفسه – بآلام الشعب العراقي المفتوحة على المأساة في الداخل والخارج..

لبنان.. اعتداءات إسرائيلية متوالية

أما في لبنان، فلا تزال الاعتداءات الإسرائيلية تتوالى على الجنوب، سواء لجهة القصف على المناطق المحررة ولا سيما قرب "مزارع شبعا"، أو لجهة الخرق اليومي للأجواء اللبنانية، والاستمرار في بناء الاستحكامات العسكرية الصهيونية على الحدود اللبنانية – الفلسطينية المحتلة التي تشكّل جزءاً من الخطة الإسرائيلية للضغط النفسي على لبنان، بالحديث المتكرر عن ضربة عسكرية من أجل الضغط عليه في العناوين الأمنية والسياسية.

إننا نريد للبنانيين – أمام ذلك – أن يواجهوا المرحلة بالحذر الدائم من كل ألاعيب العدو الداخلية وحركته الخارجية، للعبث بالتوازن السياسي والأمني في لبنان، واللعب بالمشاعر في أكثر من مسألة طائفية، وتحريك عناصر الإثارة في أكثر من عنوان سياسي، ما يؤدي إلى تفتيت الوحدة الوطنية..

الأزمة.. الإنقاذ بالوحدة والتكامل

هذا، في الوقت الذي لا يزال البلد يعاني فيه من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمثل مشكلته الكبرى، حيث نسمع مَن يتحدث جازماً بأن لبنان دخل مرحلة الخطر الفعلي، فإما أن يُباشر بإجراءات جذرية أساسها سياسي وإلا فإنه يقترب من لحظة الانهيار.. ولذلك، فإن المسألة هي أبعد بكثير من السجالات المثيرة التي تشهدها الساحة الداخلية بين وقت وآخر، والتي لا تغيّر شيئاً من المعادلة الحديدية داخل النظام، أو تلغي الأزمة، بل تراكم من الفوضى التي يتوزّع الكثيرون فيها الأدوار.

لقد دخلنا مرحلة الخطر الاقتصادي الحقيقي، وبات مصير البلد كله هو العنوان الكبير، ولذلك فإن الأمور أكبر بكثير مما هو مطروح، ولا بدّ من وقفة وطنية شاملة ترتكز على الحوار السياسي الموضوعي اللاطائفي، الذي يطرح العناوين الوطنية في مسؤوليات الشعب كله، ثم وضع خطة مستقبلية للخروج بالبلد من زنزانة الأزمة إلى الساحة الواسعة للأمن السياسي والاقتصادي، قبل أن تدور الدائرة علينا وتطحننا رحى الأحداث في المنطقة، فنخرج من دائرة السجال إلى دائرة الفراغ، لنفتش عن الوطن فلا نجده من حيث لا نجد عمقاً للدور، وأصالة في الخطة!؟

أيها اللبنانيون: إن بلدكم على حافة الانهيار، فأنقذوه بوحدتكم الوطنية، وبوعيكم للمستقبل، وبتكاملكم في البحث عن حلّ.. اللهم هل بلّغت؟ اللهم فاشهد.

في رحاب ذكرى الصادق (ع): سيرة امتدّت علماً في حياة الناس


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى:

العالم الصادق

في اليوم الخامس والعشرين من شهر شوّال - والذي يصادف غداً - نلتقي بذكرى وفاة الإمام جعفر الصادق(ع)، هذا الإمام الذي أعطى الإمامــة امتدادهـا ورحابتها في الواقع الإسلامي كله، فكان يلتقي ويعلّم مَـن كان يؤمـن بإمامتـه بالمعنى الشرعي للإمامة ومَن كان لا يؤمن بها، وقد التقى الجميع على أنه الـذي يحمل علم رسول الله(ص) وعلم أجداده من خلال كل هذا الينبوع الصافي الذي كان يغترف منه، وأنـه الصادق الذي لا يمكن لأحد أن يشك في صدقه، وأنـه الإنسان الذي انفتحت روحانيته المطلقة على الله تعالى، فكان كما قال بعض الناس الذيـن ليسوا على خط الإسلام: "ما رأيت رجلاً يتروّح إذا شاء - يبدو كما لو كان روحـاً تحلّق - ويتجسّد إذا شاء، كما رأيت جعفر بن محمد الصادق"، كان الناس يرون فيه روحاً تفيض عليهم بكل معاني الروحانية حتى يخشعوا أمامه.

المحاوِر المنفتح

وكان الإمام الصادق(ع) إلى جانب ذلك الإمامَ المحاوِر الذي لا يتعقّد من الحوار مع كل أحد، فكان يجلس في المسجد الحرام والناس مشغولون بالطواف، وهو مشغول بالطواف حول الحقيقة والإسلام ليقرّب الآخرين إليه، فكان يلتقي بمجموعة من "الزنادقة"، وهو المصطلح الذي يعرف به من كان لا يؤمن بالله، حيث يستقبلهم في المسجد الحرام ويفتح لهم عقله وصدره ليستمع إليهم بكل رأفة ورحمة، ليعطيهم الحلّ لكل المشاكل الفكرية التي كانت تواجههم.

وكان الإمام الصادق(ع) الإمام الذي عاش مع كل الناس، صغيرهم وكبيرهم، ولم يترك فرصة لأيّ موقع من المواقع إلا ويحدّث الناس عما يعرّفهم بالله وبأنفسهم وبالحياة من حولهم، كان الناطق دائماً، فيجيب الناس إذا سألوه، ويبتدئهم إذا لم يسألوه، كان الصدر الرحب في أخلاقه، وكان يستمع إلى الذين يؤذونه فيتلقّاهم بابتسامته وعفوه. ولذلك، كانت مرحلة الإمام الصادق(ع) في حركة الإمامة مرحلة علم الإسلام الذي امتد في حياة الناس كما هو في وحي الله في كل قضاياهم الصغيرة والكبيرة، لأن الإمام الصادق(ع) كان في موسوعيته الحركية يريد أن يعرّف كل الناس ، من المثقفين والفقهاء والمتكلّمين أو الذين لا يؤمنون بالإسلام ، أن الإسلام يتسع في معالجته لكل قضايا الحياة، بحيث لا يترك أيّ شيء مما يحتاجه الناس إلا وله فيه حكم ورأي وخط.

التأصيل للمرونة الإسلامية

وعندما ندرس تراث الإمام الصادق (ع)، فإننا نجد أنه لم يترك شيئاً يحتاجه الناس إلا وقد تحدث فيه، ولم يواجه أيّة مشكلة جديدة تفرض نفسها على الفكر الإسلامي أو أيّ أمر يختلف فيه الناس في داخل الواقع الإسلامي وخارجه إلا وقد تحدث فيه، وكان (ع) يرعى الخط الإسلامي الأصيل الذي يتحرك في خط أهل البيت(ع)، فيحافظ على أصحاب هذا الخط ويُصدر إليهم التعليمات التي توحّدهم وتجمعهم، ويرشدهم إلى الخطوط السياسية التي تحمي وجودهم لكي لا يصادرهم الآخرون.

ومن هنا، فقد أكّد الإمام الصادق (ع) التقية، لا على أساس أنه يريد أن يجعل شيعة أهل البيت (ع) يعيشون السقوط الفكري والعملي، ولكنه يريدهم أن يعيشوا المرونة الإسلامية في مواجهة التحديات الكبرى حتى يبقى الخط سليماً، كانت قضيته هي أن يستمر الخط، ولذلك كان لا يوافق على انفعال المنفعلين وحماس المتحمّسين، كان يريد أن يقول لهم بأن عليهم إبّان مواجهة التحديات لأي فئة من فئات الحق، أن يدرسوا الأرضية التي يقفون عليها، والأجواء التي تحيط بهم، لاتّباع الأساليب التي يسلم فيها الخط، لأن في سلامة الخط سلامة للحق، وامتداداً له في المستقبل، وهذا ما جرى عليه رسول الله (ص) عندما كان يمنع المسلمين في مكة قبل الهجرة، من أن يدخلوا في أيّ عمل سلبي على مستوى المواجهة الحادة مع المشركين، لأنه كان يريد لتلك الفترة أن تكون فترة الدعوة التي تركّز المفاهيم الإسلامية لدى الناس.

ونحن في التزامنا بإمامة الأئمة من أهل البيت (ع) كعقيدة إيمانية، إنما نلتزم بهم جميعاً كأئمة يسيرون على أساس الوصاية من رسول الله(ص)، وذلك بأن نستمع لكل ما تحدثوا به في شؤون الحياة، وأن ننفّذ كل الوصايا التي أوصونا بها، ووصاياهم وأحاديثهم هي وصايا رسول الله(ص) وأحاديثه، فتعالوا ونحن نواجه في حياتنا الكثير من القلوب المليئة غشاً، والكلمات المليئة انحرافاً، والمجتمع المليء تمزّقاً، حتى في مجتمع المؤمنين الذي تنتشر فيه ظاهرة عدم المحبة لبعضنا البعض، لأننا نختلف في الرأي على أشياء صغيرة تجعل كل واحد منا يدبّر للآخر الغوائل، ويعمل على أساس أن يقسّم المجتمع، ويصبح كل حزب بما لديهم فرحون، في حين يجب أن يكون المجتمع المسلم الذي ينطق بالشهادتين والسائر في خط الأئمة من أهل البيت(ع) مجتمعاً متماسكاً متناصحاً.

النصح للناس

لذلك، تعالوا إلى الإمام الصادق (ع) في ما يتحدث به عن رسول الله (ص) في النصيحة للمؤمنين، نصيحة العقل في ما تعطيه من رأي، ونصيحة القلب فيما ينبض بالمحبة، ونصيحة الكلمة في ما تتحرك به من نصائح للناس، ونصيحة الموقف في ما تقف أمامه في القضايا المصيرية للناس، أن تكون مؤمناً هو أن تكون الناصح للمؤمنين، أن لا يكون في قلبك ولا في عقلك ولا في كلمتك وموقفك غش، ولا يتحرك موقعك فيمن يتّبعك بالغش، كن الصفحة البيضاء التي تكاد تكون مرآة تجد فيها المسلمين، ويجد المسلمون فيها إيمانك.

قال الإمام الصادق (ع): "قال رسول الله (ص): إن أعظم الناس منزلة عند الله يوم القيامة - الدرجة العظيمة عند الله ربّ العالمين، يوم القيامة، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه هو - أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه"، الذي يتحرك في كل اهتماماته وعلاقاته وأوضاعه وهمه على أساس النصح لخلقه، ولاحظوا كلمة "النصيحة لخلقه"، فالمسلم هو الإنسان الذي يعيش النصيحة للناس كلهم لأنه يعيش إنسانيته، وإنسانيته تدعوه إلى أن يحب للإنسان الآخر أن لا يصاب بسوء أو خلل، إلا الذين ظلموا فإن لهم حساباً آخر.

وفي حديث آخر للإمام الصادق (ع): " يجب - وليس مستحباً - للمؤمن على المؤمن النصيحة له في المشهد والمغيب"، أن تتكلم وتتحرك بالنصيحة له في كل قول وفعل، بأن تقصد الخير له في حضوره وغيبته. وعنه (ع) أنه قال: "قال رسول الله (ص): أنسك الناس نسكاً - والنسك هو العبادة - أنصحهم جيباً - والجيب معناه الصدر، وهو كناية عن القلب - وأسلمهم قلباً لجميع المسلمين". وورد عنه (ع) أنه قال: "قال رسول الله (ص): مَن سعى في حاجة أخيه المؤمن فلم يناصحه فقد خان الله ورسوله". وفي الحديث عنه (ع) قال: "من استشار أخاه فلم يمحضه الرأي - كمن جاء يستشيرك في الزواج من إحدى أقاربك فحسّنتها له من أجل أن توقع به - سلبه الله عزّ وجلّ رأيه". وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع) ينقله أحد أصحابه وهو "عثمان بن عيينة" قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (ع) يقول: "عليكم بالنصح لله في خلقه، فلن تلقاه بعمل أفضل منه".

بناء المجتمع المتناصح

هذا هو الخط الذي يريد الإمام جعفر الصادق (ع) أن نسير عليه في علاقتنا ببعضنا البعض، حتى يكون المجتمع المسلم مجتمع التناصح على جميع المستويات، كي لا نبني أمورنا على الغش، وهذه المسألة تمتد من المسألة الفردية إلى المسألة الجماعية، فننصح لوطننا وأمتنا في القضايا السياسية والاجتماعية، أن لا ننطلق بإعطاء الرأي على المستوى الخاص والعام بما يمزّق الأمة ويسقطها ويثير الفتنة فيها، علينا أن نفتح قلوبنا لله ليرى تعالى أن قلوبنا سليمة من كل غش وبغضاء، لأن القلب الذي يعيش الحقد هو قلب يعشش فيه الشيطان، لأن الله تعالى قال عندما حدّثنا عن تأثير الخمر والميسر: {إنما يُريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر}، وعليه، فإن الشيطان يريد أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في العصبيات والحزبيات، وفي كل الذاتيات، وهذا ما فعله الشيطان وخضعنا له فيه، ومما ورد في دعاء الإمام زين العابدين (ع): "إن الشيطان قد شمت بنا إذ شايعناه على معصيتك، فلا تشمته بنا بعد تركنا إياه لك، ورغبتنا عنه إليك".

هذه كلمات الإمام جعفر الصادق (ع)، وهي كلمات رسول الله (ص)، فتعالوا لنعش مع رسول الله والأئمة، والعيش معهم يكلّف ويُتعب كثيراً، ربما تتصوّرون أنه يكفي في موالاتكم لرسول الله وأهل بيته أن تقيموا التعازي وتخرجوا في المواكب، ولكن الإمام الباقر (ع) يقول: "أفيكفي من ينتحل التشيّع أن يقول إني أحب علياً وأتولاه ثم لا يكون فعّالاً، فرسول الله خير من عليّ، أفحسب الرجل أن يقول أحبّ رسول الله ثم لا يعمل بسنّته، مَن كان وليّاً لله فهو لنا وليّ، ومَن كان عدوّاً لله فهو لنا عدو، والله ما تُنال ولايتنا إلا بالورع".. فكّروا عندما تخرجون من بيوتكم إلى قبوركم ويترككم الأهل والأخوان والأولاد كيف تواجهون حساب القبر والمحشر بعد ذلك، وكيف تواجهون الموقف بين يدي الله تعالى {يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها}.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في نظم أمركم وفي النصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين، فإن الله تعالى يريد لعقولنا وقلوبنا وألسنتنا ومواقفنا ومواقعنا أن تحمل الخير كله، بحيث يكون الإنسان المؤمن رجل الخير لنفسه ولأمته ولكل ما حمّله الله تعالى من مسؤوليات، ولذلك كن إنسان الخير ولا تكن إنسان الشر، فإن الخير يرتفع بك إلى أعلى الدرجات عند الله..

ومن النصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين أن نقف مع قضايا المسلمين ونتابعها وندعمها، وأن نتحمّل مسؤوليتها، وأن نقف مع قضايا المستضعفين في العالم، لأنهم إذا انتصروا في قضية انتصر المسلمون في تلك القضية، وعلينا أن نهتم بأمور المسلمين، وهذا ما نريد أن نثيره في هذا الموقف.

الانتفاضة.. محاولات التطويق

لا تزال عمليات تطويق الانتفاضة وتجميدها تفرض نفسها على الساحة الفلسطينية، بالمفاوضات الأمنية تارة والسياسية أخرى، التي لا تؤدي إلى أية نتيجة سوى محاولة إعطاء الكيان الصهيوني فرصة لالتقاط الأنفاس، أو رسم خطة للتأثير في الانتخابات، في الوقت الذي تُقدَّم فيه النصيحة للرئيس الأمريكي الجديد "بوش" – من "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" – بإعلان حرب أمريكية شاملة على العالم العربي كله من أجل فرض تسوية على المنطقة لمصلحة إسرائيل، مع الاحتفاظ بمطامعها في الأرض والسلام والأمن في وقت واحد.. إن هذه النصيحة التي سوف تكون على طاولة الرئيس الأمريكي الجديد، قد تترك تأثيرها على مجمل السياسة الأمريكية تجاه دول المنطقة، بما فيها إيران وتركيا، بالإضافة إلى الدول العربية..

الدعوة لحماية الانتفاضة

إننا نحذّر العالم العربي من خطورة هذه التحركات السياسية، في خطورتها على المرحلة كلها، ونريد له أن يخطط لمواجهة ذلك بالضغط على السياسة الأمريكية من خلال مصالحها في المنطقة، واتخاذ المواقف الجادّة انطلاقاً من التخطيط للمستقبل العربي كله في العلاقات الدولية، فلا تكون الحركة مجرد ردّ فعل لما يخطط له الآخرون، لأن القضية – في نتائجها المدمّرة – هي قضية الوجود أو اللاوجود في هذا العالم المتحرّك تبعاً لموازين القوى وللمصالح المتنوّعة..

كما أننا نريد للفلسطينيين أن يكونوا واعين لحركة اللعبة السياسية الصهيونية والأمريكية والأوروبية، ليتابعوا الانتفاضة بتخطيط جديد متنوّع ومتحرّك، لأنها الوسيلة الوحيدة للضغط على كل الذين يريدون الحل لمصلحة العدو، وهذا ما لاحظناه في احتجاج الاتحاد الأوروبي على إعدام عميلين للعدو من قِبَل السلطة الفلسطينية، من دون أن يسجل أيّ احتجاج على سحب مجاهد فلسطيني في الشوارع بطريقة وحشية، أو القتل اليومي للمدنيين!! إن علينا أن نتعامل مع العالم المستكبر بطريقة ذكيّة، بحيث لا تأكل الدبلوماسية قضية الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني في التحرير والاستقلال ومصالح المنطقة كلها.

النظام العراقي..إرباك المنطقة

وفي هذه الأيام، تمرّ علينا ذكرى اجتياح النظام العراقي للكويت، بكل فجائعه وآلامه الإنسانية والسياسية التي طاولت الشعب الكويتي، فدمّر ممتلكاته وهجّره، وترك عدداً من أبنائه أسرى في سجون النظام العراقي، كما دمّر الشعب العراقي من خلال تلك السياسة الرعناء، ما أدى إلى الحرب الطاحنة التي أسقطت البنية التحتية للعراق، وقتلت عشرات الألوف من جيشه وشعبه، بالإضافة إلى ما أنتجته هذه الحرب من أوضاع سلبية على مستوى مصالح المنطقة كلها، ولا تزال الأمة كلها تعاني من هذا النزيف الذي دفع بالأنظمة للهرولة أكثر نحو التسوية والاعتراف بالعدو..

إننا نتذكّر هذه الحرب العدوانية على الكويت وعلى العالم العربي كله، لنشير إلى أن العراق لا يزال يعاني من سياسة الطاغية الذي أربك المنطقة كلها في أكثر من حرب وأكثر من مشكلة، كما أن الشعب العراقي لا يزال يعيش الكارثة السياسية والأمنية والاقتصادية من ذلك، وأمريكا هي المستفيد من كل هذا الوضع، فهي في الوقت الذي تدعم فيه بقاء هذا النظام من جهة، تعمل على تخويف أنظمة وشعوب الخليج منه لتبرر بقاءها فيه، كما تحاول الإيحاء بأنها تدعم المعارضة العراقية لإسقاطه، وقد أدخلتها في متاهات سياسية لا نهاية لها.. في الوقت الذي يستمر فيه القصف الأمريكي – البريطاني على العراق، بحجة حماية الشعب العراقي الذي يعاني من الحصار المفروض عليه من قِبَل الأمم المتحدة بكل وحشية، ومن دون مسؤولية.. إننا نقف في هذه الذكرى مع شعب الكويت، وندعو إلى إطلاق أسراه المظلومين، ونذكّر العالم – في الوقت نفسه – بآلام الشعب العراقي المفتوحة على المأساة في الداخل والخارج..

لبنان.. اعتداءات إسرائيلية متوالية

أما في لبنان، فلا تزال الاعتداءات الإسرائيلية تتوالى على الجنوب، سواء لجهة القصف على المناطق المحررة ولا سيما قرب "مزارع شبعا"، أو لجهة الخرق اليومي للأجواء اللبنانية، والاستمرار في بناء الاستحكامات العسكرية الصهيونية على الحدود اللبنانية – الفلسطينية المحتلة التي تشكّل جزءاً من الخطة الإسرائيلية للضغط النفسي على لبنان، بالحديث المتكرر عن ضربة عسكرية من أجل الضغط عليه في العناوين الأمنية والسياسية.

إننا نريد للبنانيين – أمام ذلك – أن يواجهوا المرحلة بالحذر الدائم من كل ألاعيب العدو الداخلية وحركته الخارجية، للعبث بالتوازن السياسي والأمني في لبنان، واللعب بالمشاعر في أكثر من مسألة طائفية، وتحريك عناصر الإثارة في أكثر من عنوان سياسي، ما يؤدي إلى تفتيت الوحدة الوطنية..

الأزمة.. الإنقاذ بالوحدة والتكامل

هذا، في الوقت الذي لا يزال البلد يعاني فيه من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمثل مشكلته الكبرى، حيث نسمع مَن يتحدث جازماً بأن لبنان دخل مرحلة الخطر الفعلي، فإما أن يُباشر بإجراءات جذرية أساسها سياسي وإلا فإنه يقترب من لحظة الانهيار.. ولذلك، فإن المسألة هي أبعد بكثير من السجالات المثيرة التي تشهدها الساحة الداخلية بين وقت وآخر، والتي لا تغيّر شيئاً من المعادلة الحديدية داخل النظام، أو تلغي الأزمة، بل تراكم من الفوضى التي يتوزّع الكثيرون فيها الأدوار.

لقد دخلنا مرحلة الخطر الاقتصادي الحقيقي، وبات مصير البلد كله هو العنوان الكبير، ولذلك فإن الأمور أكبر بكثير مما هو مطروح، ولا بدّ من وقفة وطنية شاملة ترتكز على الحوار السياسي الموضوعي اللاطائفي، الذي يطرح العناوين الوطنية في مسؤوليات الشعب كله، ثم وضع خطة مستقبلية للخروج بالبلد من زنزانة الأزمة إلى الساحة الواسعة للأمن السياسي والاقتصادي، قبل أن تدور الدائرة علينا وتطحننا رحى الأحداث في المنطقة، فنخرج من دائرة السجال إلى دائرة الفراغ، لنفتش عن الوطن فلا نجده من حيث لا نجد عمقاً للدور، وأصالة في الخطة!؟

أيها اللبنانيون: إن بلدكم على حافة الانهيار، فأنقذوه بوحدتكم الوطنية، وبوعيكم للمستقبل، وبتكاملكم في البحث عن حلّ.. اللهم هل بلّغت؟ اللهم فاشهد.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير