لنيل رضوان الله وجنته التقرّب إلى الله بالقول والعمل الصالح

لنيل رضوان الله وجنته التقرّب إلى الله بالقول والعمل الصالح

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة لسماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله

ألقى سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

لنيل رضوان الله وجنته

التقرّب إلى الله بالقول والعمل الصالح

التّقرّب إلى الله بالعقل

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {والسابقون السابقون* أولئك المقرّبون} [الواقعة:10-11].

إنّ أقصى ما يمكن أن يطمح إليه الإنسان المؤمن في هذه الدنيا، هو أن يكون القريب من الله، لا قرب المكان، لأنّ الله لا يحويه مكان ولا زمان، ولكن قرب العمل والعبودية والمحبة له سبحانه وتعالى.

وقد وردت الأحاديث عن رسول الله(ص) وعن الأئمة من أهل البيت(ع) عمّا يقرّب الإنسان إلى ربه، ففي وصية النبي(ص) لعليّ(ع) قال له: "يا عليّ، إذا تقرّب العباد إلى خالقهم بالبر، فتقرّب إليه بالعقل تسبقهم"، فكأن الرسول(ص) يريد أن يقول له: إن الناس يتقرّبون إلى الله بأعمال الخير فيما يحتاجه الناس في كل أمورهم، ولكن الأساس الذي يتقرب به العبد إلى الله هو العقل، لأن العقل هو الذي يعرف به الله، فالله يُدرك بالعقل لا بالحسّ، والعقل هو الذي يثقّف الإنسان ويمنحه القدرة على تمييز الحق من الباطل، والخير من الشر، والعدل من الظلم، وهو الذي يوجّه الإنسان إلى طاعة الله التي تنجيه من عذاب يوم القيامة، ويبعده عن معصية الله التي تقوده إلى غضبه وسخطه، وقد تُدخله نار جهنم.

ففي هذا الحديث، يؤكد النبي(ص) أن على الناس أن يتقرّبوا إلى الله بأن يستخدموا عقولهم في إدراك الحقيقة، وأن يحركوها في معرفة الصلاح والفساد، لأنّ العقل يوجههم إلى كل خير، ويبعدهم عن كل ما هو شر.

مفردات التقرّب إلى الله

وفي الحديث عن الإمام عليّ(ع): "أقرب الناس من الله سبحانه أحسنهم إيماناً". فالإمام(ع) يقول للناس كافة: إذا أردتم أن تكونوا الأقرب من الله، فإن عليكم أن تقوّوا إيمانكم به وتنمّوه، لأن الإنسان كلما عرف الله أكثر في مواقع عظمته ونعمته، ارتفع بإيمانه من خلال ما يملكه من المعرفة ومن وضوح الحقيقة الإلهية عنده، وأنّ الله تعالى هو الذي لا إله إلا هو لا شريك له ولا عديل، ولا خُلف لقوله ولا تبديل.

وفي حديثٍ آخر عن الإمام عليّ(ع): "أقرب الناس إلى الله تعالى، أقولهم للحق وإن كان عليه ـ إن كنت تريد أن تكون الأقرب إلى ساحة رضى الله وقدسه، فقل الحق وإن كان على نفسك ـ وأعملهم بالحق وإن كان فيه كرهه"، فالناس الذين يعملون بالحق فيما كلّفهم الله به، حتى لو كان هذا الحق غير منسجم مع مزاجهم، هم الأقرب إلى الله.

وعن الإمام الصادق(ع)، يقول فيما أوحى الله إلى داود: "يا داود، كما أن أقرب الناس من الله المتواضعون كذلك أبعد الناس من الله المتكبّرون"، كأن الله يريد أن يقول لنبيّه داود(ع): إذا أردت أن تكون الأقرب إلى الله، فتواضع للناس في كل علاقتك بهم، وفي كل أمورك التي تتحرك فيها معهم في أوضاعك العامة والخاصة، أما إذا كنت متكبّراً كتكبّر إبليس، فإنك سوف تُبعَد عن ساحات رضى الله كما أبعد إبليس عن الجنة وعن كل مواقع رضاه.

وعن الإمام الصادق(ع)، فيما ناجى الله تبارك وتعالى به موسى(ع): "يا موسى، ما تقرّب إليّ المتقرّبون بمثل الورع عن محارمي ـ إن أقرب ما يتقرّب به الناس إلى الله، أن يتركوا ما حرّمه عليهم ـ فإني أمنحهم جنان عدني لا أُشرك معهم أحداً"، فالذين يتركون ما حرّم الله عليهم، يمنحهم سبحانه جنّته لتكون لهم، {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} [المطففين:26].

وجاء في وصية لقمان لابنه، وقد كان يوصيه بما يقرّبه من الله ويرفع من شأنه عند الناس، قال: "يا بني، أُحثّك على ست خصال ليس منها خصلة إلا وتقرّبك إلى رضوان الله عزّ وجلّ وتباعدك عن سخطه؛ الأولى: أن تعبد الله لا تشرك به شيئاً ـ لأن الشرك ظلمٌ عظيم، لا ظلم الغلبة، لأن الله لا يُغلب، ولكن ظلم الحق، لأن من حق الله على عباده أن يوحّدوه ولا يشركوا به شيئاً ـ والثانية: الرضا بقدر الله فيما أحببت أو كرهت ـ فإذا قدّر الله تعالى لك شيئاً، فعليك أن ترضى بقدر الله وقضائه، سواء أحببته أو كرهته ـوالثالثة: أن تحبّ في الله وتبغض في الله ـ لا أن تحب الناس لهوى في نفسك، بل تحبهم لأنهم يؤمنون بالله ويطيعونه ويسيرون في خط الاستقامة، وعندما تبغض، لا تبغضهم من خلال القضايا المادية، بل لأنهم يبتعدون عن مواقع رضا الله ـ والرابعة: أن تحب للناس ما تحبّ لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك ـ أن تنظر إلى الناس في كل أمورهم كما تحب أن ينظروا إليك من التعامل بالخير والإنصاف ـ والخامسة: تكظم الغيظ وتحسن إلى من أساء إليك ـ أن تكظم غيظك عندما يسيء الآخرون إليك ـ والسادسة: ترك الهوى ومخالفة الردى"، مخالفة ما يرديك ويسقطك.

وعن الإمام الكاظم(ع) قال: "مكتوب في الإنجيل: طوبى للمصلحين بين الناس، أولئك هم المقرّبون يوم القيامة".

لذلك، لا بد للإنسان من أن يعمل لما يقرّبه من الله تعالى ليحصل على رضاه، ولا شيء إلا رضاه، ليدخله جنّته ويحصل على رضوانه.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

حصار غزة: رسائل الموت في زمن السقوط العربي

من فلسطين المحتلة، يبعث العدو برسائله المميتة إلى الواقع العربي والإسلامي، في عمليات الحصار التجويعي الخانق الذي يُسقط كل عناوين حقوق الإنسان، ليقول للعرب كلهم، وللمسلمين من حولهم، إنّ عنصر الضعف فيهم هو الذي يضغط على غزة، لتكون البطن الرخو في الأمة، وموقع الاستعراض الذي يبحث العدوّ من خلاله عن إمكان العودة إلى مستوياته المعهودة في القوة الردعية التي يحاول الحصول عليها بالضغط على أفواه الأطفال، وبإقفال الأبواب في وجه عناصر الطاقة... بينما ينعم هو بالطاقة الغازية العربية، وربما بطاقات سياسية وإعلامية واستخبارية تدخل إليه من المنافذ العربية المتعددة بوسائل مختلفة.

وإلى جانب حرص العدو على انتزاع عناصر القوة من غزة في الموقف والسلاح، وتهديده بشنّ حرب تدميرية على البنية التحتية اللبنانية على خلفية سلاح المقاومة وموقفها، تنطلق من ساحاتنا الداخلية كلمات تحاكي العدو حتى في مشاعره وأحاسيسه، بانفعالية سياسية مستغربة، خصوصاً أن هؤلاء كانوا المطيّة لجملة من المشاريع الوافدة، ورأوا بأم أعينهم كيف أن الأمة أسقطت العدو ومن سار في خطه، بعدما احتضنت مشروعاً مقاوماً واحداً.

ولعلّ ما يبعث على الاستغراب أكثر، أن العدو يعرب عن قلقه من إمكانية أن يتزوّد الجيش اللبناني بدبابات أمريكية من نوع (أم60)، ويتحدث في وسائل إعلامه ـ فيما يشبه حال الرعب ـ عن التنسيق الحاصل بين الجيش والمقاومة، وعن أن المقاومة ضاعفت قوتها منذ حرب تموز من العام 2006 ثلاث مرّات، ولا يكفّ هؤلاء "اللبنانيون" عن التصويب على الهدف نفسه.

إننا نقول للعرب أولاً: إن إسرائيل هذه التي تدغدغ أحلامكم بعنوان "الاعتدال"، سوف تبذل كل الجهود لإبقائكم تحت رحمة مشاريعها وخططها الجهنمية، والتي لا تقيم فيها وزناً لأي شيء عربي أو إسلامي، ولو أمكنها أن تحاصركم جميعاً في بيوتكم وشوارعكم وساحاتكم لفعلت، وبالتالي فهي أبعد ما تكون عن تلمّس خطوات السلام معكم، لأنها تتطلع إلى السيطرة عليكم ومصادرة قراراتكم وثرواتكم، ولا تنظر إليكم إلا بعيونها العنصرية الحاقدة التي ترى في العرب حشرات وأفاعي وعناكب، كما تحدث عنهم حاخامهم الأكبر.

ونقول للبنانيين ثانياً: إن عليكم أن تعرفوا أنه في اللحظة التي تقررون أن تتنازلوا عن عناصر القوة الموجودة فيكم، وأن تنسحبوا من مسؤولياتكم في الدفاع عن أرضكم وعرضكم، وأن تسقطوا من أيديكم السلاح الذي أسقط جبروت المحتل وأذاقه ألوان الهزيمة، ستتعامل معكم إسرائيل، كما تتعامل مع غزة في هذه الأيام، وهي لن تكون ـ عندها ـ في حاجة إلى ضرب بنيتكم التحتية وتهديمها، لأنها ستمسك ـ حينئذٍ ـ بمفاتيح المياه والكهرباء والوقود، وما إلى ذلك.

ونقول للفلسطينيين ثالثاً في السلطة الفلسطينية وخارجها: إن الآلام التي تعتري شعبكم بفعل سياسة الحصار التي يديرها العدو إلى جانب شخصيات عربية وجهات دولية، ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه لولا تفرقكم وتشتتكم، ولولا نزاعاتكم التي أذهبت ريحكم وجعلتكم تتحركون أمام العالم كمزق متنافرة وأطياف متباعدة.

إننا في الوقت الذي نبكي دماً على الشعب الفلسطيني الحيّ والمعطاء والصامد، والذي يختزن في عذاباته وآلامه آلام كل المستضعفين والجائعين والمعذبين في الأرض، نناشد القيادات الفلسطينية من هنا وهناك، أن تهجر غرورها وتتطلع إلى شعبها، وتباشر عملية الحوار الداخلية قبل أن تأكل أطماعها وخلافاتها البقية الباقية من كل ما يتصل بفلسطين الشعب والقضية.

أما الجامعة العربية، فقد أصبحت اسماً يمرّ في الذاكرة الشعبية العربية من دون أن يُحرّك فيها شيئاً، لأنها لم تقتصر على كونها جامعة التناقضات العربية، بل أصبحت جامعةً للسقوط العربي المدوّي أمام العدو، وباتت تغري العدو بالعدوان أكثر، فهي لا ترد ضيماً ولا تستر عيباً.

إن ما نشاهده في فلسطين المحتلة لا يمثل تضييقاً على حركة الفلسطينيين فحسب، ولكنه تقييدٌ للحركة العربية كلها، ولا هو إقفالٌ للمعابر الفلسطينية فحسب، بل هو إقفالٌ لكل معابر الحرية في طول العالم العربي والإسلامي وعرضه، وليس هو حصارٌ لغزة وللفلسطينيين، ولكنه الحصار المضروب على الكرامة العربية والإرادة الإسلامية، وبالتالي فمن حق النسوة والأطفال والشيوخ في فلسطين أن يصرخوا بأعلى أصواتهم مردّدين: وا إسلاماه، وا عروبتاه، ومن حقنا أن نجيب: وا خجلتاه، وا كرامتاه.

العراق: ضبابية في المشهد وفوضى أمنية

أما في العراق، فليس المشهد أقل تعقيداً في مستقبل بلد يلفّه الغموض بين ما هي خطط المحتل لإدامة احتلاله مهما هدّد بالرحيل الوشيك، وما هي خطط الجهات التكفيرية التي تمعن قتلاً وتفجيراً في أجساد العراقيين من دون أن تميّز بين أطفال ونسوة وشيوخ وقوى أمن وموظفين وأساتذة جامعات، ما دامت اللافتة هي: قتال المحتل. والواقع يشير إلى أن النبض الإنساني أو الإسلامي لا يتحرك في هؤلاء الذين باتت عشوائياتهم ووحشياتهم تتحدث عن أعمالهم وفظائعهم في شوارع العراق وسككه العامرة بالمستضعفين والفقراء والأيتام والثكالى.

إننا في الوقت الذي نستشعر الخطر، كل الخطر من خطط العدو العاملة على إدامة الاحتلال من خلال الاستفادة من هذه الفوضى الأمنية التي يُقتل فيها الأبرياء من دون رحمة، نريد للعراقيين أن يلتفتوا إلى اختراقات الموساد الإسرائيلي لساحاتهم الخلفية والأمامية والوسطية، كما نريد لهم أن يعضوا على الجراح، وينطلقوا كصف واحد وبنيان مرصوص في مواجهة المحتل، وضد الذين يصنعون المجازر الوحشية في المدنيين، وأن يتحركوا في خلافاتهم السياسية بالحوار الموضوعي المسؤول، لا من خلال التعقيدات الطائفية والعرقية والحزبية، من أجل تحقيق الوحدة الوطنية التي هي الأساس في عودة العراق إلى شعبه حراً سيداً مستقلاً.

لبنان: صخب سياسي في موسم الانتخابات

أما في لبنان، فها نحن نستمع إلى مزيد من الصخب في الكلمات العشوائية التي تنطلق في الاحتفالات الشعبية، وفي العنتريات السياسية التي لا ترصد واقع الأمور وخلفياتها، ولا تستشرف المستقبل أو تتطلع إليه بعيون مفتوحة، لأن المشكلة في لبنان تكمن في هذا العقم السياسي الذي حال دون ولادة قيادات شابّة منفتحة ومسؤولة، لتبقى الدور السياسية التي تضج بالوراثة التقليدية تفرض نفسها على الأجيال اللبنانية، بذهنياتها المغلقة، وعصبياتها القاتلة، ولتدفع بالشباب اللبناني إلى التقاتل والتناحر في ساحات الجامعات، بدلاً من أن تأخذ بأيديهم إلى ساحات الحوار التي ينبغي أن تبقى مفتوحةً على أفق المحبة والرحمة والحرية التي لا حياة للبنان من دونها.

إنها الذهنيات المتقلّبة والعقليات المتخشّبة التي تستيقظ أكثر ما تستيقظ مع بدء المواسم الانتخابية، فتصنع لنفسها شرنقةً عائليةً أو مذهبيةً أو طائفيةً، وتحسب أنها تمثل البلد، وتختزل الشعب... إنه البلد الصغير الذي أنتج الكبار الكبار، ولكنه يظل رهينةً للصغار الذين تنتجهم الأوضاع المذهبية والتعقيدات السياسية والمصالح الفئوية مع كل انتخابات تأتي، وفي كل مواسم الإنتاج المحلي التي تُديرها الاستخبارات من الخارج والداخل... وكل موسم ولبنان بألف خير.

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة لسماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله

ألقى سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

لنيل رضوان الله وجنته

التقرّب إلى الله بالقول والعمل الصالح

التّقرّب إلى الله بالعقل

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {والسابقون السابقون* أولئك المقرّبون} [الواقعة:10-11].

إنّ أقصى ما يمكن أن يطمح إليه الإنسان المؤمن في هذه الدنيا، هو أن يكون القريب من الله، لا قرب المكان، لأنّ الله لا يحويه مكان ولا زمان، ولكن قرب العمل والعبودية والمحبة له سبحانه وتعالى.

وقد وردت الأحاديث عن رسول الله(ص) وعن الأئمة من أهل البيت(ع) عمّا يقرّب الإنسان إلى ربه، ففي وصية النبي(ص) لعليّ(ع) قال له: "يا عليّ، إذا تقرّب العباد إلى خالقهم بالبر، فتقرّب إليه بالعقل تسبقهم"، فكأن الرسول(ص) يريد أن يقول له: إن الناس يتقرّبون إلى الله بأعمال الخير فيما يحتاجه الناس في كل أمورهم، ولكن الأساس الذي يتقرب به العبد إلى الله هو العقل، لأن العقل هو الذي يعرف به الله، فالله يُدرك بالعقل لا بالحسّ، والعقل هو الذي يثقّف الإنسان ويمنحه القدرة على تمييز الحق من الباطل، والخير من الشر، والعدل من الظلم، وهو الذي يوجّه الإنسان إلى طاعة الله التي تنجيه من عذاب يوم القيامة، ويبعده عن معصية الله التي تقوده إلى غضبه وسخطه، وقد تُدخله نار جهنم.

ففي هذا الحديث، يؤكد النبي(ص) أن على الناس أن يتقرّبوا إلى الله بأن يستخدموا عقولهم في إدراك الحقيقة، وأن يحركوها في معرفة الصلاح والفساد، لأنّ العقل يوجههم إلى كل خير، ويبعدهم عن كل ما هو شر.

مفردات التقرّب إلى الله

وفي الحديث عن الإمام عليّ(ع): "أقرب الناس من الله سبحانه أحسنهم إيماناً". فالإمام(ع) يقول للناس كافة: إذا أردتم أن تكونوا الأقرب من الله، فإن عليكم أن تقوّوا إيمانكم به وتنمّوه، لأن الإنسان كلما عرف الله أكثر في مواقع عظمته ونعمته، ارتفع بإيمانه من خلال ما يملكه من المعرفة ومن وضوح الحقيقة الإلهية عنده، وأنّ الله تعالى هو الذي لا إله إلا هو لا شريك له ولا عديل، ولا خُلف لقوله ولا تبديل.

وفي حديثٍ آخر عن الإمام عليّ(ع): "أقرب الناس إلى الله تعالى، أقولهم للحق وإن كان عليه ـ إن كنت تريد أن تكون الأقرب إلى ساحة رضى الله وقدسه، فقل الحق وإن كان على نفسك ـ وأعملهم بالحق وإن كان فيه كرهه"، فالناس الذين يعملون بالحق فيما كلّفهم الله به، حتى لو كان هذا الحق غير منسجم مع مزاجهم، هم الأقرب إلى الله.

وعن الإمام الصادق(ع)، يقول فيما أوحى الله إلى داود: "يا داود، كما أن أقرب الناس من الله المتواضعون كذلك أبعد الناس من الله المتكبّرون"، كأن الله يريد أن يقول لنبيّه داود(ع): إذا أردت أن تكون الأقرب إلى الله، فتواضع للناس في كل علاقتك بهم، وفي كل أمورك التي تتحرك فيها معهم في أوضاعك العامة والخاصة، أما إذا كنت متكبّراً كتكبّر إبليس، فإنك سوف تُبعَد عن ساحات رضى الله كما أبعد إبليس عن الجنة وعن كل مواقع رضاه.

وعن الإمام الصادق(ع)، فيما ناجى الله تبارك وتعالى به موسى(ع): "يا موسى، ما تقرّب إليّ المتقرّبون بمثل الورع عن محارمي ـ إن أقرب ما يتقرّب به الناس إلى الله، أن يتركوا ما حرّمه عليهم ـ فإني أمنحهم جنان عدني لا أُشرك معهم أحداً"، فالذين يتركون ما حرّم الله عليهم، يمنحهم سبحانه جنّته لتكون لهم، {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون} [المطففين:26].

وجاء في وصية لقمان لابنه، وقد كان يوصيه بما يقرّبه من الله ويرفع من شأنه عند الناس، قال: "يا بني، أُحثّك على ست خصال ليس منها خصلة إلا وتقرّبك إلى رضوان الله عزّ وجلّ وتباعدك عن سخطه؛ الأولى: أن تعبد الله لا تشرك به شيئاً ـ لأن الشرك ظلمٌ عظيم، لا ظلم الغلبة، لأن الله لا يُغلب، ولكن ظلم الحق، لأن من حق الله على عباده أن يوحّدوه ولا يشركوا به شيئاً ـ والثانية: الرضا بقدر الله فيما أحببت أو كرهت ـ فإذا قدّر الله تعالى لك شيئاً، فعليك أن ترضى بقدر الله وقضائه، سواء أحببته أو كرهته ـوالثالثة: أن تحبّ في الله وتبغض في الله ـ لا أن تحب الناس لهوى في نفسك، بل تحبهم لأنهم يؤمنون بالله ويطيعونه ويسيرون في خط الاستقامة، وعندما تبغض، لا تبغضهم من خلال القضايا المادية، بل لأنهم يبتعدون عن مواقع رضا الله ـ والرابعة: أن تحب للناس ما تحبّ لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك ـ أن تنظر إلى الناس في كل أمورهم كما تحب أن ينظروا إليك من التعامل بالخير والإنصاف ـ والخامسة: تكظم الغيظ وتحسن إلى من أساء إليك ـ أن تكظم غيظك عندما يسيء الآخرون إليك ـ والسادسة: ترك الهوى ومخالفة الردى"، مخالفة ما يرديك ويسقطك.

وعن الإمام الكاظم(ع) قال: "مكتوب في الإنجيل: طوبى للمصلحين بين الناس، أولئك هم المقرّبون يوم القيامة".

لذلك، لا بد للإنسان من أن يعمل لما يقرّبه من الله تعالى ليحصل على رضاه، ولا شيء إلا رضاه، ليدخله جنّته ويحصل على رضوانه.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

حصار غزة: رسائل الموت في زمن السقوط العربي

من فلسطين المحتلة، يبعث العدو برسائله المميتة إلى الواقع العربي والإسلامي، في عمليات الحصار التجويعي الخانق الذي يُسقط كل عناوين حقوق الإنسان، ليقول للعرب كلهم، وللمسلمين من حولهم، إنّ عنصر الضعف فيهم هو الذي يضغط على غزة، لتكون البطن الرخو في الأمة، وموقع الاستعراض الذي يبحث العدوّ من خلاله عن إمكان العودة إلى مستوياته المعهودة في القوة الردعية التي يحاول الحصول عليها بالضغط على أفواه الأطفال، وبإقفال الأبواب في وجه عناصر الطاقة... بينما ينعم هو بالطاقة الغازية العربية، وربما بطاقات سياسية وإعلامية واستخبارية تدخل إليه من المنافذ العربية المتعددة بوسائل مختلفة.

وإلى جانب حرص العدو على انتزاع عناصر القوة من غزة في الموقف والسلاح، وتهديده بشنّ حرب تدميرية على البنية التحتية اللبنانية على خلفية سلاح المقاومة وموقفها، تنطلق من ساحاتنا الداخلية كلمات تحاكي العدو حتى في مشاعره وأحاسيسه، بانفعالية سياسية مستغربة، خصوصاً أن هؤلاء كانوا المطيّة لجملة من المشاريع الوافدة، ورأوا بأم أعينهم كيف أن الأمة أسقطت العدو ومن سار في خطه، بعدما احتضنت مشروعاً مقاوماً واحداً.

ولعلّ ما يبعث على الاستغراب أكثر، أن العدو يعرب عن قلقه من إمكانية أن يتزوّد الجيش اللبناني بدبابات أمريكية من نوع (أم60)، ويتحدث في وسائل إعلامه ـ فيما يشبه حال الرعب ـ عن التنسيق الحاصل بين الجيش والمقاومة، وعن أن المقاومة ضاعفت قوتها منذ حرب تموز من العام 2006 ثلاث مرّات، ولا يكفّ هؤلاء "اللبنانيون" عن التصويب على الهدف نفسه.

إننا نقول للعرب أولاً: إن إسرائيل هذه التي تدغدغ أحلامكم بعنوان "الاعتدال"، سوف تبذل كل الجهود لإبقائكم تحت رحمة مشاريعها وخططها الجهنمية، والتي لا تقيم فيها وزناً لأي شيء عربي أو إسلامي، ولو أمكنها أن تحاصركم جميعاً في بيوتكم وشوارعكم وساحاتكم لفعلت، وبالتالي فهي أبعد ما تكون عن تلمّس خطوات السلام معكم، لأنها تتطلع إلى السيطرة عليكم ومصادرة قراراتكم وثرواتكم، ولا تنظر إليكم إلا بعيونها العنصرية الحاقدة التي ترى في العرب حشرات وأفاعي وعناكب، كما تحدث عنهم حاخامهم الأكبر.

ونقول للبنانيين ثانياً: إن عليكم أن تعرفوا أنه في اللحظة التي تقررون أن تتنازلوا عن عناصر القوة الموجودة فيكم، وأن تنسحبوا من مسؤولياتكم في الدفاع عن أرضكم وعرضكم، وأن تسقطوا من أيديكم السلاح الذي أسقط جبروت المحتل وأذاقه ألوان الهزيمة، ستتعامل معكم إسرائيل، كما تتعامل مع غزة في هذه الأيام، وهي لن تكون ـ عندها ـ في حاجة إلى ضرب بنيتكم التحتية وتهديمها، لأنها ستمسك ـ حينئذٍ ـ بمفاتيح المياه والكهرباء والوقود، وما إلى ذلك.

ونقول للفلسطينيين ثالثاً في السلطة الفلسطينية وخارجها: إن الآلام التي تعتري شعبكم بفعل سياسة الحصار التي يديرها العدو إلى جانب شخصيات عربية وجهات دولية، ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه لولا تفرقكم وتشتتكم، ولولا نزاعاتكم التي أذهبت ريحكم وجعلتكم تتحركون أمام العالم كمزق متنافرة وأطياف متباعدة.

إننا في الوقت الذي نبكي دماً على الشعب الفلسطيني الحيّ والمعطاء والصامد، والذي يختزن في عذاباته وآلامه آلام كل المستضعفين والجائعين والمعذبين في الأرض، نناشد القيادات الفلسطينية من هنا وهناك، أن تهجر غرورها وتتطلع إلى شعبها، وتباشر عملية الحوار الداخلية قبل أن تأكل أطماعها وخلافاتها البقية الباقية من كل ما يتصل بفلسطين الشعب والقضية.

أما الجامعة العربية، فقد أصبحت اسماً يمرّ في الذاكرة الشعبية العربية من دون أن يُحرّك فيها شيئاً، لأنها لم تقتصر على كونها جامعة التناقضات العربية، بل أصبحت جامعةً للسقوط العربي المدوّي أمام العدو، وباتت تغري العدو بالعدوان أكثر، فهي لا ترد ضيماً ولا تستر عيباً.

إن ما نشاهده في فلسطين المحتلة لا يمثل تضييقاً على حركة الفلسطينيين فحسب، ولكنه تقييدٌ للحركة العربية كلها، ولا هو إقفالٌ للمعابر الفلسطينية فحسب، بل هو إقفالٌ لكل معابر الحرية في طول العالم العربي والإسلامي وعرضه، وليس هو حصارٌ لغزة وللفلسطينيين، ولكنه الحصار المضروب على الكرامة العربية والإرادة الإسلامية، وبالتالي فمن حق النسوة والأطفال والشيوخ في فلسطين أن يصرخوا بأعلى أصواتهم مردّدين: وا إسلاماه، وا عروبتاه، ومن حقنا أن نجيب: وا خجلتاه، وا كرامتاه.

العراق: ضبابية في المشهد وفوضى أمنية

أما في العراق، فليس المشهد أقل تعقيداً في مستقبل بلد يلفّه الغموض بين ما هي خطط المحتل لإدامة احتلاله مهما هدّد بالرحيل الوشيك، وما هي خطط الجهات التكفيرية التي تمعن قتلاً وتفجيراً في أجساد العراقيين من دون أن تميّز بين أطفال ونسوة وشيوخ وقوى أمن وموظفين وأساتذة جامعات، ما دامت اللافتة هي: قتال المحتل. والواقع يشير إلى أن النبض الإنساني أو الإسلامي لا يتحرك في هؤلاء الذين باتت عشوائياتهم ووحشياتهم تتحدث عن أعمالهم وفظائعهم في شوارع العراق وسككه العامرة بالمستضعفين والفقراء والأيتام والثكالى.

إننا في الوقت الذي نستشعر الخطر، كل الخطر من خطط العدو العاملة على إدامة الاحتلال من خلال الاستفادة من هذه الفوضى الأمنية التي يُقتل فيها الأبرياء من دون رحمة، نريد للعراقيين أن يلتفتوا إلى اختراقات الموساد الإسرائيلي لساحاتهم الخلفية والأمامية والوسطية، كما نريد لهم أن يعضوا على الجراح، وينطلقوا كصف واحد وبنيان مرصوص في مواجهة المحتل، وضد الذين يصنعون المجازر الوحشية في المدنيين، وأن يتحركوا في خلافاتهم السياسية بالحوار الموضوعي المسؤول، لا من خلال التعقيدات الطائفية والعرقية والحزبية، من أجل تحقيق الوحدة الوطنية التي هي الأساس في عودة العراق إلى شعبه حراً سيداً مستقلاً.

لبنان: صخب سياسي في موسم الانتخابات

أما في لبنان، فها نحن نستمع إلى مزيد من الصخب في الكلمات العشوائية التي تنطلق في الاحتفالات الشعبية، وفي العنتريات السياسية التي لا ترصد واقع الأمور وخلفياتها، ولا تستشرف المستقبل أو تتطلع إليه بعيون مفتوحة، لأن المشكلة في لبنان تكمن في هذا العقم السياسي الذي حال دون ولادة قيادات شابّة منفتحة ومسؤولة، لتبقى الدور السياسية التي تضج بالوراثة التقليدية تفرض نفسها على الأجيال اللبنانية، بذهنياتها المغلقة، وعصبياتها القاتلة، ولتدفع بالشباب اللبناني إلى التقاتل والتناحر في ساحات الجامعات، بدلاً من أن تأخذ بأيديهم إلى ساحات الحوار التي ينبغي أن تبقى مفتوحةً على أفق المحبة والرحمة والحرية التي لا حياة للبنان من دونها.

إنها الذهنيات المتقلّبة والعقليات المتخشّبة التي تستيقظ أكثر ما تستيقظ مع بدء المواسم الانتخابية، فتصنع لنفسها شرنقةً عائليةً أو مذهبيةً أو طائفيةً، وتحسب أنها تمثل البلد، وتختزل الشعب... إنه البلد الصغير الذي أنتج الكبار الكبار، ولكنه يظل رهينةً للصغار الذين تنتجهم الأوضاع المذهبية والتعقيدات السياسية والمصالح الفئوية مع كل انتخابات تأتي، وفي كل مواسم الإنتاج المحلي التي تُديرها الاستخبارات من الخارج والداخل... وكل موسم ولبنان بألف خير.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير