النظام الأخلاقي في الإسلام ينهى عن الفحش والبذاء في الكلام

النظام الأخلاقي في الإسلام ينهى عن الفحش والبذاء في الكلام
ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته: 

الشهادة والقصاص

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً ولا تقبلوا لهم شهادةً أبداً وأولئك هم الفاسقون* إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} (النور:4-5).

من بين الخطوط الأخلاقية في احترام الإنسان، ولاسيما المرأة، أنه لا يجوز لأي إنسان أن يرمي امرأة محصنة بالزنا، بأن ينسب إليها ذلك، لأن الله سبحانه وتعالى لا يجيز لأي إنسان أن يتحدث بالسوء عن أحد، ولاسيما إذا كان الحديث في مستوى الزنا، إلا بحجّة شرعية يقدمها أمام القاضي، ويختص الاتهام بالزنا عن بقية المحرمّات الشرعية، بأنه لا بد من أن يقدّم المتهِم أربعة شهداء عدول، بحيث يشهدون بأنهم رأوا وشاهدوا العملية الجنسية بتفاصيلها، وأن يكون الأربعة متضامنين، فلا يتراجع أحد منهم عن شهادته، عند ذلك تثبت التهمة.

أما ما يحدث من بعض الناس الذين قد يعيشون العداوات والخلافات فيما بينهم، فيتهم أحدهم الآخر بأن أمه زانية أو أن زوجته زانية، من دون أن يؤكد ذلك بالطرق الشرعية والبيّنة الواضحة، فهو ممّا لا يجوز، فلا يجوز أن يقول للآخر: يابن الزانية، أو يقول له: زوجتك زانية، حتى لو فرضنا أن الزوجة كانت على علاقة بشخص، ولكن هذه العلاقة لم يثبت أنها علاقة زنا، فلا يجوز للإنسان أن يتهمها بذلك. والقرآن الكريم يؤكد مسألة الاقتصاص من هذا الشخص بقوله تعالى:{والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} عدول، يشهدون بأنهم رأوا العملية الجنسية بكل تفاصيلها، فحكمهم الجلد، ويفسّقون، بحيث لا تُقبل لهم شهادة أبداً.

وفي بعض الحالات الاجتماعية، عندما يختلف اثنان، قي يرمي أحدهم الآخر بأن أمه زانية، أو يرمي شخصٌ زوجته أو أخته بالزنا، كما في قضايا ما يسمى بجرائم الشرف، فقد تطرأ لأحدهم شبهة على أخته أو ابنته، فيبادر إلى قتلها، فهذا أمر غير جائز، وقد بينّا مراراً أن من يقوم بجرائم الشرف، فيقتل أخته أو ابنته أو زوجته لمجرّد اتهامها بالزنا، أو لأن بعض الناس يتكلمون عنها بذلك، فهو قاتل وحكمه القتل، كما يقتل أي قاتل!

وفي هذا المجال، ورد أنّ شخصاً سأل النبي(ص) ما معناه:أني لو وجدت زوجتي مع شخص في الفراش، فهل يجوز لي أن أقتلها؟ فقال له النبي(ص): أين الأربعة شهود؟. بمعنى أنه لا يجوز لك أن تمارس الحد شرعي إلا إذا أتيت بأربعة شهود يشهدون عليهما بالزنا.وأيضاً لا بدّ لكل الذين يعيشون الخلافات فيما بينهم بشكل سلبي، وخصوصاً عندما تصل الأمور بينهم إلى استخدام الشتائم والكلام البذيء، لا بدّ من أن يلتفتوا إلى عدم جواز استخدام هذه الأمور فيما بينهم.

وقد حدّثتنا الروايات عن قصة حدثت مع الإمام جعفر الصادق(ع) مع بعض أصدقائه تقول: "كان لأبي عبد الله ـ جعفر الصادق(ع) ـ صديق لا يكاد يفارقه إذا ذهب مكاناً، فبينما هو يمشي معه في الحذّائين، ومعه غلام له سندي يمشي خلفهما، إذ التفت الرجل يريد غلامه ثلاث مرات ـ يناديه فلا يجيب ـ فلم يرد، فلما نظر في الرابعة قال: يابن الفاعلة ـ الزانية ـ أين كنت؟ قال: فرفع أبو عبد الله(ع) يده، فصكّ بها جبهة نفسه ـ ضرب جبهته ـ ثم قال: "سبحان الله، تقذف أمه، قد كنت أرى لك ورعاً، فإذا ليس لك ورع!؟ فقال: جعلت فداك، إن أمه سندية مشركة ـ أمه مجوسية، بمعنى أنه ليس هناك زواج شرعي بين أبيه وأمه ـ فقال الإمام(ع): أما علمت أن لكل أمة نكاحاً يحتجزون به عن الزنا ـ فالإسلام جعل لكل أمة شرعية في الزواج الذي يتراضون به. ثم قال الإمام(ع) لهذا الرجل ـ تنحّ عني. قال: فما رأيته يمشي معه حتى فرّق الموت بينهما".

الفحش شرّ الكلام
وفي هذا المجال تُنقل حادثة أخرى، ففي رواية عن الإمام جعفر الصادق(ع) يقول: "إن رجلاً كان في بني إسرائيل قد دعا الله أن يرزقه غلاماً، يدعو ثلاث سنين، فلما رأى أن الله لا يجيبه، قال يا ربِّ: أبعيد أنا منك فلا تسمع مني، أم قريب أنت فلا تجيبني؟ فأتاه آت في منامه، فقال له: إنك تدعو الله بلسان بذيّ، وقلبٍ غلق غير نقي، وبنية غير صادقة، فأقلع عن بذائك، وليتّقِ الله قلبك، ولتحسُن نيتك، قال: ففعل الرجل ذلك، فدعا الله عزّ وجل فولد له غلام".

ونفهم من هذا، أنّ من بين الأمور التي تمنع من استجابة الدعاء، أن يكون اللسان بذيئاً، فالله سبحانه وتعالى حين يقول لنا:{ادعوني أستجب لكم} (غافر:60)، فينبغي أن يكون ذلك بلسانٍ طاهر ونظيف يمكن أن يرتفع الدعاء من خلاله إلى الله سبحانه وتعالى.

وهكذا نرى كيف كان الإمام الصادق(ع) يحاسب أصحابه على ذلك: فعن سماعة ـ وهو أحد أصحاب الإمام الصادق(ع) ـ قال: "دخلت على أبي عبد الله(ع)، فقال لي مبتدئاً: يا سماعة، ما هذا الذي كان بينك وبين جمّالك؟ ـ كنت تشتمه وتلعنه وتتكلم كلاماً قاسياً معه ـ إياك أن تكون فحّاشاً ـ توجّه فحش القول إلى الناس الآخرين ـ أو صخّاباً ـ سليط اللسان ـ أو لعّاناً. فقلت: والله لقد كان ذلك إنه ظلمني، فقال(ع): إن كان ظلمك لقد أربيت عليه ـ زدت عليه في الظلم، فالإنسان له الحق في أن يرد الظلم عن نفسه، لا أن يظلم من ظلمه أكثر منه،{فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} (البقرة:194) {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} (النحل:126). ثم قال له ـ إن هذا ليس من فعالي، ولا آمر به شيعتي. استغفر ربك ولا تعد. قلت أستغفر الله ولا أعود".

إذاً، لا يجوز للإنسان أن يخاطب الناس بالفحش وبالكلام البذيء، وقد ورد عن الإمام الباقر(ع): "إن الله يبغض الفاحش والمتفحّش" الذي يتعمّد ذلك.

وأيضاً عن رسول الله(ص): "إن من شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه".

وعن الصادق(ع): "البذاء من الجفاء، والجفاء في النار".

وعن رسول الله(ص): "إن الله حرّم الجنة على كل فحّاش بذيء قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل له".

وقد ورد أيضاً في الحديث: أن النبي(ص) كان جالساً مع زوجته (عائشة)، فقال له يهودي: السام عليك، وكان يريد أن يستهزىء بالنبي(ص) موحياً إليه بأنه يسلّم عليه، ولكن النبي(ص) رد عليه وقال: وعليك. هنا غضبت عائشة، وبدأت تسبّ هذا اليهودي وتلعنه، كيف يتجرأ على النبي، فقال النبي(ص): "يا عائشة، إن الفحش لو كان ممثّلاً لكان مثال سوء ـ فليس من الضروري أن تتكلمي عنه بهذه الطريقة من الفحشاء ـ إن الرفق لم يوضع على شيء قط إلا زانه ـ أي الأسلوب الليِّن الهيِّن ـ ولم يرفع عنه قط إلا شانه".

من خلال ذلك كله، علينا كمسلمين، أن نلتزم بالنظام الأخلاقي الإسلامي في مخاطبتنا الناس الآخرين، فلا نفحش في القول معهم، ولا نسبّهم، فالله سبحانه وتعالى يقول: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينـزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبيناً} (الإسراء:53).



الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا الموقف من خلال مسؤوليتكم عن الإسلام والمسلمين، فإن الله سبحانه وتعالى أراد للمسلمين أن يكونوا في موقع الوحدة التي تواجه العدو من موقع واحد، وتقف من أجل أن تحقق للمسلمين عزّتهم وقوتهم وحريتهم... فماذا هناك؟:

أين العرب في قضية غزّة؟

هل هناك عالم عربي يحترم نفسه ويتحمل مسؤوليته عن الشعب الفلسطيني الذي مضى على احتلاله من قبل اليهود بمعاونة دول الغرب ستين سنة، وما زال يفرض عليه الحصار الغذائي والتمويني والطبي، كما حدث لدى قطع الإمدادات الطبية عن مستشفيات غزة، إضافة إلى القصف الهمجي الذي يستهدف كل حي فيها، من دون تمييز بين الرجال والنساء والأطفال، أو بين البيوت والمقرات الرسمية وأكواخ البؤساء والعاطلين عن العمل المعاقبين من سلطتهم ومن السلطات الشقيقة والصديقة، المحرومين وأطفالهم من الدفء في هذا الشتاء القارس، والممنوعين من مغادرة القطاع حتى للاستشفاء أو الدراسة أو البحث عن الرزق؟!

إن العالم يفرض على غزة الموت بصمت، فلا يسمح لها بالصراخ، ولا بالاحتجاج، لئلا تقلق الغرب الذي لا يرى أن للإنسان العربي حقوقاً، بل هي لليهود وحدهم، ولئلا تزعج المسؤولين العرب الذين يستقبلون بين وقت وآخر مسؤولاً يهودياً من دون أن يحاسبوه على إبادة الشعب الفلسطيني، بل يقدمون له المواقف التي تستعطفه للقبول بالسلام بشروطه المهينة المذلّة!

لقد ذهب العرب في لهاث حماسي إلى أمريكا لحضور مؤتمر "أنابوليس"، لأن الإدارة الأمريكية فرضت عليهم ذلك، من دون أن يحصلوا على شيء قد يساهم في حل المشكلة الفلسطينية على مستوى الحلول النهائية، بل إنها شرطت عليهم الدخول في حرب داخلية لإنهاء الانتفاضة وقتال المجاهدين وتصفية السلاح الفلسطيني. وقد أعلنت الإدارة الأمريكية أنها تتفهَّم حرب الإبادة وحركة الحصار والتخطيط لموت الفلسطينيين أطفالاً ونساءً وشيوخاً، بحجة أن إسرائيل في حال دفاع عن النفس.

أمريكا: سياسة التخويف من إيران
إن أمريكا، ومعها مسؤولو العدو، تزعم أن المشكلة هي في الصواريخ الفلسطينية التي تطلق على المستوطنات الإسرائيلية، الأمر الذي يجعل هذا العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني ردّ فعل لما يسمونه عدوان الانتفاضة، ولكن الإسرائيليين لم يلتزموا بالامتناع عن الاغتيالات والاجتياحات والاعتقالات والتدمير للمدنيين مما يقومون به في الضفة وغزة، لأن المطلوب أن لا يدافع الفلسطينيون عن أنفسهم، وهذا ما تمثل في زيارة الرئيس الأمريكي الذي لم يطلب من اليهود الانسحاب من الأرض المحتلة، لأنه لا يعترف بالاحتلال لهذه الأرض، بل يعتبرها أرضاً متنازعاً عليها، ولأنه يترك الحرية لليهود في تحصين كيانهم ضد الوجود العربي، ويخدع العرب بالحديث عن الدولة الفلسطينية التي يعرف أنها ليست قابلةً للحياة بالشروط الإسرائيلية التي مزقت الأرض الفلسطينية كل ممزّق.

ويبقى السؤال: هل هناك عالم عربي يتحمل مسؤوليته عن الأوضاع العربية المقهورة، أو أن هؤلاء الناس الذين يحكمون شعوبهم لا يزالون يلهثون وراء الراعي الأمريكي الذي يتجول في بلدانهم ليعقد الصفقات العسكرية التي لا تحقق للعرب أية قوة، بل تدعم الاقتصاد الأمريكي ومصانع السلاح؟ وإلى جانب ذلك، تستمر حركة التطبيع العربية مع إسرائيل، بينما يستمر السعي لتكون إيران هي العدو، لأنها في موقع العداوة لأمريكا وإسرائيل.

وإلى جانب السعي لفرض عقوبات عليها، لا يزال الرئيس الأمريكي يتابع اتهامه للجمهورية الإسلامية في إيران بتخطيطها لصنع القنبلة النووية التي يزعم أنها تهدد استقرار العالم بما يضحك الثكلى، في الوقت الذي تملك أمريكا آلاف الأسلحة النووية، فيما تملك إسرائيل أكثر من مائتي رأس نووي. وذلك إضافةً إلى دول الغرب التي تتحرك بالسلاح النووي بأعداد كبيرة. ومن الطريف أن الرئيس الأمريكي في جولته العربية، كان يحذر الدول الخليجية من الخطر الإيراني، ولم ينطلق أحد من المسؤولين هناك لتذكيره بتقرير أجهزة الاستخبارات الأمريكية الذي أكدت فيه امتناع إيران عن صنع السلاح النووي منذ أكثر من خمس سنوات، وتقرير وكالة الطاقة النووية الذي أفاد أن إيران قد أوضحت في أجوبتها عن الأسئلة الموجهة إليها، ما من شأنه أن يُبعد الاتهام الدولي الأوروبي الخاضع لأمريكا، التي تطلب من الأوروبيين المشاركة في العقوبات الاقتصادية التي يراد فرضها على إيران للضغط عليها لإيقاف التخصيب...

إن أمريكا، ومعها إسرائيل، تريد إقحام العرب في حرب لا مصلحة لهم فيها، ودفعهم نحو مشاكل كبرى قد تصل إلى تدمير المنطقة، بينما يمثل السلام المعروض عليهم من إيران، القوة والتقدم والرخاء والانفتاح الاقتصادي الذي يحقِّق الخير للجميع.

لبنان: تعطيل الحوار وفوضى أمنية
أما لبنان، فقد أصيبت المبادرة العربية بشأنه بالشَّلل السياسي الذي عطّل أكثر من حلّ، وخصوصاً أن بعض العرب الذين وقَّعوا على المبادرة، التزموا خط السياسة الأمريكية التي لا تزال تعلب بالمصير اللبناني تحت تأثير عناوين معينة تجتذب فيها مشاعر اللبنانيين في شكل يثير الشك في سذاجة نظرتهم إلى الأمور، ويعطل الحوار الموضوعي الهادف الذي يمكن أن يصل إلى نتيجة إيجابية في حال أخلص النادي السياسي للوطن. ولعل ما يلفت النظر، أن التصريحات المتنقلة من موقع إلى موقع، لا تراعي الدقة في المفردات التي تنطلق من هذا الفريق أو ذاك.

هذا إضافةً إلى أسلوب السباب السياسي، والسعي إلى خلق ظروف معقدة تساهم في تحريك المسألة المذهبية والطائفية، ما قد يجعل المسألة منفتحة على المتاهات السحيقة الضائعة التي تجعل الوطن كله في قبضة الأزمة المعقدة في المنطقة لحساب الإدارة الأمريكية.

ويبقى البلد في قبضة الجوع والحرمان، وفي أجواء الظلام الذي يواجه شعبه ويجتاح أوضاعه في خدماته الحيوية، ويخدّر حركته الوطنية، ويصادر وعيه السياسي، ليظل يلاحق هذا الرمز الطائفي أو المذهبي أو السياسي، من دون أن يفكر جيداً في المضمون الصادر عنه، ما قد يضاعف من الأزمة ويزيدها تعقيداً...

إن المشكلة في هذا البلد، تتمثل أيضاً بهذا الخضوع للمقدسات الطائفية للذين لا قداسة لهم، وتقديمهم كأشخاص يملكون العصمة في الفكر، ومن الخطورة أن بعض المواقع الدينية وأتباعها، يعملون على أساس تقديس الرموز المذهبية، في عملية ترويج للطائفة والمذهب، بعيداً عن أية قاعدة وطنية تعالج مشاكل الناس في وطنهم الصغير.

إننا نهيب بالشعب اللبناني الذي يحترم عقله ومستقبله، أن يتابع كل ما يصدر من الشخصيات السياسية والدينية، وأن يدرس المضمون السياسي الذي تطرحه في الساحة تحت تأثير خلفيات إقليمية أو دولية وطموحات شخصية وحزبية، حتى لا يسقط في تعقيدات التاريخ الذي صنعه بعض هؤلاء في الماضي، بالطريقة التي جعلت البلد يعيش في تاريخه المزيد من المآزق، والكثير من المجازر، إضافةً إلى استهلاك المال العام، وإفقاره بالديون، وتركه فريسةً للمشاكل الكبرى.

وأخيراً، إننا أمام هذه الاستباحة المتواصلة للأمن اللبناني، من خلال هذه التفجيرات الوحشية التي تطاول شخصيةً هنا وشخصيةً هناك، وتحصد المزيد من الضحايا المدنيين في طريقها، نريد للبنانيين أن يعملوا على جميع المستويات لحماية أمنهم من عبث المجرمين، ومن كلِّ الساعين لإدخال البلد في أتون الاهتزاز الأمني والسياسي الممتد عبر المنطقة كلّها، ولن يكون ذلك إلا بالعمل الدائب للوصول إلى التوافق السياسي الذي يحمي السلم الأهلي، ويقطع الطريق على كلِّ المتربصين شراً بلبنان.

ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته: 

الشهادة والقصاص

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً ولا تقبلوا لهم شهادةً أبداً وأولئك هم الفاسقون* إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} (النور:4-5).

من بين الخطوط الأخلاقية في احترام الإنسان، ولاسيما المرأة، أنه لا يجوز لأي إنسان أن يرمي امرأة محصنة بالزنا، بأن ينسب إليها ذلك، لأن الله سبحانه وتعالى لا يجيز لأي إنسان أن يتحدث بالسوء عن أحد، ولاسيما إذا كان الحديث في مستوى الزنا، إلا بحجّة شرعية يقدمها أمام القاضي، ويختص الاتهام بالزنا عن بقية المحرمّات الشرعية، بأنه لا بد من أن يقدّم المتهِم أربعة شهداء عدول، بحيث يشهدون بأنهم رأوا وشاهدوا العملية الجنسية بتفاصيلها، وأن يكون الأربعة متضامنين، فلا يتراجع أحد منهم عن شهادته، عند ذلك تثبت التهمة.

أما ما يحدث من بعض الناس الذين قد يعيشون العداوات والخلافات فيما بينهم، فيتهم أحدهم الآخر بأن أمه زانية أو أن زوجته زانية، من دون أن يؤكد ذلك بالطرق الشرعية والبيّنة الواضحة، فهو ممّا لا يجوز، فلا يجوز أن يقول للآخر: يابن الزانية، أو يقول له: زوجتك زانية، حتى لو فرضنا أن الزوجة كانت على علاقة بشخص، ولكن هذه العلاقة لم يثبت أنها علاقة زنا، فلا يجوز للإنسان أن يتهمها بذلك. والقرآن الكريم يؤكد مسألة الاقتصاص من هذا الشخص بقوله تعالى:{والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} عدول، يشهدون بأنهم رأوا العملية الجنسية بكل تفاصيلها، فحكمهم الجلد، ويفسّقون، بحيث لا تُقبل لهم شهادة أبداً.

وفي بعض الحالات الاجتماعية، عندما يختلف اثنان، قي يرمي أحدهم الآخر بأن أمه زانية، أو يرمي شخصٌ زوجته أو أخته بالزنا، كما في قضايا ما يسمى بجرائم الشرف، فقد تطرأ لأحدهم شبهة على أخته أو ابنته، فيبادر إلى قتلها، فهذا أمر غير جائز، وقد بينّا مراراً أن من يقوم بجرائم الشرف، فيقتل أخته أو ابنته أو زوجته لمجرّد اتهامها بالزنا، أو لأن بعض الناس يتكلمون عنها بذلك، فهو قاتل وحكمه القتل، كما يقتل أي قاتل!

وفي هذا المجال، ورد أنّ شخصاً سأل النبي(ص) ما معناه:أني لو وجدت زوجتي مع شخص في الفراش، فهل يجوز لي أن أقتلها؟ فقال له النبي(ص): أين الأربعة شهود؟. بمعنى أنه لا يجوز لك أن تمارس الحد شرعي إلا إذا أتيت بأربعة شهود يشهدون عليهما بالزنا.وأيضاً لا بدّ لكل الذين يعيشون الخلافات فيما بينهم بشكل سلبي، وخصوصاً عندما تصل الأمور بينهم إلى استخدام الشتائم والكلام البذيء، لا بدّ من أن يلتفتوا إلى عدم جواز استخدام هذه الأمور فيما بينهم.

وقد حدّثتنا الروايات عن قصة حدثت مع الإمام جعفر الصادق(ع) مع بعض أصدقائه تقول: "كان لأبي عبد الله ـ جعفر الصادق(ع) ـ صديق لا يكاد يفارقه إذا ذهب مكاناً، فبينما هو يمشي معه في الحذّائين، ومعه غلام له سندي يمشي خلفهما، إذ التفت الرجل يريد غلامه ثلاث مرات ـ يناديه فلا يجيب ـ فلم يرد، فلما نظر في الرابعة قال: يابن الفاعلة ـ الزانية ـ أين كنت؟ قال: فرفع أبو عبد الله(ع) يده، فصكّ بها جبهة نفسه ـ ضرب جبهته ـ ثم قال: "سبحان الله، تقذف أمه، قد كنت أرى لك ورعاً، فإذا ليس لك ورع!؟ فقال: جعلت فداك، إن أمه سندية مشركة ـ أمه مجوسية، بمعنى أنه ليس هناك زواج شرعي بين أبيه وأمه ـ فقال الإمام(ع): أما علمت أن لكل أمة نكاحاً يحتجزون به عن الزنا ـ فالإسلام جعل لكل أمة شرعية في الزواج الذي يتراضون به. ثم قال الإمام(ع) لهذا الرجل ـ تنحّ عني. قال: فما رأيته يمشي معه حتى فرّق الموت بينهما".

الفحش شرّ الكلام
وفي هذا المجال تُنقل حادثة أخرى، ففي رواية عن الإمام جعفر الصادق(ع) يقول: "إن رجلاً كان في بني إسرائيل قد دعا الله أن يرزقه غلاماً، يدعو ثلاث سنين، فلما رأى أن الله لا يجيبه، قال يا ربِّ: أبعيد أنا منك فلا تسمع مني، أم قريب أنت فلا تجيبني؟ فأتاه آت في منامه، فقال له: إنك تدعو الله بلسان بذيّ، وقلبٍ غلق غير نقي، وبنية غير صادقة، فأقلع عن بذائك، وليتّقِ الله قلبك، ولتحسُن نيتك، قال: ففعل الرجل ذلك، فدعا الله عزّ وجل فولد له غلام".

ونفهم من هذا، أنّ من بين الأمور التي تمنع من استجابة الدعاء، أن يكون اللسان بذيئاً، فالله سبحانه وتعالى حين يقول لنا:{ادعوني أستجب لكم} (غافر:60)، فينبغي أن يكون ذلك بلسانٍ طاهر ونظيف يمكن أن يرتفع الدعاء من خلاله إلى الله سبحانه وتعالى.

وهكذا نرى كيف كان الإمام الصادق(ع) يحاسب أصحابه على ذلك: فعن سماعة ـ وهو أحد أصحاب الإمام الصادق(ع) ـ قال: "دخلت على أبي عبد الله(ع)، فقال لي مبتدئاً: يا سماعة، ما هذا الذي كان بينك وبين جمّالك؟ ـ كنت تشتمه وتلعنه وتتكلم كلاماً قاسياً معه ـ إياك أن تكون فحّاشاً ـ توجّه فحش القول إلى الناس الآخرين ـ أو صخّاباً ـ سليط اللسان ـ أو لعّاناً. فقلت: والله لقد كان ذلك إنه ظلمني، فقال(ع): إن كان ظلمك لقد أربيت عليه ـ زدت عليه في الظلم، فالإنسان له الحق في أن يرد الظلم عن نفسه، لا أن يظلم من ظلمه أكثر منه،{فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} (البقرة:194) {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} (النحل:126). ثم قال له ـ إن هذا ليس من فعالي، ولا آمر به شيعتي. استغفر ربك ولا تعد. قلت أستغفر الله ولا أعود".

إذاً، لا يجوز للإنسان أن يخاطب الناس بالفحش وبالكلام البذيء، وقد ورد عن الإمام الباقر(ع): "إن الله يبغض الفاحش والمتفحّش" الذي يتعمّد ذلك.

وأيضاً عن رسول الله(ص): "إن من شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه".

وعن الصادق(ع): "البذاء من الجفاء، والجفاء في النار".

وعن رسول الله(ص): "إن الله حرّم الجنة على كل فحّاش بذيء قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل له".

وقد ورد أيضاً في الحديث: أن النبي(ص) كان جالساً مع زوجته (عائشة)، فقال له يهودي: السام عليك، وكان يريد أن يستهزىء بالنبي(ص) موحياً إليه بأنه يسلّم عليه، ولكن النبي(ص) رد عليه وقال: وعليك. هنا غضبت عائشة، وبدأت تسبّ هذا اليهودي وتلعنه، كيف يتجرأ على النبي، فقال النبي(ص): "يا عائشة، إن الفحش لو كان ممثّلاً لكان مثال سوء ـ فليس من الضروري أن تتكلمي عنه بهذه الطريقة من الفحشاء ـ إن الرفق لم يوضع على شيء قط إلا زانه ـ أي الأسلوب الليِّن الهيِّن ـ ولم يرفع عنه قط إلا شانه".

من خلال ذلك كله، علينا كمسلمين، أن نلتزم بالنظام الأخلاقي الإسلامي في مخاطبتنا الناس الآخرين، فلا نفحش في القول معهم، ولا نسبّهم، فالله سبحانه وتعالى يقول: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينـزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبيناً} (الإسراء:53).



الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا الموقف من خلال مسؤوليتكم عن الإسلام والمسلمين، فإن الله سبحانه وتعالى أراد للمسلمين أن يكونوا في موقع الوحدة التي تواجه العدو من موقع واحد، وتقف من أجل أن تحقق للمسلمين عزّتهم وقوتهم وحريتهم... فماذا هناك؟:

أين العرب في قضية غزّة؟

هل هناك عالم عربي يحترم نفسه ويتحمل مسؤوليته عن الشعب الفلسطيني الذي مضى على احتلاله من قبل اليهود بمعاونة دول الغرب ستين سنة، وما زال يفرض عليه الحصار الغذائي والتمويني والطبي، كما حدث لدى قطع الإمدادات الطبية عن مستشفيات غزة، إضافة إلى القصف الهمجي الذي يستهدف كل حي فيها، من دون تمييز بين الرجال والنساء والأطفال، أو بين البيوت والمقرات الرسمية وأكواخ البؤساء والعاطلين عن العمل المعاقبين من سلطتهم ومن السلطات الشقيقة والصديقة، المحرومين وأطفالهم من الدفء في هذا الشتاء القارس، والممنوعين من مغادرة القطاع حتى للاستشفاء أو الدراسة أو البحث عن الرزق؟!

إن العالم يفرض على غزة الموت بصمت، فلا يسمح لها بالصراخ، ولا بالاحتجاج، لئلا تقلق الغرب الذي لا يرى أن للإنسان العربي حقوقاً، بل هي لليهود وحدهم، ولئلا تزعج المسؤولين العرب الذين يستقبلون بين وقت وآخر مسؤولاً يهودياً من دون أن يحاسبوه على إبادة الشعب الفلسطيني، بل يقدمون له المواقف التي تستعطفه للقبول بالسلام بشروطه المهينة المذلّة!

لقد ذهب العرب في لهاث حماسي إلى أمريكا لحضور مؤتمر "أنابوليس"، لأن الإدارة الأمريكية فرضت عليهم ذلك، من دون أن يحصلوا على شيء قد يساهم في حل المشكلة الفلسطينية على مستوى الحلول النهائية، بل إنها شرطت عليهم الدخول في حرب داخلية لإنهاء الانتفاضة وقتال المجاهدين وتصفية السلاح الفلسطيني. وقد أعلنت الإدارة الأمريكية أنها تتفهَّم حرب الإبادة وحركة الحصار والتخطيط لموت الفلسطينيين أطفالاً ونساءً وشيوخاً، بحجة أن إسرائيل في حال دفاع عن النفس.

أمريكا: سياسة التخويف من إيران
إن أمريكا، ومعها مسؤولو العدو، تزعم أن المشكلة هي في الصواريخ الفلسطينية التي تطلق على المستوطنات الإسرائيلية، الأمر الذي يجعل هذا العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني ردّ فعل لما يسمونه عدوان الانتفاضة، ولكن الإسرائيليين لم يلتزموا بالامتناع عن الاغتيالات والاجتياحات والاعتقالات والتدمير للمدنيين مما يقومون به في الضفة وغزة، لأن المطلوب أن لا يدافع الفلسطينيون عن أنفسهم، وهذا ما تمثل في زيارة الرئيس الأمريكي الذي لم يطلب من اليهود الانسحاب من الأرض المحتلة، لأنه لا يعترف بالاحتلال لهذه الأرض، بل يعتبرها أرضاً متنازعاً عليها، ولأنه يترك الحرية لليهود في تحصين كيانهم ضد الوجود العربي، ويخدع العرب بالحديث عن الدولة الفلسطينية التي يعرف أنها ليست قابلةً للحياة بالشروط الإسرائيلية التي مزقت الأرض الفلسطينية كل ممزّق.

ويبقى السؤال: هل هناك عالم عربي يتحمل مسؤوليته عن الأوضاع العربية المقهورة، أو أن هؤلاء الناس الذين يحكمون شعوبهم لا يزالون يلهثون وراء الراعي الأمريكي الذي يتجول في بلدانهم ليعقد الصفقات العسكرية التي لا تحقق للعرب أية قوة، بل تدعم الاقتصاد الأمريكي ومصانع السلاح؟ وإلى جانب ذلك، تستمر حركة التطبيع العربية مع إسرائيل، بينما يستمر السعي لتكون إيران هي العدو، لأنها في موقع العداوة لأمريكا وإسرائيل.

وإلى جانب السعي لفرض عقوبات عليها، لا يزال الرئيس الأمريكي يتابع اتهامه للجمهورية الإسلامية في إيران بتخطيطها لصنع القنبلة النووية التي يزعم أنها تهدد استقرار العالم بما يضحك الثكلى، في الوقت الذي تملك أمريكا آلاف الأسلحة النووية، فيما تملك إسرائيل أكثر من مائتي رأس نووي. وذلك إضافةً إلى دول الغرب التي تتحرك بالسلاح النووي بأعداد كبيرة. ومن الطريف أن الرئيس الأمريكي في جولته العربية، كان يحذر الدول الخليجية من الخطر الإيراني، ولم ينطلق أحد من المسؤولين هناك لتذكيره بتقرير أجهزة الاستخبارات الأمريكية الذي أكدت فيه امتناع إيران عن صنع السلاح النووي منذ أكثر من خمس سنوات، وتقرير وكالة الطاقة النووية الذي أفاد أن إيران قد أوضحت في أجوبتها عن الأسئلة الموجهة إليها، ما من شأنه أن يُبعد الاتهام الدولي الأوروبي الخاضع لأمريكا، التي تطلب من الأوروبيين المشاركة في العقوبات الاقتصادية التي يراد فرضها على إيران للضغط عليها لإيقاف التخصيب...

إن أمريكا، ومعها إسرائيل، تريد إقحام العرب في حرب لا مصلحة لهم فيها، ودفعهم نحو مشاكل كبرى قد تصل إلى تدمير المنطقة، بينما يمثل السلام المعروض عليهم من إيران، القوة والتقدم والرخاء والانفتاح الاقتصادي الذي يحقِّق الخير للجميع.

لبنان: تعطيل الحوار وفوضى أمنية
أما لبنان، فقد أصيبت المبادرة العربية بشأنه بالشَّلل السياسي الذي عطّل أكثر من حلّ، وخصوصاً أن بعض العرب الذين وقَّعوا على المبادرة، التزموا خط السياسة الأمريكية التي لا تزال تعلب بالمصير اللبناني تحت تأثير عناوين معينة تجتذب فيها مشاعر اللبنانيين في شكل يثير الشك في سذاجة نظرتهم إلى الأمور، ويعطل الحوار الموضوعي الهادف الذي يمكن أن يصل إلى نتيجة إيجابية في حال أخلص النادي السياسي للوطن. ولعل ما يلفت النظر، أن التصريحات المتنقلة من موقع إلى موقع، لا تراعي الدقة في المفردات التي تنطلق من هذا الفريق أو ذاك.

هذا إضافةً إلى أسلوب السباب السياسي، والسعي إلى خلق ظروف معقدة تساهم في تحريك المسألة المذهبية والطائفية، ما قد يجعل المسألة منفتحة على المتاهات السحيقة الضائعة التي تجعل الوطن كله في قبضة الأزمة المعقدة في المنطقة لحساب الإدارة الأمريكية.

ويبقى البلد في قبضة الجوع والحرمان، وفي أجواء الظلام الذي يواجه شعبه ويجتاح أوضاعه في خدماته الحيوية، ويخدّر حركته الوطنية، ويصادر وعيه السياسي، ليظل يلاحق هذا الرمز الطائفي أو المذهبي أو السياسي، من دون أن يفكر جيداً في المضمون الصادر عنه، ما قد يضاعف من الأزمة ويزيدها تعقيداً...

إن المشكلة في هذا البلد، تتمثل أيضاً بهذا الخضوع للمقدسات الطائفية للذين لا قداسة لهم، وتقديمهم كأشخاص يملكون العصمة في الفكر، ومن الخطورة أن بعض المواقع الدينية وأتباعها، يعملون على أساس تقديس الرموز المذهبية، في عملية ترويج للطائفة والمذهب، بعيداً عن أية قاعدة وطنية تعالج مشاكل الناس في وطنهم الصغير.

إننا نهيب بالشعب اللبناني الذي يحترم عقله ومستقبله، أن يتابع كل ما يصدر من الشخصيات السياسية والدينية، وأن يدرس المضمون السياسي الذي تطرحه في الساحة تحت تأثير خلفيات إقليمية أو دولية وطموحات شخصية وحزبية، حتى لا يسقط في تعقيدات التاريخ الذي صنعه بعض هؤلاء في الماضي، بالطريقة التي جعلت البلد يعيش في تاريخه المزيد من المآزق، والكثير من المجازر، إضافةً إلى استهلاك المال العام، وإفقاره بالديون، وتركه فريسةً للمشاكل الكبرى.

وأخيراً، إننا أمام هذه الاستباحة المتواصلة للأمن اللبناني، من خلال هذه التفجيرات الوحشية التي تطاول شخصيةً هنا وشخصيةً هناك، وتحصد المزيد من الضحايا المدنيين في طريقها، نريد للبنانيين أن يعملوا على جميع المستويات لحماية أمنهم من عبث المجرمين، ومن كلِّ الساعين لإدخال البلد في أتون الاهتزاز الأمني والسياسي الممتد عبر المنطقة كلّها، ولن يكون ذلك إلا بالعمل الدائب للوصول إلى التوافق السياسي الذي يحمي السلم الأهلي، ويقطع الطريق على كلِّ المتربصين شراً بلبنان.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير