بناء الشخصيّة المتكاملة على قاعدة الدّعاء...

بناء الشخصيّة المتكاملة على قاعدة الدّعاء...

في وداع شهر رمضان المبارك:
بناء الشخصيّة المتكاملة على قاعدة الدّعاء...


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

الإثنين يوم عيد الفطر المبارك:

قبل البدء بالخطبتين، أحبّ أن أعطي إخواننا وأبناءنا فكرة عن مسألة العيد؛ فالمبنى الفقهي الذي نلتزمه في اجتهادنا، هو ذاته المبنى الفقهي الذي التزمه أستاذنا السيد الخوئي (رحمه الله)، والذي يرتكز على أساس أن قضية الشهر هي قضية مربوطة بالنظام الكوني، ولا دخل للرؤية فيها سلباً أو إيجاباً. نعم، الرؤية وسيلة من وسائل اكتشاف وجود الهلال في الأفق، وعلى هذا الأساس، فنظام الشهور الذي وضعه الله في قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}(التوبة/36)، قائم على أنه إذا دخل القمر في المحاق، فهذا يكون نهاية الشهر، وإذا خرج منه، تكون بداية شهر جديد، وهو ما يسمّى ولادة الهلال. وأضفنا إلى ما ذكره السيد الأستاذ، أنه لا بد من أن يختزن الهلال مقداراً من الضوء، بحيث يمكن رؤيته في البلاد التي نلتقي معها بجزء من الليل، وليس من الضروري في منطقتنا.

وعلى ضوء هذا، فقد كنا قبل أيام، ندرس المسألة في العالم من خلال تقارير الإنترنت التي تتحدث عن المناطق التي يمكن أن يُرى فيها الهلال، ومن خلال الاتصالات بالأشخاص الفلكيين الذين يملكون الخبرة في مسألة الفلك، وقد وصلنا إلى نتيجة، وهي أن الهلال يولد صباح الأحد القادم، ولا يمكن رؤيته في منطقة الشرق الأوسط، ولكن يمكن رؤيته في أمريكا الجنوبية (التشيلي، الأرجنتين، البيرو، البراغواي)، بحيث يكون هناك إمكانية رؤيته بالعين المجردة في بعض هذه المناطق، وبواسطة المكبرات في البعض الآخر. ولذلك، فمن الناحية الشرعية، وبعد أن ثبت أنّ ولادة الهلال ستكون صباح الأحد، وثبتت أيضاً إمكانية رؤيته في بلاد نلتقي معها بجزء من الليل، أكَّدنا أن يوم عيد الفطر المبارك هو يوم الإثنين القادم.

طبعاً هناك خلاف في العالم الإسلامي ـ سواء عند السنّة أو الشيعة ـ حول هذه المسألة، فبالنسبة إلى إيران والعراق، فإن أغلب المراجع اعتبروا أن الإثنين كان أول أيام شهر رمضان، وبالتّالي، فإنّ العيد سيكون الثلاثاء، في حال تمّت عندهم رؤيته الإثنين مساءً، وإذا لم يروه أو لم يشهد لهم أحد برؤيته، فسيكون العيد عندهم الأربعاء. نحن تكليفنا الشرعي أنّ العيد هو يوم الإثنين القادم إن شاء الله. أمّا قضية الاختلاف في مسألة العيد فهي قضية تاريخية؛ ففي كل سنة يختلف السنّة فيما بينهم، والشيعة فيما بينهم، أو يختلف السنّة والشيعة فيما بينهما، وهذا ما سيحدث هذه السنة أيضاً. المهمّ أنّ علينا أن لا نجعل هذه المسألة موضعاً للجدل والتنازع، وليعمل كل واحد بتكليفه وبما يرتبط باطمئنانه ومرجعيته. ونسأل الله أن يجعله عيداً مباركاً ينطلق من خلال قوة الإسلام والمسلمين، وأن يكون منطلقاً لتحقيق النصر على أعدائهم.

الدعاء لغة التقرّب إلى الله:

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}(غافر/60)، وفي آية أخرى يقول سبحانه: {فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(البقرة/186)، وقال سبحانه: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ}(الفرقان/77).

تركّز هذه الآيات على أهمية الدّعاء، فهو الّذي يجعل الإنسان قريباً من الله بشكل أساسي، لأنَّ الدعاء هو أن تتحدث مع الله؛ أن تناجيه، أن تشكو له، أن تطلب منه ما تحتاجه، أن تحدّثه، وهو العالِم بما يدور في نفسك، عن كل آلامك وأحلامك ومشاكلك، لأنه وحده في الكون القادر على أن يحلّ لك مشاكلك، ويزيل عنك آلامك، ويقضي لك حاجاتك... وليس من الضروري في الدعاء أن تحمل الكتاب وتدعو، بل يكفي أن تدعو بحسب لغتك؛ أن تقول عندما تشعر بالتعب: "يا ربّ، أنا تعبان ومتألم"، أن تتكلم مع الله تعالى بطريقتك الخاصة، لتشعر أمامه بالراحة والسعادة. وكما أن الصلاة هي معراج روح المؤمن إلى الله، كذلك الدعاء هو الطريقة التي تتصل فيها بالله وتتقرّب فيها إليه.

الدعاء مدرسة العلم والأخلاق:

ونحن لدينا تراث إسلاميّ في الدعاء، ومنها الأدعية الّتي وردت في القرآن الكريم؛ فالله تعالى علّم رسوله (ص) أن يدعوه ليزيد في علمه، لأن العلم هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً}(طـه/114)، وفي ذلك إشارة إلى ضرورة أن يستزيد الإنسان من العلم، إذ جعل الله العلم ميزان القيمة في الناس: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}(الزمر/9). فالله فضّل الأكثر علماً على الأقلّ علماً، لأنّ العلم ينير عقل الإنسان، ويفتح قلبه، ويحرك حياته في الطريق المستقيم. ونقرأ في دعاء إبراهيم(ع): {رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ * وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ * وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}(الشعراء/83-89)

كما أنّنا نلاحظ أنَّ في أدعية الإمام زين العابدين (ع)، سواء في أدعية الصحيفة السجادية، أو في دعاء أبي حمزة الثمالي، الكثير من الخطط التربوية والانفتاح على الله، ففي دعاء أبي حمزة الثمالي، مثلاً، نجد ما يعلّم الإنسان كيفيّة التعبير عن ندمه على عصيان الله، فيقول: «إلهي لم أعصك حين عصيتك وأنا بربويتك جاحد، ولا بأمرك مستخفّ، ولا لعقوبتك متعرّض، ولا لوعيدك متهاون، ولكن خطيئة عرضت وسوّلت لي نفسي وغلبني هواي، وأعانني عليها شقوتي، وغرّني سترك المرخى عليّ». هذه الأمور الطارئة التي تنطلق من النفس الأمّارة بالسوء، فيطلب الإنسان من الله أن يغفر له معصيته، ويُشهده على أنه لا يزال ملتزماً بتوحيده والانفتاح على رحمته.

وهكذا، يعالج في دعاء الافتتاح مسألة تأخير استجابة الدعاء: «فإن أبطأ عني عتبت بجهلي عليك، ولعلَّ الذي أبطأ عني خير لي لعلمك بعاقبة الأمور»، فليس كل ما تطلبه من الله هو مصلحة لك. وعندما نقرأ في الدعاء أن الله يرفع المستضعفين ويضع المستكبرين، يشعر الإنسان المستضعف أنه ليس إنساناً ساقطاً، ولكن الله يرفعه بحسب ما يهيئه له من وسائل الرفعة، وأن المستكبرين ليسوا هم الذين يملكون السلطة والقوة، بل إن الله يضع المستكبرين وينزل قدرهم بحسب حكمته.

وهناك نقطة مهمة في دعاء شهر رمضان، وهي أنّه يجعل الإنسان يفكر في الآخرين، فيقول فيه: «اللهم أدخل على أهل القبور السرور ـ بحيث تفكّر في كل من في القبور؛ كيف قدموا على الله؟ هل حصلوا على رحمته وغفرانه؟ ثم تطلب من الله أن يرحمهم ويغفر لهم ـ اللهمَّ أغنِ كلَّ فقير ـ أن تفكر كيف يمكن أن تحلّ مشكلة الفقر عند الفقراء ـ اللهم أشبع كل جائع ـ بأن تطلب من الله أن يهيئ لهم السبيل لإشباعهم ـ اللهم اكس كل عريان، اللهم اقضِ دَين كل مدين، اللهم فرّج عن كل مكروب، اللهم ردّ كل غريب، اللهم فكّ كل أسير، اللهم أصلح كل فاسد من أمور المسلمين ـ وهنا تنفتح على كل قضايا المسلمين في العالم، وتدرس كلّ أوضاع الفساد السياسي والاجتماعي والثقافي، وتطلب من الله أن يهيّئ لهم أوضاع الصلاح والخروج من الفساد ـ اللهم اشفِ كل مريض، اللهم سدّ فقرنا بغناك، اللهم غيّر سوء حالنا بحسن حالك، اللهم اقضِ عنا الدَّين وأغننا من الفقر إنك على كل شيء قدير».

إننا نجد في كلِّ هذه الأدعية الكثير مما ننفتح به على الله، وممّا يربطنا بالناس، فيحصل من خلال ذلك هذا التفاعل بيننا وبين الناس الذين يعانون المشاكل من حولنا، والتفاعل مع كل قضايا الإسلام والمسلمين، ومن خلال ذلك، يتحوّل الدعاء إلى حالة ثقافية اجتماعية سياسية يمكن للإنسان أن يقرأه وينفتح به على الله، ليشعر أنه في الوقت الذي يرتفع إلى رحاب الله، فإنه لا يبتعد عن الحياة وعن الناس وعن كل قضايا الإنسان في كل مواقعه وأوضاعه.

لذلك، علينا أن نستجيب لله في دعوته: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}(غافر/60)، وأن نشعر بأنّ الله قريب منّا، في كلّ آلامنا وآمالنا وأحلامنا، وهذا هو الذي يقوّي إيماننا بالله وتوحيدنا له سبحانه. وفي نهاية شهر رمضان، ينطلق الدعاء ليقول: «اللهم إن كنت رضيت عني في هذا الشهر، فازدد عني رضى، وإن لم تكن قد رضيت عني، فمن الآن فارضَ عني". وجاء في الدعاء: "اللهمَّ أدِّ عنا حق ما مضى من شهر رمضان، واغفر لنا تقصيرنا فيه، وتسلّمه منا مقبولاً، ولا تؤاحذنا بإسرافنا على أنفسنا، واجعلنا من المرحومين ولا تجعلنا من المحرومين".

نسأل الله أن يوفّقنا للحصول على محبته ورحمته ورضوانه، وأن ينصر الإسلام والمسلمين، ويوفّق المجاهدين، وأن يفكَّ أسر المسلمين والمجاهدين، إنه أرحم الراحمين.

 

الخطبة الثانية

بسم الله الرَّحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا الموقف من موقع واحد: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}(الصف/4)، فماذا هناك:

إبقاء القدس في الوعي الروحي والسياسي:

هذا يوم القدس؛ المدينة المقدسة في التاريخ في امتداد الرسالات وحركة الرسل، وفي القضية المتمثّلة بفلسطين الأرض والإنسان، وفي الاغتصاب السياسي والأمني من خلال احتلال اليهود لها ولما حولها، وفي اضطهاد الإنسان الفلسطيني بالقتل والتجويع والأسر والتشريد، في عالم عربي تناساها نتيجة التزامه بإسرائيل الدولة، وفي أفق دولي يتلاعب بالحلول المطروحة لديه في شأنها بما يعقّد المشكلة، وبالأحلام الاستقلالية للدولة الفلسطينية من خلال خارطة الطريق، بما تتحرك به اللعبة الدولية في عمليّة خداع للشعب الفلسطيني، وشروط تعجيزية، وإخضاعه لالتزام سياسيّ بإسرائيل من دون أية مكاسب مستقبلية.

هذا إضافةً إلى التعقيدات الداخلية في سلطة تخضع لشروط إسرائيل وأمريكا في أكثر من وعود سرابية، وفي حكومة يتآمر الاستكبار العالمي والعبث العربي على إسقاطها، بالرغم من حصولها على ثقة الأكثرية الشعبية.

هذا يوم القدس الذي كان مسجدها أولى القبلتين، ومسرى النبي محمد (ص)، حيث تلتقي الديانات في ساحاتها، لتؤكد وحدتها في خط التوحيد والإنسان.

إن المطلوب في هذا اليوم، أن ينطلق العالم الإسلامي والعالم المتحضر الإنساني، لإبقاء القدس في الوعي الروحي والسياسي، وفي حركة الجهاد ضدّ الاحتلال اليهودي الوحشي، ولتوعية الرأي العام لكشف المجازر الوحشية ضد الشعب الفلسطيني، ولتحريك الفلسطينيين نحو الوحدة التي يلتقون فيها على التحرير، بالمقاومة المدروسة في الخط السياسي والعسكري، من أجل أن تعود القدس ـ الرمز والقضية ـ إلى أهلها في آفاق الحرية الإنسانية الواسعة.

وعلينا أن نعرف أن الجيش اليهودي يهدد بقصف جميع أفراد الشعب الفلسطيني، حتى الذين لم يطلقوا الصواريخ على المستوطنات، لأنهم لا يزالون يعيشون عقدة الهزيمة أمام المقاومة في لبنان ويخافون تجددها.

وعلى العالم أن يقف لإدانة جرائم الحرب الإسرائيلية في لبنان، والّتي تجسّدت بالمجازر الوحشية التي دللت على الحقد اليهودي ضد العرب والمسلمين. وعلى الشعب الفلسطيني أن يستوعب دروس التجربة المرّة التي لا تزال تفرض نفسها عليه، وأن يكف عن التراشق والسجال السياسي والاتهامات التي يطلقها فريق هنا وفريق هناك، بما قد يؤدي إلى فتنة داخلية وحرب أهلية.

الازدواجية في خطاب الرئيس الأمريكي حول الإسلام:

وفي جانب آخر، فقد دعا الرئيس بوش بعض المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية إلى حفل إفطار أشاد خلاله بالإسلام، وقال إنه "دين يبعث على الأمل والمواساة لأكثر من مليار مسلم حول العالم، وإنه سما على الانقسامات العرقية والعنصرية، وأدَّى إلى ثقافة غنية بالعلم والآداب والعلوم". إنه كلام جميل، ولكننا نلاحظ في الوقت نفسه، أن الرئيس الأمريكي وقّع على قانون يفسح في المجال للتحقيق مع المشتبه بهم في قضايا الإرهاب في شكل لاإنساني، ومن ثم محاكمتهم أمام محاكم عسكرية، والكل يعرف أن هذه الأمور تطاول المسلمين بشكل مباشر في امتدادات السياسة الأمريكية، وخصوصاً الجاليات الإسلامية في أمريكا.

أمريكا هي المسؤولة عن تأزم الأوضاع في العراق:

وفي موقع آخر، فإن الرئيس الأمريكي يتحدث عن رفضه تقسيم العراق إلى ثلاثة مواقع للحكم الذاتي، معتبراً أن ذلك يؤدي إلى الفوضى بأكثر مما يشهدها في الوقت الحاضر، لكن السؤال هو: من الذي وضع العراق في هذه الفوضى وفي هذا المناخ الوحشي من القتل، بحيث بلغ عدد القتلى من العراقيين منذ الاحتلال أكثر من ستمائة ألف قتيل؟ أليس الرئيس بوش وإدارته السبب في ذلك كله؟ ثم، إن الرئيس الأميركي يقول: "إننا قلقون من تدخل إيران في العراق"، ولكن العالم العربي والإسلامي لا يزال قلقاً من التدخل الأميركي في المنطقة كلها، بما يشكل الخطر على مصالحها الاستراتيجية، إضافة إلى الاحتلال المباشر للعراق.

نأمل نجاح المؤتمر الإسلامي حول العراق:

وفي الموقع العراقي، هناك مؤتمر إسلامي سينعقد في مكة لمرجعيات إسلامية سنية وشيعية، لتأكيد وثيقة قرآنية ونبوية تنصّ على حرمة أموال المسلمين ودمائهم وأعراضهم، وضرورة توطّد الأمن في المنطقة والمحافظة على دور العبادة للمسلمين وغير المسلمين، وحماية حرية المواطنين من الخطف والتهجير.

إننا نأمل نجاح هذا الاجتماع من خلال خطة عملية موضوعية تدرس الأمور بطريقة واعية، وتطلق الصوت عالياً ضد الاحتلال الذي هو السبب في أكثر المشاكل الدموية، وضد التكفيريين الذين يستحلّون دماء المسلمين ويدمّرون مساجدهم ومقدساتهم جهلاً وتخلفاً وحقداً وعدواناً، هذا إضافةً إلى تركيز الوحدة الإسلامية على قاعدة شرعية ثابتة، والوحدة الوطنية على أساس المصلحة العراقية العليا، ودراسة الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية بوعي سياسي كبير.

الخشية من تحول لبنان إلى محمية دولية:

أما لبنان، فإننا نلاحظ كيف تستمر الخروقات الإسرائيلية في الجو والبر بما يهدّد سيادته، فيما القوات الدولية في حالة استرخاء، إذ تكتفي بالإحصاء والمراقبة، حتى إن أمريكا التي تحدثت مع إسرائيل بالامتناع عن الطلعات الجوية، لم تضغط عليها عندما رفضت ذلك، وكذلك، فإن إسرائيل لم تحترم التهديد الفرنسي في التعرض للطيران الإسرائيلي. ولم تحرك الأمم المتحدة ساكناً حول ذلك، ولم نجد هناك موقفاً قوياً للحكومة اللبنانية، بل إنها لا تزال تحت تأثير الوعود بالحل والانسحاب دون جدوى.

ويتحرك الحديث عن التهدئة الداخلية، وربما يسعى البعض لتلطيف الأجواء والحوار والتواصل، ولكن ذلك كله لا ينطلق في ظروف سياسية واقعية، أو من حلول حقيقية، لأن البلد دخل في نطاق الوصاية الدولية المباشرة، ونخشى أن يتحول إلى ما يشبه المحمية الدولية في نطاق تطويق دولي للبحر، وإعلان عن إدارة للمجال الجوي، وفي خطة خفية لتحييد لبنان من جهة، وإراحة إسرائيل من جهة أخرى، وتعقيد العلاقات العربية والإسلامية بفعل الضغوط الأمريكية، وهو الأمر الذي أغرى رئيس حكومة العدو في توجيه دعوة علنية لرئيس حكومة لبنان، من دون أن يتلقى الرد المناسب، أو أن يكون الرد بحجم شراسة العدوان الإسرائيلي.

ويبقى اللبنانيون في همومهم المعيشية، ولا سيما في موسم المدارس، وفي فصل الشتاء، وفي الحالة القاسية للبطالة وللمخاوف المستقبلية للوضع السياسي الذي قد يشتد في حركيته في صراع المعارضة والموالاة، ولا سيما في مسألة الدعوة إلى حكومة الوحدة الوطنية التي يراد للبنانيين الالتقاء عندها من أجل التواصل والتكامل على قاعدة السيادة والحرية والاستقلال، بعيداً عن كلمات التخوين من هنا والاتهام من هناك، ولا سيما في الأجواء العاصفة في المنطقة التي تزيدها السياسة الأمريكية خطورةً على كل المستويات.

في وداع شهر رمضان المبارك:
بناء الشخصيّة المتكاملة على قاعدة الدّعاء...


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

الإثنين يوم عيد الفطر المبارك:

قبل البدء بالخطبتين، أحبّ أن أعطي إخواننا وأبناءنا فكرة عن مسألة العيد؛ فالمبنى الفقهي الذي نلتزمه في اجتهادنا، هو ذاته المبنى الفقهي الذي التزمه أستاذنا السيد الخوئي (رحمه الله)، والذي يرتكز على أساس أن قضية الشهر هي قضية مربوطة بالنظام الكوني، ولا دخل للرؤية فيها سلباً أو إيجاباً. نعم، الرؤية وسيلة من وسائل اكتشاف وجود الهلال في الأفق، وعلى هذا الأساس، فنظام الشهور الذي وضعه الله في قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}(التوبة/36)، قائم على أنه إذا دخل القمر في المحاق، فهذا يكون نهاية الشهر، وإذا خرج منه، تكون بداية شهر جديد، وهو ما يسمّى ولادة الهلال. وأضفنا إلى ما ذكره السيد الأستاذ، أنه لا بد من أن يختزن الهلال مقداراً من الضوء، بحيث يمكن رؤيته في البلاد التي نلتقي معها بجزء من الليل، وليس من الضروري في منطقتنا.

وعلى ضوء هذا، فقد كنا قبل أيام، ندرس المسألة في العالم من خلال تقارير الإنترنت التي تتحدث عن المناطق التي يمكن أن يُرى فيها الهلال، ومن خلال الاتصالات بالأشخاص الفلكيين الذين يملكون الخبرة في مسألة الفلك، وقد وصلنا إلى نتيجة، وهي أن الهلال يولد صباح الأحد القادم، ولا يمكن رؤيته في منطقة الشرق الأوسط، ولكن يمكن رؤيته في أمريكا الجنوبية (التشيلي، الأرجنتين، البيرو، البراغواي)، بحيث يكون هناك إمكانية رؤيته بالعين المجردة في بعض هذه المناطق، وبواسطة المكبرات في البعض الآخر. ولذلك، فمن الناحية الشرعية، وبعد أن ثبت أنّ ولادة الهلال ستكون صباح الأحد، وثبتت أيضاً إمكانية رؤيته في بلاد نلتقي معها بجزء من الليل، أكَّدنا أن يوم عيد الفطر المبارك هو يوم الإثنين القادم.

طبعاً هناك خلاف في العالم الإسلامي ـ سواء عند السنّة أو الشيعة ـ حول هذه المسألة، فبالنسبة إلى إيران والعراق، فإن أغلب المراجع اعتبروا أن الإثنين كان أول أيام شهر رمضان، وبالتّالي، فإنّ العيد سيكون الثلاثاء، في حال تمّت عندهم رؤيته الإثنين مساءً، وإذا لم يروه أو لم يشهد لهم أحد برؤيته، فسيكون العيد عندهم الأربعاء. نحن تكليفنا الشرعي أنّ العيد هو يوم الإثنين القادم إن شاء الله. أمّا قضية الاختلاف في مسألة العيد فهي قضية تاريخية؛ ففي كل سنة يختلف السنّة فيما بينهم، والشيعة فيما بينهم، أو يختلف السنّة والشيعة فيما بينهما، وهذا ما سيحدث هذه السنة أيضاً. المهمّ أنّ علينا أن لا نجعل هذه المسألة موضعاً للجدل والتنازع، وليعمل كل واحد بتكليفه وبما يرتبط باطمئنانه ومرجعيته. ونسأل الله أن يجعله عيداً مباركاً ينطلق من خلال قوة الإسلام والمسلمين، وأن يكون منطلقاً لتحقيق النصر على أعدائهم.

الدعاء لغة التقرّب إلى الله:

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}(غافر/60)، وفي آية أخرى يقول سبحانه: {فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(البقرة/186)، وقال سبحانه: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ}(الفرقان/77).

تركّز هذه الآيات على أهمية الدّعاء، فهو الّذي يجعل الإنسان قريباً من الله بشكل أساسي، لأنَّ الدعاء هو أن تتحدث مع الله؛ أن تناجيه، أن تشكو له، أن تطلب منه ما تحتاجه، أن تحدّثه، وهو العالِم بما يدور في نفسك، عن كل آلامك وأحلامك ومشاكلك، لأنه وحده في الكون القادر على أن يحلّ لك مشاكلك، ويزيل عنك آلامك، ويقضي لك حاجاتك... وليس من الضروري في الدعاء أن تحمل الكتاب وتدعو، بل يكفي أن تدعو بحسب لغتك؛ أن تقول عندما تشعر بالتعب: "يا ربّ، أنا تعبان ومتألم"، أن تتكلم مع الله تعالى بطريقتك الخاصة، لتشعر أمامه بالراحة والسعادة. وكما أن الصلاة هي معراج روح المؤمن إلى الله، كذلك الدعاء هو الطريقة التي تتصل فيها بالله وتتقرّب فيها إليه.

الدعاء مدرسة العلم والأخلاق:

ونحن لدينا تراث إسلاميّ في الدعاء، ومنها الأدعية الّتي وردت في القرآن الكريم؛ فالله تعالى علّم رسوله (ص) أن يدعوه ليزيد في علمه، لأن العلم هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً}(طـه/114)، وفي ذلك إشارة إلى ضرورة أن يستزيد الإنسان من العلم، إذ جعل الله العلم ميزان القيمة في الناس: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}(الزمر/9). فالله فضّل الأكثر علماً على الأقلّ علماً، لأنّ العلم ينير عقل الإنسان، ويفتح قلبه، ويحرك حياته في الطريق المستقيم. ونقرأ في دعاء إبراهيم(ع): {رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ * وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ * وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ * وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ * وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}(الشعراء/83-89)

كما أنّنا نلاحظ أنَّ في أدعية الإمام زين العابدين (ع)، سواء في أدعية الصحيفة السجادية، أو في دعاء أبي حمزة الثمالي، الكثير من الخطط التربوية والانفتاح على الله، ففي دعاء أبي حمزة الثمالي، مثلاً، نجد ما يعلّم الإنسان كيفيّة التعبير عن ندمه على عصيان الله، فيقول: «إلهي لم أعصك حين عصيتك وأنا بربويتك جاحد، ولا بأمرك مستخفّ، ولا لعقوبتك متعرّض، ولا لوعيدك متهاون، ولكن خطيئة عرضت وسوّلت لي نفسي وغلبني هواي، وأعانني عليها شقوتي، وغرّني سترك المرخى عليّ». هذه الأمور الطارئة التي تنطلق من النفس الأمّارة بالسوء، فيطلب الإنسان من الله أن يغفر له معصيته، ويُشهده على أنه لا يزال ملتزماً بتوحيده والانفتاح على رحمته.

وهكذا، يعالج في دعاء الافتتاح مسألة تأخير استجابة الدعاء: «فإن أبطأ عني عتبت بجهلي عليك، ولعلَّ الذي أبطأ عني خير لي لعلمك بعاقبة الأمور»، فليس كل ما تطلبه من الله هو مصلحة لك. وعندما نقرأ في الدعاء أن الله يرفع المستضعفين ويضع المستكبرين، يشعر الإنسان المستضعف أنه ليس إنساناً ساقطاً، ولكن الله يرفعه بحسب ما يهيئه له من وسائل الرفعة، وأن المستكبرين ليسوا هم الذين يملكون السلطة والقوة، بل إن الله يضع المستكبرين وينزل قدرهم بحسب حكمته.

وهناك نقطة مهمة في دعاء شهر رمضان، وهي أنّه يجعل الإنسان يفكر في الآخرين، فيقول فيه: «اللهم أدخل على أهل القبور السرور ـ بحيث تفكّر في كل من في القبور؛ كيف قدموا على الله؟ هل حصلوا على رحمته وغفرانه؟ ثم تطلب من الله أن يرحمهم ويغفر لهم ـ اللهمَّ أغنِ كلَّ فقير ـ أن تفكر كيف يمكن أن تحلّ مشكلة الفقر عند الفقراء ـ اللهم أشبع كل جائع ـ بأن تطلب من الله أن يهيئ لهم السبيل لإشباعهم ـ اللهم اكس كل عريان، اللهم اقضِ دَين كل مدين، اللهم فرّج عن كل مكروب، اللهم ردّ كل غريب، اللهم فكّ كل أسير، اللهم أصلح كل فاسد من أمور المسلمين ـ وهنا تنفتح على كل قضايا المسلمين في العالم، وتدرس كلّ أوضاع الفساد السياسي والاجتماعي والثقافي، وتطلب من الله أن يهيّئ لهم أوضاع الصلاح والخروج من الفساد ـ اللهم اشفِ كل مريض، اللهم سدّ فقرنا بغناك، اللهم غيّر سوء حالنا بحسن حالك، اللهم اقضِ عنا الدَّين وأغننا من الفقر إنك على كل شيء قدير».

إننا نجد في كلِّ هذه الأدعية الكثير مما ننفتح به على الله، وممّا يربطنا بالناس، فيحصل من خلال ذلك هذا التفاعل بيننا وبين الناس الذين يعانون المشاكل من حولنا، والتفاعل مع كل قضايا الإسلام والمسلمين، ومن خلال ذلك، يتحوّل الدعاء إلى حالة ثقافية اجتماعية سياسية يمكن للإنسان أن يقرأه وينفتح به على الله، ليشعر أنه في الوقت الذي يرتفع إلى رحاب الله، فإنه لا يبتعد عن الحياة وعن الناس وعن كل قضايا الإنسان في كل مواقعه وأوضاعه.

لذلك، علينا أن نستجيب لله في دعوته: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}(غافر/60)، وأن نشعر بأنّ الله قريب منّا، في كلّ آلامنا وآمالنا وأحلامنا، وهذا هو الذي يقوّي إيماننا بالله وتوحيدنا له سبحانه. وفي نهاية شهر رمضان، ينطلق الدعاء ليقول: «اللهم إن كنت رضيت عني في هذا الشهر، فازدد عني رضى، وإن لم تكن قد رضيت عني، فمن الآن فارضَ عني". وجاء في الدعاء: "اللهمَّ أدِّ عنا حق ما مضى من شهر رمضان، واغفر لنا تقصيرنا فيه، وتسلّمه منا مقبولاً، ولا تؤاحذنا بإسرافنا على أنفسنا، واجعلنا من المرحومين ولا تجعلنا من المحرومين".

نسأل الله أن يوفّقنا للحصول على محبته ورحمته ورضوانه، وأن ينصر الإسلام والمسلمين، ويوفّق المجاهدين، وأن يفكَّ أسر المسلمين والمجاهدين، إنه أرحم الراحمين.

 

الخطبة الثانية

بسم الله الرَّحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا الموقف من موقع واحد: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}(الصف/4)، فماذا هناك:

إبقاء القدس في الوعي الروحي والسياسي:

هذا يوم القدس؛ المدينة المقدسة في التاريخ في امتداد الرسالات وحركة الرسل، وفي القضية المتمثّلة بفلسطين الأرض والإنسان، وفي الاغتصاب السياسي والأمني من خلال احتلال اليهود لها ولما حولها، وفي اضطهاد الإنسان الفلسطيني بالقتل والتجويع والأسر والتشريد، في عالم عربي تناساها نتيجة التزامه بإسرائيل الدولة، وفي أفق دولي يتلاعب بالحلول المطروحة لديه في شأنها بما يعقّد المشكلة، وبالأحلام الاستقلالية للدولة الفلسطينية من خلال خارطة الطريق، بما تتحرك به اللعبة الدولية في عمليّة خداع للشعب الفلسطيني، وشروط تعجيزية، وإخضاعه لالتزام سياسيّ بإسرائيل من دون أية مكاسب مستقبلية.

هذا إضافةً إلى التعقيدات الداخلية في سلطة تخضع لشروط إسرائيل وأمريكا في أكثر من وعود سرابية، وفي حكومة يتآمر الاستكبار العالمي والعبث العربي على إسقاطها، بالرغم من حصولها على ثقة الأكثرية الشعبية.

هذا يوم القدس الذي كان مسجدها أولى القبلتين، ومسرى النبي محمد (ص)، حيث تلتقي الديانات في ساحاتها، لتؤكد وحدتها في خط التوحيد والإنسان.

إن المطلوب في هذا اليوم، أن ينطلق العالم الإسلامي والعالم المتحضر الإنساني، لإبقاء القدس في الوعي الروحي والسياسي، وفي حركة الجهاد ضدّ الاحتلال اليهودي الوحشي، ولتوعية الرأي العام لكشف المجازر الوحشية ضد الشعب الفلسطيني، ولتحريك الفلسطينيين نحو الوحدة التي يلتقون فيها على التحرير، بالمقاومة المدروسة في الخط السياسي والعسكري، من أجل أن تعود القدس ـ الرمز والقضية ـ إلى أهلها في آفاق الحرية الإنسانية الواسعة.

وعلينا أن نعرف أن الجيش اليهودي يهدد بقصف جميع أفراد الشعب الفلسطيني، حتى الذين لم يطلقوا الصواريخ على المستوطنات، لأنهم لا يزالون يعيشون عقدة الهزيمة أمام المقاومة في لبنان ويخافون تجددها.

وعلى العالم أن يقف لإدانة جرائم الحرب الإسرائيلية في لبنان، والّتي تجسّدت بالمجازر الوحشية التي دللت على الحقد اليهودي ضد العرب والمسلمين. وعلى الشعب الفلسطيني أن يستوعب دروس التجربة المرّة التي لا تزال تفرض نفسها عليه، وأن يكف عن التراشق والسجال السياسي والاتهامات التي يطلقها فريق هنا وفريق هناك، بما قد يؤدي إلى فتنة داخلية وحرب أهلية.

الازدواجية في خطاب الرئيس الأمريكي حول الإسلام:

وفي جانب آخر، فقد دعا الرئيس بوش بعض المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية إلى حفل إفطار أشاد خلاله بالإسلام، وقال إنه "دين يبعث على الأمل والمواساة لأكثر من مليار مسلم حول العالم، وإنه سما على الانقسامات العرقية والعنصرية، وأدَّى إلى ثقافة غنية بالعلم والآداب والعلوم". إنه كلام جميل، ولكننا نلاحظ في الوقت نفسه، أن الرئيس الأمريكي وقّع على قانون يفسح في المجال للتحقيق مع المشتبه بهم في قضايا الإرهاب في شكل لاإنساني، ومن ثم محاكمتهم أمام محاكم عسكرية، والكل يعرف أن هذه الأمور تطاول المسلمين بشكل مباشر في امتدادات السياسة الأمريكية، وخصوصاً الجاليات الإسلامية في أمريكا.

أمريكا هي المسؤولة عن تأزم الأوضاع في العراق:

وفي موقع آخر، فإن الرئيس الأمريكي يتحدث عن رفضه تقسيم العراق إلى ثلاثة مواقع للحكم الذاتي، معتبراً أن ذلك يؤدي إلى الفوضى بأكثر مما يشهدها في الوقت الحاضر، لكن السؤال هو: من الذي وضع العراق في هذه الفوضى وفي هذا المناخ الوحشي من القتل، بحيث بلغ عدد القتلى من العراقيين منذ الاحتلال أكثر من ستمائة ألف قتيل؟ أليس الرئيس بوش وإدارته السبب في ذلك كله؟ ثم، إن الرئيس الأميركي يقول: "إننا قلقون من تدخل إيران في العراق"، ولكن العالم العربي والإسلامي لا يزال قلقاً من التدخل الأميركي في المنطقة كلها، بما يشكل الخطر على مصالحها الاستراتيجية، إضافة إلى الاحتلال المباشر للعراق.

نأمل نجاح المؤتمر الإسلامي حول العراق:

وفي الموقع العراقي، هناك مؤتمر إسلامي سينعقد في مكة لمرجعيات إسلامية سنية وشيعية، لتأكيد وثيقة قرآنية ونبوية تنصّ على حرمة أموال المسلمين ودمائهم وأعراضهم، وضرورة توطّد الأمن في المنطقة والمحافظة على دور العبادة للمسلمين وغير المسلمين، وحماية حرية المواطنين من الخطف والتهجير.

إننا نأمل نجاح هذا الاجتماع من خلال خطة عملية موضوعية تدرس الأمور بطريقة واعية، وتطلق الصوت عالياً ضد الاحتلال الذي هو السبب في أكثر المشاكل الدموية، وضد التكفيريين الذين يستحلّون دماء المسلمين ويدمّرون مساجدهم ومقدساتهم جهلاً وتخلفاً وحقداً وعدواناً، هذا إضافةً إلى تركيز الوحدة الإسلامية على قاعدة شرعية ثابتة، والوحدة الوطنية على أساس المصلحة العراقية العليا، ودراسة الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية بوعي سياسي كبير.

الخشية من تحول لبنان إلى محمية دولية:

أما لبنان، فإننا نلاحظ كيف تستمر الخروقات الإسرائيلية في الجو والبر بما يهدّد سيادته، فيما القوات الدولية في حالة استرخاء، إذ تكتفي بالإحصاء والمراقبة، حتى إن أمريكا التي تحدثت مع إسرائيل بالامتناع عن الطلعات الجوية، لم تضغط عليها عندما رفضت ذلك، وكذلك، فإن إسرائيل لم تحترم التهديد الفرنسي في التعرض للطيران الإسرائيلي. ولم تحرك الأمم المتحدة ساكناً حول ذلك، ولم نجد هناك موقفاً قوياً للحكومة اللبنانية، بل إنها لا تزال تحت تأثير الوعود بالحل والانسحاب دون جدوى.

ويتحرك الحديث عن التهدئة الداخلية، وربما يسعى البعض لتلطيف الأجواء والحوار والتواصل، ولكن ذلك كله لا ينطلق في ظروف سياسية واقعية، أو من حلول حقيقية، لأن البلد دخل في نطاق الوصاية الدولية المباشرة، ونخشى أن يتحول إلى ما يشبه المحمية الدولية في نطاق تطويق دولي للبحر، وإعلان عن إدارة للمجال الجوي، وفي خطة خفية لتحييد لبنان من جهة، وإراحة إسرائيل من جهة أخرى، وتعقيد العلاقات العربية والإسلامية بفعل الضغوط الأمريكية، وهو الأمر الذي أغرى رئيس حكومة العدو في توجيه دعوة علنية لرئيس حكومة لبنان، من دون أن يتلقى الرد المناسب، أو أن يكون الرد بحجم شراسة العدوان الإسرائيلي.

ويبقى اللبنانيون في همومهم المعيشية، ولا سيما في موسم المدارس، وفي فصل الشتاء، وفي الحالة القاسية للبطالة وللمخاوف المستقبلية للوضع السياسي الذي قد يشتد في حركيته في صراع المعارضة والموالاة، ولا سيما في مسألة الدعوة إلى حكومة الوحدة الوطنية التي يراد للبنانيين الالتقاء عندها من أجل التواصل والتكامل على قاعدة السيادة والحرية والاستقلال، بعيداً عن كلمات التخوين من هنا والاتهام من هناك، ولا سيما في الأجواء العاصفة في المنطقة التي تزيدها السياسة الأمريكية خطورةً على كل المستويات.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير