الجمود الفكري والعقلي إعاقة لرسالات الله

الجمود الفكري والعقلي إعاقة لرسالات الله

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبتا صلاة الجمعة لسماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله

ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء فيهما:

الجمود الفكري والعقلي إعاقة لرسالات الله

الجمود الفكري:

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ}(المائدة:104). وقال سبحانه: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}(الزخرف:23).

يتحدّث الله سبحانه وتعالى في هاتين الآيتين عن منهج الضلال الفكري والجمود العقلي الّذي كان متّبعاً لدى أمم الأنبياء، فقد كان الأنبياء يبلّغون أممهم رسالات الله، ويدعونهم إلى أن يفكروا فيها ويحركوا عقولهم ليتعرفوا أسراره وينطلقوا في حقائقها، ولكنّهم كانوا يغلقون عقولهم ويجمّدون أفكارهم، ولا يفكرون في ما يُطرح عليهم من مبادئ ومناهج وعقائد، بل كانوا يعتبرون أنفسهم امتداداً ثقافياً لآبائهم كما هو امتدادهم النسبيّ لهم، وكانوا يربطون بين الجانب العاطفي في علاقاتهم بآبائهم والجانب العقيدي، فكانوا يرون أن إنكارهم لما كان يعتقده آباؤهم ويلتزمونه، يمثل إساءة إلى تاريخهم وإلى علاقتهم بهم، حتى لو كان الفكر الجديد منطلقاً مما أنزله الله تعالى على رسله من وحي، ممّا ألهم رسله بأن ينفتحوا عليه ويبلّغوه للناس. لقد كانت مشكلة هذه الأمم في الجمود الفكري وعدم الاستقلال في حركة العقل وفي الصراع الثقافي.

ولذلك كان الأنبياء يقولون لهم: {تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ}، وكانوا يقدّمون لهم الحجَّة على أنّ ما يبلّغونهم إيّاه من الوحي يمثّل الحقيقة، وأنّ ما ينقلونه في رسالاتهم مما ألهمهم الله إيّاه هو الحق، ولكنّهم كانوا يغلقون عقولهم وآذانهم عن ذلك، ويجمّدون إنسانيتهم عن أن تنفتح على ما يتحدّث به الآخرون حتى لو كانوا في مستوى الرسالة، حتى أسقطوا هذه الإنسانيّة في جمودهم النفسي والعقلي.

ولذلك لم يكونوا يناقشون الرسل في ما بلّغوه وما شرّعوه، بل كانت كلمتهم واحدةً وهي: {حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا}، أي أنّنا لا نغيّر ما كان عليه آباؤنا من عبادةٍ للأصنام ومن منهجً فكريّ. وكان جواب الرسل في ما أوحى الله به ليبلّغوه للناس: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ}، فما هو المستوى العقلي لآبائهم؟ وما هي ثقافتهم؟ وما هو العلم الذي درسوه وانطلقوا به من خلال التجربة؟ وما هو الأساس في عبادتهم للأوثان الّتي لا تنفعهم ولا تضرّهم؟ لأن الإنسان إنّما يتّبع ويقلّد من يتحرك في خطِّ الهدى وينطلق في خطِّ العلم، أمّا الجاهل الذي يجهل معنى ما يلتزمه، والضالّ الذي لا يهتدي إلى الحقّ، فكيف يمكن لإنسان يحترم عقله أن يسير معه؟!

صراع الأنبياء الفكري مع أممهم

وتلك كانت مشكلة الأنبياء مع أممهم، أنّهم كانوا يريدون لهم أن يفكروا في طروحاتهم ويناقشوها، وأن يدخلوا في مقارنة فكريّة بين الفكر الذي ورثوه عن آبائهم، والفكر الّذي جاء به الأنبياء، لأن الأنبياء أرادوا لهم أن يحترموا عقولهم ويحرّكوها في المعرفة لتمييز الحقِّ من الباطل، والصواب من الخطأ، ولكنّهم كانوا يعتبرون الباطل حقاً، والخطأ صواباً، والشر خيراً، نتيجة جهلهم وعدم امتلاكهم الميزان الذي يزنون به قضايا العقيدة والفكر.

التبعيَّة من دون حجّة

ونحن نقرأ عن رسول الله (ص) أنه قال وهو يخاطب الناس: "لا تكونوا إمّعة، تقولون: إنْ أَحْسَن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطّنوا أنفسكم إن أَحْسَن الناس أن تُحسنوا، وإن أساؤوا أن لا تظلموا". فالنبي (ص) يتحدث عن فريق من الناس، نراهم في مجتمعاتنا، لا يملكون استقلال الفكر وحرية الرأي، بل تراهم تابعين لأهل بلدهم أو لعائلاتهم، فإذا أحسن الذين يتبعونهم أحسنوا معهم، وإذا ظلموا ظلموا معهم... وهذا ما نراه في العصبيّة الطّائفيّة أو المذهبيّة أو الحزبيّة، فإذا ظلم بعض الحزبيين شخصاً، وقفوا مع الظّالم ضدّ المظلوم، فقط لأنّه من حزبهم وجماعتهم.

وورد عن الإمام الصَّادق(ع) في حديثه لرجلٍ من أصحابه قال: "لا تكوننّ إمعّة، تقول: أنا مع الناسـ أي عندما يسألونه: من تؤيد ومن ترفض ومن تنتخب؟ يقول: أنا مع أهل البلد أو مع حزبي أو عائلتي! مع أن العائلة أو الحزب أو الجماعة قد تخطئ ـ وأنا كواحد من الناس". ويفسّر بعض اللغويين معنى الإمعة بأنّه التّابع الّذي لا رأي له، وقيل: هو الذي يقول لكل أحد: أنا معك.

ويقول الإمام الصَّادق (ع): "إياك أن تنصب رجلاً دون الحجة، فتصدّقه في كل ما قال، وتدعو الناس إلى قوله". وهذا الحديث يعالج مسألة من ينصب زعيماً أو قائداً أو رئيساً، سواء في الموقع الديني أو في الموقع السياسي، فيؤيِّده من دون حجّة، فلو سأله الله عن الحجّة في تأييده، فإنّه لا يستطيع أن يجيب. فإياك أن تنصب رجلاً لا تملك الحجّة على تأييده أمام الله.

وفي حديث الإمام موسى الكاظم (ع) يقول: "أبلغ خيراً وقل خيراً ولا تكن إمّعة"، قالوا: "وما الإمعة"؟ قال (ع): "لا تقل: أنا مع الناس، وأنا كواحد من الناس، إنّ رسول الله(ص) قال: يا أيّها النّاس، إنما هما نجدان، نجد خير ونجد شر، فلا يكن نجد الشر أحبّ إليكم من نجد الخير".

وورد عن رسول الله (ص) في قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ}(التوبة:31)، قال (ص): "أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلّوا لهم شيئاً استحلّوه، وإذا حرّموا عليهم شيئاً حرّموه". ورد عن الإمام الصادق (ع) في تفسير الآية نفسها: "أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم ما أجابوهم، ولكن أحلّوا لهم حراماً، وحرّموا عليهم حلالاً، فعبدوهم من حيث لا يشعرون"، لأنّ العبادة هي الخضوع والاستسلام والانقياد المطلق للإنسان الآخر. وهذا الكلام يردُ أيضاً على الذين يتّبعون الأحزاب والعشائر في قوانينها وعاداتها.

حجية العقل

والله سبحانه وتعالى يقول: {وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْدًا}(مريم:95)، وفي آية أخرى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}(المدَّثر:38)، فالإنسان يُحشر إلى ربه بمفرده ويحاسب بمفرده، لذلك أراد الله للإنسان أن ينمي عقله ويطوره ويتّبعه، لأن العقل هو الحجة بين الله وعباده، وقد ورد في الحديث: "أن الله لما خلق العقل قال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر،ثم قال: وعزتي وجلالي، ما خلقت خلقاً هو أكرم عليّ منك، بك أثيب وبك أعاقب، وبك آخذ وبك أعطي". لذلك لا تبيعوا عقولكم لأحد، ولا تجعلوها تحت تأثير أحد، بل ليكن لكل واحد منكم عقله الذي ينمّيه بالفكر والقراءة والشورى، وبكل ما يمكن أن يجعله عقلاً قوياً يدرك الحق من الباطل.

إن الله يريد لأمتنا أن تكون الأمة العاقلة والمفكرة والمستقلة في كل قراراتها، أما الذين يتبعون القيادات التي لا تملك العقل والفكر والإيمان، فهم كالأغنام يجرّها صاحبها إلى المذبح، لأنَّ القيادات الجاهلة وغير العاقلة إنما تقود أتباعها إلى مذبح العقاب ونار جهنم.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، فماذا هناك؟          

حصار وحشي ينتهك أوهن قوانين حقوق الإنسان

في المشهد الصُّهيوني، يطمئنُّ العدو إلى صمت العرب وسكوتهم وتواطئهم، فيواصل غاراته على غزة حاصداً المزيد من الشهداء، متهماً فصائل الانتفاضة بخرق التهدئة، وهو الذي لم يكف عن القتل والاغتيال والاعتقال في الضفة الغربية وغزة على مدى الأسبوعين الأخيرين.

وإلى جانب ذلك، يتواصل الحصار الهمجيّ الوحشيّ لغزّة في عمليَّة عقاب جماعي لا تقرها أوهن القوانين، ولكنَّ عذابات ومعاناة ما يزيد على مليون ونصف مليون فلسطيني لا تساوي شيئاً في حسابات السياسة العالمية، ولا في قرارات الاتّحاد الأوروبي والدول الغربية التي لا ترفع شعار حقوق الإنسان إلا عند سقوط أول صاروخ من صواريخ الانتفاضة المصنّعة يدوياً على مقربة من مستوطنة سديروت الصهيونية، والتي أصبحت حائط مبكى جديداً يحج إليه كل مسؤول غربي عند زيارته الكيان الغاصب.

أمّا العرب العاربة والمستعربة، فهم في صمتهم المعهود، حيث تشارك دولتهم الكبرى في حصار الشَّعب الفلسطيني، وترفض حكم المحكمة المصرية بوقف إمدادات الغاز لإسرائيل. أمّا الجامعة العربية، فهي في سباتها العميق، والكلّ في شغل فاكهون، يستمعون إلى كلمة بيريز التي امتنع فيها عن إعلان الموافقة على المبادرة العربية، فأعطى العرب مزيداً من الكلام الاستهلاكي الفارغ، ومزيداً من النفاق والخداع، وتركهم حيارى في ساحة تفاوضٍ فارغٍ يستمر من جيل إلى جيل.

وتبقى الساحة الفلسطينية محكومةً لأكثر من خطّةٍ أمريكيَّة إسرائيلية عربية، لإبقاء الأوضاع العامة خاضعةً للألاعيب السياسية التي يُراد فرضها على الشعب الفلسطيني كي يعترف بإسرائيل كدولة شرعية دون شروط، كما اعترفت بها بعض الدول العربية سواءٌ في شكلٍ مباشر أو غير مباشر، من دون أن يتعرَّف العالم إلى حدود هذه الدولة التي ترفض الانسحاب إلى حدود الـ67، بل إنّها تزحف إلى الضفَّة الغربية لتضمّ المستوطنات إلى كيانها، وإلى القدس الشرقية التي تخطط لتهويدها انطلاقاً من الخطة التاريخية للدولة اليهودية في ضمّ أكبر مساحة من الأرض إليها، كما صرَّح بعض مسؤوليها.

مشكلة العرب إيران لا إسرائيل

إنَّ إسرائيل لم تعد مشكلةً للعرب كدولةٍ مفروضة على المنطقة في فصل مواقعها بعضها عن بعض، لأنها أصبحت بفعل الاستراتيجية الأمريكية والأوروبية والعربية وأكثر دول العالم، أمراً واقعاً لا مجال لإنكاره، بالرغم من أنها لم تحدِّد حدودها حتى الآن.

أما المشكلة التي أصبحت تشغل العالم العربي والغربي فهي إيران، التي تحوَّلت في الإعلام التهويلي إلى دولةٍ تمثِّل الخطر على العرب، ولا سيّما دول الخليج، من خلال مشروعها النووي الذي تؤكد إيران أنه مشروع سلمي لا يستهدف صنع القنبلة الذرية، ولكنهم لا يقبلون منها ذلك، لأنَّ أمريكا لا تسمح لهم بالتدقيق في هذه المسألة، بينما لا تمثِّل الترسانة النووية الإسرائيلية الهائلة أية مشكلة، ذلك أن إسرائيل لا تزال ـ بحسب زعم الغرب ـ دولةً تواجه الخطر في المنطقة، مع أن الجميع يعرفون أنها هي التي تمثل الخطر على المنطقة، من خلال تاريخها العدواني وواقعها الوحشي، واحتلالها المستمر لأراضي أكثر من دولة عربية.

العراق: الاتفاقية الأمنية إبقاء للاحتلال واستمرار للفوضى

وفي جانب آخر، يستعدُّ المسؤولون العراقيون والأمريكيون للتوقيع على الاتفاقية الأمنية التي أُعطيت صفة مشروع الانسحاب الأميركي من العراق بعد ثلاث سنوات، ما يجعل من المسألة شرعنةً للاحتلال وإدامته لثلاث سنوات أخرى. ونحن نلاحظ كيف خطَّطت الإدارة الأميركية لاحتلال العراق واستخدامه جسراً للعبور إلى عمق المنطقة العربية والإسلامية، ومصادرة ثرواته، وابتزاز الدول الصناعية التي هي بحاجة إلى النّفط والطَّاقة، كالصِّين واليابان وأوروبا. ولكن أمريكا التي استفادت من طاغية العراق حتى انتهت مهمته، عاشت الفشل الذريع في احتلالها بفعل المقاومة العراقية، ورفض الشَّعب العراقي لهذا الاحتلال، وإصراره على إخراجه من الأرض العراقية من دون أن يحقِّق أهدافه ومطامعه.

إنَّنا ندرك جيِّداً أنَّ السلطات العراقيَّة قد وُضعت بين خيارين كلاهما مرّ؛ بين أن تمتدَّ الفوضى في العراق، أو يمتدّ الاحتلال، ولكنَّنا نقول للعراقيين: حذارِ من أن يعمل الاحتلال للاستمرار حتى لثلاث سنوات أخرى، فتستمرُّ معه الفوضى، وتسقط السيادة، ويذهب الاستقلال فريسةً للقوى الطامعة بالانفصال، وللجهات التي لا تفرّق بين شعبها والاحتلال، وللأوضاع الداخلية المعقَّدة التي يُعرب الاحتلال في هذه الأيام عن نيته الاستفادة منها، عندما يتحدث رئيس أركان الجيش الأميركي عن أن الانسحاب من العراق مرتبط "بعدد من العوامل" وبالوضع على الأرض.

إنَّنا ندعو العراقيين إلى وحدة الموقف في الإصرار على إخراج المحتلّ دونما قيدٍ أو شرط، وإلى صون الوحدة الداخليَّة ومنع الاختراقات السياسيَّة أو الأمنية لصفوفهم الداخلية، لأن الاحتلال سوف يواصل سعيه للاستفادة من هذه الاختراقات والاهتزازات، ليبقى جاثماً على أرض العراق، وليهدد استقراره واستقرار المنطقة كلّها.

لبنان: ملعب اللاّعبين السياسيّين داخلياً وخارجياً

أمّا لبنان، فبات في هذه الأيام محطةً من محطات المسؤولين الأوروبيين الذين لا يستحي بعضهم وهو يتحدث عن المقاومة ليصفها بالإرهابية، ويذهب إلى الكيان الإرهابي الذي ساهمت بلاده في إنشائه ودعمه وتقويته ليزور مستعمرة سديروت ويتحسّر على سقوط قذائف فلسطينية من صنع يدوي عليها، من دون أن يشير إلى الإرهاب الإسرائيلي الوحشي في حصار غزة وتجويع أهلها وقتل شبابها وشيبتها.

إنّنا نريد للبنانيين أن يتطلّعوا إلى قضاياهم من منظار مصالحهم الوطنية والعربية والإسلامية، لا من خلال ما يرسمه هؤلاء الزوّار الذين لا يتطلّعون إلى مصالح لبنان إلاّ من زاوية الأمن الإسرائيلي والمصلحة الإسرائيلية، ومن منظار مصالحهم الخاصة.

إننا نتطلّع إلى لبنان الّذي يتحرك القائمون على شؤونه بعيداً من الوحول الطائفية والمذهبية والحزبية والشخصانية، ولا يتحرّكون للحصول على امتيازات مستقبلية جديدة بعد استهلاكهم الامتيازات الماضية، ولكن الواقع يشير إلى استغراقهم في حسابات الأكثرية والأقلية في الانتخابات القادمة، وتسابقهم في الملعب السياسي، لتتحرك أقدامهم في لعبة الكرة التي تتمثّل بالوطن الذي يطلقه هذا الفريق ليسجّل نقطةً في المرمى ضد الفريق الآخر، وليبقى البلد ملعباً للاعبين في الداخل والخارج، ولينتظر الفقراء والمحرومون والجائعون المال السياسي الذي قد يحقق لهم الحصول على بعض حاجاتهم الغذائية وأقساطهم المدرسية.

ويبقى الجدل الذي يسمَّى الحوار الوطني ليثير مشكلةً هنا ومشكلةً هناك، ويعود الأمن هاجساً في الواقع السياسي الإرهابي، وفي حركة اللصوص والمجرمين، وتظل الاستراتيجيّة الدفاعيّة في التجاذبات المعقَّدة التي تصل رسائلها إلى العدوّ، في الوقت الذي يعرف الجميع أن مسألة استراتيجية الدفاع لا بدّ من أن تبحث في المواقع المغلقة الّتي لا يطلع عليها إلاّ الذين يتحمَّلون مسؤولية حماية البلد... ولكنّ لبنان يبقى في دائرة الضوء بكلّ أسراره وكل أوضاعه وكل قضاياه، لتستفيد مختلف أجهزة الاستخبارات من كل هذه المعلومات التي قد يستخدمها الأعداء لإسقاط الوطن كلّه والشعب كلّه.

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبتا صلاة الجمعة لسماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله

ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء فيهما:

الجمود الفكري والعقلي إعاقة لرسالات الله

الجمود الفكري:

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ}(المائدة:104). وقال سبحانه: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}(الزخرف:23).

يتحدّث الله سبحانه وتعالى في هاتين الآيتين عن منهج الضلال الفكري والجمود العقلي الّذي كان متّبعاً لدى أمم الأنبياء، فقد كان الأنبياء يبلّغون أممهم رسالات الله، ويدعونهم إلى أن يفكروا فيها ويحركوا عقولهم ليتعرفوا أسراره وينطلقوا في حقائقها، ولكنّهم كانوا يغلقون عقولهم ويجمّدون أفكارهم، ولا يفكرون في ما يُطرح عليهم من مبادئ ومناهج وعقائد، بل كانوا يعتبرون أنفسهم امتداداً ثقافياً لآبائهم كما هو امتدادهم النسبيّ لهم، وكانوا يربطون بين الجانب العاطفي في علاقاتهم بآبائهم والجانب العقيدي، فكانوا يرون أن إنكارهم لما كان يعتقده آباؤهم ويلتزمونه، يمثل إساءة إلى تاريخهم وإلى علاقتهم بهم، حتى لو كان الفكر الجديد منطلقاً مما أنزله الله تعالى على رسله من وحي، ممّا ألهم رسله بأن ينفتحوا عليه ويبلّغوه للناس. لقد كانت مشكلة هذه الأمم في الجمود الفكري وعدم الاستقلال في حركة العقل وفي الصراع الثقافي.

ولذلك كان الأنبياء يقولون لهم: {تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ}، وكانوا يقدّمون لهم الحجَّة على أنّ ما يبلّغونهم إيّاه من الوحي يمثّل الحقيقة، وأنّ ما ينقلونه في رسالاتهم مما ألهمهم الله إيّاه هو الحق، ولكنّهم كانوا يغلقون عقولهم وآذانهم عن ذلك، ويجمّدون إنسانيتهم عن أن تنفتح على ما يتحدّث به الآخرون حتى لو كانوا في مستوى الرسالة، حتى أسقطوا هذه الإنسانيّة في جمودهم النفسي والعقلي.

ولذلك لم يكونوا يناقشون الرسل في ما بلّغوه وما شرّعوه، بل كانت كلمتهم واحدةً وهي: {حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا}، أي أنّنا لا نغيّر ما كان عليه آباؤنا من عبادةٍ للأصنام ومن منهجً فكريّ. وكان جواب الرسل في ما أوحى الله به ليبلّغوه للناس: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ}، فما هو المستوى العقلي لآبائهم؟ وما هي ثقافتهم؟ وما هو العلم الذي درسوه وانطلقوا به من خلال التجربة؟ وما هو الأساس في عبادتهم للأوثان الّتي لا تنفعهم ولا تضرّهم؟ لأن الإنسان إنّما يتّبع ويقلّد من يتحرك في خطِّ الهدى وينطلق في خطِّ العلم، أمّا الجاهل الذي يجهل معنى ما يلتزمه، والضالّ الذي لا يهتدي إلى الحقّ، فكيف يمكن لإنسان يحترم عقله أن يسير معه؟!

صراع الأنبياء الفكري مع أممهم

وتلك كانت مشكلة الأنبياء مع أممهم، أنّهم كانوا يريدون لهم أن يفكروا في طروحاتهم ويناقشوها، وأن يدخلوا في مقارنة فكريّة بين الفكر الذي ورثوه عن آبائهم، والفكر الّذي جاء به الأنبياء، لأن الأنبياء أرادوا لهم أن يحترموا عقولهم ويحرّكوها في المعرفة لتمييز الحقِّ من الباطل، والصواب من الخطأ، ولكنّهم كانوا يعتبرون الباطل حقاً، والخطأ صواباً، والشر خيراً، نتيجة جهلهم وعدم امتلاكهم الميزان الذي يزنون به قضايا العقيدة والفكر.

التبعيَّة من دون حجّة

ونحن نقرأ عن رسول الله (ص) أنه قال وهو يخاطب الناس: "لا تكونوا إمّعة، تقولون: إنْ أَحْسَن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطّنوا أنفسكم إن أَحْسَن الناس أن تُحسنوا، وإن أساؤوا أن لا تظلموا". فالنبي (ص) يتحدث عن فريق من الناس، نراهم في مجتمعاتنا، لا يملكون استقلال الفكر وحرية الرأي، بل تراهم تابعين لأهل بلدهم أو لعائلاتهم، فإذا أحسن الذين يتبعونهم أحسنوا معهم، وإذا ظلموا ظلموا معهم... وهذا ما نراه في العصبيّة الطّائفيّة أو المذهبيّة أو الحزبيّة، فإذا ظلم بعض الحزبيين شخصاً، وقفوا مع الظّالم ضدّ المظلوم، فقط لأنّه من حزبهم وجماعتهم.

وورد عن الإمام الصَّادق(ع) في حديثه لرجلٍ من أصحابه قال: "لا تكوننّ إمعّة، تقول: أنا مع الناسـ أي عندما يسألونه: من تؤيد ومن ترفض ومن تنتخب؟ يقول: أنا مع أهل البلد أو مع حزبي أو عائلتي! مع أن العائلة أو الحزب أو الجماعة قد تخطئ ـ وأنا كواحد من الناس". ويفسّر بعض اللغويين معنى الإمعة بأنّه التّابع الّذي لا رأي له، وقيل: هو الذي يقول لكل أحد: أنا معك.

ويقول الإمام الصَّادق (ع): "إياك أن تنصب رجلاً دون الحجة، فتصدّقه في كل ما قال، وتدعو الناس إلى قوله". وهذا الحديث يعالج مسألة من ينصب زعيماً أو قائداً أو رئيساً، سواء في الموقع الديني أو في الموقع السياسي، فيؤيِّده من دون حجّة، فلو سأله الله عن الحجّة في تأييده، فإنّه لا يستطيع أن يجيب. فإياك أن تنصب رجلاً لا تملك الحجّة على تأييده أمام الله.

وفي حديث الإمام موسى الكاظم (ع) يقول: "أبلغ خيراً وقل خيراً ولا تكن إمّعة"، قالوا: "وما الإمعة"؟ قال (ع): "لا تقل: أنا مع الناس، وأنا كواحد من الناس، إنّ رسول الله(ص) قال: يا أيّها النّاس، إنما هما نجدان، نجد خير ونجد شر، فلا يكن نجد الشر أحبّ إليكم من نجد الخير".

وورد عن رسول الله (ص) في قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ}(التوبة:31)، قال (ص): "أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلّوا لهم شيئاً استحلّوه، وإذا حرّموا عليهم شيئاً حرّموه". ورد عن الإمام الصادق (ع) في تفسير الآية نفسها: "أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم ما أجابوهم، ولكن أحلّوا لهم حراماً، وحرّموا عليهم حلالاً، فعبدوهم من حيث لا يشعرون"، لأنّ العبادة هي الخضوع والاستسلام والانقياد المطلق للإنسان الآخر. وهذا الكلام يردُ أيضاً على الذين يتّبعون الأحزاب والعشائر في قوانينها وعاداتها.

حجية العقل

والله سبحانه وتعالى يقول: {وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْدًا}(مريم:95)، وفي آية أخرى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}(المدَّثر:38)، فالإنسان يُحشر إلى ربه بمفرده ويحاسب بمفرده، لذلك أراد الله للإنسان أن ينمي عقله ويطوره ويتّبعه، لأن العقل هو الحجة بين الله وعباده، وقد ورد في الحديث: "أن الله لما خلق العقل قال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر،ثم قال: وعزتي وجلالي، ما خلقت خلقاً هو أكرم عليّ منك، بك أثيب وبك أعاقب، وبك آخذ وبك أعطي". لذلك لا تبيعوا عقولكم لأحد، ولا تجعلوها تحت تأثير أحد، بل ليكن لكل واحد منكم عقله الذي ينمّيه بالفكر والقراءة والشورى، وبكل ما يمكن أن يجعله عقلاً قوياً يدرك الحق من الباطل.

إن الله يريد لأمتنا أن تكون الأمة العاقلة والمفكرة والمستقلة في كل قراراتها، أما الذين يتبعون القيادات التي لا تملك العقل والفكر والإيمان، فهم كالأغنام يجرّها صاحبها إلى المذبح، لأنَّ القيادات الجاهلة وغير العاقلة إنما تقود أتباعها إلى مذبح العقاب ونار جهنم.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، فماذا هناك؟          

حصار وحشي ينتهك أوهن قوانين حقوق الإنسان

في المشهد الصُّهيوني، يطمئنُّ العدو إلى صمت العرب وسكوتهم وتواطئهم، فيواصل غاراته على غزة حاصداً المزيد من الشهداء، متهماً فصائل الانتفاضة بخرق التهدئة، وهو الذي لم يكف عن القتل والاغتيال والاعتقال في الضفة الغربية وغزة على مدى الأسبوعين الأخيرين.

وإلى جانب ذلك، يتواصل الحصار الهمجيّ الوحشيّ لغزّة في عمليَّة عقاب جماعي لا تقرها أوهن القوانين، ولكنَّ عذابات ومعاناة ما يزيد على مليون ونصف مليون فلسطيني لا تساوي شيئاً في حسابات السياسة العالمية، ولا في قرارات الاتّحاد الأوروبي والدول الغربية التي لا ترفع شعار حقوق الإنسان إلا عند سقوط أول صاروخ من صواريخ الانتفاضة المصنّعة يدوياً على مقربة من مستوطنة سديروت الصهيونية، والتي أصبحت حائط مبكى جديداً يحج إليه كل مسؤول غربي عند زيارته الكيان الغاصب.

أمّا العرب العاربة والمستعربة، فهم في صمتهم المعهود، حيث تشارك دولتهم الكبرى في حصار الشَّعب الفلسطيني، وترفض حكم المحكمة المصرية بوقف إمدادات الغاز لإسرائيل. أمّا الجامعة العربية، فهي في سباتها العميق، والكلّ في شغل فاكهون، يستمعون إلى كلمة بيريز التي امتنع فيها عن إعلان الموافقة على المبادرة العربية، فأعطى العرب مزيداً من الكلام الاستهلاكي الفارغ، ومزيداً من النفاق والخداع، وتركهم حيارى في ساحة تفاوضٍ فارغٍ يستمر من جيل إلى جيل.

وتبقى الساحة الفلسطينية محكومةً لأكثر من خطّةٍ أمريكيَّة إسرائيلية عربية، لإبقاء الأوضاع العامة خاضعةً للألاعيب السياسية التي يُراد فرضها على الشعب الفلسطيني كي يعترف بإسرائيل كدولة شرعية دون شروط، كما اعترفت بها بعض الدول العربية سواءٌ في شكلٍ مباشر أو غير مباشر، من دون أن يتعرَّف العالم إلى حدود هذه الدولة التي ترفض الانسحاب إلى حدود الـ67، بل إنّها تزحف إلى الضفَّة الغربية لتضمّ المستوطنات إلى كيانها، وإلى القدس الشرقية التي تخطط لتهويدها انطلاقاً من الخطة التاريخية للدولة اليهودية في ضمّ أكبر مساحة من الأرض إليها، كما صرَّح بعض مسؤوليها.

مشكلة العرب إيران لا إسرائيل

إنَّ إسرائيل لم تعد مشكلةً للعرب كدولةٍ مفروضة على المنطقة في فصل مواقعها بعضها عن بعض، لأنها أصبحت بفعل الاستراتيجية الأمريكية والأوروبية والعربية وأكثر دول العالم، أمراً واقعاً لا مجال لإنكاره، بالرغم من أنها لم تحدِّد حدودها حتى الآن.

أما المشكلة التي أصبحت تشغل العالم العربي والغربي فهي إيران، التي تحوَّلت في الإعلام التهويلي إلى دولةٍ تمثِّل الخطر على العرب، ولا سيّما دول الخليج، من خلال مشروعها النووي الذي تؤكد إيران أنه مشروع سلمي لا يستهدف صنع القنبلة الذرية، ولكنهم لا يقبلون منها ذلك، لأنَّ أمريكا لا تسمح لهم بالتدقيق في هذه المسألة، بينما لا تمثِّل الترسانة النووية الإسرائيلية الهائلة أية مشكلة، ذلك أن إسرائيل لا تزال ـ بحسب زعم الغرب ـ دولةً تواجه الخطر في المنطقة، مع أن الجميع يعرفون أنها هي التي تمثل الخطر على المنطقة، من خلال تاريخها العدواني وواقعها الوحشي، واحتلالها المستمر لأراضي أكثر من دولة عربية.

العراق: الاتفاقية الأمنية إبقاء للاحتلال واستمرار للفوضى

وفي جانب آخر، يستعدُّ المسؤولون العراقيون والأمريكيون للتوقيع على الاتفاقية الأمنية التي أُعطيت صفة مشروع الانسحاب الأميركي من العراق بعد ثلاث سنوات، ما يجعل من المسألة شرعنةً للاحتلال وإدامته لثلاث سنوات أخرى. ونحن نلاحظ كيف خطَّطت الإدارة الأميركية لاحتلال العراق واستخدامه جسراً للعبور إلى عمق المنطقة العربية والإسلامية، ومصادرة ثرواته، وابتزاز الدول الصناعية التي هي بحاجة إلى النّفط والطَّاقة، كالصِّين واليابان وأوروبا. ولكن أمريكا التي استفادت من طاغية العراق حتى انتهت مهمته، عاشت الفشل الذريع في احتلالها بفعل المقاومة العراقية، ورفض الشَّعب العراقي لهذا الاحتلال، وإصراره على إخراجه من الأرض العراقية من دون أن يحقِّق أهدافه ومطامعه.

إنَّنا ندرك جيِّداً أنَّ السلطات العراقيَّة قد وُضعت بين خيارين كلاهما مرّ؛ بين أن تمتدَّ الفوضى في العراق، أو يمتدّ الاحتلال، ولكنَّنا نقول للعراقيين: حذارِ من أن يعمل الاحتلال للاستمرار حتى لثلاث سنوات أخرى، فتستمرُّ معه الفوضى، وتسقط السيادة، ويذهب الاستقلال فريسةً للقوى الطامعة بالانفصال، وللجهات التي لا تفرّق بين شعبها والاحتلال، وللأوضاع الداخلية المعقَّدة التي يُعرب الاحتلال في هذه الأيام عن نيته الاستفادة منها، عندما يتحدث رئيس أركان الجيش الأميركي عن أن الانسحاب من العراق مرتبط "بعدد من العوامل" وبالوضع على الأرض.

إنَّنا ندعو العراقيين إلى وحدة الموقف في الإصرار على إخراج المحتلّ دونما قيدٍ أو شرط، وإلى صون الوحدة الداخليَّة ومنع الاختراقات السياسيَّة أو الأمنية لصفوفهم الداخلية، لأن الاحتلال سوف يواصل سعيه للاستفادة من هذه الاختراقات والاهتزازات، ليبقى جاثماً على أرض العراق، وليهدد استقراره واستقرار المنطقة كلّها.

لبنان: ملعب اللاّعبين السياسيّين داخلياً وخارجياً

أمّا لبنان، فبات في هذه الأيام محطةً من محطات المسؤولين الأوروبيين الذين لا يستحي بعضهم وهو يتحدث عن المقاومة ليصفها بالإرهابية، ويذهب إلى الكيان الإرهابي الذي ساهمت بلاده في إنشائه ودعمه وتقويته ليزور مستعمرة سديروت ويتحسّر على سقوط قذائف فلسطينية من صنع يدوي عليها، من دون أن يشير إلى الإرهاب الإسرائيلي الوحشي في حصار غزة وتجويع أهلها وقتل شبابها وشيبتها.

إنّنا نريد للبنانيين أن يتطلّعوا إلى قضاياهم من منظار مصالحهم الوطنية والعربية والإسلامية، لا من خلال ما يرسمه هؤلاء الزوّار الذين لا يتطلّعون إلى مصالح لبنان إلاّ من زاوية الأمن الإسرائيلي والمصلحة الإسرائيلية، ومن منظار مصالحهم الخاصة.

إننا نتطلّع إلى لبنان الّذي يتحرك القائمون على شؤونه بعيداً من الوحول الطائفية والمذهبية والحزبية والشخصانية، ولا يتحرّكون للحصول على امتيازات مستقبلية جديدة بعد استهلاكهم الامتيازات الماضية، ولكن الواقع يشير إلى استغراقهم في حسابات الأكثرية والأقلية في الانتخابات القادمة، وتسابقهم في الملعب السياسي، لتتحرك أقدامهم في لعبة الكرة التي تتمثّل بالوطن الذي يطلقه هذا الفريق ليسجّل نقطةً في المرمى ضد الفريق الآخر، وليبقى البلد ملعباً للاعبين في الداخل والخارج، ولينتظر الفقراء والمحرومون والجائعون المال السياسي الذي قد يحقق لهم الحصول على بعض حاجاتهم الغذائية وأقساطهم المدرسية.

ويبقى الجدل الذي يسمَّى الحوار الوطني ليثير مشكلةً هنا ومشكلةً هناك، ويعود الأمن هاجساً في الواقع السياسي الإرهابي، وفي حركة اللصوص والمجرمين، وتظل الاستراتيجيّة الدفاعيّة في التجاذبات المعقَّدة التي تصل رسائلها إلى العدوّ، في الوقت الذي يعرف الجميع أن مسألة استراتيجية الدفاع لا بدّ من أن تبحث في المواقع المغلقة الّتي لا يطلع عليها إلاّ الذين يتحمَّلون مسؤولية حماية البلد... ولكنّ لبنان يبقى في دائرة الضوء بكلّ أسراره وكل أوضاعه وكل قضاياه، لتستفيد مختلف أجهزة الاستخبارات من كل هذه المعلومات التي قد يستخدمها الأعداء لإسقاط الوطن كلّه والشعب كلّه.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير