عبر الدعوة بالتي هي أحسن والحكمة

عبر الدعوة بالتي هي أحسن والحكمة

نحو علاقات سليمة في المجتمع:
عبر الدعوة بالتي هي أحسن والحكمة


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} (النحل:125). في هذه الآية الكريمة، يوجّه الله تعالى الناس كافة، ولاسيما الدعاة إلى الله سبحانه، أنّهم إذا أرادوا أن يبلّغوا رسالاتهم، وأن يطلقوا أفكارهم للآخرين الذين يختلفون معهم في الدين أو في الفكر أو في الموقف، فينبغي أن يكون أسلوبهم في الدعوة على أساس الحكمة، والمراد بالحكمة هو وضع الشيء في موضعه؛ أن يدرس الداعية الناس الذين يريد دعوتهم وخطابهم وإقناعهم، على المستوى الفكري وأوضاعهم النفسية، وأن يدرس الظروف المحيطة بالدعوة، ليعتمد الأسلوب الذي يفتح عقول الناس وقلوبهم على ما يريد مخاطبتهم به، وأن لا يجعل من خطابه خطاباً مثيراً للمشكلة وللحساسيات المذهبية أو الطائفية أو ما إلى ذلك.

فالله يقول: {ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة ـ وقد حدثنا الله في أكثر من آية أنه أرسل رسوله بالكتاب والحكمة، لأن الحكمة تمثل حركة الدعوة على مستوى التطبيق بعدما ركز الكتاب النظرية ـ والموعظة الحسنة ـ التي تلامس العقل بحيث يرتاح لمضمونها الفكري، وتخاطب القلب وتنفتح على الإحساس والشعور، بحيث تهندس الطريق إلى ذهنية الإنسان لكي يستمع براحة وينفتح على ما يُدعى إليه ـ وجادلهم بالتي هي أحسن}، فإذا اصطدمت بالناس الذين يخالفونك الرأي، سواء كانوا من المشركين أو الملحدين أو من أهل الكتاب، أو ممن تختلف معهم في بعض الخطوط المذهبية الفقهية والكلامية، وأردت أن تدخل في حوار معهم لتجادلهم حول ما يلتزمونه من رأي، وحول ما تدعوهم إليه من فكر، فإن عليك أن تختار الأسلوب الأحسن والكلمة الأحسن والمناخ الأحسن؛ أن لا يكون جدالك مع الآخرين بالقسوة والعنف.

قول التي هي أحسن

وهذا ما كان النبي(ص) يمارسه في دعوته، وقد عبّر الله تعالى عن ذلك بقوله: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك} (آل عمران:159). إن مسؤوليتك، أيها الداعية إلى الله، أن تتَّبع مع الناس كل الأساليب التي يمكن أن تقنعهم وتجعلهم يؤمنون بما تؤمن به، أما أن يهتدوا أو لا يهتدوا نتيجة بعض الرواسب التي قد يخضعون لها، أو بعض الظروف التي تحيط بهم، أو نتيجة العناد الذي يتحركون به، فذلك ليس مسؤوليتك، والله تعالى قال لنبيّه: {فذكّر إنما أنت مذكّر* لست عليهم بمسيطر} (الغاشية:21-22). إنَّ المسألة هي أن تبذل كل جهدك في الوصول إلى النتائج الإيجابية في إقناع الآخرين، أما أن يقتنعوا أو لا يقتنعوا فتلك ليست مسؤوليتك.

وفي آية أخرى، نلاحظ أن الله تعالى دعا كل الناس إلى اختيار الكلمة الأحسن: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ـ إذا أردت أن تتكلم في البيت أو في المجتمع المتنوّع أو الموحَّد، حاول قبل أن تطلق الكلمة أن تدرس الكلمات التي تعبّر عما تريد بيانه، فقد تكون بعض الكلمات مثيرةً أو منفتحةً ـ إن الشيطان ينزغ بينهم ـ فالشيطان يدخل في عبّ الكلمات ليفتش عن كل عناصر الإثارة في هذه الكلمة أو تلك ـ إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً} (الإسراء:53)، فلا ينبغي لك أن تتكلّم بالفكرة بمجرّد أن تنطلق في ذهنك، بل عليك أوّلاً أن تصوغها بما يجمع ولا يفرّق، ويوحِّد ولا يقسِّم.

سُبُل مواجهة المشاكل

وفي آية أخرى، يتحدث الله تعالى عن كيفية مواجهة الإنسان للمشاكل التي تصيبه، فليس هناك شخص إلا وقد يصطدم بالآخر؛ في البيت أو في المجتمع. ونلاحظ أننا في كل يوم نتابع فيه الخلافات الموجودة عند الناس، نجد حالة صدام في الأفكار، حتى وصل الأمر بالبعض إلى أن يعبّر عن الخلافات بـ"صدام الحضارات". فالله تعالى يعلّمنا كيف يمكن أن نواجه حالة الصدام، وكيف نحلّ المشاكل الناتجة عنها. يقول تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ـ هناك الأسلوب الهادئ وهو الحسنة، وهناك أسلوب العنف الصارخ الذي يسيء إلى الآخر، وهو السيّئة ـ ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم ـ فتّش عن الطريقة التي تحوّل فيها عدوّك إلى صديق، لا على طريقة الذين يحوّلون أصدقاءهم إلى أعداء؛ دورك كعضو في العائلة والمجتمع أن تفتح عقول الناس على الحل الأمثل الذي تريد أن تركّزه.

ولذلك كنا دائماً نقول للذين يحاوروننا من الشرق والغرب، إن الإسلام يدعونا إلى أن نصادق العالم، وإذا واجهنا أية مشكلة، فإننا نواجهها بالطريقة التي تنزع العداوة من قلوب من يخالفنا. وهذه القضية صعبة تحتاج إلى جهد نفسي، ولاسيما أمام العصبيات الدينية والمذهبية والحزبية والعشائرية، لأن العصبية تجعل الإنسان يعيش ذهنية تدمير الآخر، لذلك يبادر البعض إلى التعبير عن ذلك بالسبّ واللعن. فالله يدعونا إلى أن نملك الحظ الكبير من الوعي والصبر، لكي نأكل العنب لا أن نقتل الناطور، ولكن البعض يريد أن يقتل الناطور الطائفي والمذهبي والحزبي والعشائري، ولاسيما أمام ما يثيره البعض من العصبية السنّية الشيعية. فهل عندما يعارض شخص رئيس الوزراء مثلاً، فإنه يعارض السنّة؟! أو عندما يعارض أحد رئيس المجلس النيابي أو رئيس الجمهورية، فهل يعني ذلك أنه يعارض طائفته؟ هذه خلافات سياسية ولا دخل لها بالحالات المذهبية، وهذا يدل على تخلّف.

هناك في لبنان مثقفون، ولكن هناك من قد يكون أستاذاً جامعياً ويكون متخلّفاً إلى أبعد درجات التخلّف أمام العصبيات المثارة، وإلا ما معنى هذا الأسلوب الذي يخطب فيه المشايخ سنّةً أو شيعةً، في الوقت الذي يعرفون أن المسألة سياسية وليست موجّهة ضد مذهب أو آخر، وهو ما يدل على أن هؤلاء الناس متخلّفون، سواء كانوا مشايخ أو شخصيات سياسية أو اجتماعية ـ وما يلقّاها إلا الذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظ عظيم} (فصّلت:34-35).

هذا هو كلام الله تعالى، وهذا هو الذي ندعو إليه؛ أن تبقى الوحدة الإسلامية تحكم علاقة المسلمين بعضهم ببعض، هذا ما نحاول أن نسير فيه بالإصلاح الذي لا بد من أن يجمع المسلمين جميعاً، ثم يجمع اللبنانيين جميعاً، والله يقول: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} (النساء:114)، وجاء في الحديث: "صدقة يحبّها الله؛ إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقارب بينهم إذا تباعدوا". هذا هو خط الوعي الإسلامي الذي لا بد من أن نأخذ به جميعاً حتى نصل إلى شاطئ الأمان.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا الموقف بالوحدة، وقفوا ضد كل من يريد أن يزرع الفتنة بين المسلمين أو يثير المشاكل بين اللبنانيين، لأن الاستكبار العالمي المتمثل بأمريكا وحلفائها الإقليميين والدوليين، يعملون على إثارة العصبيات ليقتل المسلم المسلم، وليهجّر المسلم المسلم، وهذا ما نواجهه على مستوى الواقع الدولي والإقليمي والمحلي، فماذا هناك؟

أمريكا وإعادة النظر في سياساتها العدوانية

لا تزال سياسة الإدارة الأمريكية، في حركتها السياسية والأمنية، تثير أكثر من مشكلة على صعيد المنطقة، وذلك بعد فقدانها للنصر الاستراتيجي في العراق الذي بشّر به رئيسها في أكثر من حديث له، مع أن هذا الاحتلال تسبب ولا يزال يتسبّب بالعديد من الكوارث لهذا البلد، بعدما أدّت إدارة المسؤولين الأمريكيين له إلى المزيد من النتائج السلبية، سواء على صعيد الوضع الداخلي فيه، أو على مستوى السياسة الأمريكية الخارجية. وهذا ما أدّى إلى سقوط وزير الدفاع الأمريكي، رامسفيلد، الذي أغرق القوات الأمريكية، من خلال إدارته للمسألة الأمنية والعسكرية، في الرمال المتحركة، بعدما فقد أفرادها القدرة على الثبات في مواقعهم بفعل الرفض الشعبي لها من جهة، والمقاومة الوطنية الشريفة من جهة أخرى، وهو ما أكدته توصيات لجنة بيكر ـ هاملتون الأخيرة.

وقد كان من خطة المحتل الأمريكي إثارة الحرب السياسية ضد سوريا وإيران، ومنعهما من الدخول في حلّ أمني وسياسي لما يتخبّط به العراق من المشاكل الصعبة، لأن هذه الإدارة كانت ـ ولا تزال ـ تعمل للضغط على هاتين الدولتين الجارتين للعراق، لمساعدتها في تقوية احتلالها واستمراره، وحتى تمتنعا عن تأييد الانتفاضة الفلسطينية التحريرية والمقاومة الوطنية اللبنانية، إلى جانب ما تريده من دعمهما للأمن الإسرائيلي الذي يمثّل استراتيجيتها في المنطقة...

ولكن هذه الإدارة بدأت تعيد النظر في سياستها العدوانية، وذلك من خلال تأكيد وزير الدفاع الجديد "غيتس" بأن الولايات المتحدة لا تحقّق نصرها المنشود في العراق، وتحذيره من أن الفشل الأمريكي في إحلال الاستقرار في العراق خلال العامين المقبلين قد يؤدي إلى تفجّر إقليمي في الشرق الأوسط، ورفضه مهاجمة سوريا وإيران، وتأييده لفتح قناة اتصال مع هاتين الدولتين اللتين رأى أنهما ستؤثّران في استقرار العراق على المدى الطويل، مقترحاً بأن تكون هذه القناة من خلال مؤتمر إقليمي دولي.

إنّ هذا التطوّر السياسي في رؤية المسؤولين الأمريكيين، يمكن أن تكون له مفاعيل إيجابية إذا تفهّمه الرئيس الأمريكي، بدلاً من البقاء على عناده الذي من شأنه أن يضاعف المأزق الأمريكي في المنطقة.

العراق بين مطرقة التكفيريين وسندان الاحتلال

ومن جانب آخر، فإننا لا نزال نعيش مأساة الشعب العراقي الذي تسقط منه الضحايا من المدنيين، وتُهتك فيه الحرمات، وتستباح فيه الدماء، من خلال التكفيريين وبقايا النظام السابق، تحت سمع الاحتلال الأمريكي وبصره. إننا ندعو العراقيين جميعاً إلى وعي النتائج الكارثية الناجمة عن عدم أخذهم بأسباب المصالحة الوطنية والوحدة الإسلامية والموقف الحازم ضد الاحتلال الذي لا بدّ من رفع الصوت عالياً للمطالبة بانسحابه، ولا تجوز المطالبة ببقائه من أيّ فريق، وإذا كان البعض يريد استمراره لتدريب الجيش وقوى الأمن، فإن ذلك قد يكون من خلال الدور الواسع للأمم المتحدة التي لا عقدة لدى الشعوب تجاهها... إننا نعتقد أن استمرار الاحتلال في العراق سوف يبقي المشكلة قائمة على أكثر من صعيد، بفعل حمايته للفوضى الأمنية، وإفساحه في المجال للموساد الإسرائيلي للعبث بمقدّرات العراق وبأوضاعه الأمنية.

أمريكا: هدنة لصالح إسرائيل

وإذا انتقلنا إلى السياسة الأمريكية في فلسطين، فإننا نلاحظ أنها تريد هدنة هناك، ولكن لحسابها وحساب إسرائيل، وفي الوقت نفسه، تريد أن تبقى إسرائيل طليقة اليد في اعتقال الفلسطينيين والتضييق عليهم واغتيال مجاهديهم في الضفة الغربية، وذلك من أجل تخفيف الضغط عن الدولة العبرية بعد تصاعد الانتقادات لها بفعل مسلسل جرائمها المتواصل. كذلك تسعى أمريكا لتبريد المسألة الفلسطينية وإعطاء الحكام العرب جرعة سياسية تمكّنهم من تصعيد حملتهم على إيران وتسليط الضوء عليها وجعلها في دائرة الاتهام السياسي والأمني حيال الأوضاع في العراق ولبنان، وإخراج إسرائيل من دائرة العداوة واعتبارها دولة سلام، في الوقت الذي تنفتح إيران على الدول العربية، ولاسيما دول الخليج، في حوار منفتح على قضايا الأمن في المنطقة كلها، من خلال علاقات الصداقة على الصعيد الإسلامي، وكدول جوار، ولاسيما في قضية العراق التي تمسّ أمنها وأوضاعها، كما تمسّ الأمن العربي والإسلامي كله، هذا مع التأكيد أنّ إيران لا تمثل خطراً مذهبياً على الالتزامات المذهبية للدول الأخرى، كما تحاول المخابرات الأمريكية التبشيرية أن توحي به...

إننا نريد للشعب الفلسطيني الصامد الصابر، أن يأخذ بأسباب وحدته الوطنية التي هي سرّ قوته وخلاصه، وأن يتابع مقاومته للاحتلال، ليزيد في الضغط على قواته بالطريقة التي تحركت بها المقاومة الإسلامية في لبنان، لأن الاحتلال لن ينسحب إلا بالمزيد من قوة الانتفاضة في استراتيجيتها الواسعة المرتكزة على الخطة الطويلة النفس في تكامل الشعب مع فصائله المجاهدة...

مصلحة أوروبا بعلاقات وثيقة مع إيران

ومن جانب آخر، فإننا نلاحظ أن بعض الدول الأوروبية بقيادة أمريكا، لا تزال تخطط للعقوبات ضد إيران للضغط عليها لإيقاف مشروعها النووي السلمي، ونحن ـ في دراستنا للمسألة ـ نجد أن هذا الأمر لن يكون في مصلحة هذه الدول، لأن مصلحتها هي في توثيق العلاقات مع المنطقة العربية والإسلامية، لا مع السياسة الأمريكية التي تريد استخدام أوروبا لتنفيذ استراتيجيتها العدوانية ضد مصالح الشعوب، ولذلك فإننا نريد لهم إعادة النظر في سياستهم الضاغطة على إيران وعلى سوريا، والمتحركة في الخط الأمريكي في الواقع اللبناني الذي يعمل لمصلحة إسرائيل ولا يملك منعها من العدوان اليومي على لبنان في الاختراقات الجوية وفي احتلالها لمزارع شبعا.

إن الشعوب العربية والإسلامية تريد علاقات صداقة واحترام متبادل وفهم للأوضاع السياسية بشكل واقعي مع الدول الأوروبية التي تملك الكثير من المصالح الحيوية في المنطقة.

لبنان: استخفاف بمصير البلد

أما في لبنان، فإننا نلاحظ أن الجمود لا يزال يسيطر على الواقع السياسي بفعل الذهنية الضيقة الحاكمة على الكثيرين ممن يديرون السياسة المحلية ويتطلعون إلى الخارج في تحريك أوضاع البلد، في الوقت الذي يعرف الجميع، أنّ الشعب هو الذي يرفع الصوت عالياً لدراسة المشاكل المستعصية التي تحيط بالبلد، وهو الذي يرفع المواقع ويصنعها. ولذلك لا بد من الانفتاح عليه بالعقل الواعي لمصالحه الحقيقية، بعيداً عن الحساسيات الطائفية والمذهبية التي يتاجر بها البعض، بفعل العصبية المذهبية أو الطائفية التي يوظّفها لمصلحة زعامته وتقويتها.

إننا نسمع الكثير من الدعوات إلى الحوار، ولكن التجربة دلّلت على أن الحوار لا يؤدّي إلى أية نتيجة إذا لم يملك المتحاورون روحية الانفتاح على الفريق الآخر وإيجاد عناصر الثقة به، كما أن الحديث عن العودة إلى المؤسسات لا يؤدي إلى نتيجة حاسمة أمام الجدل حول الشرعية الدستورية التي يثبّتها البعض وينفيها البعض الآخر، ما يجعل المسألة تبتعد عن القاعدة المشتركة التي تحكم الجميع.

وإننا نعتقد أن القضية ليست في أرقام الأعداد الكبيرة لجماهير المعارضة والموالاة، ولكنها في مسألة الانفتاح على الشعب كله في مصالحه الحيوية، عندما يلتقي الجميع في حكومة وحدة وطنية لا يلغي فيها فريق فريقاً آخر، ويتحقّق التواصل والتكامل في دراسة كل المشاريع الحيوية والقضايا المصيرية، لأننا إذا فقدنا هذا الخط المنفتح على الواقع السياسي كله من موقع الثقة المتبادلة بوطنية الجميع، فلن يفيدنا الثلث الذي يزيد واحداً أو ينقص واحداً، لأن الجدل سوف يحرق كل التفاهم في الداخل والخارج.

إننا نقول في الصرخة المسؤولة للجميع: ارحموا لبنان الذي أغرقتموه في الرمال التائهة، ولن تربحوا شيئاً من كل الصراع الذي تحركه أمريكا وحلفاؤها.

إننا نقولها للجميع: الله الله في سلامة الوطن، والله الله في مستقبل أجياله، لأننا نخشى أمام هذا الاستخفاف بمصير البلد، وأمام هذا الاستغراق فيما يريده الخارج، أن نصل إلى الهاوية ليسقط الهيكل على رؤوس الجميع.

نحو علاقات سليمة في المجتمع:
عبر الدعوة بالتي هي أحسن والحكمة


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} (النحل:125). في هذه الآية الكريمة، يوجّه الله تعالى الناس كافة، ولاسيما الدعاة إلى الله سبحانه، أنّهم إذا أرادوا أن يبلّغوا رسالاتهم، وأن يطلقوا أفكارهم للآخرين الذين يختلفون معهم في الدين أو في الفكر أو في الموقف، فينبغي أن يكون أسلوبهم في الدعوة على أساس الحكمة، والمراد بالحكمة هو وضع الشيء في موضعه؛ أن يدرس الداعية الناس الذين يريد دعوتهم وخطابهم وإقناعهم، على المستوى الفكري وأوضاعهم النفسية، وأن يدرس الظروف المحيطة بالدعوة، ليعتمد الأسلوب الذي يفتح عقول الناس وقلوبهم على ما يريد مخاطبتهم به، وأن لا يجعل من خطابه خطاباً مثيراً للمشكلة وللحساسيات المذهبية أو الطائفية أو ما إلى ذلك.

فالله يقول: {ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة ـ وقد حدثنا الله في أكثر من آية أنه أرسل رسوله بالكتاب والحكمة، لأن الحكمة تمثل حركة الدعوة على مستوى التطبيق بعدما ركز الكتاب النظرية ـ والموعظة الحسنة ـ التي تلامس العقل بحيث يرتاح لمضمونها الفكري، وتخاطب القلب وتنفتح على الإحساس والشعور، بحيث تهندس الطريق إلى ذهنية الإنسان لكي يستمع براحة وينفتح على ما يُدعى إليه ـ وجادلهم بالتي هي أحسن}، فإذا اصطدمت بالناس الذين يخالفونك الرأي، سواء كانوا من المشركين أو الملحدين أو من أهل الكتاب، أو ممن تختلف معهم في بعض الخطوط المذهبية الفقهية والكلامية، وأردت أن تدخل في حوار معهم لتجادلهم حول ما يلتزمونه من رأي، وحول ما تدعوهم إليه من فكر، فإن عليك أن تختار الأسلوب الأحسن والكلمة الأحسن والمناخ الأحسن؛ أن لا يكون جدالك مع الآخرين بالقسوة والعنف.

قول التي هي أحسن

وهذا ما كان النبي(ص) يمارسه في دعوته، وقد عبّر الله تعالى عن ذلك بقوله: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك} (آل عمران:159). إن مسؤوليتك، أيها الداعية إلى الله، أن تتَّبع مع الناس كل الأساليب التي يمكن أن تقنعهم وتجعلهم يؤمنون بما تؤمن به، أما أن يهتدوا أو لا يهتدوا نتيجة بعض الرواسب التي قد يخضعون لها، أو بعض الظروف التي تحيط بهم، أو نتيجة العناد الذي يتحركون به، فذلك ليس مسؤوليتك، والله تعالى قال لنبيّه: {فذكّر إنما أنت مذكّر* لست عليهم بمسيطر} (الغاشية:21-22). إنَّ المسألة هي أن تبذل كل جهدك في الوصول إلى النتائج الإيجابية في إقناع الآخرين، أما أن يقتنعوا أو لا يقتنعوا فتلك ليست مسؤوليتك.

وفي آية أخرى، نلاحظ أن الله تعالى دعا كل الناس إلى اختيار الكلمة الأحسن: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ـ إذا أردت أن تتكلم في البيت أو في المجتمع المتنوّع أو الموحَّد، حاول قبل أن تطلق الكلمة أن تدرس الكلمات التي تعبّر عما تريد بيانه، فقد تكون بعض الكلمات مثيرةً أو منفتحةً ـ إن الشيطان ينزغ بينهم ـ فالشيطان يدخل في عبّ الكلمات ليفتش عن كل عناصر الإثارة في هذه الكلمة أو تلك ـ إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً} (الإسراء:53)، فلا ينبغي لك أن تتكلّم بالفكرة بمجرّد أن تنطلق في ذهنك، بل عليك أوّلاً أن تصوغها بما يجمع ولا يفرّق، ويوحِّد ولا يقسِّم.

سُبُل مواجهة المشاكل

وفي آية أخرى، يتحدث الله تعالى عن كيفية مواجهة الإنسان للمشاكل التي تصيبه، فليس هناك شخص إلا وقد يصطدم بالآخر؛ في البيت أو في المجتمع. ونلاحظ أننا في كل يوم نتابع فيه الخلافات الموجودة عند الناس، نجد حالة صدام في الأفكار، حتى وصل الأمر بالبعض إلى أن يعبّر عن الخلافات بـ"صدام الحضارات". فالله تعالى يعلّمنا كيف يمكن أن نواجه حالة الصدام، وكيف نحلّ المشاكل الناتجة عنها. يقول تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ـ هناك الأسلوب الهادئ وهو الحسنة، وهناك أسلوب العنف الصارخ الذي يسيء إلى الآخر، وهو السيّئة ـ ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم ـ فتّش عن الطريقة التي تحوّل فيها عدوّك إلى صديق، لا على طريقة الذين يحوّلون أصدقاءهم إلى أعداء؛ دورك كعضو في العائلة والمجتمع أن تفتح عقول الناس على الحل الأمثل الذي تريد أن تركّزه.

ولذلك كنا دائماً نقول للذين يحاوروننا من الشرق والغرب، إن الإسلام يدعونا إلى أن نصادق العالم، وإذا واجهنا أية مشكلة، فإننا نواجهها بالطريقة التي تنزع العداوة من قلوب من يخالفنا. وهذه القضية صعبة تحتاج إلى جهد نفسي، ولاسيما أمام العصبيات الدينية والمذهبية والحزبية والعشائرية، لأن العصبية تجعل الإنسان يعيش ذهنية تدمير الآخر، لذلك يبادر البعض إلى التعبير عن ذلك بالسبّ واللعن. فالله يدعونا إلى أن نملك الحظ الكبير من الوعي والصبر، لكي نأكل العنب لا أن نقتل الناطور، ولكن البعض يريد أن يقتل الناطور الطائفي والمذهبي والحزبي والعشائري، ولاسيما أمام ما يثيره البعض من العصبية السنّية الشيعية. فهل عندما يعارض شخص رئيس الوزراء مثلاً، فإنه يعارض السنّة؟! أو عندما يعارض أحد رئيس المجلس النيابي أو رئيس الجمهورية، فهل يعني ذلك أنه يعارض طائفته؟ هذه خلافات سياسية ولا دخل لها بالحالات المذهبية، وهذا يدل على تخلّف.

هناك في لبنان مثقفون، ولكن هناك من قد يكون أستاذاً جامعياً ويكون متخلّفاً إلى أبعد درجات التخلّف أمام العصبيات المثارة، وإلا ما معنى هذا الأسلوب الذي يخطب فيه المشايخ سنّةً أو شيعةً، في الوقت الذي يعرفون أن المسألة سياسية وليست موجّهة ضد مذهب أو آخر، وهو ما يدل على أن هؤلاء الناس متخلّفون، سواء كانوا مشايخ أو شخصيات سياسية أو اجتماعية ـ وما يلقّاها إلا الذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظ عظيم} (فصّلت:34-35).

هذا هو كلام الله تعالى، وهذا هو الذي ندعو إليه؛ أن تبقى الوحدة الإسلامية تحكم علاقة المسلمين بعضهم ببعض، هذا ما نحاول أن نسير فيه بالإصلاح الذي لا بد من أن يجمع المسلمين جميعاً، ثم يجمع اللبنانيين جميعاً، والله يقول: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} (النساء:114)، وجاء في الحديث: "صدقة يحبّها الله؛ إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقارب بينهم إذا تباعدوا". هذا هو خط الوعي الإسلامي الذي لا بد من أن نأخذ به جميعاً حتى نصل إلى شاطئ الأمان.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا الموقف بالوحدة، وقفوا ضد كل من يريد أن يزرع الفتنة بين المسلمين أو يثير المشاكل بين اللبنانيين، لأن الاستكبار العالمي المتمثل بأمريكا وحلفائها الإقليميين والدوليين، يعملون على إثارة العصبيات ليقتل المسلم المسلم، وليهجّر المسلم المسلم، وهذا ما نواجهه على مستوى الواقع الدولي والإقليمي والمحلي، فماذا هناك؟

أمريكا وإعادة النظر في سياساتها العدوانية

لا تزال سياسة الإدارة الأمريكية، في حركتها السياسية والأمنية، تثير أكثر من مشكلة على صعيد المنطقة، وذلك بعد فقدانها للنصر الاستراتيجي في العراق الذي بشّر به رئيسها في أكثر من حديث له، مع أن هذا الاحتلال تسبب ولا يزال يتسبّب بالعديد من الكوارث لهذا البلد، بعدما أدّت إدارة المسؤولين الأمريكيين له إلى المزيد من النتائج السلبية، سواء على صعيد الوضع الداخلي فيه، أو على مستوى السياسة الأمريكية الخارجية. وهذا ما أدّى إلى سقوط وزير الدفاع الأمريكي، رامسفيلد، الذي أغرق القوات الأمريكية، من خلال إدارته للمسألة الأمنية والعسكرية، في الرمال المتحركة، بعدما فقد أفرادها القدرة على الثبات في مواقعهم بفعل الرفض الشعبي لها من جهة، والمقاومة الوطنية الشريفة من جهة أخرى، وهو ما أكدته توصيات لجنة بيكر ـ هاملتون الأخيرة.

وقد كان من خطة المحتل الأمريكي إثارة الحرب السياسية ضد سوريا وإيران، ومنعهما من الدخول في حلّ أمني وسياسي لما يتخبّط به العراق من المشاكل الصعبة، لأن هذه الإدارة كانت ـ ولا تزال ـ تعمل للضغط على هاتين الدولتين الجارتين للعراق، لمساعدتها في تقوية احتلالها واستمراره، وحتى تمتنعا عن تأييد الانتفاضة الفلسطينية التحريرية والمقاومة الوطنية اللبنانية، إلى جانب ما تريده من دعمهما للأمن الإسرائيلي الذي يمثّل استراتيجيتها في المنطقة...

ولكن هذه الإدارة بدأت تعيد النظر في سياستها العدوانية، وذلك من خلال تأكيد وزير الدفاع الجديد "غيتس" بأن الولايات المتحدة لا تحقّق نصرها المنشود في العراق، وتحذيره من أن الفشل الأمريكي في إحلال الاستقرار في العراق خلال العامين المقبلين قد يؤدي إلى تفجّر إقليمي في الشرق الأوسط، ورفضه مهاجمة سوريا وإيران، وتأييده لفتح قناة اتصال مع هاتين الدولتين اللتين رأى أنهما ستؤثّران في استقرار العراق على المدى الطويل، مقترحاً بأن تكون هذه القناة من خلال مؤتمر إقليمي دولي.

إنّ هذا التطوّر السياسي في رؤية المسؤولين الأمريكيين، يمكن أن تكون له مفاعيل إيجابية إذا تفهّمه الرئيس الأمريكي، بدلاً من البقاء على عناده الذي من شأنه أن يضاعف المأزق الأمريكي في المنطقة.

العراق بين مطرقة التكفيريين وسندان الاحتلال

ومن جانب آخر، فإننا لا نزال نعيش مأساة الشعب العراقي الذي تسقط منه الضحايا من المدنيين، وتُهتك فيه الحرمات، وتستباح فيه الدماء، من خلال التكفيريين وبقايا النظام السابق، تحت سمع الاحتلال الأمريكي وبصره. إننا ندعو العراقيين جميعاً إلى وعي النتائج الكارثية الناجمة عن عدم أخذهم بأسباب المصالحة الوطنية والوحدة الإسلامية والموقف الحازم ضد الاحتلال الذي لا بدّ من رفع الصوت عالياً للمطالبة بانسحابه، ولا تجوز المطالبة ببقائه من أيّ فريق، وإذا كان البعض يريد استمراره لتدريب الجيش وقوى الأمن، فإن ذلك قد يكون من خلال الدور الواسع للأمم المتحدة التي لا عقدة لدى الشعوب تجاهها... إننا نعتقد أن استمرار الاحتلال في العراق سوف يبقي المشكلة قائمة على أكثر من صعيد، بفعل حمايته للفوضى الأمنية، وإفساحه في المجال للموساد الإسرائيلي للعبث بمقدّرات العراق وبأوضاعه الأمنية.

أمريكا: هدنة لصالح إسرائيل

وإذا انتقلنا إلى السياسة الأمريكية في فلسطين، فإننا نلاحظ أنها تريد هدنة هناك، ولكن لحسابها وحساب إسرائيل، وفي الوقت نفسه، تريد أن تبقى إسرائيل طليقة اليد في اعتقال الفلسطينيين والتضييق عليهم واغتيال مجاهديهم في الضفة الغربية، وذلك من أجل تخفيف الضغط عن الدولة العبرية بعد تصاعد الانتقادات لها بفعل مسلسل جرائمها المتواصل. كذلك تسعى أمريكا لتبريد المسألة الفلسطينية وإعطاء الحكام العرب جرعة سياسية تمكّنهم من تصعيد حملتهم على إيران وتسليط الضوء عليها وجعلها في دائرة الاتهام السياسي والأمني حيال الأوضاع في العراق ولبنان، وإخراج إسرائيل من دائرة العداوة واعتبارها دولة سلام، في الوقت الذي تنفتح إيران على الدول العربية، ولاسيما دول الخليج، في حوار منفتح على قضايا الأمن في المنطقة كلها، من خلال علاقات الصداقة على الصعيد الإسلامي، وكدول جوار، ولاسيما في قضية العراق التي تمسّ أمنها وأوضاعها، كما تمسّ الأمن العربي والإسلامي كله، هذا مع التأكيد أنّ إيران لا تمثل خطراً مذهبياً على الالتزامات المذهبية للدول الأخرى، كما تحاول المخابرات الأمريكية التبشيرية أن توحي به...

إننا نريد للشعب الفلسطيني الصامد الصابر، أن يأخذ بأسباب وحدته الوطنية التي هي سرّ قوته وخلاصه، وأن يتابع مقاومته للاحتلال، ليزيد في الضغط على قواته بالطريقة التي تحركت بها المقاومة الإسلامية في لبنان، لأن الاحتلال لن ينسحب إلا بالمزيد من قوة الانتفاضة في استراتيجيتها الواسعة المرتكزة على الخطة الطويلة النفس في تكامل الشعب مع فصائله المجاهدة...

مصلحة أوروبا بعلاقات وثيقة مع إيران

ومن جانب آخر، فإننا نلاحظ أن بعض الدول الأوروبية بقيادة أمريكا، لا تزال تخطط للعقوبات ضد إيران للضغط عليها لإيقاف مشروعها النووي السلمي، ونحن ـ في دراستنا للمسألة ـ نجد أن هذا الأمر لن يكون في مصلحة هذه الدول، لأن مصلحتها هي في توثيق العلاقات مع المنطقة العربية والإسلامية، لا مع السياسة الأمريكية التي تريد استخدام أوروبا لتنفيذ استراتيجيتها العدوانية ضد مصالح الشعوب، ولذلك فإننا نريد لهم إعادة النظر في سياستهم الضاغطة على إيران وعلى سوريا، والمتحركة في الخط الأمريكي في الواقع اللبناني الذي يعمل لمصلحة إسرائيل ولا يملك منعها من العدوان اليومي على لبنان في الاختراقات الجوية وفي احتلالها لمزارع شبعا.

إن الشعوب العربية والإسلامية تريد علاقات صداقة واحترام متبادل وفهم للأوضاع السياسية بشكل واقعي مع الدول الأوروبية التي تملك الكثير من المصالح الحيوية في المنطقة.

لبنان: استخفاف بمصير البلد

أما في لبنان، فإننا نلاحظ أن الجمود لا يزال يسيطر على الواقع السياسي بفعل الذهنية الضيقة الحاكمة على الكثيرين ممن يديرون السياسة المحلية ويتطلعون إلى الخارج في تحريك أوضاع البلد، في الوقت الذي يعرف الجميع، أنّ الشعب هو الذي يرفع الصوت عالياً لدراسة المشاكل المستعصية التي تحيط بالبلد، وهو الذي يرفع المواقع ويصنعها. ولذلك لا بد من الانفتاح عليه بالعقل الواعي لمصالحه الحقيقية، بعيداً عن الحساسيات الطائفية والمذهبية التي يتاجر بها البعض، بفعل العصبية المذهبية أو الطائفية التي يوظّفها لمصلحة زعامته وتقويتها.

إننا نسمع الكثير من الدعوات إلى الحوار، ولكن التجربة دلّلت على أن الحوار لا يؤدّي إلى أية نتيجة إذا لم يملك المتحاورون روحية الانفتاح على الفريق الآخر وإيجاد عناصر الثقة به، كما أن الحديث عن العودة إلى المؤسسات لا يؤدي إلى نتيجة حاسمة أمام الجدل حول الشرعية الدستورية التي يثبّتها البعض وينفيها البعض الآخر، ما يجعل المسألة تبتعد عن القاعدة المشتركة التي تحكم الجميع.

وإننا نعتقد أن القضية ليست في أرقام الأعداد الكبيرة لجماهير المعارضة والموالاة، ولكنها في مسألة الانفتاح على الشعب كله في مصالحه الحيوية، عندما يلتقي الجميع في حكومة وحدة وطنية لا يلغي فيها فريق فريقاً آخر، ويتحقّق التواصل والتكامل في دراسة كل المشاريع الحيوية والقضايا المصيرية، لأننا إذا فقدنا هذا الخط المنفتح على الواقع السياسي كله من موقع الثقة المتبادلة بوطنية الجميع، فلن يفيدنا الثلث الذي يزيد واحداً أو ينقص واحداً، لأن الجدل سوف يحرق كل التفاهم في الداخل والخارج.

إننا نقول في الصرخة المسؤولة للجميع: ارحموا لبنان الذي أغرقتموه في الرمال التائهة، ولن تربحوا شيئاً من كل الصراع الذي تحركه أمريكا وحلفاؤها.

إننا نقولها للجميع: الله الله في سلامة الوطن، والله الله في مستقبل أجياله، لأننا نخشى أمام هذا الاستخفاف بمصير البلد، وأمام هذا الاستغراق فيما يريده الخارج، أن نصل إلى الهاوية ليسقط الهيكل على رؤوس الجميع.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير