الفساد مدمِّر للإنسان والمجتمع مواجهة الفساد تعمِّر المجتمع وتبنيه

الفساد مدمِّر للإنسان والمجتمع مواجهة الفساد تعمِّر المجتمع وتبنيه

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة لسماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله

ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

الفساد مدمِّر للإنسان والمجتمع

مواجهة الفساد تعمِّر المجتمع وتبنيه

فساد الواقع

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41].

يتحدث الله سبحانه وتعالى في هذه الآية وفي غيرها من الآيات، عن الفساد الذي يعيشه الناس، أفراداً وجماعاتٍ، سواء كان هذا الفساد فساداً اجتماعياً، عندما يعيش الناس حالات التمزّق، والفرقة، والاختلاف، والتباغض، والتقاطع، والتحاقد والعداوة والبغضاء، أو كان فساداً سياسياً، عندما يتسلط على الأمة من لا يملك الإخلاص لها، ولا يملك المعرفة في إدارة شؤونها، ولا الاستقامة في الخطوط التي يحرّكها ويتحرك بها، ما يجعل قضايا الحكم والسلطة تنطلق في خط الفساد في القضايا الحيوية التي ترتبط بكيان الأمة وعزتها وحريتها.

وهناك الفساد الاقتصادي، وذلك عندما يسيطر أصحاب الثروات الكبيرة أو الصغيرة على الواقع المالي والمعيشي والاقتصادي، فيستغلون ما يملكونه من قوةٍ اقتصادية ليضغطوا على الفقراء والضعفاء، لاستغلالهم في حاجاتهم الخاصة والعامة، وقد تتطوّر الأمور بفعل هذه القوة والسيطرة إلى مصادرتهم ثروات الأمة، ومنهما الثروات الموجودة في باطن الأرض، كالثروات النفطية أو المعادن أو غيرها، حتى يستولوا بمختلف الوسائل الإقطاعية على الأرض، ليستغلوها لحساباتهم الخاصة، وليمنعوا الفقراء من استثمارها إلا في مصلحة الأغنياء. وقد صوّر الإمام عليّ (ع) هذه الحال بقوله: "ما جاع فقير إلا بما مُتّع به غني"، لأنّ الأغنياء عندما يستخدمون الأموال في لذّاتهم وشهواتهم، وعندما يحتكرون ما يحتاجه الناس من ضرورات الحياة، عند ذلك يجوع الفقراء.

فساد الإنسان اختياري

والله سبحانه وتعالى يريد أن يؤكد في هذه الآية، أن مسألة الفساد، سواء كان سياسياًَ أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو أمنياً، في قضايا الحرب والسلم، ليست مسألة يصيب بها الله الناس بشكل مباشر، ولكنها تنطلق بحسب النظام الذي وضعه الله للكون كله، وبحسب تعامل الناس مع الطاقات الموجودة في أرجائه، فالفساد، وفق ذلك، ينطلق من خلال ما كسبت أيدي الناس، فهم الذين يأخذون بعناصر الفساد الموجودة في المجتمع حتى يفسدوا حياة الناس في جميع أوضاعهم وحاجاتهم وتطلعاتهم وخططهم.

فالله تعالى يقول إنّ هؤلاء الناس يتألمون عندما تفسد حياتهم بأنواع الفساد، ولكن هذه الآلام التي يعانونها لم يفرضها الله عليهم، بل هم فرضوها على أنفسهم، باختيارهم الأسباب التي تنتج الفساد حتماً. ولهذا، فإن كثيراً من الناس عندما يواجهون هذا الاختلال في أوضاعهم، يعتبرون أنّ الله أنزل عليهم ذلك بشكل مباشر، ولكن الله تعالى يبيّن أن لحياة الناس نظاماً، وأنّ لكل شيء قدراً وسبباً، وذلك في قوله: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ـ أي أنّ الناس هم الذين أوقعوا أنفسهم في هذا الفساد ـ ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}، لعلهم إذا عرفوا النتائج، وعانوا من الآلام المترتبة، يغيّرون طريقتهم وأفعالهم وأعمالهم.

الآثار النفسية والاجتماعية للفساد

وقد جاء عن رسول الله(ص)، أن العذاب يعمّ الناس كلهم، حتى لو لم يكونوا هم من مارسوا الفساد، إذا كانوا لا ينكرون على المفسدين ما يقومون به من فساد وضلال. يقول(ص): "إن المعصية إذا عَمِل بها العبد سراً ـ إذا شرب الخمر أو مارس بعض المعاصي بشكل سري ـ لم تضرّ إلا عاملها، وإذا عَمِل بها علانيةً ـ كالذين يبيعون الخمر، أو يشيعون الفاحشة والرذيلة، أو يعينون الظالم على ظلمه أو ما إلى ذلك ـ ولم يغيّر عليه ـ لم يبادروا إلى إنكار ذلك عليه ـ أضرَّت بالعامة".

ويقول النبي(ص): "إن الله لا يعذّب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه، فإذا فعلوا ذلك، عذّب الله العامة والخاصة".

وفي مسألة الاختلافات في الأمة، يقول(ص): "ما اختلفت أمة بعد نبيّها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها". فنحن نعيش الخلافات في الواقع الإسلامي كله، سواء الخلافات المذهبية أو العرقية أو الحزبية أو ما إلى ذلك، بفعل العصبيات التي استحدثناها، بحيث يستغل أهل الباطل هذا الصراع الداخلي الذي يدفع المسلمين إلى أن يقتلوا بعضهم بعضاً، ويكفّروا بعضهم بعضاً، ما يفسح في المجال أمام أهل الباطل للسيطرة على الواقع كله، لأن أهل الحق مشغولون بعصبياتهم وخلافاتهم.

ويقول(ص) في مسألة إعانة الضعفاء للوقوف في وجه الأقوياء ومنعهم من أن يظلموهم أو يأخذوا حقوقهم: "كيف يقدّس الله قوماً لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم". ويقول(ص): "لن تُقدّس أمة لا يؤخذ للضعيف حقه من القوي وهو غير متعتع".

وفي حديث الإمام عليّ(ع): "أما بعد، فإنما أهلك من كان قبلكم ـ لماذا سقطت الحضارات السابقة والأمم السابقة؟ ـ أنهم منعوا الناس الحق فاشتروه ـ منعوا الناس الحق بكل أنواعه ومصادره ومواقعه، فاضطروا لأن يأخذوا حقوقهم بدفع الرشاوى إلى من يملك إمكانية إعطاء الحق، فلم يضعوا الأمور في مواضعها، ولا ولّوا الولايات مستحقيها ـ وأخذوهم بالباطل فاقتدوه" أي أنهم حملوهم على الباطل، حتى جاء الخلف من بعدهم، فاقتدوا بما أخذ به الآباء، ظناً منهم أنه حقّ.

مسؤوليـة البـذل

وفي كلام لعليّ(ع) يحمّل فيه المسؤولية لكل من يملك القدرة على بذل ما يحتاجه الناس، يقول(ع): "قوام الدنيا بأربعة: عالِم يستعمل علمه ـ لا يبخل على الناس بعلمه، ولا يعيش خارج نطاق الواقع، ولاسيما أن الناس يحتاجون إلى من يعظهم ويرشدهم ويدلهم على الطريق المستقيم ـ وجاهل لا يستنكف أن يتعلّم ـ لأن من حق الله على الجهّال أن يأخذوا بأسباب العلم والمعرفة، والقرآن الكريم يؤكد في أكثر من آية، أن ضلال الناس وكفرهم إنما ينطلق من خلال أنهم لا يعلمون ولا يفقهون ـ وجواد لا يبخل بمعروفه ـ وهو الإنسان الكريم الذي يبذل من ماله وقوته لمن يحتاجهما ـ وفقير لا يبيع آخرته بدنياه ـ بحيث يكون عزيز النفس، فلا يسقط أمام حاجاته ـ فإذا ضيّع العالِم علمه، استنكف الجاهل أن يتعلّم، وإذا بخل الغني بمعروفه، باع الفقير آخرته بدنياه".

إننا مسؤولون في هذه الحياة الدنيا، كل بحسب قدرته وطاقته، عن مواجهة الفساد في الأرض، حتى تعمر الأرض بأهلها، وحتى نكون في مستوى الدور الذي أوكله الله سبحانه وتعالى إلينا في بناء الحياة بكل ما يرفع مستوى الإنسان فيها.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

الكيان الصهيوني: توسيع دائرة التهويد

تدخل الحملة الصهيونية ضد الفلسطينيين مرحلةً جديدةً في ظل الاستهداف المباشر لفلسطينيي العام 1948، وخصوصاً في مدينة عكا، التي أحرق المستوطنون الصهاينة العديد من منازل العرب فيها، بتغطية وتواطؤ من سلطات العدو التي تريد للمستوطنين أن يقودوا الهجمة الجديدة داخل عكا بعدما بدأوها في الضفة.

ويبدو أن الهدف الأساس لهذه الحملة هو ترحيل العرب من قراهم ومدنهم لإقامة "الدولة اليهودية النقيّة"، كما وعد الرئيس الأميركي "جورج بوش"، الذي لا يزال يمارس دور الحاخام الأكبر في تأمين الغطاء للإرهاب الإسرائيلي المتواصل ضد الفلسطينيين، والإفساح في المجال لاضطهاد عرقي عنصري حاقد ضد العرب في القدس وبقية الأرض الفلسطينية.

ومن اللافت أننا لم نسمع أصواتاً عربيةً أو فلسطينيةً في دائرة السلطة لإثارة المسألة على مستوى دوليّ، ولم نجد أيّ اهتمام من اللجنة الرباعية الدولية التي تستمر في خداعها بالحديث عن خريطة الطريق، فيما تراوح المصالحة الفلسطينية مكانها ولا تتقدّم خطواتها العملية، رغم كل حالات الضغط والحصار والإرهاب التي يمارسها العدو ضد الفلسطينيين.

فلسطين: أولويات المصالحة الداخلية والانتفاضة

ونحن في الوقت الذي نتمنى أن تحظى الجهود المصرية في مسألة المصالحة بنجاحٍ يعيد الوحدة الوطنية الفلسطينية، ويؤسس لحكومة ائتلافية تخدم شعبها، وتعيد حركة التحرير إلى موقعها الطبيعي الذي يواجه الاحتلال من موقع واحد، نريد للجامعة العربية أن تتحرك لحماية الفلسطينيين وتسهيل المصالحة الفلسطينية الداخلية، وأن تمارس دورها في إثارة ما يتعرضون له من إرهاب وضغط أمام المحافل الدولية، وخصوصاً الاتحاد الأوروبي.

ونريد للمقاومة الفلسطينية أن تبقى في حال جهوزية تامة لمواجهة العدوّ، في ظل الأوضاع المعقّدة التي تحيط بقضيتهم، وفي ظل استمرار الدعم الأميركي الأعمى للكيان الصهيوني، والذي نخشى أن يتزايد مع الإدارة الجديدة بعدما استمعنا إلى المرشحين الجمهوري والديمقراطي، وهما يتحدثان عن إسرائيل كما لو كانت الدولة التي تخضع لها أميركا، بينما يدور الحديث عن المقاومة بأنها حركة إرهاب لا بدّ من محاصرة شعبها والضغط على فصائلها والتحرك الوحشي الأمني والاقتصادي والسياسي ضدّها...

إننا لا نرى تحريراً لفلسطين من الاحتلال اليهودي المتحالف مع الخط الأمريكي بعيداً من الانتفاضة في خطتها التحريرية التي تربك كيان العدو وتمنعه من الاستقرار، وخصوصاً إذا تضافرت جهودها مع جهود الأحرار في العالم العربي ـ الإسلامي ضد السياسة الأمريكية والإسرائيلية.

أين فلسطين القضية في مؤتمر القدس؟

وقد انعقد في الدوحة قبل أيام مؤتمر للقدس دعا إلى كسر الحصار عن فلسطين، ومواجهة آلة التدمير الصهيونية وما تقوم به من تجريف تحت المسجد الأقصى، مع الإصرار على أن تتراجع الخلافات المذهبية بين السنّة والشيعة إلى مرتبة ثانوية أمام قضيّة القدس... كما دعا الأمة العربية والإسلامية وحكّامها إلى تحدي الخوف وكسر الحصار الظالم على فلسطين وعلى قطاع غزة...

إننا نلاحظ أن مثل هذه المؤتمرات لا تتحرك بخطوة واحدة نحو القضية الفلسطينية في أبعادها السياسية على المستوى الإقليمي والدولي، فما زال الغرب، وفي مقدمه أمريكا، يخطط لتهويد فلسطين بالتأكيد على الدولة اليهودية العنصرية التي تجتاح أكثر أراضيها من دون أي ضغط عربي وإسلامي فاعل، لأن المسؤولين في واقع الأمة اكتفوا بالتصريحات والاحتفالات والقرارات الاستهلاكية حفاظاً على ماء الوجه أمام شعوبهم، وخضوعاً للسياسة الأمريكية التي تضغط على أوضاعهم السياسية، حتى تضيع البقية الباقية من فلسطين، وتتحوّل مسألة القدس ـ المسجد والمدينة والمنطقة ـ إلى انهيارات متلاحقة تموت فيها القضية وتضيع كما ضاعت الأندلس، ولاسيما أن بعض المشرفين على مؤتمر القدس ما زالوا يشغلون الأمة بالاتهامات المثيرة في غزو مذهب لمذهب، بدلاً من التركيز على غزو إسرائيل لفلسطين، وغزو الاستكبار الغربي للعالم الإسلامي. فالعصبية المذهبية عند بعض الرموز، ترقى إلى مستوى أعلى من الالتزام بالوحدة والسلامة الإسلامية، لينسى المسلمون، بفعل هذه الإثارة العصبية التي تتحرك بالجدل حول المذهب، كلّ قضايا الواقع المعاصر في حركة التحديات الخطيرة ضد كلّ الأوضاع الإسلامية.

ومن جانب آخر، فإنّ الأوضاع الأمنية لا تزال تسيطر بأخطارها الكبرى على المنطقة الإسلامية في أفغانستان وباكستان، حيث يسقط الكثير من الضحايا بفعل القصف الأمريكي والأطلسي الذي يصيب المدنيين والأطفال في بيوتهم الآمنة، ثم يبادرون إلى تبرير ذلك بالحديث عن الخطأ الذي حصل، أو بالأكاذيب الإخبارية، بأنهم كانوا يقصفون الإرهابيين.

العراق: فوضى أمنية بأدوات تكفيرية

وهكذا تمتد الكارثة إلى العراق المحتل الذي يسقط في كل يوم المزيد من العراقيين الأبرياء، بالتفجيرات الوحشية/ والعمليات الانتحارية التي تشارك فيها النساء اللاتي يخدعهنّ الوحوش من التكفيريين، إضافةً إلى التعقيدات الداخلية في إلحاق هذه المدينة أو تلك بإقليم كردستان أو بالمناطق العربية، ما يؤدي إلى خلل في العلاقات السياسية، أو يؤدّي إلى التجاذب بين السلطات الأمنية في حكومة المركز أو الإقليم. هذا إلى جانب الأوضاع القلقة التي تحكم العملية السياسية في الاختلافات الكثيرة التي تضعف البلد كله، ولا سيما في المرحلة التي تسبق الانتخابات.

ومن جهة أخرى، فإن العراق الذي عاش التعايش الإسلامي ـ المسيحي في تاريخه، فضلاً عن العيش المشترك بين الفئات المختلفة دينياً ومذهبياً، قد واجه في هذه المرحلة اعتداءً على المسيحيين أدى إلى مقتل 11 مسيحياً خلال عشرة أيام، وتفجيراً لثلاثة منازل في الموصل، وتهديداً بقتل أبناء الطائفة إذا لم يرحلوا، وذلك بفعٍل المتطرفين والمتعصبين من التكفيريين، إضافةً إلى بعض القوى السياسية التي لا تريد للعراق أن يعيش الوحدة والاستقرار في تنوعاته الدينية والمذهبية. وقد أدى هذا الوضع الكارثي إلى عملية نزوح جماعي لمئات العائلات.

إننا ندين هذا العمل الشنيع الذي لا يقبله أي منطق إنساني وأيّ دين سماوي، وندعو إلى إيجاد علاقات طبيعية بين المسلمين والمسيحيين في كل المنطقة العربية تقوم على الحوار والاحترام المتبادل. ونحن نقدّر، في الوقت نفسه، مبادرة الحكومة العراقية، بالدفع باتجاه إجراء تحقيق فوري حول هذا الموضوع، واتخاذ الإجراءات الفورية واللازمة لإعادة العائلات المسيحية التي تم تهجيرها خلال الأيام الماضية، وحمايتها من أي عدوان جديد، ولا بدّ للجميع من أن يعرفوا حقيقة الاعتداءات الواقعة في العراق، فهي ليست صراعاً بين المسيحيين والمسلمين، بل هي مشكلة أمنية تصيب جميع العراقيين من قِبَل الاحتلال والجهات التكفيرية وجهات سياسية تستفيد من هذه الأوضاع لحساب مشاريعها الخاصة. ولذلك، فلا مجال لاستغلال هذه الأحداث المؤلمة في مسألة التخطيط لإزالة الوجود المسيحي في المنطقة.

لبنان: أولويات الأمن الاجتماعي والسياسي والاستقرار الداخلي

أما في لبنان، فإننا في الوقت الذي نشعر بشيء من الارتياح لكوننا لم نتأثر داخلياً بالأزمة المالية العالمية، فإننا نتساءل عن مئات المليارات العربية التي ابتلعتها هذه الأزمة، والتي كانت كفيلةً بحلّ مشاكل الفقر والمديونية في العالم العربي، وخصوصاً في لبنان الذي لا تزال الوعود العربية تنـزل عليه من كل حدب وصوب لحلّ مشاكله الكثيرة في المديونية، أو في مسألة الكهرباء، أو في تأمين مصادر الطاقة على أبواب فصل الشتاء والعام الدراسي الجديد.

إننا نريد للعرب ألا يتدفأوا على نيران الحرائق اللبنانية التي كادت تأكل أخضر لبنان الذي يتغنون به كأبرز بلد للاصطياف، خصوصاً أن المسؤولين في لبنان أعلنوا عجز البلد عن شراء طائرتين ضروريتين لإطفاء هذه الحرائق، كما نريد لهم أن يشعروا بأهمية الدفء في علاقاتهم الأخوية التي نريدها أن تعود إلى أفضل حالاتها، ليرتاحوا من مشاكلهم وعقدهم الذاتية، فيرتاح لبنان من ملفاتهم المثقلة بالهموم والغموم. ولذلك فنحن في الوقت الذي نرحب بالخطوة الأخيرة التي اتخذها الرئيس السوري، نأمل أن تكون فاتحة خير لعلاقات لبنانية سورية متينة، ولعلاقات عربية ـ عربية سليمة.

وأخيراً، إننا نرى أن الأمن هو الذي يمنح البلد القوة والاستقرار والنموّ والتطور، وأن المصالحات الجدية القائمة على المصارحة الواقعية هي التي تؤسّس للوحدة الوطنية، ونود أن نعرب أيضاً عن تقديرنا للأجهزة الأمنية على دورها في ملاحقة المتسببين بالمآسي الأمنية والسياسية الأخيرة للبنانيين، ونؤكد ضرورة أن يكون جميع اللبنانيين خفراء لحماية أمنهم الاجتماعي والسياسي واستقرارهم الداخلي.

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة لسماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله

ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

الفساد مدمِّر للإنسان والمجتمع

مواجهة الفساد تعمِّر المجتمع وتبنيه

فساد الواقع

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41].

يتحدث الله سبحانه وتعالى في هذه الآية وفي غيرها من الآيات، عن الفساد الذي يعيشه الناس، أفراداً وجماعاتٍ، سواء كان هذا الفساد فساداً اجتماعياً، عندما يعيش الناس حالات التمزّق، والفرقة، والاختلاف، والتباغض، والتقاطع، والتحاقد والعداوة والبغضاء، أو كان فساداً سياسياً، عندما يتسلط على الأمة من لا يملك الإخلاص لها، ولا يملك المعرفة في إدارة شؤونها، ولا الاستقامة في الخطوط التي يحرّكها ويتحرك بها، ما يجعل قضايا الحكم والسلطة تنطلق في خط الفساد في القضايا الحيوية التي ترتبط بكيان الأمة وعزتها وحريتها.

وهناك الفساد الاقتصادي، وذلك عندما يسيطر أصحاب الثروات الكبيرة أو الصغيرة على الواقع المالي والمعيشي والاقتصادي، فيستغلون ما يملكونه من قوةٍ اقتصادية ليضغطوا على الفقراء والضعفاء، لاستغلالهم في حاجاتهم الخاصة والعامة، وقد تتطوّر الأمور بفعل هذه القوة والسيطرة إلى مصادرتهم ثروات الأمة، ومنهما الثروات الموجودة في باطن الأرض، كالثروات النفطية أو المعادن أو غيرها، حتى يستولوا بمختلف الوسائل الإقطاعية على الأرض، ليستغلوها لحساباتهم الخاصة، وليمنعوا الفقراء من استثمارها إلا في مصلحة الأغنياء. وقد صوّر الإمام عليّ (ع) هذه الحال بقوله: "ما جاع فقير إلا بما مُتّع به غني"، لأنّ الأغنياء عندما يستخدمون الأموال في لذّاتهم وشهواتهم، وعندما يحتكرون ما يحتاجه الناس من ضرورات الحياة، عند ذلك يجوع الفقراء.

فساد الإنسان اختياري

والله سبحانه وتعالى يريد أن يؤكد في هذه الآية، أن مسألة الفساد، سواء كان سياسياًَ أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو أمنياً، في قضايا الحرب والسلم، ليست مسألة يصيب بها الله الناس بشكل مباشر، ولكنها تنطلق بحسب النظام الذي وضعه الله للكون كله، وبحسب تعامل الناس مع الطاقات الموجودة في أرجائه، فالفساد، وفق ذلك، ينطلق من خلال ما كسبت أيدي الناس، فهم الذين يأخذون بعناصر الفساد الموجودة في المجتمع حتى يفسدوا حياة الناس في جميع أوضاعهم وحاجاتهم وتطلعاتهم وخططهم.

فالله تعالى يقول إنّ هؤلاء الناس يتألمون عندما تفسد حياتهم بأنواع الفساد، ولكن هذه الآلام التي يعانونها لم يفرضها الله عليهم، بل هم فرضوها على أنفسهم، باختيارهم الأسباب التي تنتج الفساد حتماً. ولهذا، فإن كثيراً من الناس عندما يواجهون هذا الاختلال في أوضاعهم، يعتبرون أنّ الله أنزل عليهم ذلك بشكل مباشر، ولكن الله تعالى يبيّن أن لحياة الناس نظاماً، وأنّ لكل شيء قدراً وسبباً، وذلك في قوله: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ـ أي أنّ الناس هم الذين أوقعوا أنفسهم في هذا الفساد ـ ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون}، لعلهم إذا عرفوا النتائج، وعانوا من الآلام المترتبة، يغيّرون طريقتهم وأفعالهم وأعمالهم.

الآثار النفسية والاجتماعية للفساد

وقد جاء عن رسول الله(ص)، أن العذاب يعمّ الناس كلهم، حتى لو لم يكونوا هم من مارسوا الفساد، إذا كانوا لا ينكرون على المفسدين ما يقومون به من فساد وضلال. يقول(ص): "إن المعصية إذا عَمِل بها العبد سراً ـ إذا شرب الخمر أو مارس بعض المعاصي بشكل سري ـ لم تضرّ إلا عاملها، وإذا عَمِل بها علانيةً ـ كالذين يبيعون الخمر، أو يشيعون الفاحشة والرذيلة، أو يعينون الظالم على ظلمه أو ما إلى ذلك ـ ولم يغيّر عليه ـ لم يبادروا إلى إنكار ذلك عليه ـ أضرَّت بالعامة".

ويقول النبي(ص): "إن الله لا يعذّب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه، فإذا فعلوا ذلك، عذّب الله العامة والخاصة".

وفي مسألة الاختلافات في الأمة، يقول(ص): "ما اختلفت أمة بعد نبيّها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها". فنحن نعيش الخلافات في الواقع الإسلامي كله، سواء الخلافات المذهبية أو العرقية أو الحزبية أو ما إلى ذلك، بفعل العصبيات التي استحدثناها، بحيث يستغل أهل الباطل هذا الصراع الداخلي الذي يدفع المسلمين إلى أن يقتلوا بعضهم بعضاً، ويكفّروا بعضهم بعضاً، ما يفسح في المجال أمام أهل الباطل للسيطرة على الواقع كله، لأن أهل الحق مشغولون بعصبياتهم وخلافاتهم.

ويقول(ص) في مسألة إعانة الضعفاء للوقوف في وجه الأقوياء ومنعهم من أن يظلموهم أو يأخذوا حقوقهم: "كيف يقدّس الله قوماً لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم". ويقول(ص): "لن تُقدّس أمة لا يؤخذ للضعيف حقه من القوي وهو غير متعتع".

وفي حديث الإمام عليّ(ع): "أما بعد، فإنما أهلك من كان قبلكم ـ لماذا سقطت الحضارات السابقة والأمم السابقة؟ ـ أنهم منعوا الناس الحق فاشتروه ـ منعوا الناس الحق بكل أنواعه ومصادره ومواقعه، فاضطروا لأن يأخذوا حقوقهم بدفع الرشاوى إلى من يملك إمكانية إعطاء الحق، فلم يضعوا الأمور في مواضعها، ولا ولّوا الولايات مستحقيها ـ وأخذوهم بالباطل فاقتدوه" أي أنهم حملوهم على الباطل، حتى جاء الخلف من بعدهم، فاقتدوا بما أخذ به الآباء، ظناً منهم أنه حقّ.

مسؤوليـة البـذل

وفي كلام لعليّ(ع) يحمّل فيه المسؤولية لكل من يملك القدرة على بذل ما يحتاجه الناس، يقول(ع): "قوام الدنيا بأربعة: عالِم يستعمل علمه ـ لا يبخل على الناس بعلمه، ولا يعيش خارج نطاق الواقع، ولاسيما أن الناس يحتاجون إلى من يعظهم ويرشدهم ويدلهم على الطريق المستقيم ـ وجاهل لا يستنكف أن يتعلّم ـ لأن من حق الله على الجهّال أن يأخذوا بأسباب العلم والمعرفة، والقرآن الكريم يؤكد في أكثر من آية، أن ضلال الناس وكفرهم إنما ينطلق من خلال أنهم لا يعلمون ولا يفقهون ـ وجواد لا يبخل بمعروفه ـ وهو الإنسان الكريم الذي يبذل من ماله وقوته لمن يحتاجهما ـ وفقير لا يبيع آخرته بدنياه ـ بحيث يكون عزيز النفس، فلا يسقط أمام حاجاته ـ فإذا ضيّع العالِم علمه، استنكف الجاهل أن يتعلّم، وإذا بخل الغني بمعروفه، باع الفقير آخرته بدنياه".

إننا مسؤولون في هذه الحياة الدنيا، كل بحسب قدرته وطاقته، عن مواجهة الفساد في الأرض، حتى تعمر الأرض بأهلها، وحتى نكون في مستوى الدور الذي أوكله الله سبحانه وتعالى إلينا في بناء الحياة بكل ما يرفع مستوى الإنسان فيها.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

الكيان الصهيوني: توسيع دائرة التهويد

تدخل الحملة الصهيونية ضد الفلسطينيين مرحلةً جديدةً في ظل الاستهداف المباشر لفلسطينيي العام 1948، وخصوصاً في مدينة عكا، التي أحرق المستوطنون الصهاينة العديد من منازل العرب فيها، بتغطية وتواطؤ من سلطات العدو التي تريد للمستوطنين أن يقودوا الهجمة الجديدة داخل عكا بعدما بدأوها في الضفة.

ويبدو أن الهدف الأساس لهذه الحملة هو ترحيل العرب من قراهم ومدنهم لإقامة "الدولة اليهودية النقيّة"، كما وعد الرئيس الأميركي "جورج بوش"، الذي لا يزال يمارس دور الحاخام الأكبر في تأمين الغطاء للإرهاب الإسرائيلي المتواصل ضد الفلسطينيين، والإفساح في المجال لاضطهاد عرقي عنصري حاقد ضد العرب في القدس وبقية الأرض الفلسطينية.

ومن اللافت أننا لم نسمع أصواتاً عربيةً أو فلسطينيةً في دائرة السلطة لإثارة المسألة على مستوى دوليّ، ولم نجد أيّ اهتمام من اللجنة الرباعية الدولية التي تستمر في خداعها بالحديث عن خريطة الطريق، فيما تراوح المصالحة الفلسطينية مكانها ولا تتقدّم خطواتها العملية، رغم كل حالات الضغط والحصار والإرهاب التي يمارسها العدو ضد الفلسطينيين.

فلسطين: أولويات المصالحة الداخلية والانتفاضة

ونحن في الوقت الذي نتمنى أن تحظى الجهود المصرية في مسألة المصالحة بنجاحٍ يعيد الوحدة الوطنية الفلسطينية، ويؤسس لحكومة ائتلافية تخدم شعبها، وتعيد حركة التحرير إلى موقعها الطبيعي الذي يواجه الاحتلال من موقع واحد، نريد للجامعة العربية أن تتحرك لحماية الفلسطينيين وتسهيل المصالحة الفلسطينية الداخلية، وأن تمارس دورها في إثارة ما يتعرضون له من إرهاب وضغط أمام المحافل الدولية، وخصوصاً الاتحاد الأوروبي.

ونريد للمقاومة الفلسطينية أن تبقى في حال جهوزية تامة لمواجهة العدوّ، في ظل الأوضاع المعقّدة التي تحيط بقضيتهم، وفي ظل استمرار الدعم الأميركي الأعمى للكيان الصهيوني، والذي نخشى أن يتزايد مع الإدارة الجديدة بعدما استمعنا إلى المرشحين الجمهوري والديمقراطي، وهما يتحدثان عن إسرائيل كما لو كانت الدولة التي تخضع لها أميركا، بينما يدور الحديث عن المقاومة بأنها حركة إرهاب لا بدّ من محاصرة شعبها والضغط على فصائلها والتحرك الوحشي الأمني والاقتصادي والسياسي ضدّها...

إننا لا نرى تحريراً لفلسطين من الاحتلال اليهودي المتحالف مع الخط الأمريكي بعيداً من الانتفاضة في خطتها التحريرية التي تربك كيان العدو وتمنعه من الاستقرار، وخصوصاً إذا تضافرت جهودها مع جهود الأحرار في العالم العربي ـ الإسلامي ضد السياسة الأمريكية والإسرائيلية.

أين فلسطين القضية في مؤتمر القدس؟

وقد انعقد في الدوحة قبل أيام مؤتمر للقدس دعا إلى كسر الحصار عن فلسطين، ومواجهة آلة التدمير الصهيونية وما تقوم به من تجريف تحت المسجد الأقصى، مع الإصرار على أن تتراجع الخلافات المذهبية بين السنّة والشيعة إلى مرتبة ثانوية أمام قضيّة القدس... كما دعا الأمة العربية والإسلامية وحكّامها إلى تحدي الخوف وكسر الحصار الظالم على فلسطين وعلى قطاع غزة...

إننا نلاحظ أن مثل هذه المؤتمرات لا تتحرك بخطوة واحدة نحو القضية الفلسطينية في أبعادها السياسية على المستوى الإقليمي والدولي، فما زال الغرب، وفي مقدمه أمريكا، يخطط لتهويد فلسطين بالتأكيد على الدولة اليهودية العنصرية التي تجتاح أكثر أراضيها من دون أي ضغط عربي وإسلامي فاعل، لأن المسؤولين في واقع الأمة اكتفوا بالتصريحات والاحتفالات والقرارات الاستهلاكية حفاظاً على ماء الوجه أمام شعوبهم، وخضوعاً للسياسة الأمريكية التي تضغط على أوضاعهم السياسية، حتى تضيع البقية الباقية من فلسطين، وتتحوّل مسألة القدس ـ المسجد والمدينة والمنطقة ـ إلى انهيارات متلاحقة تموت فيها القضية وتضيع كما ضاعت الأندلس، ولاسيما أن بعض المشرفين على مؤتمر القدس ما زالوا يشغلون الأمة بالاتهامات المثيرة في غزو مذهب لمذهب، بدلاً من التركيز على غزو إسرائيل لفلسطين، وغزو الاستكبار الغربي للعالم الإسلامي. فالعصبية المذهبية عند بعض الرموز، ترقى إلى مستوى أعلى من الالتزام بالوحدة والسلامة الإسلامية، لينسى المسلمون، بفعل هذه الإثارة العصبية التي تتحرك بالجدل حول المذهب، كلّ قضايا الواقع المعاصر في حركة التحديات الخطيرة ضد كلّ الأوضاع الإسلامية.

ومن جانب آخر، فإنّ الأوضاع الأمنية لا تزال تسيطر بأخطارها الكبرى على المنطقة الإسلامية في أفغانستان وباكستان، حيث يسقط الكثير من الضحايا بفعل القصف الأمريكي والأطلسي الذي يصيب المدنيين والأطفال في بيوتهم الآمنة، ثم يبادرون إلى تبرير ذلك بالحديث عن الخطأ الذي حصل، أو بالأكاذيب الإخبارية، بأنهم كانوا يقصفون الإرهابيين.

العراق: فوضى أمنية بأدوات تكفيرية

وهكذا تمتد الكارثة إلى العراق المحتل الذي يسقط في كل يوم المزيد من العراقيين الأبرياء، بالتفجيرات الوحشية/ والعمليات الانتحارية التي تشارك فيها النساء اللاتي يخدعهنّ الوحوش من التكفيريين، إضافةً إلى التعقيدات الداخلية في إلحاق هذه المدينة أو تلك بإقليم كردستان أو بالمناطق العربية، ما يؤدي إلى خلل في العلاقات السياسية، أو يؤدّي إلى التجاذب بين السلطات الأمنية في حكومة المركز أو الإقليم. هذا إلى جانب الأوضاع القلقة التي تحكم العملية السياسية في الاختلافات الكثيرة التي تضعف البلد كله، ولا سيما في المرحلة التي تسبق الانتخابات.

ومن جهة أخرى، فإن العراق الذي عاش التعايش الإسلامي ـ المسيحي في تاريخه، فضلاً عن العيش المشترك بين الفئات المختلفة دينياً ومذهبياً، قد واجه في هذه المرحلة اعتداءً على المسيحيين أدى إلى مقتل 11 مسيحياً خلال عشرة أيام، وتفجيراً لثلاثة منازل في الموصل، وتهديداً بقتل أبناء الطائفة إذا لم يرحلوا، وذلك بفعٍل المتطرفين والمتعصبين من التكفيريين، إضافةً إلى بعض القوى السياسية التي لا تريد للعراق أن يعيش الوحدة والاستقرار في تنوعاته الدينية والمذهبية. وقد أدى هذا الوضع الكارثي إلى عملية نزوح جماعي لمئات العائلات.

إننا ندين هذا العمل الشنيع الذي لا يقبله أي منطق إنساني وأيّ دين سماوي، وندعو إلى إيجاد علاقات طبيعية بين المسلمين والمسيحيين في كل المنطقة العربية تقوم على الحوار والاحترام المتبادل. ونحن نقدّر، في الوقت نفسه، مبادرة الحكومة العراقية، بالدفع باتجاه إجراء تحقيق فوري حول هذا الموضوع، واتخاذ الإجراءات الفورية واللازمة لإعادة العائلات المسيحية التي تم تهجيرها خلال الأيام الماضية، وحمايتها من أي عدوان جديد، ولا بدّ للجميع من أن يعرفوا حقيقة الاعتداءات الواقعة في العراق، فهي ليست صراعاً بين المسيحيين والمسلمين، بل هي مشكلة أمنية تصيب جميع العراقيين من قِبَل الاحتلال والجهات التكفيرية وجهات سياسية تستفيد من هذه الأوضاع لحساب مشاريعها الخاصة. ولذلك، فلا مجال لاستغلال هذه الأحداث المؤلمة في مسألة التخطيط لإزالة الوجود المسيحي في المنطقة.

لبنان: أولويات الأمن الاجتماعي والسياسي والاستقرار الداخلي

أما في لبنان، فإننا في الوقت الذي نشعر بشيء من الارتياح لكوننا لم نتأثر داخلياً بالأزمة المالية العالمية، فإننا نتساءل عن مئات المليارات العربية التي ابتلعتها هذه الأزمة، والتي كانت كفيلةً بحلّ مشاكل الفقر والمديونية في العالم العربي، وخصوصاً في لبنان الذي لا تزال الوعود العربية تنـزل عليه من كل حدب وصوب لحلّ مشاكله الكثيرة في المديونية، أو في مسألة الكهرباء، أو في تأمين مصادر الطاقة على أبواب فصل الشتاء والعام الدراسي الجديد.

إننا نريد للعرب ألا يتدفأوا على نيران الحرائق اللبنانية التي كادت تأكل أخضر لبنان الذي يتغنون به كأبرز بلد للاصطياف، خصوصاً أن المسؤولين في لبنان أعلنوا عجز البلد عن شراء طائرتين ضروريتين لإطفاء هذه الحرائق، كما نريد لهم أن يشعروا بأهمية الدفء في علاقاتهم الأخوية التي نريدها أن تعود إلى أفضل حالاتها، ليرتاحوا من مشاكلهم وعقدهم الذاتية، فيرتاح لبنان من ملفاتهم المثقلة بالهموم والغموم. ولذلك فنحن في الوقت الذي نرحب بالخطوة الأخيرة التي اتخذها الرئيس السوري، نأمل أن تكون فاتحة خير لعلاقات لبنانية سورية متينة، ولعلاقات عربية ـ عربية سليمة.

وأخيراً، إننا نرى أن الأمن هو الذي يمنح البلد القوة والاستقرار والنموّ والتطور، وأن المصالحات الجدية القائمة على المصارحة الواقعية هي التي تؤسّس للوحدة الوطنية، ونود أن نعرب أيضاً عن تقديرنا للأجهزة الأمنية على دورها في ملاحقة المتسببين بالمآسي الأمنية والسياسية الأخيرة للبنانيين، ونؤكد ضرورة أن يكون جميع اللبنانيين خفراء لحماية أمنهم الاجتماعي والسياسي واستقرارهم الداخلي.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير